بيانست (10) - الفصل الأخير - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بيانست (10) - الفصل الأخير

عندما نقتل البراءة بكل حب ..

  نشر في 12 يونيو 2019 .

هناك فقط نوع واحد من الصدمات أسوء من الصدمة غير المتوقعة كليا، الصدمة المتوقعة التي أبيت أن تتحضر لها..

                                                    (ماري رينولت)

There is only one kind of shock worse than the totally unexpected, the expected for which one has refused to prepare.

                                                            (Mary Renault) 


                                              -اسمي .. فرح!! .. أنا ...-

                             تسعة آلاف و تسعة و خمسون يوما على الأرض ..

1) الصديد ..

لأول مرة تجد أن الصمت محبب .. لأول مرة تشعر بأن عودة الأصوات إليها كانت وبالا عليها .. الصمت و أفكارها السوداء .. مزيج رائع يدفعها إلى تجربة الطيران الحر من نافذة حجرتها أو نقش إسمها بقطعة زجاج على شرايين معصمها .. سقف الحجرة يعمل كشاشة سينما مثالية لأفكارها .. فقط اللون الأحمر على سطحه الأبيض يجعل أفكارها تتشوش .. اللون الأحمر الذي يسيل من أفكارها السوداء .. تشعر بالطرقات المتقطعة و المتتالية على باب حجرتها لكنها لا تسمعها .. المزية الوحيدة في سماعتها أنها تستطيع إيقاف الصوت أو تعيده وقتما تريد .. و الآن هي لا تريد أن تسمع أحد .. تريد أن يتركوها لأفكارها فقط .. تريد أن يتردد إعتراف (رهف) في وعيها ألاف المرات .. تريد أن تعرف أنها كانت محقة عندما قالت ل(خلود) أنها عادت إلى عالم كل من حولها يشبهوا أناس من عالمها الأول لكنهم ليسوا هم .. يمثلون أنهم هم .. خالها .. أو من يتظاهر بأنه خالها .. حمل الممثلة التي تلعب دور (رهف) إلى حجرتها بعد أن فقدت الوعي في أداء تمثيلي يستحق الأوسكار بالتأكيد .. إن كانوا يملكون في هذا العالم جائزة مثلها .. و الممثلة التي تلعب دور أمها مثلت دورها ببراعة أيضا عندما أعلنت عن جهلها بما حدث لها .. تذكرت فجأة فيلما أمريكيا يحكي عن شركة إنتاج سينمائي تبنت طفل و وضعوه في ستوديو كبير ديكوراته تحاكي العالم الحقيقي و ممتلئ بالممثلين الذين يمثلون أنهم كل من حوله .. أبيه و أمه .. أصدقائه و جيرانه .. كل من حوله كان ممثلا و ممثلة .. و أخذوا يعرضون حياته على ملايين الشاشات حول العالم .. كان هو الوحيد الذي إستمر في النضوج و الكبر و لا يدرك أن حياته عبارة عن خدعة كبيرة و أنه يعيش حياة زائفة بالكامل .. يبدوا أنها البطلة الجديدة الآن .. هل كانت الحادثة حادثة حقا .. هل حقا فقدت سمعها أم كانوا يتلاعبون بها ؟؟ .. هل حقا (عمر) قد مات ؟؟؟ .. هل (مصطفى) معهم ؟؟ ..

يا إلهي .. إنني أفقد عقلي .. رددتها بداخلها قبل أن تنهمر في البكاء مرة أخرى .. وقع إعتراف (رهف) كان سما قاتلا بطيئا يجعلها مريضة .. يفقدها عقلها .. جرح إمتلأ صديدا و تقيح و يجعل موتها أمرا حتميا .. (رهف) .. الملاك المرح .. (رهف) .. أختها .. لماذا الهواء ثقيل في الغرفة؟؟ .. لماذا تجاهد في كل زفير؟؟ .. لماذا تجاهد كي تعيش و تتنفس ؟؟ .. تتذكر أنها حاولت مرة و هي صغيرة إيقاف تنفسها على سبيل التجربة .. و لكن عقلها خذلها و أرغمها على أن تتنفس .. هل يمكن أن تجرب مرة أخرى ؟؟ .. قبضت بالسبابة و الإبهام على فتحي أنفها بقوة و ألصقت شفتيها ببعضهما البعض بإصرار و أغمضت عينيها .. نبضات قلبها تُأرجح جسدها أماما و خلفا .. إغلاق جفنيها لم يمنع الدموع من أن تستمر في النزول .. صدرها يعلو و يهبط بتسارع بطئ و مخزون الأكسجين الذي لديه ينفذ في كل لحظة .. شددت قبضة إصبعيها على أنفها و صلبت شفتيها كي لا يفترقا حتى الموت .. عقلها الباطن يحاول السيطرة على وعيها ليجعلها تتنفس مرة أخرى .. لن يقدر!! .. ستكون أول حالة في التاريخ تموت بوقف تنفسها بنفسها .. فجأة جاءت لعبة غير متوقعة .. خدعة دنيئة غادرة .. خدعة جاءت في صورة مشهد لم تقدر على إسترجاعه .. واقفة على الجسر المجاور للفندق .. تبكي و هي تتحدث في الهاتف مع (رهف) .. (عمر) ليس في حجرته .. صدرها يعلو و يهبط بسرعة الآن .. مؤشر إنتهاء مخزون الأكسجين بداخلها يضيئ منذّرا .. طرقت باب حجرته عدة مرات و لكنه لا يجيب .. طلبت هاتفه و لكنه كان مغلقا!! .. تسارعت أنفاسها و هي تستشعر بالقلق عليه .. نزلت إلى بهو الفندق قلقة .. طلبت من عامل الإستقبال بأن يتصل بحجرته .. حاول الإتصال .. لا أحد يجيب .. رجته بأن يرسل أحدهم لفتح باب الحجرة .. تشعر بأن هناك خطرا ما .. تشعر بأنه ليس بخير .. قلقها جعل غددها الدمعية تمتلئ بالدموع شديدة الملوحة .. رئتها ترجوها بأن تسمح لمقدار ضئيل من الهواء أن يدخل و عقلها الباطن مستمر في خدعته الدنيئة .. أخبرها عامل الإستقبال بأنه لا أحد في الحجرة .. الحجرة خالية .. فزعت .. لم تشكره .. هرعت نحو المدخل .. عبرته .. الجميع ينظر لها بتعجب .. تلهث و هي تعدو نحو المدخل .. تلهث ببقايا الأكسجين المتبقي في خلايا رئتها .. رأته واقفا هناك يدخن سيجارة .. -منذ متى يدخن (عمر)؟؟- .. لم تصرخ بإسمه .. لم تهرع إليه .. تباطأت خطواتها .. لهثت .. رأت تلك السيارة الصغيرة تقف بجانبه .. الشعر الأحمر الكثيف يعلن عن جنس و نوع صاحبته .. الشعر الأحمر!!! .. الشعر الأحمر الذي طارد أحلامها و يقظتها!! لم ترى أبدا وجه صاحبته .. الصهباء الصارخة ذات الوجه المصمت .. ظنتها -ظلما- شبحا و لكنها كانت -للحق- تحاول تذكيرها!! .. ألقى السيجارة بعيدا و إنزلق على المقعد المجاور لها .. بهتت .. صُدِمَت .. ألم حاد يضرب رئتها و صدرها مثلما ضربهما وقتها .. وضعت راحتي كفيها على عينيها .. هي متوهمة .. بالتأكيد متوهمة .. هذا ليس (عمر) .. قلبها يؤكد لها متألما بأن عقلها و بصرها مخطئين تماما .. نعم .. هذا ليس (عمر) .. (عمر) مختف .. (عمر) مختف من حجرته .. رفعت هاتفها إلى أذنيها .. لا تعرف أحدا ينقذها من أفكارها و خيالاتها و أوهامها غير (رهف) .. طلبتها مرارا .. تبكي .. لا تعلم هل تبكي قلقا .. أم صدمة .. أم فزعا أن يكون ما رأته حقيقة .. أم ماذا!! .. عقلها تائه .. تائه .. قدماها تسيران وحدهما بلا هدي .. وجدت نفسها على جسر قريب من الفندق .. النهر أسفلها يبدو مغريا لأن تقفز بداخله و تغرق فيه أفكارها .. إنه يناديها .. (رهف) لا تجيب .. فجأة أجابت (رهف) .. فوجئت بأن أول ما خرج من شفتيها كان إستنجادها ب(رهف) ليجدوا (عمر) .. عقلها حزم أمره .. ما رأته كان وهما .. إنها مقتنعة بذلك .. عقلها الباطن يعلن سيطرته عليها و إصبعيها يقل ضغطهما على فتحتي أنفها كل لحظة .. شفتيها يكفران بإتحادهما المقدس حتى الموت و يفترقا ببطء .. سمعت صوت الصدمة خلفها فنظرت فزعة .. عربة رياضية تقفز من فوق الإفريز و تدور حول محورها كعربات الملاهي المتصادمة .. لم تجد وقتا لتصرخ .. لم تجد وقتا لتتحرك .. عقلها مازال يقنعها بأنها لم ترى (عمر) .. (رهف) كانت هناك .. تنظر إلى الناحية الأخرى .. هي و (يحيى) .. نعم .. جالسا بجانبها .. جانب العربة يصدمها .. و يصدم أفكارها .. يصدم الشعر الأحمر و يصدم خيانة (عمر) .. يصدم عقلها التائه و قلبها المتألم .. طارت في الهواء .. لم تجزع أو تتألم .. لم تشعر برحلة العودة إلى الأرض .. شفتيها إبتعدتا و الهواء دخل لرئتها بقوة مؤلمة .. أنفها تحرر من سلطة و ضغط إصبعيها .. الأفريز يقترب منها و هي تهبط نحوه بجانبها .. رأسها يرتطم بقوة ثم لم تعد ترى شيئا أو تذكر شيئا .. مالت بجانبها حتى نامت على الفراش تلهث .. تلهث و تبكي .. تلهث و تنتحب .. لقد تذكرت كل شئ .. الألم في صدرها يتلاشى تدريجيا .. هذا ليس تمثيلا .. عرفت أخيرا هوية الصهباء التي كانت تطاردها في أحلامها و يقظتها .. لماذا يا (عمر) ؟؟ لماذا خنتني يومها ؟؟ أنا لم أحب أحدا قبلك و لم يقتحم عالمي أحدا قبلك.. هذه الذكريات حقيقية .. ذكريات صدئة المذاق كالصديد .. كريه الرائحة مثله .. قبيح اللون مثله .. الآن ينتشر في كامل جسدها .. إلتقطت أنفاسها و عاد مسار تنفسها إلي طبيعته .. قامت من على الفراش بخطوات مترنحة نحو باب حجرتها .. أدارت المفتاح و حررت قبضة الباب .. فتحته فوجدت (رهف) جالسة على الأرض خارج الباب .. باطن قبضتها حمراء بلون الدم و عينيها حمراواتان كأنها تنزفان دما لا دموعا .. أمها جالسة على مقعد قريب تبكي و (أليساندرا) فوق رأسها تحاول تهدئتها .. خالها جالسا خلف (رهف) يحاول تهدئتها .. وقفت (رهف) فور أن فتح الباب و إرتمت في حضن (فرح) تمسح دموعها على كتفها .. أمها قامت قائلة شيئا ما و أسرعت نحوها .. لم تتكلف عناء قراءة شفتيها .. خالها قام هو الأخر و إحتضنهما معا .. وقفت متيبسة لا تتفاعل معهم .. مشهد (عمر) و هو يركب السيارة .. العربة تدور ب(رهف) .. لقطات تمر ببطء أمام عينيها .. الكل يحرك شفتيه بكلمات لا تملك الطاقة لترجمتها .. فقط نظرت إلى (رهف) .. عينيها الذابلتين .. نموذج للإنكسار .. شعرت بالشفقة عليها سواء كانت هي (رهف) أم ممثلة تلعب دورها ببراعة .. لكن تلك الشفقة لم تحركها .. فقط قالت بصوت خرج منها جامدا صلبا جافا

- تعالي معايا الأودة

قالتها و إلتفتت راجعة لحجرتها دون أن تنظر في وجه أحد أخر و دون أن تعطيهم فرصة ليحدثوها .. منكسرة معدومة الإراد تبعتها (رهف) .. إنتظرت حتى دخلت الحجرة و بوجه جامد لا تعبير فيه أغلقت الباب في وجه الأخرين بالخارج .. .. أدارت المفتاح لتقيد حرية المقبض مرة أخرى .. (رهف) واقفة ناظرة إلى الأرض .. دموعها مازالت تندفع من عينيها ببراعة تستحق الإعجاب .. كتفيها منحنيين .. لو كانت ممثلة فهي بارعة في رسم كل تعبيرات الإنكسار و الهزيمة .. سارت نحو فراشها و جلست عليه قبل أن تنظر إلى (رهف) .. قررت ألا تعيد وصلة الصوت .. شكرا لقراءة الشفاه و حركات و تعبيرات الوجه ..

- أنا هسأل و انتي تجاوبي بس .. مش عاوزة أسمع إعتذار أو أسف .. عاوزة أسمع منك كل حاجة إلا الإعتذارات و الأسف .. عاوزة أعرف كل اللي كان مستخبي عليا ..

أومأت (رهف) رأسها إيجابيا قبل أن تجر قدميها نحو الفراش و تجلس على مقربة من (فرح) .. دموعها تبلل غطاء الفراش .. نظرتها شاردة ثم بدأت بالكلام .. يديها بجانبها في وضع إستسلام .. حركة جسدها و كل شئ يدل على أنها صادقة .. قرأت على شفتيها كل ما حدث .. و سألتها عن كل شئ .. علاقتها ب(چوناثان) .. يوم الحادث .. موقف (چوناثان) .. ورطتها مع الوكالة .. (عمر) و الصهباء .. إبتزاز (عمر) لها!!!!!!! .. حاولت العثور على دلالة كذب واحدة و هي تتحدث عن حقارته و دنائته .. عن إعترافه بإستغلاله لها .. عن أي شئ يجعلها كاذبة و يحافظ عليه قديسا .. لكنها كانت صادقة .. صادقة إلي حد قاتل !! .. إنهمرت دموعا أخرى و لكنها كانت دموعها هي هذه المرة .. إنتهت (رهف) و ظلت تبكي بجوار (فرح) .. رفعت (فرح) وجهها إلى السقف و هي مغمضة العينين .. الحقائق تتكشف كصديد يقفز إلى سطح جرح غائر .. جرح قاتل .. صديد لا يشفيه دواء أو علاج .. صديد يستوجب بتر العضو المصاب .. يستوجب بتر روحها .. الصداع النصفي اللعين بدء في هجومه مرة أخرى فجأة .. ليس وقته الآن!! .. مازال هناك الكثير لتقرأه على شفاه و تعبيرات و جسد (رهف) .. فتحت عينيها و نظرت إلى (رهف) بألم و هي تضم شفتيها بقوة إلى بعضهما البعض كى لا تنطلق التأوهات من فمها ..

- -بقلق- انتي كويسة ؟؟

سألت (رهف) و هي تنظر إلي (فرح) بخزي و قلق .. مزيج غريب .. أجابت (فرح) و هي تضغط على أعصاب الألم كي تكتمها فخرجت منها الكلمات في صورة صراخ

- أنا قلت أنا اللي هسأل و انتي تجاوبي بس!! .. تعرفي إيه عن قتل (عمر)؟؟

نظرت (رهف) إلى الأسفل بشدة .. تأهبت (فرح) رغم آلام الصداع النصفي أن تقرأها جيدا .. لن تفوتها أي بادرة كذب .. لن تسمع سوى الصدق .. هل تكون قتلته لتغطي على جريمتها الأولى و كذبتها و تحفظ سُمعتها ؟؟ .. يبدو أنها كانت الحمقاء الوحيدة في تلك القصة اللعينة .. الكل يلعب دوره ببراعة و هي الوحيدة التي كانت تلعب ببلاهة .. رفعت (رهف) وجهها نحوها مرة أخرى و إن شردت بعينيها نحو يمين (فرح) لأعلى .. إنها تتذكر أحداثا حدثت .. إرتخاء و إنبساط كفيها .. ما قادم هو حقيقة

- أنا رحت مصر عشان أساومه يبعد عنك مقابل أي فلوس يطلبها .. كنت مستعدة أدفع أي حاجة عشان أحميك منه من غير ما يفضح اللي حصل .. كلمته و بمنتهى الحقارة مارديش يقابلني غير في بيته .. أنا قلقت أروح له لوحدي بالذات إنه حاول يضربني قبل كدة .. خالو كان في مصر عشان يزور قبر جدي و جدتي .. قعدت أحاول أكلمه لكن موبايله كان غير متاح .. في الأخر روحت له ..

- لوحدك ؟

أومأت (رهف) رأسها إيجابيا

- بس أخدت معايا سيلف ديفينس (Self Defense) وصلت بيته .. لاقيت الباب مفتوح .. خبطت على الباب بس ماردش .. طلبت موبايله كان مقفول .. دخلت و أنا بنده عليه مالقتش رد .. كان في إزازة خمرة مكسورة على الأرض .. أنا خفت و ماعرفتش أعمل إيه .. -عينيها ترتعش و حدقتيهما تنظران نحو اليسار .. إنها تكذب!!!- ندهت تاني و تالت و خفت يكون بيضحك عليا و ناوي يعمل حاجة .. طلعت السيلف ديفينس و مشيت جوة الشقة و أن بنده عليه لغاية ما لاقيته مقتول فوق سريره .. أنا خفت و طلعت أجري لبرة بس لاقيت في حد جاي بيدخل من الباب .. .. -حدقتيهما تنظران نحو اليمين الآن .. إنها تتذكر حقائق- .. رجعت و إستخبيت جوة الحمام بتاعه لاقيت واحدة دخلت بتخلع هدومها و داخلة على أودة النوم .. -شعرت بقلبها يُغتَصَب بعنف و بلا رحمة و (رهف) تكمل حكايتها الصادقة- .. شافته زي ما شفته طلعت تجري هي كمان من غير ما تصرخ .. أنا خرجت ورآها و مشيت .. وقفت عند كشك عنده تليفون محمول طلبت البوليس و إديتهم العنوان و رجعت الفندق .. قابلت خالي بليل و حكيتله اللي حصل .. تاني يوم رجعنا لندن ليكِ و إعتبرنا اللي حصل مات و إنتهى من حياتنا

قالت كل شئ و أخذ جسدها يهتز في بكاء صامت بلا دموع .. نفذ رصيدها و خزائنها من الدموع فأخذت تهتز فقط .. أرجعت (فرح) رأسها للوراء و أسندتها إلى حاجز الفراش الخلفي .. الصداع النصفي ينسحب تدريجيا من عقلها ليحل محله زلزال في قلبها .. تكاد تسمع صوت قلبها و هو يتشقق كالزجاج المسرطن و يتحطم إلى آلاف القطع .. كل قطعة عليها صورة (عمر) .. شظية تم نسيانها من الحادث في قلبها تتحرك في أحشائه ممزقة إياه كل ممزق .. أغمضت عينيها قبل أن تمسك بوهن الوصلة و تعيدها إلى خلف رأسها .. عادت صوت دقات الساعة مصحوبة بنهنهات (رهف) .. (رهف) تنظر إليها في خزي و أمل .. مزيج أخر غريب .. (رهف) تكذب .. رهف تعرف شيئا .. أو إنها قتلته!! .. لكنها ضعيفة .. ضعيفة لا تمتلك القدرة الآن على مواجهتها .. لا تمتلك القدرة على لومها .. لا تمتلك القدرة على رؤيتها .. مشاهدتها تجعلها ترغب في الغثيان .. مشاهدتها كمشاهدة جرح متقيح بشع المنظر ..

- أنا أسفة يا (فرح) ..

الكلمات تخرج من فم (رهف) ضعيفة و منكسرة لكنها لم تبلغ سطح الشفقة و الغفران عند (فرح) حتى .. كل ما سمعته اليوم أكبر من قدرتها على .. على أي شئ .. على الغفران .. على التعامل .. على الحزن .. على قوتها و ثباتها ..

- شششششش .. أنا قلت .. أنا مش عاوزة أسمع إعتذرات و أسف ..

قالتها و هي تقوم نحو خزانة ملابسها في وهن .. تخرج حقيبة كبيرة و تملأها بالملابس التي تجدها أمامها

- (فرح) بتعملي إيه ؟؟

قالتها (رهف) في ألم و هي تبكي

- ششششششش .. أنا قلت قبل كدة أنا بس اللي بسأل هنا .. مش من حقك تسألي ..

قامت (رهف) بقفزة من مكانها و بلغت (فرح) فأمسكت كف يدها و قربته من فمها لتقبله و هي تقول بإنكسار

- أبوس إيديكي ما تعملين كدة .. انتي بتموتيني .. أبوس إيديكي إعملي اللي انتي عايزاه فيا إنشا الله تقتليني .. بس أبوس إيديكي ما تعاملنيش كدة

نزعت (فرح) كف يدها من يد (رهف) في عنف و أخذت تكمل وضع الملابس في الحقيبة

- طيب خليكي انتي و أنا اللي همشي و أسيب لكم البيت .. و مش هتشوفوا وشي تاني

لم تجب (فرح) و هي تغلق الحقيبة و تجرها لتضعها على الأرض

- طيب عشان خاطر ماما .. هي أصلا مش هتسامحني على اللي عملته .. بس دي هتموت لو انتي سيبتي البيت

نزعت (فرح) وصلة الصوت من رأسها و إرتدت معطفا فوق ملابسها و بخفها البلاستيكي جرت الحقيبة فوق الأرض و هي تسير نحو باب الحجرة .. إرتمت عليها (رهف) قائلة أشياء لم تسمعها فدفعتها بعيدا بقوة لم تعرف أنها بها .. فتحت الباب فبهتت أمها و خالها و (أليساندرا) عندما شاهدوها تجر حقيبتها لم تنظر لهم و هي تتجه نحو باب شقتهم .. دفعت بتوحش و بكل قوتها كل من حاول إمساكها .. صرخت فيهم بصوت لم تسمعه .. لم تسمعهم أو تقرأهم .. قفزت إلى المصعد قبل أن يلقيها في الدور الأرضي .. هاتفها يهتز في جيبها أخرجته و هي تجر الحقيبة نحو المخرج فوجدت إسم والدتها يضئ على الشاشة فأغلقت الهاتف تماما .. وقفت على الطريق و أشارت إلى أول سيارة أجرة قابلتها .. نزل و ساعدها في وضع الحقيبة في العربة و ركبت في الخلف شردت لثوان قبل أن تنتبه أنه يحادثها .. أعادت الوصلة

- إلى أين يا سيدتي

بإنجليزية معجونة بلكنة هندية واضحة سألها

- إلى أي فندق

أومأ برأسه و ضغط زر العداد و إنطلق بالسيارة .. نظرت إلى الخلف فوجدت (رهف) و خالها ينظران إليها .. جرت (رهف) ناحيتها و لكن السيارة كانت أسرع من قدرة شهاب التنس الصاعد .. نظرت إلى الأمام و تابعت الطريق بعينين لا تريان ..


                               تسعة آلاف و إثنتان و سبعون يوما على الأرض ..

2) الحفل ..

بشرود أخذت (فرح) تذيب السكر في كوب القهوة و هي تنظر من نافذة المقهى إلى الشارع المزدحم .. كان شارع (جامعة الدول العربية) شديد الإزدحام في مثل هذا الوقت من اليوم و العام .. الثالثة عصرا في أيام الدراسة .. كانت جالسة على مائدة ذات مقعدين مجاورة للزجاج المرسوم عليه من الخارج شعار المقهى و إن كانت الرسمة تسمح لها بأن تشاهد الطريق بالخارج .. هناك ثمانية موائد بالقرب منها .. خمسة منهم شغلهم رجال يدخنون الأرجيلة و يتطلعون إلى هواتفهم المحمولة و إليها من حين إلى آخر .. و مائدة عليها فتى و فتاة يبدوان من طلاب الجامعة و يدخن كلاهما الأرجيلة و ينظر الفتى إليها من حين إلي الآخر من فوق كتف رفيقته .. سماعتي الآيبود تتدليان من أذنيها لكن بلا موسيقى تسمعها .. وصلة الصوت غير متصلة و لا يمكنها سماع ما يبثه الآيبود في أذنيها المصمتين .. لكنها لم تكن تريد أن تسمع شئ حقا .. كانت كآخر أسبوعين تريد الإنعزال بأفكارها .. لكنها رغبت بأن تقطع الطريق أمام أي فرصة لبعض الرجال الذين يعتقدون في أنفسهم الوسامة أو الجاذبية لكي يأتوا و يتحدثوا معها .. منذ جاءت إلى القاهرة منذ أربعة أيام هربا من مطاردات أختها و خالها و هي تتعرض لنوع آخر من المطاردات و التحرشات و المحاولات المستميتة للتعرف عليها .. كلهم يطبقون نفس القواعد من نفس الكتاب .. كتاب (ألف طريقة و كذبة لخداع قلب فتاة) .. إهتزت المائدة و إنسكبت بعض القهوة من كوبها عندما إصطدام أحد العاملين بها و هو يحمل صينية إرتصت عليها أطباق و أكواب .. إعتذر في شدة و وجهه ينافس الطماطم حمرة .. هزت رأسها له ثم أدارت رأسها و إستمرت تنظر إلى الطريق عبر الزجاج و هو يزيل بقطعة قماش القهوة التي إنسكبت و يأتيها بكوب أخر من القهوة .. لم تسمع إعتذاراته و لم تهتم أن تسمع أو حتى تغضب .. تلك الصدمة -غير المتعمدة- ذكرتها به .. بطل العالم في الخيانة .. رمز الخيانة و النذالة عند كل الحضارات القديمة .. (يهوذا) العصر الحديث .. (عمر)!! .. عندما تسترجع ما حدث أول مرة عند لقاءهما .. لا يأتي إلى عقلها سوى أنه عمدا فعل كل شئ ليستميلها .. فعل كل شئ لتقع في فخاخه و مصائده .. مازالت ذكراه تعمق مسارات الشقوق و الشروخ في قلبها .. ما زالت ذكراه تثير في نفسها إشمئزاز من ذلك الجنس الذي يشاطرها و جنسها هواء ذلك الكوكب .. جنس يتظاهر بالمودة و العاطفة الملائكية و بداخلهم ترتع و تنتشي الشياطين .. عليك عزيزي الرجل أن تكون نذلا .. كاذبا .. حقيرا و لئيما .. عليك أن توقع على عقدك مع الشيطان بدم الخيانة و تحفر حروف إسمك بسكين مصنوع من جميع جرائم البشرية على قلب الفتاة .. ثم بعدها .. بعدها فقط يمكن أن تستحق أن تلتحق بشعب المعبد .. المعبد الذي شُيد خصيصا لإله الخيانة عند قدماء المصرين .. معبد ترقص فيه (رهف) تقربا و يتعبد فيه خالها و تكهن فيه (عمر) .. و هي .. و هي كانت القربان الذي تقرب به الجميع لإله الخيانة .. العذراء التي تسيل كرامتها و كبريائها و مشاعرها على مذبحه و يلتهم العابدون قلبها ليزدادوا قربا إلى إلٰهِهِم .. قطع أفكارها ظهور جسد في مجال بصرها إقتحم أفكارها إقتحاما .. (خلود) .. نزعت سماعتي الآيبود و وقفت بلهفة تنتظر دخولها المقهى .. أختها الكبرى .. و الوحيدة .. المخلوقة الوحيدة التي ساندتها دون أن تنتظر مقابلا أو قطعة منها كالآخرين .. دخلت و سبقتها رائحة الشانيل و عينها الزرقاء القلقة و شعرها الذهبي و كعبي حذائيها .. دخلت و جذبتها إليها بين أحضانها و لم تقاوم (فرح) أو تمانع .. بل رغبت في حضن ترتمي فيه و ترتاح بين جنباته .. تبكي عليه .. تبثه آلامها .. إستمرا متحاضنتين لدقيقة كاملة قبل أن تنزل (خلود) يدها من فوق كتفيها و تربت على رأس (فرح) .. تنهدت (فرح) ثم جلست و هي ممسكة بيد (خلود) و تركت (خلود) كفيها بين يدي (فرح) و هي تجلس بجانبها .. بيدها اليمنى أعادت وصلة الصوت ..

- معقولة اللي عملتيه ده يا (فرح) .. أمك و أختك بيكلموني و منهارين يوميا و متجننين إنهم مش عارفين يوصلولك

- (خلود) من فضلك .. أنا ما كلمتكيش عشان تكلميني عليهم .. أنا ماليش غيرك ممكن ألجأ له بعد اللي حصل و عرفته

- أنا ما صدقتش نفسي لما سمعت صوتك .. أنا كمان كنت هتجنن لما عرفت انهم بقالهم إسبوعين مش عارفين يوصلولك

- مش عاوزة حد يوصلي غير لما أقدر أسامحهم .. إوعي تكوني قولت لهم إن أنا كلمتك و إن أنا في مصر!!

- مش معقولة تقوليلي ما تقوليش و أنا أعمل العكس .. لكن عاوزة أفهم .. تسامحيهم على إيه ؟؟ أنا حاولت أعرف منهم إيه اللي حصل لكن مافهمتش حاجة ..

تنهدت (فرح) و بدأت تقص عليها ما إكتشفته منذ أسبوعين فقدت خلال قصتها قدرتها على حبس الدموع فنزلت بصمت من عينيها .. إستمعت إليها (خلود) بشرود قبل أن تنزع كفيها من يدي (فرح) برفق و تمد يدها اليمنى داخل حقيبتها و تخرج علبة سجائر و قداحة و تمتص سيجارة أمام عيني (فرح) المتعجبتين

- انتي من إمتى بتدخني يا (خلود) ؟؟

- من فترة .. كملي

قالتها و هي تنفث دخان السيجارة بعيدا عن وجه (فرح) و تسند بيدها الأخرى مرفق اليد الممسكة بالسيجارة و تنظر إلى الجالسين حولهما الذين تَرَكُوا تقريبا هواتفهم المحمولة و أخذوا يتأملون (آنا هاثواي) الشقراء و الفاتنة العشرينية بجانبها .. أكملت (فرح) قصتها حتى وصلت إلى مقطع رؤية (رهف) لجثة (عمر) فتوترت (خلود) و زاد معدل تدخينها للسيجارة..

- هي قالتلك شافت إيه ؟؟

سألتها (خلود) و هي تقتل السيجارة سحقا في المطفأة فأخذت (فرح) نفسا جعله البكاء الصامت متقطعا قبل أن تقول

- كدبت عليا ..

- و عرفتي إزاي؟؟

تنهدت (فرح) بعمق و نظرت شاردة إلي الزجاج و هي تقول

- أنا بقيت بعرف كويس من بعد الحادثة إمتى الناس بتكدب و إمتى بتقول الحقيقة .. (رهف) كدبت عليا و أنا متأكدة .. إما شافت حاجة ماردتش تقولها يا إما إنها هي نفسها اللي قتلته .. و مش هستغرب إنها تكون هي اللي قتلته .. أنا إكتشفت إن أنا ما كنتش أعرف اللي عايشة معاهم كويس ..

بنفس متسارع أخرجت (خلود) سيجارة أخرى أشعلتها و إمتصت قليلا من روحها

- ما تظلميش أختك .. (رهف) اللي أعرفها لا يمكن ..

- -مقاطعة بحدة- (رهف) اللي تعرفيها قعدت قرب التلات سنين شايفاني قدامها بتعذب و هي السبب من غير ما تقول كلمة .. (رهف) اللي تعرفيها كدبت عشان تعمل شهرة على حسابي .. (رهف) اللي تعرفيها ممكن تكون مجرمة و قتلت!!

بهتت (خلود) عند سماع كلمة مجرمة فإمتصت روح السيجارة كاملة في قبلتين فقط بصمت و هي تنظر للسقف .. قالت دون أن تنظر إلى (فرح)

- و انتي ناوية تعملي إيه دلوقتي ؟؟

- مش عارفة يا (خلود) .. حسّيت إني تايهة .. أنا مش عارفة أعمل إيه .. أبلغ عن أختي و اللي حصل ؟؟ .. و عشان مين؟؟ .. عشان واحد طلع خاين و كداب ؟؟ .. أنا مش عارفة !! .. أنا سيبت البيت و قعدت في فندق لكن حسّيت إني محتاجة حد أتكلم معاه .. محتاجة لحد زيك يا (خلود) .. أنا جيت مصر و مش عارفة أعمل إيه لسة .. جيت أشوفك و أتكلم معاك ..

- بصي يا (فرح) .. انتي عارفة أنا بحبك قد إيه .. و عارفة إني ماتمناش ليكي غير كل خير .. ممكن تسمعيني من غير مقاطعة؟؟

هزت (فرح) رأسها إيجابيا بتردد .. الحقيقة التي لم تعلنها بعد أنها فقدت القدرة على الثقة في أحد .. ثقتها في الأخرين و بالأخص المقربين ذابت كالسكر الذي أذابته منذ قليل في كوب القهوة .. (خلود) بالكاد لها بعض الرصيد بداخلها .. يكفي بالكاد كي تثق بها .. حاليا ..

- أنا رأي إن اللي حصل من (رهف) ماكنش مقصود .. (رهف) آخر إنسانة في الدنيا ممكن تفكر إنها تئذيكي .. إنت نفسك من جواك عارفة إنه كان من غير قصدها .. (رهف) إتحطت في ظروف و ضغوط إتصرفت معاها غلط يمكن .. لكن مفيش و لا واحدة من تصرفاتها أكيد قاصدة تئذيكي بيها .. وخالك بصراحة أنا ما شفتش منه غير إنسان طيب بيحاول إنه يعوضكم عن سنين غيابه .. و الإتنين لا يمكن يكون في نيتهم إنهم يضحكو عليكي أو يخونوكي .. و لو حتى سيبتى خالك و (رهف) على جنب .. مامتك ذنبها إيه ؟؟ .. هي بالذات و انتي عارفة من يوم ما عرفتك قد إيه هي مسكينة و حاربت عشانك و عشان أختك .. انتي عارفة أنا علاقتي ببابا الله يرحمه كانت عاملة إزاي .. لكن ماما الله يرحمها ما كنتش زيه .. ما كنتش قريبة منها زي ما كنت قريبة منه .. عمرها ما شجعتني و لا وقفت جنبي زي ما مامتك شجعتك و وقفت جنبك .. و لا حتي زي ما (رهف) وقفت جنبك .. صدقيني يا (فرح) .. مافيش حد بيحبك زي مامتك و (رهف) .. و حتى لو (رهف) غلطت فهي برضه ماكنش قصدها أبدا إنها تئذيكي

شردت (فرح) قليلا .. كلام (خلود) منطقي و هي تعرفه جيدا .. كلامها هو إعادة نقش جدار فرعوني بنفس النقوش التي عليه .. و التي لم يمحوها الزمن أو يؤثر عليها .. فقط تلك المرارة التي تشعر بها و تتذوقها و تتنفسها .. تلك الشروخ التي لا ترى غيرها كلما أغمضت عينيها .. البراكين التي كلما ظنت أنها خمدت تثور من جديد و تعلو حممها فوق قدرتها على المسامحة .. سيأتي يوما تبرد فيه الحمم إلي الأبد و سينبت من قلبها شجرة الغفران .. لكن الآن لا تملك ذلك الترف .. ترف أن تكون قديسة تمنح الغير خدها الأيسر بعد أن تورم خدها الأيمن من اللطمة الأولى .. أمها حقا لم تفعل شئ .. و لم تفعل أي شئ .. و ذلك ما يثير حنقها منها .. لم تفعل شيئا يوما سوي أن تكون حولهم و خلفهم .. لكنها لم تكون معهم .. ليتها كانت هي المقربة منها بدلا من (رهف) .. يا ليتها كانت هي من تستطيع اللجوء إليها بدلا من (خلود) .. يا ليتها هي من كشفت خيانة (عمر) ..

- مش عارفة يا (خلود) .. أنا حاليا مش قادرة أرجع .. بس برضه مش عارفة أعمل إيه تاني .. عاوزة حاجة تخليني أكمل و أنسى .. عاوزة أنسى (عمر) .. أنسى خيانة (رهف) .. أنسى كل حاجة مُرة إكتشفتها .. أنسى اللي فات

تنهدت (خلود) بعمق قبل أن تنزع من السيجارة المشتعلة نفسا أخيرا أنهى ما تبقى من عمرها ثم تدفعها بجوار أخواتها السابقين في المطفأة .. ثم قالت

- رأي إنك لازم تشغلي نفسك .. يمكن لازم ترجعي تاني .. طول عمرك و الپيانو و الموسيقى هما العالم اللي بترتاحي فيه .. يمكن جيه الوقت إنك تبتدي بحفلة ضخمة .. إحنا قريبين من أبريل .. أنا ممكن أخاطب المعهد و هما يحضرولك حفلة ضخمة .. هما هيتولوا الإعلانات و كل شئ .. ممكن نعملها على المسرح الوطني

- لأ ..

قالتها (فرح) مقاطعة .. فرفعت (خلود) حاجبيها بدهشة

- مش عاوزة أرجع هناك دلوقتي .. يا ريت لو في أي مكان تاني حتى لو هنا في مصر

- -بتنهيدة- ممكن (سيدني) .. أو (مونتريال)

ذكر (مونتريال) جعل صورة (مصطفى) تقفز إلى ذهنها .. إبتسامته الخجول و عيناه المريحتين .. صورته جعلت القلب المتشقق ينبض بوهن .. صورته طفت إلى سطح الحمم السابحة مع دمائها فبردتها .. على الرغم من إشمئزازها الذي يثير غثيانها ناحية الرجال الآن .. إلا أن (مصطفى) شئ أخر .. (مصطفى) جاء عندما كانت مستسلمة للغرق فأخرجها من الماء و أعطاها قبلة الحياة ثم غادر كملاك حقيقي لا ينتظر قطعة منها كالآخرين .. الوحيد الآن بخلاف (خلود) الذي قد تشعر معه ببعض الراحة .. الوحيد الآن بخلاف (خلود) الذي ترغب في أن .. ترتمي في أحضانه!! .. سرت رجفة في جسدها عندما جاءتها تلك الخاطرة غير المتوقعة .. علت حمرة و جهها رغما عنها و هي تقول دون وعي .. دون تخطيط ..

- ممكن (كندا) .. يا ريت (كندا) .. بس (تورنتو)

قالتها بلهجة المستجير من الجحيم .. قالتها بلهفة الغريق إلى طوق نجاة .. قرأت (خلود) ما في عقلها بنظرة واحدة قبل أن تقول في أريحية

- خلاص .. أنا هضبط مع المعهد على كدة .. و هتعملى إيه لغاية معاد الحفلة ؟؟ هتفضلى مستخبية من أهلك ؟؟ مامتك مش هتستحمل .. و لا (رهف) ..

(خلود) تلعب على مشاعرها و لكنها لا تعلم أنها لا تكره شيئا الآن مثل التلاعب بمشاعرها .. تنهدت قبل أن تقول ل(خلود)

- ممكن تبلغيهم إني كويسة بس محتاجة وقت لوحدي .. و لما أهدى هرجع .. بس غالبا مش قبل الحفلة ..

أومأت (خلود) برأسها و إبتسمت إبتسامة مشجعة ل(فرح) قبل أن تمسك بيديها مرة أخرى و تربت عليهما بحنان و حب .. و لأول مرة منذ أسبوعين إبتسمت (فرح)..


                                  تسعة آلاف و مائة و أربعة يوم على الأرض ..

3) القسوة ..

-أربعة عشرة يوما على الحفل-

مغمضة العينين أخذت (فرح) تداعب مفاتيح الپيانو.. لم تمتلك نوتة موسيقية تقرأ منها بل فقط تركت لمشاعرها العنان و بدأت في تحريك أصابعها فوق المفاتيح البيضاء المطعمة بالسوداء فخرج اللحن غريب .. حزين .. جعل العديد من العازفين و العاملين في معهد الكونسرفتوار يسارعون نحو قاعة الپيانو يستمعون إلى تلك الأعجوبة الموسيقية .. وقفت (خلود) على مقربة تستمع و رغما عنها نزلت بعض دموعها .. لم تعد تتعجب قدرة (فرح) الجديدة على نقل مشاعرها و أحاسيسها بالموسيقى .. (فرح) تخطت مرحلة تحويل الصوت إلى موسيقى لتنتقل إلى مستوى أخر لم يبلغه إلا قلة من العازفين عالميا .. نقل مشاعرهم بالموسيقى .. كعادتها .. ألحانها غير مكتوبة أو مُعدة و لكنها مع ذلك سلسة و مستساغة إلى أبعد الحدود .. (فرح) كانت تمتلك القدرة على أن تخلق لحنا كاملا أو سيمفونية بدون تجربة أو محاولات سابقة .. و لهذا كانت هي العازفة الأسطورية .. معجزة القرن الحادي و العشرين .. و لهذا صاحب خبر الإعلان عن حفلها في القاعة الرئيسيّة لأوبرا (تورنتو) (The Opera House of Toronto) ضجة كبيرة عالميا .. ظلت الصحف و بعض البرامج التلفزيونية تتحدث عن الخبر .. إختفت تذاكر الحفل بعد أقل من دقائق .. تم الإعلان عن الحفل بعد شهر و نصف من لقاء (خلود) ب(فرح) .. المعهد العربي الذي يلعب دور وكيل (فرح) لم يدخر جهدا في إعطاء عودتها أجواء أسطورية .. و محبي الموسيقى الكلاسيكية أنفسهم أسعدهم خبر العودة إلى أقصي حد .. كانت الخطوة التالية هي الإعداد للحفل .. إستطاعت (خلود) بسهولة الحصول على موافقة معهد الكونسرفتوار على إستضافة (فرح) طوال شهر قبل السفر إلى كندا إجتمعا سويا طوال هذا الشهر كالأيام القديمة .. يقضيان الساعات الطوال معا .. يضحكان .. يعزفان .. يتدربان .. يتبادلا الأحاديث .. إختفت و تلاشت ثمانية أعوام أو أكثر قليلا فصلت بين آخر لقاء لهما في مسابقة (سيدني) .. شعرت (فرح) لأول مرة منذ فترة طويلة بالراحة و الهدوء .. شعرت أنها عادت حقا إلى عالمها .. لم تتواصل مع أمها أو أختها طوال مدة الشهر .. فقط عرفت من (خلود) أنها طمأنتهما عليها كما إتفقا و طلبت منهما إعطاء مساحة لها لتنسى .. إلا أنها بنهاية الشهر عرفت من الأنباء إعتذار (رهف) عن بطولة أستراليا المفتوحة للتنس .. رغما عن كل شئ شعرت بالضيق .. عرفت أن (رهف) لاتزال تعاني آثار ما حدث .. بداخلها لم تعد تشعر بلهيب الغضب الذي جعلها تغادر القارة بأكملها .. للحق .. بقايا الغضب كان سخاما أكثر منه لهبا .. أحقر من ألا تهتم أو تتجاهل إعتذار (رهف) عن إحدى البطولات الكبرى .. بعد تفكير إستغرق ساعات ضوئية و تردد طلبت رقم هاتف (رهف) المحمول .. كادت أن تغلق الإتصال عندما سمعت صوت (رهف) على الناحية الأخرى .. الصوت القوي .. أو المتظاهر بالقوة .. نغمة حرف اللام المميزة ل(رهف) في كلمة (ألوو) بداخلها شعرت بأن السد الذي شيدته ليمنع أمواج (رهف) من الوصول إليها قد إنهار .. نغمة صوتها الحبيب قد جعلت السد يتصدع و يتساقط و يصبح هباء كأنه لم يكن .. إندفعت الأمواج على السخام المتبقي من لهيب غضبها فأزالته .. مع تكرار كلمة (ألوو) كانت الأمواج قد بلغت قلبها المتشقق و ملأت شقوقه بمشاعرها نحو (رهف) .. خرجت الكلمات من فمها بلا أدنى مجهود أو تخطيط

- وحشتيني يا (رهف) ..

قابلتها صرخة بإسمها من الطرف الأخر و بكاء .. لقد رأت و سمعت من بكاء (رهف) ما لم تراه عمرها بأكمله ..

- بسسسس … بسسسس .. إهدي

- -ببكاء- وحشتيني أوي يا (فرح) .. وحشتييييني أوي ..

- و انتي كمان .. و ماما .. و خالو .. كلكم وحشتوني

- إرجعي بقى يا (فرح) .. مفيش حاجة ليها طعم من غيرك هنا .. أنا و ماما حياتنا وقفت من يوم ما سيبتينا .. أنا مش عارفة أفكر في حاجة أو أركز في حاجة .. أنا إكتشفت لأول مرة إني مش أنا اللي كنت في ضهركم .. إنتم اللي كُنتُم بتقووني عشان أكون في ضهركم .. سامحيني يا (فرح) أرجوكي

- أنا سامحتك من لحظة ما سمعت صوتك دلوقتي ..

قابلها بكاء من الطرف الأخر و نشيج .. شعرت هذه المرة ببكاء (رهف) بسكين جزار صدئ يتلاعب في قلبها .. قطرات حمض تسكب على قلبها ببطء ..

- بس يا (رهف) .. إهدي يا حبيبتي ..

- مش هعرف أهدى غير لما أشوفك و أحضنك .. غير لما أحسك جنبي تاني

- -تتنهد- (رهف) .. أكيد عارفة بخصوص الحفلة في كندا

- -بتنهيدة باكية متقطعة- أيوة

- أنا طلبت من المعهد إنك و ماما و خالو و (أليساندرا) تيجوا هناك .. هنتقابل هناك كلنا .. هنبتدي مع بعض تاني .. و عاوزة منك حاجة واحدة .. شرط وحيد ليا عشان أقدر أسافر و أقابلكم

- هو انتي ممكن ماتسافريش ؟؟

- ممكن لو انتي ما ساعدتنيش

- اللي هتقوليه هنفذه من غير كلام ..

- عاوزاكي ترجعي تشاركي في البطولات .. أنا مش فاهمة أوي و مش عارفة إن كان ممكن ترجعي للبطولة و لا لأ .. بس على الأقل ما تبطليش تاني ..

- -بتنهد عميق- مكنش ينفع أسافر البطولة و أسيب ماما .. حالتها صعبة من يوم ما سيبتي البيت

مرت الكلمات عبر الهاتف إلي أذن (فرح) ثم إلى قلبها مباشرة فضغطته .. وقعت عليه كمطرقة تزن أطنان فسحقته .. أحست بثقل الكلمات فجلست .. أغمضت عينيها في ألم قبل أن تختم المكالمة

- يبقى ما تبطليش تاني .. أشوفكم في (تورنتو) إن شاء الله .. باي يا (رهف)

- (فرح) أست….

قطعت (فرح) الإتصال و أغلقت الهاتف .. عكس سطحه الداكن العاكس وجهها .. ملامحها لم تعد تعرفها .. فيها قوة لم تعرفها من قبل .. و لكنها مع ذلك رأت دمعتان تسيلان على خديها و تتخذان مسارا نحو ذقنها ..

                                                             *********

-سبعة أيام على الحفل-

كان وصول (فرح) إلى كندا مميزا بحق .. لم تدري أنها تمتلك شعبية عالمية حقيقية حقا إلا عندما شاهدت إستقبال العديد من المعجبين و الصحفيين لها فور خروجها من مطار (تورنتو بيرسون الدولي) (Toronto Pearson International Airport) .. لم تكن بطبيعتها ..-السابقة-.. من هواة الظهور و لم تكن من محبي ال(paparazzi) أو (الشو الإعلامي) و البريق الفني .. لكنها باتت مقتنعة حاليا بأنها تستحق ذلك .. (عمر) كان يريدها لكي يحصل على نصيب من هذا البريق .. (عمر) كان يلهث خلف أرباحها و أموالها و شهرتها .. و هي لم تستمتع يوما بما حققته هي نفسها .. الآن حان الوقت لكي تتذوق ما حققته و صنعته .. حلوا .. مرا .. مالحا .. أيما كان مذاقه .. فهو ملكها .. و لها .. (خلود) نفسها لاحظت ذلك التغيير في (فرح) .. وقفتها و هي تستقبل عدسات المصورين .. توقيعها للأوتوجرافات .. إبتسامة (فرح) ليست هي إبتسامتها الصافية الصادقة .. (فرح) ترسم الإبتسامة على وجهها .. إبتسامة زائفة .. إبتسامة نمت على شفاها بلا أي جذور حقيقية في قلبها .. نظرت إلى الأرض في حزن و إبتعدت عن العدسات و مكثت غير بعيد عنها مشعلة سيجارة أخذت تنفث دخانها ببطء و هي تراقب (فرح) .. الحقيقة أن التغيير كان صادما لها و هي التي ظنت أنها إستعادت (فرح) القديمة .. تلميذتها و أختها الصغيرة .. لكنها الآن تظهر أمامها و أمام العالم أجمع بأنها نضجت .. تركت التجارب الماضية و ما خاضته و عرفته الثلاث سنوات الأخيرة تغييرات على شخصيتها .. بساطتها .. برائتها .. نفثت النفس الأخير من السيجارة قبل أن تودعها في المطفأة الجالسة بجانبها و تتجه نحو العربة المعدة لهما لينتقلا إلى الفندق .. لم تلاحظ (فرح) إختفائها إلا بعد المزيد من الدقائق و آلاف الصور و ملايين التوقيعات .. أسرعت بعدها إلى العربة الفاخرة المخصصة لها و ولجت من الباب الخلفي للسيارة و هي ما زالت تحيي المعجبين و الجماهير و الصحفيين ثم أغلقت الباب خلفها و إنطلقت السيارة .. إختفت الإبتسامة فور إنطلاق السيارة و نظرت إلى (خلود) التي كانت تنظر من خلال نافذة السيارة إلي الطريق و قالت بغضب مرح

- كدة تسيبيني لوحدي وسط الهيصة دي ..

أجابت (خلود) و هي ما زالت تنظر من خلال النافذة بصوت بارد

- حسّيت إنك مش محتاجة حد يبقى معاكي وسط الهيصة .. بقيتي بتعرفي تتصرفي لوحدك كويس أوي

الكلمات ألجمت عقال لسان (فرح) فلم تجيب .. فقط نظرت إلى الناحية الأخرى و راقبت الطريق بشرود .. (خلود) محقة و هي تعرف ذلك .. هي لم تعد تحتاج إلى أحد .. هي قادرة على الإعتناء بنفسها جيدا .. الطائر الصغير نما جناحاه و يحلق عاليا الآن .. نحو الشمس .. و هو قادر على تحمل حرارة و لهيب و ضوء الشمس وحده الآن .. لم يعد الظل يناسبها الآن .. من ذَا الذي يرغب بالظل و الشمس هناك ساطعة .. لامعة .. براقة .. قضت سنوات كثيرة .. طوال عمرها تقريبا في الظل متحاشية الشمس .. حتى عندما وجه الأخرون ضوء الشمس إليها من قبل كانت تختبئ وراء أحدهم و تحتمي بظله .. الآن هي لا تحتاج لأحد أو ظل أحدهم ..

- (خلود) ..

قالتها و هي مازالت تنظر إلي الطريق .. إلتفتت إليها (خلود) متسائلة فأكملت (فرح) كلماتها

- عاوزة أشوف (مصطفى) .. عاوزة أشكره ..

- -مبتسمة- يااااه .. أخيرا قولتيها

إلتفتت إليها (فرح) قاطبة حاجبيها في تعجب و هي تنظر إلى إبتسامة (خلود)

- قصدك إيه ؟؟

- قصدي إني كنت عارفة إنك إخترتي (كندا) مخصوص عشان تشوفي (مصطفى) .. و حجزت له تذكرة كمان

بدت إبتسامة -صادقة هذه المرة- تغزو وجه (فرح) و تنفرج أساريرها تدريجيا

                                                          *********

-ثلاثة أيام على الحفل-

لفتت (فرح) الأنظار لها و هي تسير في أرجاء جامعة (تورنتو) (University of Toronto) متجهة إلى قسم الفيزياء الحيوية .. فستانها الصيفي الأنيق الذي نٌقِشَت الزهور عليه و كشف عن ذراعيها و ساقيها .. حذائها ذو الكعب الذي أعطى طولها طولا .. وجهها الذي غزت مساحيق التجميل ملامحه و ظهر على العديد من الإعلانات على جوانب حافلات النقل العام و في الشوارع الرئيسيّة و محطات القطار النفقي و أنفاق المشاة .. تعرفها جميع طلاب الجامعة .. البعض راقبها و البعض تجرأ و سألها التوقيع أو التصوير معها .. بإبتسامة مصطنعة ظلت ملتصقة بوجهها طوال مسارها إلي القسم لبت جميع الطلبات .. مسارها صنع تجمهر صغير عماده طلاب الجامعة و بعض الأساتذة أنفسهم الذين لم يصدقوا وجودها معهم .. وصلت إلى قسم الفيزياء الحيوية و سألت في الإستقبال على (مصطفى) فوجهوها إلى المعمل الرئيسي فذهبت إليه بخطوات كعبين واثقين مؤكدين على خطواتها بطرقات على (البورسلين) الأبيض .. فتح لها حارس أمن الجامعة المرافق باب المعمل فدخلت بثقة و الإبتسامة لا تزال مرتسمة علي وجهها .. رأت (مصطفى) واقفا معتمدا على عكازيه و يتحدث مع بعض مساعديه .. ظهره لها و إن كان الضجيج الذي صاحب دخول (فرح) قد جعله يلتفت مُغاضِبا قبل أن يراها تسير نحوه فتغيرت ملامحه الغاضبة إلى دهشة و خجل .. وصلت (فرح) إليه و الإبتسامة لا تزال مرتسمة على وجهها و إن نبتت لها جذور صدق حقيقية في قلبها جعلها دافئة مشعة .. معدية .. إنتقلت عدواها إلى (مصطفى) فإبتسم بحرارة و خجل .. كادت (فرح) أن تحتضنه عندما بلغته .. رؤيتها له قد أججت بداخلها أشياء لم تعرف أنها موجودة بداخلها له .. لكنها الآن عليها أن تراعي صورتها و أفعالها و تحسب جيدا كل حركة و كلمة في العلن .. (فرح) القديمة لم تكن لتبالي بكل هذا و كانت لتترك لمشاعرها العنان .. أما الآن فهي لا تريد أن يرتبط إسمها ب(مصطفى) في أي شائعات غير حقيقية حاليا .. هو أيضا أراد أن يحتضنها عندما رآها و لكن تحفظه و خجله منعه .. إكتفت (فرح) بأن تمد إليه يديها اليمنى في مصافحة حميمية و إستقبل هو كفها في كفه بحذر أن يهشم اليد البلورية الرقيقة .. دقائق مرت ثم كانا يجلسان في مكتبه الخاص الذي حمل إسمه على بابه -لاحظت و قرأت إسمه على الباب بإعجاب لم تظهره له- ..

- إزيك يا (مصطفى) ؟؟

إنتبهت حواسها و تركزت جميعا في سماعتها .. لأول مرة منذ عرفت (مصطفى) ستسمع صوته .. سيضيف إلى رصيدها صوتا جديدا و مصدرا جديدا لموسيقاها .. مصدر خاص جدا..

- -لامسا طرف نظارته- الحمد لله كويس .. إزيك انتي ؟؟

صوته كان عميقا .. جذابا .. رجوليا .. قويا .. لا يشبه صوت (عمر) و لا نبرته و لا نغمته .. صوته كان يحمل نبرة حب و عشق عرفتها .. نبرة إشتياق و خجل قرأتها .. ستكون السيمفونية الجديدة على نغمات صوته مميزة حقا !!

- أنا الحمد لله كويسة .. زعلانة منك .. شوية طبعا

قالتها مبتسمة في دلال لم يعهده منها فتعجب قبل أن يقول

- زعلانة ؟؟ .. ليه ؟؟

- عشان إختفيت قبل ما أفوق من العملية و قبل ما حتي تهنيني على نجاحها

نظر للأسفل نحو مكتبه .. يداه تعتصران بعضهما البعض .. إنه يحضر لكذبة .. و قبل أن يفتح فمه دخل عليهما فتى يحمل كوبين من القهوة وضعهما على سطح المكتب و غادر .. إنتظر (مصطفى) حتي غادر الفتى ثم قال بلهجة مهتزة

- أسف بجد .. ظروف جدت هنا فجأة و كان لازم أرجع .. و .. وكنت ناوي أجي تاني أشوفك

إبتلعت الكذبة برشفة من قهوتها ثم وقفت و توجهت نحو نافذة مكتبه التي تطل على ساحة الجامعة و ألقت بشرود نظرة على الساحة و الطلاب الذين يجلسون يتذاكرون أو يتحدثون أو يسيرون .. لماذا يكذب عليها ؟؟ .. لا تعرف و لا ترغب في أن تعرف .. قدرتها النفسية على تحمل الأكاذيب من الغير منتهية الصلاحية .. لن تواجهه و ستسايره في كذبته

- إنت عارف ان حفلة رجوعي كمان تلات يام ؟؟

- عارف .. و وصلتني التذكرة .. إنبسطت أوي بصراحة

نبرة صوته صادقة بشدة في مخارج كلمة (إنبسطت) .. لماذا تكذب إذن يا (مصطفى)

- أنا كنت بفكر في فكرة كدة ..

لم يجب و إنتظر أن تكمل .. إلتفتت إليه و هي تقول بحماس

- جزء من الحفل هيكون إني أعزف على الجهاز بتاعك .. مش لاقية طريقة تانية إني أشكرك بيها على اللي عملته معايا غير إني أعرف العالم على الجهاز و مجهودك معايا .. و هيكون شهرة ممتازة ليك و للقسم .. إيه رأيك ؟؟

ملامح التعجب و الصدمة على وجهه أدهشتها .. نظر إلي مكتبه مرة أخرى و هذه المرة وضع راحتي يداه على المكتب بعد أن لامس طرف نظارته بيده اليمنى .. إنه يبحث عما يقوله لأنه يخشى أن يكون جارحا أو حادا ..

- (فرح) .. أنا شاكر ليكي العرض ده .. لكن أنا عملت الجهاز ده عشان أساعد الحالات اللي بتعاني من فقد السمع .. كان هدفي إني أساعد الناس أكتر من إني أتشهر أو أشهر القسم .. أساعد واحدة موهوبة زيك إنها ترجع تاني .. ترجع للي بتحبه ..

نزلت كلماته على حماستها فأطفأتها حتي أنها سمعت صوت ال(طشششش) بداخلها و بخار الحماسة يرفع حرارة غضبها .. قطبت حاجبيها و سكتت لدقيقة قبل أن تقول بصوت لم تستطيع تهدئة نبرة الغضب به

- دكتور (مصطفى) -مشددة على مخارج كلمة دكتور- .. أنا طبعا متشكرة للي عملته و مجهودك معايا قبل كدة .. لكن أنا برضه كنت حابة إن الجهاز ده يكون جزء من رجوعي .. أنا بقالي تلات سنين مختفية و كنت حابة أشارك العالم اللي عديت بيه .. الجهاز ده جزء منه .. رجوعي لازم يكون مميز .. لو مش عاوز العالم يعرف اللي إنت عملته ده شئ يرجعلك .. لكن أنا محتاجة إن الكل يعرف أنا تعبت إزاي و عديت بإيه

هي نفسها لم تصدق القسوة التي كانت في صوتها .. هناك من يتكلم بداخلها بدلا منها .. هناك من يحرك شفاهها و لسانها و يستعمل أحبالها الصوتية ليجعلها تقول هذا الكلام .. القلب المتشقق إمتلأت شقوقه بصديد الخيانة حتى أصبح متحجرا صلدا .. أما (مصطفى) فقد نزلت عليه الكلمات ثقيلة فأمسك سطح المكتب بيديه مستندا عليه كي لا يسقط تحت ثقل الكلمات .. هاله التغيير الذي طرأ على (فرح) .. لأول مرة يلاحظ أن الهالة التي كانت تعلوها و الجناحان الأبيضان قد تلاشا .. لقد أضحت بشر!!! .. كلماتها كانت حادة و قاسية لدرجة أنها أدمت عيناه فدمعتا .. خرجت كلماته من حلقه مملؤة مرارة

- أنسة (فرح) .. الجهاز تحت أمرك .. الجهاز ده أصلا إتعمل عشانك .. لكن أرجوكي تعفيني من متابعته .. أو من حضور الحفلة

تسارعت أنفاسها عند ذكره صناعة الجهاز لها .. لكم عرفت هذا .. و لكم رغبت بأن تسمع هذا .. لكن تراجعه الآن و تحاشيه حضور الحفل أنبأهما بأنها آذته بشدة .. شوكة غرزت عميقا في حلقها فلم تجب لدقيقة .. قبل أن تفاجأ بأن من يستخدم أحبالها الصوتية و شفاهها يجيب

- شكرا يا دكتور .. و لو إنى أتمنى إنك تقدر تيجي ..

قالتها و غادرت مكتبه .. صدرها يعلو و يهبط بسرعة و يزداد كل لحظة .. وجدت أمامها دورات المياه فدخلت دورة مياه الفتيات .. إنسلت بداخل كابينة و أغلقت الباب خلفها .. جلست علي غطاء المرحاض و لم تستطيع منع دموعها أكثر من ذلك ..

لم يستطيع (مصطفى) أن يقوم من مقعده بعدما غادرت (فرح) مكتبه .. شعر بوهن شديد في أعصابه و عضلاته .. لا يملك عضلة واحدة في جسده قادرة على أن تحمل جسده الآن .. لم يصدق أنه يسمع ذلك الكلام من (فرح) بعد كل ذلك الوقت .. لا يعرف ما الذي حدث في الأشهر الماضية لتتغير بهذا الشكل .. هذه النسخة لا تمت بصلة ل(فرح) التي عشقها من عزفها ثم ذاب عشقا فيها عندما رآها و كلّمها و سمعها .. ذلك الملاك لا علاقة له الآن بتلك البشرية الأرضية سوى الشكل فقط .. أم كان هو أحمق و لم يعرفها حق المعرفة وقتها .. هل كان أحمق عندما غادر فجأة خوفا عليها ؟؟ .. لقد خشى أن يفضح حبه لها يوما السر القذر التي إئتمنته عليه (خلود) .. خشى أن يلوثها بخطايا البشر فتنتقل إليها عدوى البشرية الأرضية .. خشى عليها من نفسه!! .. خاف أن يفقد قدرته على كتمان السر يوما و يعلن حقيقة خطيبها الحقيرة .. فزع أن تصدمها حقيقة أنه كان شيطانا حقيقيا و ليس ملاكا كما كانت تعتقد .. أن تعرف دنائته و حقارته .. أن تعرف أن أختها الكبرى (خلود) قد قتلته!!!!


                              تسعة آلاف و مائة و ثمانية عشرة يوم على الأرض ..

4) اسمي .. فرح!! ..

-إحدى عشرة ساعة على الحفل-

طرقت (فرح) باب حجرة (خلود) بكوعها و هي تحمل كوبين من القهوة .. فتحت لها الباب خلود و هي نصف نائمة ترتدي ثياب نوم بسيطة و تتثائب .. إبتسمت لمرأى (فرح) فإنزاحت جانبا تاركة لها المجال لتدخل الحجرة و هي مستندة على الباب برأسها نصف مغمضة العينين .. دخلت (فرح) و هي تضحك قائلة

- أول مرة أعرف إنك كسلانة كدة .. دايماً كنتي بتصحي من بدري و قبليا كمان

قالت (خلود) و هي تتثائب و تغلق الباب

- كنت بصحى بدري لما بنام بدري .. لكن إحنا من ساعة ما جينا هنا و بنسهر كل يوم .. تدريبات و دعوات و سهرات .. أنا كنت بحسب الكنديين بيناموا من بدري .. طلعنا إحنا اللي بنام مع الفراخ .. بس أنا بقى مستغربة إنك صاحية بدري عادي كدة

ضحكت (فرح) بشدة و مدت يدها اليسرى بكوب القهوة إلى (خلود) و هي تقول في حماس

- الحفلة كمان كام ساعة .. أنا تقريبا ماعرفتش أنام .. حاسة إني طايرة .. خايفة و مبسوطة و مرعوبة و فرحانة .. مش عارفة .. حاسة إني هتجنن خلاااص

إبتسمت (خلود) رغما عنها و قالت

- لازم تهدي عشان تقدري على اليوم النهاردة .. اليوم لسة في أوله .. و لسة مش قبل عشر ساعات الحفلة .. لازم تكوني فايقة و مركزة ..

- تفتكري هنجح ؟؟

- نعم ؟؟ .. انتي أكيد بتهزري .. أنا لو كان عندي شك واحد في الألف إنك مش هتولعي الدنيا النهاردة و الناس هتقعد تتحاكي علي اليوم ده لمدة خمسين سنة لقدام .. أنا ماكنتش جبتك هنا من أساسه

إبتسمت (فرح) و قفزت على (خلود) تحتضنها .. بادلتها (خلود) الحضن قبل أن تدفعها برفق قائلة

- أنا عاوزة أدخل الحمام و أخد لي شاور .. أنا لسة صاحية من النوم .. إديني ساعة و هتلاقيني عندك

- عندك مشكلة أستنى هنا .. التليفون عندي ما بيبطلش رِن و بوكيهات الورد زحمت الأودة

ضاحكة أجابت (خلود)

- يا سيييدي .. ماشي يا ستي .. أقعدي براحتك .. أنا داخلة الحمام

إبتسمت (فرح) و أمسكت بكوب القهوة و سارت إلى النافذة .. أخذت تراقب الشارع بالخارج .. نظرت إلي الخارج و سرحت قليلا بأفكارها .. مازالت غصة لقاءها مع (مصطفى) تضايقها .. تؤلمها .. لا تعلم لماذا كانت معه بتلك القسوة .. لكم كانت تشتاق إليه و إلى رؤيته فما الذي غير اللقاء ؟؟ .. و الأسوء أنها لم تحاول إصلاح أي شئ بعد ذلك .. حتى عندما رأت آلته العزيزة تنتقل إلي الحجرات الخلفية للقاعة الرئيسيّة من أجل حفلها لم تتصل به أو تشكره .. لم تقول له كم يعني لها الكثير .. لم تقول له كم ….. كم …. لهثت و هي تحاول التفكير في تلك الكلمة التي يأبى عقلها أن يقولها .. كلمة من حرفين لكنهما يزنان أكثر من كوكب الأرض بأكمله .. شعرت بالتعاسة فجأة و هي تشعر بثقل تلك الكلمة عليها .. ليس الآن الوقت المناسب للشعور بالتعاسة .. ليس الآن الوقت المناسب لرثاء النفس .. اليوم هو يومها الذي إستحقته من قبل أن تولد و من قبل خلق السموات و الأرض .. فكرت أن تفعل شيئا مختلفا يخرجها من حالة التعاسة التي تسيطر عليها .. نظرت حولها في الحجرة فرأت قداحة (خلود) على المائدة المجاورة .. شعرت فجاة برغبة ملحة في تجربة التدخين .. فكرة مجنونة لم تكن لتخطر على بال (فرح) القديمة .. لكنها الآن مستعدة لفعل أي شئ يقتل تلك البلهاء!! .. عزمت على الأمر و بحثت عن علبة السجائر .. نظرت حولها في الحجرة الواسعة و علي المائدة المجاورة للفراش و في الأرفف و الأدراج لا شئ .. نظرت إلى حقيبة (خلود) فحملتها قبل أن تسير نحو الحمام الذي إختفت (خلود) منذ قليل خلف بابه فسمعت صوت الماء المنهمر من الخلف .. طرقت الباب

- أيوة ..

- (خلود) أنا هاخد سيجارة من شنطتك -قالتها نصف مبتسمة-

- مش سامعة ..

- -بصوت أعلى- هاخد سيجارة من شنطتك

- مش سامعة .. أنا خارجة دلوقتي

إبتسمت و فتحت الحقيبة .. لن تمانع (خلود) .. عبثت في محتوياتها قليلا فوجدت علبة السجائر تختبئ خلف جهاز محمول .. جهاز محمول لا يمت إلى (خلود) بصلة .. جهاز آيفون مستخدم .. جهاز تعرفه جيدا و تعرف رمز الدخول إليه .. جهاز (عمر)!!!!

أخذت الجهاز من الحقيبة و قربته إلى بصرها ببطء .. صوت الماء المنهمر من خلف الباب يتوقف .. الجهاز متوفيا تماما لا حياة به .. قلبت الجهاز بين يديها و آلاف الأسئلة تدور في عقلها .. شاشته الداكنة عكست وجهها المذهول .. ضغطت على زر الفتح الجانبي فظهرت التفاحة المقضومة على سطحه قبل أن يظهر طلب رمز الدخول .. 1310 .. يوم خطبتهما .. إختارت هذا التاريخ لأنها إختبرت إيقاع عدة أرقام فكان الإيقاع الأفضل!! .. لم تسأله عن رمز الدخول و لكنه أخبرها به .. تعلم الآن أنه كان يمثل عليها لزرع الثقة بداخلها ناحيته .. توقفت أنفاسها تماما عندما لم يسألها المحمول إعادة المحاولة و فتح قلبه لها .. لا توجد شريحة و بطارية الجهاز منتهية تقريبا لكن بها ما يسمح للعبث بمحتوياته .. ذهبت إلي المكالمات .. أخر مكالمة واردة من رقم غير معروف .. مكالمة (رهف) التي أخبرتها عنها .. إستغرقت دقيقتان و إثنان و عشرين ثانية .. ذهبت إلى الرسائل .. رسائلها الأخيرة لم تصل حتى الآن .. ذهبت إلى محتوى الصور .. فتحته .. صرخت بعدها رغما عنها و ألقت الجهاز على الفراش .. غطت براحة يدها اليمنى فمها و إتسعت عيناها ذعرا و فزعا .. ثوان و حملت الجهاز و أخذت تقلب في الصور .. زاوية تصوير أفقية ل(عمر) عاري الجذع نائما فوق (خلود) -النائمة أو المغشى عليها-!! .. كدمة زرقاء تحت عينها اليسرى .. شفتها ممزقة تنزف .. دماء تسيلان من فتحتي أنفها .. (عمر) يجذبها من شعرها ليظهر وجهها للكاميرا بجوار وجهه .. و هو مبتسم .. صور عديدة تظهر أوضاع أكثر فحشا .. تظهر (عمر) يغتصب (خلود)!!! .. صوت (خلود) تستعد لفتح الباب .. ألقت (فرح) الآيفون على الفراش و جرت نحو باب الحجرة فتحته .. جرت إلى المصعد و طلبته .. وصل المصعد فدلفت بداخله و إنزوت في ركن من أركانه .. الطعم المالح في فمها ليس إلا دموعها .. مدت يدها خلف رأسها و نزعت وصلة الصوت .. لكم تتمنى أن تملك وصلة مشابهة لعينيها .. وصلت إلى الدور الأرضي فخرجت تائهة من المصعد .. قادتها قدماها بلا أي وعي منها للخارج .. أخذت تسير فقط و دموعها تسيل .. مذاق الدموع إختلط بألم بدأ يغزو صدرها فلم تبالي .. مذاق مالح صدئ مقزز .. سارت و سارت .. لا ترى أين تسير .. سارت حتى إنهارت ساقيها على مقعد في حديقة مجاورة لقاعة الأوبرا .. جلست هناك مطرقة الرأس .. لا تعلم ماذا تفعل .. الصور تقتحم مخيلتها و لا تستطيع أن تمحوها .. (عمر) كان شيطانا بكل ما تحمله الكلمة من معنى .. لم يكن ملاكا قط .. كتلة متحركة تحرق ما حولها و من حولها .. و لأول مرة تدرك أنها هي من أقحمت (عمر) و أدخلته إلى عالمها و عائلتها .. هي من تسببت بكل ذلك الألم و العذاب لها و للآخرين .. هي المذنبة الحقيقية وراء كل ما حدث لأختيها و أمها .. هي ببلاهتها و سذاجتها .. هي بحماقتها و عدم قدرتها على التعامل مع الغير .. دموعها تزداد ملوحة في فمها .. أم لعله مرارا؟؟ .. فجأة شعرت بتلك اليد توضع على كتفها ففزعت .. رفعت رأسها فوجدت (خلود) بجانبها تلهث .. شعرها مبتل ملتصق بجبهتها و رأسها .. عيناها تحملان ألما و قلقا و خزي و صرخة مغتصبة كتمتها بداخلها لأعوام .. لم تجرؤ (فرح) على النظر إلى عينيها كثيرا .. ألصقت عينيها بالأرض و أخذت تبكي بحرقة آثار حماسة صداعها النصفي .. آلمت حرارة بكائها و تأوهاتها (خلود) نفسها .. إحتضنت (خلود) رأس (فرح) في صدرها .. أخذت تربت على رأسها بهدوء و هي تقاوم البكاء

                                                        *********

                     سبعة آلاف و ثمانمائة و ثمانية و تسعون يوما على الأرض ..

وصلت (خلود) إلى (لندن) فور حصولها على تصريح الدخول إلى إنجلترا .. لم تتحمل أن تظل بعيدا عند سماعها لخبر حادثة (فرح) .. بكت بين أحضان (محمود) زوجها قبل أن يساعدها في الحصول على تصريح الدخول إلى المملكة المتحدة .. إستغرق التصريح وقتا أفاقت خلاله (فرح) من غيبوبتها إلا أن ذلك لم يمنعها من الذهاب .. حجز لها (محمود) تذكرة الطيران و رافقها حتى المطار .. توجهت من المطار إلي المستشفى .. سألت عن (فرح) .. لم يكن الأمر يحتاج إلى الكثير كي تتوجه إلى حجرتها .. مشاعرها المتضاربة بين الفرح بنجاة (فرح) و بين ما علمته من إصابتها بالصمم حين هاتفت (رهف) جعلها وجلة من الدخول إلى حجرتها فور وصولها .. دخلت إلى كافيتريا المستشفى طالبة للقهوة تساعدها على مواجهة الحزن الذي ستشعر به عندما تتحدث مع (فرح) .. التحدث بالكتابة على لوح بلاستيكي .. ذلك ما قالته لها (رهف) عبر الهاتف .. لكم تخيلت تلك اللحظة آلاف المرات قبل مجيئها و أثناء رحلة الطائرة و حتى وصولها إلى المستشفى .. و في كل مرة و في كل سيناريو و حوار دار بعقلها كانت ترى نفسها تبكي .. بل وأكثر من ذلك .. أنها كانت تبكي فعليا و هي تتخيل هذا .. و سيكون منتهى الحماقة أن تبكي أمام (فرح) .. طلبت كوب القهوة و جلست تحتسيها في شرود مذكرة نفسها بضرورة الهدوء التام و التحكم بالنفس و عدم البكاء عند رؤيتها ل(فرح) .. جاء رجلان من خلفها و جلسا على المائدة المجاورة أحدهما كهل شديد النحافة و الآخر شاب أسمر الملامح فيه شئ من الوسامة الخشنة .. ملامحه تشي بأنها مصرية أبا عن جدا أما ملامح الكهل فمن الصعب تحديد جنسيتها .. لكن الملاحظ أن الإثنين كانا يتحدثان المصرية .. دون قصد إستمعت إلى المحادثة اللعينة .. عرفت منها من هو خال (فرح) الذي تراه لأول مرة .. و رأت ضعفه و جبنه أمام الآخر .. خطيب (فرح) الذي بدا لها وغدا .. وغدا يفوق قدرتها على التحمل .. وغد يذكرها بمدير الفندق الديوث و رواد الفندق و صاحب السعادة و معاونه القواد .. وغد يذكرها بكل ما كرهت و تكره و ستكره يوما .. إستمعت إلى كامل المحادثة و هي تكاد تحطم كوب القهوة الساخنة بين يديها كلما إستمعت إلى حقارة الكلمات الخارجة من فم مبعوث القذارة (عمر) .. إنتظرت حتى إنصرفا .. أخذت تعيد ترتيب أفكارها .. منذ عرفت (فرح) و هي أختها الصغرى التي لم تحظى بها يوما .. كانت (فرح) للحق أقرب إليها من أختها الحقيقيه .. فلتُلعَن ألف مرة بين أرجاء السماء إن سمحت لذلك المسخ بأن يستغلها و يستغل عائلتها بذلك الشكل الحقير .. سيكون عليها أن تتصرف معه .. سيكون عليها أن تحاول حماية أختها الصغرى ..

                                                          *********

                              سبعة آلاف و تسعمائة و عشرة يوما على الأرض ..

                                          -الساعة الثالثة و الربع مساءا-

نزلت (خلود) من مبنى المجلة التي -كان- يعمل بها (عمر) بمصر الجديدة .. حصلت بعد رشوة السكرتيرة على تفصيل عنوانه .. ميوعتها و طريقتها و معرفتها للعنوان بتفاصيل دقيقة دلها على ما خمنته من قبل .. (فرح) وقعت بين براثن ذئب مسعور .. خنزير نجس .. ليت (محمود) كان هنا ليساعدها و لكنه للأسف في جولة خارجية مع الأوركسترا .. و لن تنتظر شهرا حتى يعود ليساعدها .. ركبت سيارتها و تركتها تبلغ شارع 26 يوليو قبل أن تتبع إرشادات السكرتيرة -الدقيقة جدا- لبيت (عمر) .. تركت العربة واقفة على الشارع الرئيسي حيث لن تستطيع الولوج إلى الشارع الضيق القاطن به المنزل .. سارت متحاشية مياه المجاري التي صبغت لون الأرض و رائحة الأجواء داخل الشارع الضيق .. حتى بلغت العمارة -دقيقة جدا تلك الفتاة بوصفها الرسومات و الكلمات البذيئة على حائط العمارة- .. طرقت الباب ففتحه (عمر) و هو يبتسم في ثقة إلا أن الإبتسامة تلاشت عندما وجد تلك الشقراء على الناحية الأخرى من الباب .. نظر لها مستفسرا في حين أحست هي بالحرج لرؤيته نصف عاري نظرت إلى الأرض و هي تقول في حرج بالغ

- أستاذ (عمر) ..

رفع (عمر) حاجبيه متسائلا و هو يسأل

- أيوة .. أنا (عمر) .. أفندم ؟؟

- ممكن نتكلم شوية ؟؟ .. -لازالت تنظر إلى الأرض-

- حضرتك مين الأول ؟؟

- أنا (خلود) .. مدرسة (فرح) في المدرسة و المعهد .. أكيد سمعت عني ..

- أااااه .. أيوة .. أيوة .. أهلا وسهلا .. معلش أنا أسف إني فتحت كدة .. كنت مستني حد أعرفه

هزت رأسها متفهمة قبل أن تقول

- حضرتك عندك مانع إننا نتكلم شوية .. أنا هستنى هنا لغاية ما حضرتك تلبس

- -بتنهيدة عصبية- أنا قلت لحضرتك إني مستني حد أعرفه .. و معلش .. ممكن نخليها وقت تاني ؟؟

- مش هاخد من وقت حضرتك كتير .. كلامي ممكن يكون مفيد ..

- -تنهد بعصبية- طيب ممكن أعرف بخصوص إيه ؟؟

إلتقطت نفسا عميقا طويلا قبل أن تقول و هي تخرجه ببطء

- أنا هكون مباشرة .. أنا كنت في المستشفى في إنجلترا .. و سمعت بالصدفة كلامك مع خال (فرح) في الكافتيريا ..

- -بإبتسامة ساخرة- (صلوحة) .. و بعدين ؟؟

رفعت عينيها لأول مرة إلى عينيه منذ لحظة فتح لها الباب و رأت فيهما لا مبالاة و تحدي ..

- أنا عارفة كل حاجة

- أيوة .. و بعدين ؟؟ ماردتيش على سؤالي ؟؟

التحدي في عينيه و الثقة المجنونة كانتا بأعلى معدلاتها .. بدأ الدم يتصاعد إلى رأسها هي نفسها و قالت بشئ من العصبية

- بعدين مطلوب منك إنك تبعد عن (فرح) .. مطلوب منك إنك تسيبها و أختها في حالهم

- و إيه اللي هستفاده ؟؟

- أنا ممكن أتصرف لك في مبلغ كدة و إنت تختفي ..

نظر لها بحدة أخافتها .. يشبه الذئب الحقيقي بعينه و نظراته و ذقنه نصف الحليقة

- بصي ياااا .. مش فاكر إسمك .. مش مهم .. لو انتي عارفة كل حاجة يبقى تعرفي إني معايا السر كله .. سر أختها .. و اللي حصل .. (فرح) خاتم في صباعي و هتصدق أي حاجة أقولها ده غير إني صحفي و أقدر أولع الدنيا حوالين (رهف) .. من الأخر كلكم هتخسروا لو لعبتوا معايا ..

قالها و اللعاب يتطاير من فمه و التحدي في عينيه يتحول إلى جنون .. ذكرها بمدير الفندق في هذا المشهد و هو يحاول أن يقنعها أنه ليس قوادا ديوثا .. ردت بعصبية و توحش

- بص يا بتاع إنت .. إنت لا صحفي و لا نيلة .. إنت اترفدت من المجلة الكحيانة اللي كانت لماك .. إنت حتة عيل صايع مالكش أي تلاتين لازمة .. الحركتين اللي عملتهم قصاد خال (فرح) دول يخيلوا عليه إكمنه مايعرفش يتعامل مع أمثالك .. إنما أنا عارفة أخرك و أخرة حركاتك .. أنا ليا معارف ممكن يفعصوك في لحظة .. و مفيش لا جرنال و لا مجلة هتدخلهم تاني أو يشغلوك تاني .. و اللي ماتعرفوش ان علاقتي ب(فرح) تخليني أعرف أقنعها برض….

لم تتوقع اللكمة التي أصابت وجهها و جعلت العالم يظلم ..


                           سبعة آلاف و تسعمائة و عشرة يوما على الأرض ..

                           -الساعة الثالثة و خمس و عشرين دقيقة مساءا-

لم يعد يستطيع السيطرة على أعصابه .. هذا ليس مزاحا .. إنه فقد عقله -بصيغة الماضي- و ليس يفقده -بصيغة المضارع- كما كان يعتقد .. هكذا فكر و هو يلهث و ينظر إلى الشقراء المتكومة تحت قدميه .. أخذ يقبض و يبسط أصابع يده اليمنى عدة مرات قبل أن ينظر إلى مدخل العمارة ليتأكد أن أحد لم يشاهد أي شئ .. .. إنحنى على (خلود) و جذبها من يديها و جر جسدها على الأرض إلى داخل الشقة ثم أغلق الباب .. ذهب فجلس على الأريكة بمجرد دخوله ثم أخذ يلهث .. ضم قبضتيه تحت ذقنه و إرتكز بمرفقيه على ركبتيه و هو ينظر إلى الجسد المتكوم .. لقد إستفزته .. هددت مَلِكَه و تحدته أن يحرك أي قطعة .. وقفت تصيح عليه (كش ملك) و إنتظرت منه أن يستسلم .. إنتظرت منه أن يُنَكِّس ملكه بنفسه معلنا هزيمته !! .. و لكنها -الحمقاء- لا تعلمه جيدا .. نظر إلى الساعة فوجد عقرب الدقائق يعانق الرقم 6 .. جاءت نظرة أخرى منه إلى المائدة فوجد زجاجة الأبسينث تناجيه و تغريه .. قام فقبل فوهتها بفمه و إرتشف جرعة عالية من المحتوى المتبقي .. الجنون في زجاجة أبسينث خضراء و حركة (كش ملك) غبية من شخص لا يدري مدى قوته .. و عقل فقد القدرة على التفكير المنطقي .. هل يقتلها ؟؟ .. لقد جرب القتل مرة .. القتل الخطأ .. و النتيجة أن شبح اللعينة (كارول) يأبى تركه ينام أو أن ينعم بأحلامه .. يجب أن يُخرِس ذلك الفم الصَيَّاح .. يجب أن يقلب حركتها اللعينة عليها .. يجب أن يموت ملكها و ملكتها و جميع بيادقها و قطعها .. لا أحد يتحداه .. لا أحد .. لا أحد يكسبه في لعبة الشطرنج .. سمع تأوهات تصدر منها .. إحتسى المتبقي من زجاجة الأبسينث و قام من مكانه نحوها .. يجب عقاب من هدد مَلِكَه .. يجب تحطيمها!! .. وضع الزجاجة بجانب جسدها الذي يحاول التماسك ثم ألتف و أمسك بقدميها و جرها فوق البلاط الأسمنتي إلى غرفة نومه .. إنه يعرف ما سيفعل بها .. يعرف كيف سيبقيها صامتة .. لطمت بيدها زجاجة الأبسينث فوقعت و إنكسرت قرب باب غرفته .. ثارت دمائه لرؤية الزجاجة المكسورة فترك قدميها و و مال على وجهها و كال لكمة أخرى إلى فكها جعلت رأسها ترتطم بالبلاط و تفقدها الوعي مرة أخرى و لكمتين أخرتين فجرا الدماء في شفتاها و فمها و أنفها .. اللون الأحمر كان وقودا زاد من جنونه المتصاعد كصاروخ يغادر الغلاف الجوي .. و لا يعلم متى سيتوقف!! .. جرها حتى الفراش ثم حملها و ألقاها فوقه .. ذهب و جلب محموله ثم خلع المنشفة و ألقاها على الأريكة .. نظر إلى الساعة وجد العقرب الكبير يعانق الرقم 7 هذه المرة .. يجب أن ينتهي سريعا من ذلك العقاب ليتمكن من وجبته الرئيسيّة اليوم ..


                            سبعة آلاف و تسعمائة و عشرة يوما على الأرض ..

                                  -الساعة الثالثة و خمسون دقيقة مساءا-

فتحت (خلود) عينيها فشعرت بالعالم يهتز و يدور حولها .. رأسها بها ألف ناقوس يدق و جسدها يأبى أن يستجيب لها .. الآلام في كل قطعة من وجهها و جسدها .. فجأة عادت حواسها للعمل .. كان أولها تنشق رائحة الخمر القوية المنبعثة من فم الجاثم فوقها قبل أن تشعر بما يحدث لها .. صرخت عندما أحست بما يفعله فكتم فمها الدامي بيده و إستمر في بث المزيد من رائحة الخمر الرديئة لأنفها .. بدأت تتحرك بعنف مدافعة عن نفسها و جسدها و جاهدت لتدفعه بعيدا عنها .. لطمتين من يده التي كانت تكمم فمها على خديها جعلاها تصرخ ألما و تزداد مقاومتها عنفا فأصابت نقطة ضعفه بقوة جعلته يتألم و ينثني على نفسه .. قفزت عندما زال وزنه من فوقها إلى الأرض لكن العالم كله دار بها و جعلها تقع على وجهها .. زحفت باكية إلى خارج الحجرة قبل أن تستطيع بصعوبة القيام على قدميها مرة أخرى .. سارت مترنحة بساقين رخوتين إلي باب الشقة الذي إبتعد عنها مئات الأمتار .. وصلت إليه لاهثة باكية منهارة بعد سنين .. بصعوبة فتحت مزلاجه قبل أن تشعر بالوغد خلفها يجذبها من شعرها إلى الخلف

- رايحة فين يا بنت ال(…….) ..

لم تستطيع مقاومة جذب شعرها فصرخت و وقعت على ظهرها .. بوحشية جرها من شعرها هذه المرة نحو حجرة النوم مرة أخرى .. لم تستطيع مقاومته و هي تُسحَب سَحبَا إلى الخلف فقط مدت يدها في يأس تحاول التشبث بأي شئ فوجدت الجزء العلوي من زجاجة خضراء اللون على مدخل الحجرة -بلا تعمد أمسكتهامن رقبتها- .. رفعها القذر من رقبتها و ألقاها على الفراش .. جزء من زجاجة خضراء يحمل طرفه الأخر قطع حادة تكفي ل .. لطمها بقوة علي وجهها فتأوهت و رفعت يديها ناحيته و هي مغمضة العينين مدافعة عن نفسها دون أن تنتبه أن الطرف الحاد يواجه صدره .. فتحت عينيها عندما توقف كل شئ فوجدته يحدق بها بعينين تحملان أسفا و رعبا .. السائل الأحمر ينسكب من فوهة الزجاجة الضيق و يتساقط عليها .. أخذت تنشج في إنهيار و لم تصرخ .. و لم تترك فوهة الزجاجة من يديها .. لم تتركها إلا عندما وقع على وجهه فوق الفراش حاضنا إياه .. تقبل الفراش حضنه و أخذ يتشرب دمائه .. دماء ممزوجة بخمر الأبسينث الفاخر ..


                         سبعة آلاف و تسعمائة و عشرة يوما على الأرض ..

                                         -الساعة الرابعة مساءا-

صمت تماما عندما غاصت الزجاجة عميقا داخل صدره .. لم يصرخ أو يصدر صوت ألم .. لم يقاومها كثيرا .. بدأ غضبه و جنونه يتسربا تدريجيا من موضع الثقب في صدره كما يتسرب الهواء من بالون مثقوب .. فقط جال في ذهنه أن زجاجة الأبسينث نجحت في إستئصال الغضب و الجنون من قلبه .. و إن لم يكن الحل في شرب محتواها .. بل كان الحل في تلقي زجاجها في قلبه .. لا يعلم لماذا .. و لكنه يشعر في هذه اللحظة بأنه يستحق ذلك .. نظر نحو الشقراء المحطمة أسفل منه فوجدها تنظر إليه في فزع صامت .. لم يستطع الإعتذار منها .. لا يستطيع تحريك لسانه ليلفظ أي كلمة أسف .. ربما تنقل دمائه المتسربة إليها إعتذاره الأخير .. خاطر جال بذهنه فجأة .. (رهف) لم تأتي حتى الآن!! .. كان من الممكن أن تكون هي في ذلك الموضع أسفله إذا جاءت في موعدها .. و كانت سترى صورتها بداخل قلبه حين تشق طريقها نحوه بالزجاجة .. شعر بالفراش يناديه فلبي النداء و ترك جسده يستسلم للجاذبية .. إنه تعب .. تعب من نوم هجر مضجعه لليالي و فتاة لم .. و لن ينالها .. و طموحات لن يستطيع أن يلبيها بعد الآن .. ربما كان هذا من بقايا الجنون .. لكنه وجد بجانبه على الفراش (كارول) بعنقها المتحطم تنظر إليه مبتسمة شامتة ثم لم يعد يرى أي شئ يمت لدنيانا بصلة.


سبعة آلاف و تسعمائة و عشرة يوما على الأرض ..

-الساعة الرابعة مساءا-

تجمدت (خلود) في فزع تتأمل ما حدث .. تتأمل جسدها المنتهك و وجهها المغتصب و الجثة الفاقدة الروح أمامها .. دموعها تسيل مع دمائه .. و الفراش يتشرب مزيج الدماء و الدموع .. طرقات على باب الشقة .. لم تجد في جسدها القدرة على القيام حتى من مكانها .. الطرقات تتزايد .. ثم إتصال على محمول الوغد فاقد الروح أمامها .. أعقب ذلك صوت خطوات و صوت (رهف) يصيح ب(عمر) .. بجهد رتقت أحبالها المهترئة و صاحت على (رهف) بصوت مبحوح مكتوم .. أقل من ثانية و كانت (رهف) على باب الحجرة .. وضعت يدها على فمها عندما شاهدت المشهد .. لم تحتاج إلى أي شرح كي تعرف ما حدث .. صمتت للحظة متأملة المشهد قبل أن تسرع نحو (خلود) و تحتضنها بشدة إنفجرت على أثرها الدموع كالإنفجار العظيم من عيني (خلود)

- إهدي يا (خلود) .. إهدي ..

لم تجب (خلود) فقد غابت في بكائها ..

- (خلود) .. (خلود) إسمعيني .. إحنا لازم نمشي من هنا ..

لم تجب (خلود) أو تفعل أي شئ ..

- (خلود) .. مفيش وقت .. مانعرفش مين هيجي .. يلا بينا حالا ..

جذبتها من يدها فتبعتها (خلود) بلا إرادة أو وعي .. ناولتها ملابسها المزالة من عليها و دفعتها لتلبسها .. مسحت بطرف الملاءة موضع أصابع (خلود) علي الزجاجة .. كادت تبصق علي الجثة العارية أمامها لكنها قاومت .. وجدت كاميرا الهاتف تعمل فعرفت ما كان يفعله فبصقت على جثته هذه المرة و أخذت المحمول .. أخرجت نظارة شمسية وضعتها علي عين (خلود) المتورمة .. قبل أن تجذبها خارج الشقة سمعت أحدهم يدخل من باب الشقة .. دفعت (خلود) نحو الحمام و تركت فتحة ضئيلة من الباب الموارب تنظر من خلالها .. إنتظرت حتى غادرت فتاة الإستقبال ثم جذبت (خلود) معها خارج الشقة .. دقيقة و كانت تقود سيارة (خلود) نحو فندقها ..

سبعة آلاف و تسعمائة و عشرة يوما على الأرض ..

-الساعة السابعة مساءا-

جلست (خلود) تشرب كوب من الماء .. إرتجفت و هي تشرب الكوب فإنسكب قليلا من الماء على رداء الإستحمام الذي ترتديه .. هرعت (رهف) فأخذت الكوب من يدها و إحتضنت رأسها المبلل بالماء إلي صدرها فلم تتمالك (خلود) نفسها فتركت لدموعها العنان مرة أخرى تبلل صدر (رهف)

- بس يا (خلود) .. بس .. بس يا حبيبتي ..

- أنا قرفانة أوي يا (رهف) .. قرفانة من نفسي .. و مش مصدقة إني قتلت ..

- شششش .. إهدي يا (خلود) .. انتي مالكيش أي ذنب في اللي حصل .. ده كان (……) يستحق إنه يتقتل ألف مرة .. صدقيني أنا ماكنتش هندم لحظة واحدة لو كنت قتلته .. القتل ده أقل حاجة كان ممكن يستحقه بعد اللي عمله فيكي .. ده رحمة ليه إنه بس يتقتل

إزداد بكاء (خلود) على صدرها .. فأخذت (رهف) تهدئ من روعها و تمسح علي شعرها المبلل .. قبل أن تقول بصوت إجتهدت لتجعله هادئا

- (خلود) .. لازم محدش يعرف باللي حصل .. بكرة يلاقوا جثته النتنة بس مفيش أي دليل على أي حاجة .. محدش هيعرف حاجة ..

لم تجب (خلود) .. أخذت دموعها تسيل في صمت فوق صدر (رهف) تبلله .. تركت (رهف) رأس (خلود) و جلست بجانبها و إحتضنتها .. قبل أن تمد يدها بهاتف (عمر) إليها و هي تقول

- أنا شلت الشريحة من تليفون الكلب .. فاضل إنك تتخلصي منه و من الصور اللي عليه .. إحرقيه .. فتفتيه .. بس لازم تتخلصي منه

أخذت (خلود) الهاتف من (رهف) و لم تظهر أي ردة فعل أو تجيب .. فقط لم تستطيع كتمان المزيد من الدموع

تسعة آلاف و مائة و ثمانية عشرة يوم على الأرض ..

-عشرة ساعات على الحفل-

جلست (خلود) بجوار (فرح) على المقعد يتأملان الحديقة و من فيها .. (فرح) شاردة بنظرها بعيدا .. كل ما عرفته كان أقوى منها .. كم تكره نفسها في هذه اللحظة .. كم تكره كيف أنها حطمت من تحبهم حولها .. إنها فيروس لا ينشر حوله سوى الخراب .. هي من جلبت ذلك الشؤم إلى حياتهم جميعا ..

- التليفون كان معاكي ليه يا (خلود)؟؟ -قالتها بشرود حزين-

- -تنهيدة عميقة- أنا قعدت أسابيع بعد اللي حصل في حالة إكتئاب و صدمة .. كنت بنهار و أعيط لما أكون لوحدي .. كنت بستحمى في اليوم أكتر من عشر مرات .. مشهد دمه و هو نازل منه كان بيصحيني من النوم .. العلاقة بيني و بين (محمود) كانت بتسوء رغم اني كنت بحاول أكون طبيعية قصاده بس برضه هو حس بحاجة .. و بالذات لما كنت بهرب منه لو حاول يقربلي .. في وسط ده كله ماكنتش فايقة إني أخلص من الموبيل .. روحت من ورا (محمود) لدكتورة نفسية متخصصة في علاج ضحايا …. -لهثت مقاومة دموعها ثم أخذت نفسا عميقا- …. تابعت معاها لفترة .. لغاية ما ابتديت أحس بالتحسن .. لما فوقت شويه و حاولت اتصرف فيه ماعرفتش أفتحه عشان امسح اللي عليه .. ماعرفتش اروح لحد يساعدني .. كنت حتى خايفة لو حاولت أخلص منه يقع في أيد حد يعرف يطلع اللي عليه و يتفضح اللي حصل .. فضل معايا .. مابيفارقنيش ..

- أنا أسفة يا (خلود) ..

قالتها بعسر بالغ بعد أن إبتلعت عصارتها الحمضية و دموعها .. لم تجب (خلود) في الحال .. صمتت لعدة ثوان مقاومة دموعها قبل أن تقول

- (فرح) .. أنا ماكنش نفسي تشوفي اللي على الموبيل .. و لا كنت اتمنى انك تعرفي اللي حصل .. حاولنا أنا و (رهف) نخبي عليكي حقيقة الحيوان ده عشان ماتتصدميش .. لكن ربنا شاء انك تعرفي غصب عننا .. أكيد لخير ده حصل .. يمكن عشان تشوفي الناس اللي بتحبك بجد .. يمكن علشان أقدر أخلص أخيراً من الحاجة اللي بتفكرني كل لحظة باللي حصل -تنهيدة عميقة- .. يمكن لحاجة تالتة انا مش عارفاها .. لكن .. زي ما قلتلك قبل كدة .. انتي مش هتتخيلي أنا ممكن أعمل عشانك إيه .. بيتهيألي دلوقتي انتي فهمتي معنى كلامي .. يمكن دلوقتي فهمتي أنا كنت صادقة إزاي و أنا بقولها .. انتي حواليكي كتير بيحبوكي .. كلهم مستعدين يضحوا بنفسهم عشانك من غير مقابل .. بس عشان بيحبوكي .. انتي إتضحك عليكي من إنسان واطي .. بس .. الحمد لله .. الخساير معظمها إتصلح .. حتى أنا .. تقريبا .. لكن من ساعة ما (مصطفى) ظهر في حياتك .. من ساعة ما قدر يرجعك لينا و أنا بتحسن .. أنا طبعا ما نسيتش اللي حصل و مش هقدر أنساه .. لكن هقدر أعيش أحسن دلوقتي على الأقل لما أشوفك و انتي بترجعي بجد .. بترجعي (فرح) ..

- (فرح) اللي انتي عاوزاها دي يا (خلود) هي السبب في كل اللي حصل .. هبلة .. بتتعامل مع الناس كلهم على أساس إنهم صادقين .. (فرح) اللي كانت الدنيا بالنسبة لها الپيانوو الموسيقى .. (فرح) اللي كانت فاكرة الشياطين ملايكة .. (فرح) دي هي اللي فعلا أذيتك و أذت (رهف) و آذت نفسها لما دخلت كلب مسعور عليهم .. الخروف الأهبل اللي فتح للديب و صدقه .. تفتكري انتي ممكن تثقي أو تطمني حوالين (فرح) دي ..

قالت (فرح) كلماتها و هي تشعر بأن كل كلمة سكينا تقطع أحشائها .. تقطع أحبالها الصوتية و تمزق قلبها .. تنهدت (خلود) ثم قالت في لين

- (فرح) دي أنا و كل اللي حواليها حبيناها .. و إن كانت غلطت زي ما بتقولي .. فهي هتفضل في نظرنا ملاك .. الملاك ده وجوده في حياتنا بيسعدنا .. صدقيني .. مفيش حاجة هتعوض اللي حصلي غير إني أشوف نجاحك النهاردة .. غير إني أشوفه تاني في عيون (فرح) اللي أنا عارفاها .. هتساعديني في ده يا (فرح) ؟؟ ..

لم تجب (فرح) .. فقط إرتمت في حضن (خلود) .. ظلت شاردة و رأسها يتوسد كتف (خلود) .. فكرة واحدة جالت في خاطرها ..

- (مصطفى) يعرف اللي حصل ؟؟

لم تجيب (خلود) .. صمتت لدقيقة قبل أن تتنهد و تقول

- أنا حكيت ل(مصطفى) اللي حصل و أنا بطلب منه يفضّل جنبك و يخليكي تنسي (عمر) .. حكيت له و أنا عارفة إنه بيحبك .. بيحبك بجد .. لكن اللي حكيتهوله خلاه يعتذر .. قالي بالحرف إنه ما يتمناش غير إنه يشوفك سعيدة .. تفضلي بريئة زي ما انتي .. قالي أنا هيبقى صعب عليا أقرب ل(فرح) و فصدري سر زي ده .. و أخاف للسر يتفضح و (فرح) تنهار .. أخاف عليها تتصدم و ما تستحملش .. چنتلمان بجد ..

صمتت (فرح) و لم تجيب .. فقط شعرت بمذاق الدموع المالح في فمها مرة أخرى

تسعة آلاف و مائة و ثمانية عشرة يوم على الأرض ..

-ساعتان على الحفل-

جالسة في حجرتها المعدة لها خلف القاعة الرئيسيّة في أوبرا (تورنتو) .. خصلات شعرها الحريرية إتحدت برباط مطاطي و تدلت خلفها حرة كذيل حصان عربي تداعب ظهر فستانها المخملي الأسود الذي إنسدل بنعومة على جسدها حتى قدميها قبل أن يتوارى في إستحياء عن ذراعيها و جيدها كاشفا عن بشرة بلورية بلون الثلج .. تنظر إلى المرآة أمامها تتأمل ملامحها في إرهاق .. كان (المكياج) الذي وضعته لها خبيرة التجميل أكثر مما إعتادت وضعه طوال حياتها .. شعرت أنها تتأمل وجها لأحدا أخر الآن .. وجه يشبهها و لكنه ليس لها .. أمسكت بقطع قطن مبتلة بالكحول تزيل مساحيق التجميل من على وجهها .. ببطء بدأت تظهر ملامحها دون أي تجميل .. الشئ الوحيد الذي لم يزيله القطن كانت معاناة و تجارب خبرتها .. أصبحت من معالم وجهها غير القابلة للإستبدال .. قررت أن تداريهم بنفسها بالمساحيق و لكن برتوش بسيطة .. ستعود إلي الحفل كما إعتادت أن تؤدي حفلاتها .. أمسكت بفرشاة لتضيف بعض ال(eye shadow) فوق جفنيها قبل أن ترى أمامها على سطح المرآة (رهف) و هي تقفز و تمرح حولها .. (خلود) و هي تنظر لها مبتسمة بحب بعد عزف مقطوعة معا في المعهد .. أمها و هي تمسك بيدها و تدخل معها عيادة طبيب نفسي .. (مصطفى) و هو يتحاشى النظر في عينيها بخجله و يبتسم لها .. في حب .. سمعت طرقات على الباب فطلبت من الطارق الدخول .. إنفتح الباب فظهرت أمها و (رهف) .. صرخت و قامت بقفزة من على مقعدها و إرتمت في حضن أمها .. إحتضنتها أمها بشدة من الأمام و إحتضنتها (رهف) بشدة أكبر من الخلف لمدة دقيقة ظلت (فرح) بين حضنيهما .. الآن فقط .. بدت تشعر بالسكينة تهبط عليها تدريجيا ..

تسعة آلاف و مائة و ثمانية عشرة يوم على الأرض .. مساءا

إنفجرت القاعة بالتصفيق فور ظهورها على خشبة المسرح .. وقفت تحييهم و هي واقفة بجانب الپيانوالأسود الفخم .. إنتظرت لثوان حتى هدأ التصفيق ثم جلست على الپيانو .. أخذت نفسا عميقا ثم أطلقته برفق .. أغمضت عينيها محاوله إسترجاع كل لحظاتها السعيدة من حياتها .. لن يكون رجوعها حزينا .. لن يكون تظاهراً .. ستبث للحشد هنا السعادة التي عاشتها في حياتها -فقط عليها أن تجدها الآن- .. (عمر) كان ذئبا متنكرا في صورة آدمي مزقهم بأنيابه جميعا .. سارعت محاولة إزالة تلك الفكرة السوداء من رأسها .. إستدعت ذكرى الحضن الدافئ منذ ساعتين بين ذراعي أمها و أختها .. (عمر) خانها و خدعها و سحقها .. أغمضت عينيها بشدة و هزت رأسها لتُنَحي تلك الصورة من رأسها .. الحمل الساذج فتح الباب للذئب ليلتهمه و عائلته .. طردت تلك الذكرى بذكرى لها مع (خلود) يعزفان في المدرسة معا .. (خلود) إغتصبها (عمر) !! .. (رهف) تقفز فرحا بعد أن فازت على منافستها و هي تنظر لها و لأمها الجالسة بجانبها .. (رهف) تنظر إلى الناحية الأخرى و السيارة تطير في الهواء نحوها .. إستمرت لدقائق تحاول العثور علي بداية اللحن الذي ستبثه .. بداية اللحن السعيد .. لكن رأسها إستمرت في إرسال الخواطر السوداء كلما أمسكت بذكرى سعيدة .. طالت مدة جلوسها بلا عزف على الپيانو .. بدأ الجمهور يتململ و يتهامسون .. نظرت إلى قاعة المسرح فرأت في الصف الأول أمها .. أختها .. خالها .. أليساندرا .. (خلود) .. كلهم يبتسم لها مشجعين .. (يحيى) يجلس بجانب (رهف) يمسك بيدها في حب و ينظر إليها .. حب .. الكلمة الثقيلة على قلبها .. حب .. نظرت إلى مفاتيح الپيانو محاولة مرة أخرى العثور على البداية السعيدة .. وجهها يعكس حزنا على سطح مفاتيح الپيانو .. شعرت بالضعف .. شعرت بالعجز .. شعرت بالتيه .. رفعت وجهها نحو عائلتها مرة أخرى فرأته هذه المرة .. وجهه الحليق طفولي الملامح .. جسده الممتلئ قليلا .. نظارته ذات الإطار الأسود التي يغطي بهما عيناه العسليتان الضيقتان .. شعره الأسود القصير الذي تخللته شعيرات بيضاء .. إبتسامته الخجول الدائمة .. (مصطفى) .. تساعده (خلود) على الجلوس على المقعد الذي حجزته له بجوارها .. جلس ثم نظر لها بحب و فخر .. نظر إليها يبثها مشاعره .. التقت عينيها بعينيه فقرأت ما بها .. و قرأ إعتذارها له .. بدت الإبتسامة تغزو وجهيهما تدريجيا .. صوته الرجولي القوي العميق كان أول مقطع في سيمفونيتها .. إرتجت القاعة حرفيا بالتصفيق عندما تدافعت الموسيقى السعيدة في أرجاءها.

النهاية


  • 1

   نشر في 12 يونيو 2019 .

التعليقات

Menna Mohamed منذ 5 سنة
رائع كنت اجلت حكمي علي الرواية حتي اقرأها للنهاية و الان بعد ان انتهيت من قرائتها سوف ادلي بتقيمي المتواضع في البداية نحن امام عمل رائع الفكرة جيدة اسلوب قوي جزالة الفاظ تسلسل عبارات ميزت الاحداث التشويق و السرعة.. البنية التركيبية للشخصيات ممتازة حيث جسدت كل شخصية بتفاصيلها وصفاتها فرح مثال للبنت الساذجة التي خدعت من لعوب - عمر - الذي نجح ذكاء الكاتب في جعله محور الاحداث فعمر الصحفي - الدنئ - الذي تلاعب بالجميع ليتصاعد دوره محوريآ من بداية الاحداث حتي قتله في النهاية.. شخصية - رهف - تقريبآ من اجدع شخصيات القصة فهي لعبت دور محوري اساسي في القصة فهي مجني عليها قبل ان تكون جاني فرح فعلا هي من اوقعت عائلتها في كوارث - عمر - بسذاجتها حبكة القصة جيدة لكن يؤخذ علي القصة عدة مآخذ منها كيف لأسرة مكونة من ام و ابنتين قادمتين من مجتمع عربي شرقي الاندماج تمامآ وسط افكار مجتمع غربي متحرر و تقبل افكاره فقصة الحب بين - رهف - و -جوناثان - لم تقنعني صراحة لصعوبة الاندماج بين عالمين مختلفين تمامآ اجمالآ القصة رائعة جدا و واضح جدا الجهد المبذول فيها موفق
0
Mohamad Emam
شكرا جزيلا للتعليق .. سعيد بالآراء السلبية قبل الايجابية .. نقطة سريعة للرد على المأخذ الذي أراه صحيح بالنسبة لثقافتنا و عاداتنا .. الا أن الشخصية الوحيدة في الرواية المقتبسة من شخصية حقيقية هي شخصية (رهف) .. صفاتها و طريقتها و أفكارها .. تربية دولة عربية خليجية بدون ذكر اسم الدولة لكن التعامل المستمر مع الأجانب و الغربين له ثلاث جوانب رأيتها بعيني في عدة شخصيات عربية عامة و مصرية خاصة .. الجانب الأول هو الحرص أكثر على طبيعتنا الشرق و حصر التعامل مع الغربين في علاقات عمل فقط .. الجانب الثاني هو الانغماس كليا في الطبيعة الغربية و التنكر للشرقية تحت مفهوم الحرية و الليبرالية و التحرر الفكري .. الجانب الأخير هو التيه .. (اللي رقصوا على السلم) .. تائهين بين طبيعتهم الشرقية و بين تأثيرات الغربية .. (رهف) الحقيقية من النوع الأخير .. و مع الأسف ذلك الجانب أصبح موجود بكثرة في مجتمعاتنا الشرقية العربية حتى مع عدم وجود اختلاط بأجانب (عمر) نفسه نموذج لهذا ..
منتظر بشوق لسماع باقي المآخذ
Menna Mohamed
فعلا كلامك مظبوط الشخصية الثالثة فعلا هي المنتشرة جدا في مجتمعاتنا العربية و الشرقية.. المآخذ الثاني هي شخصية - فرح - التي ارتدت قناع المثالية العمياء طوال احداث القصة لكن الحقيقة انها لم تكن كذلك فجميع الشخصيات مسخرة في القصة لخدمة - فرح - و لكن ماذا قدمت - فرح - في المقابل لهم بالعكس هي السبب الرئيسي في دخول الشخصيات كلها في كل المشاكل بسبب ادخلها الذئب - عمر - الي داخل - عائلتها التناقض الواضح في شخصية - فرح - موجود فعلا في الكثير من الشخصيات في الواقع الذين يدعون المثالية و هم في الحقيقة عكس تمامآ.. المآخذ الثالث لم تعجبني الضعف الواضح في شخصية فرح فهي دائمآ الجميع مسخر لها لماذا استمدت سيمفونيتهاوالموسيقية السعيدة من - مصطفي - لم يعجبني ذلك شعرت فيها اشارة غير مباشرة لقضية احتياج المرأة الدائم لدعم الرجل و سنده و هذا ما لا اتفق معه فانا اري ان المرأة القوية هي القادرة علي تحقيق طموحها بنفسها دون اعتماد علي احد.. شخصية - رهف - قوية لم تكن بحاجة الي سند او دعم عكس اختها - فرح - لكن الملاحظ ان - رهف - في النهاية - لجأت لمساعدة خالها - صلاح - ربما لطبيعتها الانسانية فهي ليست - سوبر مان - حتي تتحمل المسؤولية كاملة.. و لكن شخصية - صلاح - اضع تحتها علامات استفهام كثيرة فقد لاحظت انها شخصية ضعيفة مهزوزة تعجبت كيف تحملت - اليساندرآ - المسؤولية وحدها اعتقد هذه الشخصية لم تأخذ حقها من العمل الكافي كان لابد من بعض الاشارات في الجانب النفسي لشخصيته قضية زوجته المريضة نفسيآ التي تحملها كان من الممكن استغلالها لربطها بالقضية الرئيسية لكن الغريب كيف سافر - صلاح - منذ،البداية الي الخارج رغم ضعف شخصيته دون اي قلق من ابواه!! و لماذا لم يتم توظيف شخصيته من بداية الاحداث لتعزيز دوره!! ارجو الاجابة علي هذه التساؤلات و اتمني ان تتقبل رأيي بترحاب موفق
Mohamad Emam
بالعكس أنا مرحب جدا بكل آراء النقاش و دي شئ يسعدني و يخليني أراجع الرواية ان كان فيها خلل .. بالنسبة ل(فرح) فهي مش مثالية .. (فرح) حالمة .. زي ما حاولت أوضح في فصل الزلزال العالم بالنسبة لها كان بسيط .. موسيقى و ألحان لحد ما انضاف اليهم (عمر) .. شخصية بريئة و سبب براءتها انها انسحبت من الواقع اللي حوالينا و اقتصر عالمها على الألحان و الموسيقى اللي في عقلها .. (فرح) ان كانت شخصية معتمدة على غيرها فمش معناه ان كل النساء كدة .. بالعكس الرواية كنت قاصد أظهر فيها الشخصيات القوية بطبيعتها زي (رهف) و الشخصية اللي اتحطت في موضع مسؤلية و تحملتها رغم أنها كانت غير مستعدة لده زي والدة (فرح) نفسها و الشخصية القوية على الرغم أنها مكنتش تعرف ده (خلود) بالعكس أنا اعتقد ان أقواهم و أصلبهم هي (خلود) .. (أليساندرا) مش مثال لأن الغربين بطريقة تربيتهم و متطلبات مجتمعهم بيتسببوا ان النساء يكونوا أحيانا أقوى من الرجال فبالتالي تحمل (أليساندرا) للمسؤلية عن (صلاح) ده جزء من شخصيتها الغربية حبها ل(صلاح) هو الاستثنائي و لو أنه من الناحية النفسية فأحيانا كثيرة الشخص يحب نقيضه حتى و ان كان غريب .. و مفيش داعي للذكر ان بيوت كثيرة في مجتمعتنا الشرقية المرأة فيها أقوى من الرجل و هي اللي بتقود البيت بالمعنى الحرفي للكلمة .. (صلاح) شخصسة معقدة .. (صلاح) بيصنف في علم النفس بشخصية (submissive) أو الشخصية المنقادة .. و ده مش لازم يظهر في مراحل المراهقة و الشباب .. ده ممكن يظهر تحت الظروف القهرية .. الفترة اللي قضاها مع زوجته المريضة نفسيا و المتسلطة (Dominant) و اللي هي عكس شخصية (صلاح) زرعت فيه الضعف اللي كان عليه .. ممكن فعلا كنت محتاج أفرد ل(صلاح) مساحة أكبر لاظهار كل ملامح شخصيته و زوجته .. لكن القصة عن (فرح) مش عنه .. (صلاح) على فكرة كشخصية هو أكثر شخصية متواجدة في مجتمعاتنا .. الموظف اللي ممكن يتحمل اهانات و سخرية عشان (لقمة العيش) .. الزوجة اللي بتردى باهانات أو تعديات زوجها عشان (البيت يمشي و عشان العيال) .. (صلاح) هو كل شخصية تم اخضاعها بأي طريقة سواء في الهيئات النظامية -جيش و شرطة- أو في فكرة (المشي جنب الحيط) .. ممكن تكون مش بالضعف الواضح اللي رسمته في شخصية (صلاح) لكنه موجود و بكثرة .. روايتي الثانية اللي بكتبها حاليا بتتناول الجانب ده أكثر و بشكل أعمق .. و إن شاء الله هنزلها على أجزاء هنا برضه
أنا بكل صدق سعيد فعلا بقراءة الأفكار دي و لو ردودي مش مقنعة أو في تساؤلات نتيجتها أو تساؤلات تانية فأنا هكون أكتر من سعيد بأني أعرفها و نتحاور فيها
Menna Mohamed
برافو ردود منطقية و مقنعة جدا منتظرة جدا الرواية الجديدة لمتابعتها و تحليلها فعلا شخصية صلاح موجودة جدا في كل اسرة تقريبآ و هي شخصية سلبية بكل المقاييس شخصية - خلود - فعلا قوية جدا فالشخصية تحملت ضغوطات كثيرة من اول الرواية و لكن لم تظهر ضعفها اجمالا رواية مميزة و مبدعة و ذكية جدا الي الامام موفق

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا