”الأسلوب هو الإجابة عن كل شيء“... هكذا بدأ بوكوفسكي واحدة من قصائده،أميركي رأى النور في إحدى مدن ألمانيا قبل قرن إلا لحظات، تمحورت أعماله حول ”فعل الكتابة“، الإدمان، النساء والوحدة. كانت لتجاربه في الحياة الأثر الكبير في أعماله، عاقر الخمر ولعبت النساء دورا خاص في رحلة حياته، ذكرت ما سبق من باب العلم بالشيء، فلا تزال كلمات أستاذ الفلسفة ترن في أذني:   ”ناقش الفكرة لا الشخص“.

لطالما كانت الكتابة -في نظري- مسألة غريبة، قد تطرح السؤال أو يطرح عليك، لماذا تكتب؟ سؤال لم أجد إلى الآن جوابا له.بوكوفسكي أجاب عن السؤال: ”أكتب لا لأنقذ البشرية وإنما لأنقذ نفسي“، جعل كلماته جزءا من كيانه.

من يلقي نظرة على حياة هذا الكاتب يدرك انه أراد أن يكون هو، وليس أحدا اخر، ربما جسدت كلمات أغنية ”أصبحت مخدرا“ لفرقة لينكين بارك، الصراع الذي عاشه بوكوفسكي -والبعض منا- ”أن أصبح أنا، لا أن أكون أنت“. من خلال تجاربه، اختار بوكوفسكي أن ينطلق كما أراد هو، لم يكن وصول كاتبنا إلى هاته النتيجة مرضيا، بل تجاوز الأمر إلى دعوة الجميع إلى اختيار طريقه الخاص في الحياة:

على شاهد قبر هذا الكاتب، نقشت جملة لخصت فلسفته في الحياة ”لا تحاول“، مرفقة برسم أشبه ما يكون لملاكم في معركة الحياة. يوما ما سئل ماذا تفعل، كيف تكتب، تبدع؟ أجاب ببساطة ”لا أفعل.. لا تحاول، هذا هو المهم، ألا تقوم بالمحاولة“.

ربما تبدو كلماته غير منطقية، إلا أنه وضح فكرة ”لا تحاول“ بالنسبة لفعل الكتابة في قصيدته الشهيرة ”تريد أن تصبح كاتبا“،  نقتبس منها:

”إذا لم تخرج منفجرةً منك،

برغم كل شيء

فلا تفعلها.

إذا لم تخرج منك دون سؤال،

من قلبك ومن عقلك ومن فمك ومن أحشائك

فلا تفعلها.

...

عندما يكون الوقت مناسباً،

إذا كنت مختاراً

ستحدث الكتابة من تلقاء نفسها

وستستمر بالحدوث مرة بعد أخرى

حتى تموت

أو تموت هي داخلك.

لا توجد طريقة أخرى.

ولم توجد قط.“

لم تقتصر فكرته على ”فعل الكتابة“ بل تجاوزت هذا الأمر لتصبح فسلفة حياة، والتي مررها بين سطور قصيدته الشهيرة ”كل الطريق“:

رحل بوكوفسكي وترك فلسفة لمواجهة الواقع، إما أن تعقد العزم على فعل الأمور بإتقان وتنجزها بالفعل أو أن تتوقف قبل البداية، فالأمور الرائعة لم تأتي بالمحاولة بل بالفعل.