ليلة مظلمة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ليلة مظلمة

العلم

  نشر في 14 مارس 2020 .

في عام 2020 اجتاح وباء خطير العالم بأسره، أصاب ألاف البشر حول العالم، حيث انتشر في عدد كبير من الدول، والتي تختلف كل واحدة منها في اللغة والعقيدة والعلم، ولكنها تشترك في هذا الوقت بالذات في شيء واحد فقط، ألا وهو الخوف من ذلك المجهول!

قيل في الأخبار والمقالات العلمية عن هذا المرض بأنه يصيب الجهاز التنفسي، وأن لا علاج له، ولا يخرج المصاب منه إلا جثة هامدة، أو شخص استطاع الانتصار عليه بعد فترة من المواجهة بصبر، والتشبث بالحياة..

هذا، وإن كان كمثل موسيقى حزينة غامضة تُلعب بإتقان في خلفية مشهد ما، جعل من عاصفة التنين شيئًا هزيلًا، أو متوقعًا للناظر بأن الفيلم لا يكتمل إلا بذلك الثقل الفني العظيم، فموسيقى حزينة غامضة، لا بد وأن يقابلها حركات تمثيلية بارعة، تضعك في منتصف الحدث بسهولة، وكأنك جزء من المشهد..

جعلت تلك العاصفة الأرض باحة من الظلمة والحزن، لا ضوء فيها ولا بهجة، لا خدمات حياتية معتادة، ولا شيء أخر..لنفكر في الأمر لوهلة، إننا فعلًا في نهاية العالم! حتى ولو ليوم واحد!

تلك التجربة قد أثبتت أن الأمر قد يحدث، وقد نمر به حقًا، ليس كفيلمًا، أو أمرًا خياليًا، وإنما، أصبح العقل يرى من منظور مختلف، قد توسع فعلًا مجال الرؤية، فلا عجب بأن الغد قد تصلنا أخبارا بأن "الدجال" قد خرج من إيران، قد نجد الأمر ملائمًا فعلًا وقابلًا للتصديق..

قُطعت الأضواء العامة عن عمدان الإنارة، وشاب الظلام الحي، ولم يتبقى فقط سوى ضوء البيوت..

ورغم انتشار الوباء، والذي لم تطأ قدماه-بعد-عتبة بيته، ورغم انقطاع كل شيء عنه، جلس بصحبة كرسيه وكوب الشاي المعتاد في الشرفة، يشعل سيجارة تلو الأخرى، وينظر تلك النظرة الثاقبة إلى العلم القائم على سطح المدرسة الإبتدائية المقابلة لبيته، ومن فوقه، كان هناك مصباحًا اعتاد على إضاءة الكون له، ولكنه، وفي تلك الحالة العامة التي تمر بها النفوس بين يأس وتظاهر بعدم اليأس، كان متوترًا للغاية، يأخذ الضوء فيه دورة ثابتة بين الجيئة والذهاب..

كان الجو مرعبًا لحد كبير..

لفت نظره وجود فصل من فصول المدرسة المظلمة تمامًا، يشتعل الضوء فيه لثوانٍ ثم يعود لسكونه مرة أخرى، وكأن هناك أحد الأشخاص يرسل للجالس بالشرفة رسالة كشافة، مفادها "المساعدة!"، ولكن صاحبنا لم يهتز قدر أنملة حتى، فهو على علم وافٍ بحقيقة الأمور السالفة هنا، ويعلم أن المصباح هناك يفعل تلك الفعلة يوميًا، رغم أن تلك الحقيقة لا تنفي وجود أحدهم هناك فعلًا..

حفيف الأشجار..وآه من حفيف الأشجار، لا شيء أمام ناظريه سوى ظهور احتكاكها معًا لثوان، ثم الظلمة التامة..

كم كان الجو مرعبًا..

ارتشف قليلًا من الشاي، وأخذ ينظر إلى العلم الصامد فوق سطح المدرسة، والذي كان يموج بشكل منتظم في اللا مكان واللا وقت، واللا ضوء..يموج وحيدًا في الأفق..

توقف الضوء في فصل المدرسة!

هل مات الراسل؟ هل ملّ طلب المساعدة يوميًا بدون جدوى؟

حفيف الأشجار، وآه من حفيف الأشجار..يعلو الصوت فيصيب الجسد بقشعريرة برد وخوف، يهدأ فتأخذ النفوس هدنة وتستعد للهجوم التالي..كر وفر..

ما الذي أتى بديسمبر في مارس؟

العلم مازال يموج بكل ثقة وقوة وثبات، دون خوف من التفرد..وكأنه يصر رغم سكون كل شيء حوله..

هل تمزح؟ لم أنت باق؟ لم أنت ثابت؟ ألا تخاف من أن يقال لك بأنك متفائل بينما نحن في أعلى المنحدر؟ ألست خائفًا من اللوم أثناء السقوط؟

أترسل رسالة استغاثة أنك هنا بفعل فعال، مزجوج على التمثيل؟ أم أنك تخبرنا برسالة ننتظرها؟!

اشتد الهواء، وارتفع صريخ الأشجار..

هل هي النهاية فعلًا؟ نهاية العالم؟ الجو العام المثقل يخبرنا باضمحلال كل شيء، ولكن، رغم ذلك، مازال العلم يموج!

لم وضع ذلك الشيء هناك من الأساس؟ ما الرسالة من وضعه هكذا؟

هدأ كل شيء فجأة..وعاد ضوء الفصل المتردد مجددًا، يتجلى وينخفض، يجيء ويذهب..أما العلم، فمازال يموج في الأفق غير عابيء..

ليكون الثابت رغم الهواء، أو الشاهد رغم السكون، ليكون صاحب الرسالة الكبيرة، والدلالة العظيمة..

أن هناك شيئًا مستمرًا رغم التقلب، شيئًا يستمد قوته كلما زاد بأس الرياح، وأيضًا يزداد وضوحًا بتموجه في أعلى الآفاق..

لا يعلم بأمر الوباء، لا يعلم بأمر كوب الشاي، لا يعلم بأن هناك عاصفة تدعى التنين، أو أنه، يعلم كل ذلك، وقد مرت تلك الأحداث عليه كثيرًا..وأيضًا، قد قال لهم تلك الرسالة إيماءًا، حبًا وشغفًا بالوجود، تشبثًا بالعدم بضرورة البقاء، أن العاقبة للصابرين الصامدين، الذين يدعون إلى الثبات رغم التفات المجهول بهم..

انا هنا..فاطمئنوا!



  • Mahmoud Gawish
    محمود صلاح جاويش، من مواليد 12/4/1996 في مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، أدرس هندسة الحاسبات بجامعة الاهرام الكندية..كاتب شاب، كان لي رواية بعنوان "كازانوفا والفصول الأربعة" عن جريدة الجمهورية، وقصتان قصيرتان بعنوان "ليلة في ا ...
   نشر في 14 مارس 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا