حبس انفرادى - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حبس انفرادى

قصة قصيرة

  نشر في 24 أكتوبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

 


متى كان السجن قضبان واسوار عالية تحجبك عما حولها.. متى كانت القيود سلاسل حديدية تقيد يديك او قدميك.. متى كانت الزنزانة جدران باردة تحبس بداخلك كل احساس بالحياة.. 

فعندما تضع نفسك داخل سجنك الخاص.. عندما تكتشف ان كل اختياراتك لم تكن الا اسوارا عالية منعتك من رؤية ما خلفها.. تدرك حينها ان كل سجون العالم اهون من سجنك هذا.. الذى تسقط امامه كل القضبان وتنهار القيود وتصبح كل الزنازين براح. 


لم اعتد يوما على كتابة مذكراتي.. ولو حاولت سابقا لما امتلأت صفحاتى الا بجملة واحدة: "اليوم خنت زوجتى" . 

نعم هذا انا وهذا هو سجنى.. انا السجين والسجان فى آن واحد.. فبالرغم من عملى كضابظ شرطة فى ادارة السجون الا اننى لم ادرك الا مؤخراً انى كنت سجينا مثلهم منذ زمن.. اخترت لنفسى قيودا كنت اظنها منتهى الحرية لكنها كانت زنزانة ضيقة منعتنى من رؤية ما خلفها.. زوجتى. 


لم تكن تلك مرتى الاولى التى استغل فيها ثقتها واطمع فى برائتها، فقد كانت النجوم المعلقة على كتفى تجذب الكثير من النساء، وتجبرهن احيانا، اما زوجتى فقد كانت تحمل من البراءة ما يجعلها تصدق كل اكاذيبى التى تبرر غيابى عنها، كانت سجينة هى الاخرى فى حبها لى، ولم تر ان خلف اسوار حبها رجل لا يستحق ملاكا مثلها، كنت بارعا فى خداعها وكانت ملاكا فى طيبتها، لكن ما حدث هذه المرة لم اتوقع ان يحدث يوما. 


كنت فى مكتبى عندما هاتفت زوجتى لاخبرها بكثير من الضيق ان اليوم سأضطر للعمل فى الوردية الليلية، صدقتنى وتمنت لى التوفيق لانها لم تعلم ان ذلك لم يكن الا كذبة جديدة اغطى بها نزوة جديدة، انهيت المكالمة ولم انتبه انى لم اغلق الخط عندما رن هاتفى الاخر، اخذتنى لهفتى لارد على تلك الفتاة لكى اخبرها بكل تفاصيل لقاءنا القادم.. التى سمعت زوجتى كل حرف منها. 


لم ار ملامح وجهها وهى تسمع المكالمة، لكن تخيلته.. رأيت عينيها متسعة فى ذهول.. رأيت شفتيها مقتضبة فى صمت.. شعرت بالرعشة التى سرت فى جسدها.. لمست دفء الدموع التى سالت على وجنتيها.. احسست بقلبها الذى اعتصر حزنا والما. 

اعلم ان عقلها رفض التصديق، فقد كانت لتشك فى نفسها ولا تكذبنى، كم هى بريئة وتثق فى شخص لا يستحق الثقة، لكنها كانت تحتاج ان ترى لتؤمن، لتعلم ان ما سمعته لم يكن دربا من الخيال. 


استجمعت قواها التى ما عادت تحتمل، وقررت ان تتحرر من سجنها هذه المرة، لحقت بى فى نفس الزمان والمكان.. منتصف الليل فى شقتى القديمة الشاهدة على كل علاقاتى السابقة. 

رأت سيارتى امام المبنى، وسقط معها حجر فوق قلبها، صعدت درجات السلم ومع كل درجة يتحطم سورا من اسوار سجنها، توقفت امام الباب، وبالتأكيد سألت نفسها هل حقا تريد ان ترى، اظن انها تمنت لو انها ظلت تعيش داخل سجن حبها لى على ان ترى خيانتى لها، لكن لا سبيل للرجوع، مدت كلتا يديها تضرب الباب بعنف، حتى خرجت وتلاقت عيوننا. 


عيون تملأها الانكسار والخنوع امام عينيها التى امتلات بالحسرة والدموع، لم ينطق احدنا بحرف، فقد ماتت كل الكلمات وانتحرت كل المعانى امام هذه اللحظة التى توقف فيها الزمن، شعرت لاول مرة ان هناك حياة خلف اسوار سجنى عندما رفعت يدها وصفعتنى على وجهى، قبل ان ترحل مسرعة وهى بالكاد تحملها قدميها. 

خرجت تركض وهى منهارة تماما تكاد لا ترى شيئا الا صورتى امامها، الدموع التى ملأت عينيها منعتها من رؤية طريقها، خرجت بعد ان اكملت ثيابى وهرولت خلفها مسرعا، لكنى لم اكن سريعا بما يكفى لامنع القدر. 


قدر تحمله سيارة اطاحت بجسد زوجتى واسقطتها فى قلب الطريق وسط بركة من الدم، دارت الدنيا من حولى وانا انظر لجسدها المسجى على الارض، توقفت كل حواسى وتوقف امامها عقلى الذى رفض الحقيقة، بالتأكيد لم تكن هى.. زوجتى لم تمت. 

اقتربت منها بخطوات ثقيلة بالكاد تتحرك، حتى ركعت امامها على ركبتى، نظرت اليها بعيون تملأها الدموع وقلب انفطر من الوجع، حملتها بيدى وضممتها الى صدرى واطلقت صرخة كادت ان تخرج معها روحى وليتها خرجت، فما عادت لروحى قيمة اومعنى بدونها، كانت امانى وحريتى وبدونها لم يتبق لى الا سجنى.. سجن جديد وضعتنى فيه ليأخذ من عمرى ما تبقى منه فى الحسرة والندم.

رحلت زوجتى ورحلت معها البراءة من حياتى، وكأن الدنيا بكل قسوتها لم تتحمل برائتها فطردتها منها، وتركتنى فى حبس انفرادى داخل شعورى بالذنب، واتمنى من الله الا يدفعنى ذلك الى الحكم بالاعدام.


تمت


محمود سباق
23-10-2018



  • 2

   نشر في 24 أكتوبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

أخي العزيز……….
عندما دخلت الموضوع وقرات الاسم حينها ادركت
ان لهذا الاسم حظورا طاغيا .
بعض الأحيان نقوم بفعل وندم عليه طول العمر ونكون مسجونين في ذكراه ونعاتب أنفسنا لكن لابد أن نتذكر أن ربنا غفور رحيم ...
مووضووع جميل يستحق القراءة
0
Mahmoud Sebaq
كلام جميل ورأى اعتز به.. شكرا جدا لذوقك
روحي لله أبثها
العفو .. وفقك الله

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا