بينما أنت تنظر أمامك سترى فى الطريق ثلاثة من الشباب يهرولون حاملين معهم أمتعتهم يبدوا عليهم أنهم مسافرين لبلدهم .. هذا هو اسماعيل وصديقاه محمود وهانى جميعهم بمنحه تعليميه مدتها 9 أشهر يطلقها أحد المعاهد التابعه لوزارة الإتصالات .
انطلق الثلاثة ودخلوا محطة مصر ليأخذوا قطار مغادرين الأسكندرية والتى لا يزورها أحد ويتمشى على كورنيش البحر حتى يعشقها ويعشق كل تفاصيلها .. ترك الثلاثة كل هذا خلفهم كى يقضوا اليوم او الاثنين الذى حصلوا عليه مع عائلتهم .
اخترقوا الزحام داخل المحطه فهم يريدون اللحاق بقطار الثانية والنصف ظهرا وليس عندهم الرفاهيه الكاملة فى أن يركبوا القطار المكيف فاختاروا أن يسافروا ذهابا وإيابا فى القطار "العاده" كما أُطلق عليه .. ولكنه ليس عادى فى شىء .. انه قطار ليس أدمى على الإطلاق ولكن آلاف تركبه يوميا لوظائفها وللسفر بين المحافظات فليس عندهم بديل اقتصادى غيره .
سأل اسماعيل عن الرصيف الخاص بقطارهم وذهب مع صديقاه لينتظروا داخل القطار قبل انطلاقه بنصف ساعه كى يجلسوا على كراسى بدلا من أن يقفوا معذبين يتخبط بهم كل دقيقه بائع من الباعه المتجولين بالقطار .. لا يسرك أن تأملت القطار فعرباته موحشة والكراسى بها سواد من العرق والأتربة فلا ينظفها أحد والرائحة بداخله كريهه بسبب الحمامات التى لا تُنظف والتى تستغرب عندما تجد أحد يجلس بها طول رحله القطار وكأنها غنيمه ومكان يجلس به دون أن يزعجه أحد .
تحرك القطار فى الثانية ظهرا شاقا طريقه إلى القاهرة وبينما أنت جالس ستشعر العربات وهى تتحرك وستشعر بأن العربه ستنفصل بك عن باقى العربات .ز ستقلع عباءة الإطمئنان الدنيوى عنك حينما تركب قطار متهالك من هذه القطارات .. يرحم الله اناسا ليس معهم من الأموال ما يكفيهم فاضطروا ركوب هذه القطارات .ز يرحما الله جميعا أن وجدنا أنفسنا فى بلد كهذه فليست محروسة كما ضحكوا علينا .. يرحم الله البنات التى يضطرها وضعهم الإجتماعى فى ركوب تلك القطارات المزدحمة دائما والتى تكون بيئه مثاليه للتحرش الجسدى واللفظى وحتى ان لم يكن هناك تحرش يكفى تواجدهن فى مكان مزدحم كهذا حتى تستطيع النزول فى محطتها المنشوده سيلمسها الكتيرين بقصد أو بدون .
الواقع أليم وتلك القطارات ملئه بالحكايات ولكن اسماعيل أكثر ما جذبه منها حكايته مع ذكرى والتى أنقلها عنه .
كانت حياة اسماعيل مبعثرة إلى أن بدأ فى استغلال أوقات فراغه فهو يحاول فى أوقات فرغه كالمواصلات أن يقرأ أو يسمع شيئا مفيدا .. كان يجلس مع صديقاه بوسط القطار .. كان اسماعيل يجلس فى الكرسى الخارجى المجاور لطرقة العربة وهذا ليس مكانا منشودا لأنك الزبون المستهدف لأى بائع مار لكنه يتبادل هذا المكان مع صديقاه فى كل سفر يجلس أحدهم بالخارج إن امكن وان كان محمود يضحى بنفسه أغلب الوقت .
جلس صديقنا اسماعيل يقرأ فى كتاب نقطة التركيز لبراين تريسى ومعه قلم يخطط به أسفل الجمل والأفكار المهمة .. سمع من أول العربة طفله تطلب المساعدة من الناس وتلح عليهم ولا يعطيها أحد شىء .. نظر ليجد طفله صغيره ابنة الرابعه تقريبا رثة الثياب وجهها ملىء بالأتربة وشعرها مجعد من قلة النظافة .. ملابسها شبه ممزقة غير أن كل هذا لم يمحى البرأة من على وجهها .. أتت الطفله إلى اسماعيل مادة يدها دون أن تنبس بكلمة فقال لها "ربنا يسهلك يا عسل" فقد عاهد نفسه ألا يعطى شيئا للمتسولين حتى لا يشجع فى استمرارية أعمالهم .
كان رد فعل الطفلة غريبا للغاية فقد اختطفت القلم من يده وانطلقت تجرى بعيدا عنها .. ابتسم اسماعيل واخرج قلم أخر من شنطته الخاصة .. سمع أناس ينادون عليها وأعطوها مالا وأخبروها أن تُرجع القلم إليه .. تبسم اسماعيل لها وقال لها احتفظى به ةقبل أن تغادره نادى عليها "اسمك ايه يا جميل " .. قالت الطفله بصوت عالى "ّ ذكرى " وخرجت الكلمة منها وكأنها لم تقولها من فتره كبيرة ثم انطلقت مسرعه
أخبر اسماعيل صديقه محمود أن يعطيه ورقه بيضاء من الورق الخاص بمحمود ..سأله محمود لماذا تريدها .. قال سأعطيها لذكرى .. تهكم هانى على كلام اسماعيل مستغربا ما يفعله وقال انهم أطفال شوارع لن تريد القرأه والكتابة فلقد انطمست انسايتهم بسبب من يشغلونهم ويستغلون برائتهم .. رد اسماعيل بتحفز لا يمكن .. البراءة موجود ولكنها مغطاه أسفل ما تعلموه من صفات سيئه وبسبب ما عانوه من وجودهم فى تلك البيئة .
أخذ اسماعيل الورقه وانطلق للعربة الأخرى التى اختفت ذكرى فيها وأخذ يبحث فيها عنها فوجدها تشترى قرصه بسمسم من بائع متجول وما أن أخذتها إلا أن بدأت فى التهامها .. نادى عليها اسماعيل وأعطاها الورق الأبيض ولمس شعرها وغادرها وهوه يتمنى أن تصبح فى وضع غير التى هى فيه .
رجع اسماعيل مكانه وأخبر صديقاه أنه أعطاها الورقه وبعد نصف ساعه توقف القطار فى محطة دمنهور ووجد مجموعة من المتسولين يمشون على الرصيف بعد أن نزل من القطار فنظر فيهم متأملا هل ذكرى معهم فلم يجدها وبعد أن تفحص معظم المارة وجدها تمشى بخطوات بطيئه خلفهم غير ناظره أمامها فهى تمسك بالورقة والقلم وتشغبط وتكتب ولا يدرى اسماعيل ماذا كانت تكتب وقتها فلو نظرت إلى وجهة وقتها ستجده يكاد يتقطع من الإبتسامه وستتعجب من العبرة التى خرجت من عينه .. لقد خرجت تساؤلا منه هل سيكون هذا الموقف مستقبل ذكرى أم سيكون هذا فقط حظها من اسمها وذكرى تدمرها البيئه التى تعيش فيها ويسيطر عليها مافيا المتسولين .
-
أحمد عيد ناصفعاشق للقرأة والكتابة والأعمال التطوعية, أهتم بالتقنية,ريادة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات, اُحب مساعدة الأخرين واشتركت بالعديد من الأعمال التطوعية مثل فريق سفراء جوجل, انجاز مصر, IEEE و كنت قائد لجنة التنظيم بفريق ليدرز.