"يوم ميلاد سعيدا يا أحمد"-قصة قصيرة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

"يوم ميلاد سعيدا يا أحمد"-قصة قصيرة

  نشر في 07 غشت 2021 .

- "عيد ميلاد سعيدا يا أحمد"

- "متمنياتي لك بتحقيق كل الأماني"

- "HBD"

- "joyeux anniversaire"

بهذه المباركات كاد يمتلئ على الأرجح حائطي الفايسوبكي اليوم، كما قضت العادة في مثل هذا اليوم من كل سنة، ليذكرني الجميع بأن سنة أخرى من رصيد حياتي قد انتهت ، و أن يومي الأول من سنة جديدة قد بدأ للتو، لكنني قمت بحجب يوم ميلادي على الموقع منذ سنة.

في نفس اليوم من كل سنة، كنت أتلقى مباركات و تهاني يوم ميلادي على فايس بوك أكثر مما أتلقاه من عائلتي و أصدقائي على أرض الواقع، و كأن الكل يصبح سعيدا بتقدمي في العمر متذكرا له، بينما أنا... أحاول جاهدا أن أستوعب الأمر، و أن أفهم تسابق الناس لترك جُمَل خالية من أي معنى و أي مشاعر، قد يكتبها حتى أشخاص لا تربطنا بهم أية صلة و لا أية صداقة، فقط لأن "السيد" فايس بوك أرسل لهم إشعارا بأن اليوم "ذكرى ميلاد فلان" فلتترك له تهنئة.

لطالما تساءلت عن سبب مباركة الناس هذا اليوم؟ هل من المعقول أنهم يباركون سيرا نحوموت محتم؟ هل يعلمون معنى انقضاء يوم واحد من حياة أحدنا؟ سأخبركم بشيء تعلمونه و ليس بجديد عليكم أكيد، لكنكم تتناسونه و تتجاهلونه... إن انقضاء يوم واحد هو سير بطيئ نحو نهايتكم بكل وعي منكم، فما بالكم بانقضاء سنة لا تعلمون هل تليها سنة كاملة جديدة أم لا.

لطالما مر هذا اليوم ثقيلا علي، ثقيلا بتلك الكلمات المكتوبة بشكل أوتوماتيكي خالية من كل إحساس، ثقيلا بواجب الرد عليها مجاملة للآخرين، ثقيلا بحمل دين مبادلة التهنئة لكل من كتبوا على حائطي في يوم ميلادهم بنفس المباركات، ثقيلا بإحساس الفقد الذي أشعر به، فقد رحل بعضي و بقي بعضي الذي بدوره هو راحل، ثقيلا بحجم المساءلة التي أضع فيها نفسي كي أرى حصيلة سنة مضت بل سنوات، و ما أنجزته في الأيامي الماضية.

تنبهت لنفسي، و كيف أدخلتها في حالة من الكئابة الغير مبررة و الغير المعقولة في يوم يفترض أن يحتفل فيه الناس بأنفسهم و يطفؤوا شموعا و يأكلوا كعكا و يتلقوا هدايا كثيرة من ضيوفهم الذين استدعوهم لحضور حفل يوم الميلاد...هل يكون الغرض من الاحتفال بهذا اليوم فعلا هو محاولة التخفيف عن النفس و مساعدتها على تجاوز فكرة الفقد هذه و إلهائها عن لحظة المساءلة؟... لعله يكون ذلك.

دخلت غرفتي، تنهيدة طويلة خرجت عن غير وعي مني للتنفيس عن ضيق أحسست به في صدري، انتبهت لانعكاس صورتي على مرآة الغرفة، اقتربت منها بهدوء حتى ما عاد بيني و بين المرآة سوى ميليمترات قليلة، كنت أنظر إلى كل جزء من وجهي...لا أدري لم فعلت ذلك، فأنا لست من محبي المرآة، و كأني... كأنّي أتعرف على نفسي للمرة الأولى، أو أحاول أن أتذكر ملامحي و هل تغير منها شيء...ثم نظرت إلى عينيَّ، أطلت النظر إليهما، شيء ما يشدني إليهما بقوة...كأن تلك العيون في المرآة تحاول أن تأسرني، كأنها تحاول أن تكلمني، ثم....

أحدهم أمسك بيدي اليمنى، التفت بسرعة لأجد أمجد ممسكا بيدي، و عن غير طبيعته كان ينظربوجهه إلى الأرض دون أن يقوم بأي حركة، فلم أستطع رؤية ملامحه لأفهم ما به.

- "أمجد؟؟... ناديته

لم ينتبه إلي و ظل يحدق إلى الأرض. نزلت إليه، و أخذته من ذراعيه

- "انظر إلي بُنيَّ"...

شيء ما بدا غريبا، حرّك رأسه بهدوء مخيف، نظر إلي، و ثبت نظراته على عيني... المدهش في الأمر أنه لم يكن أمجد، إنه يشبهه فعلا، فالشعر شعره، و القدُّ قدُّه، لكن...ملامحه مغايرة لملامح أمجد، و لا أذكر أنه كان في زيارتنا أحد في هذا الوقت.

كان الطفل يحدق إلى عينيّ... انتظرت منه كلمة أو حركة، إلا أنه ظل متسمرا، لم يتكلم، و لم يتحرك... بينما كانت ذاكرتي تبحث عن هوية هذا الطفل، فأنا أعرفه على الأرجح، بل أكيد أني أعرفه، إنه ليس غريبا، و لعله كان ينتظر مني التعرف عليه.

كسرالفتى هذا الصمت بصوت طفولي واثق زاد يقيني من أني أعرفه و قال :"كيف حالك يا أحمد؟"

أَيَدخُلُ طفل غريب بيتي و غرفتي ثم يناديني باسمي؟

- "من أنت أيها الصّغير؟" أجبته وأنا أحاول تذكرهذا الوجه المألوف.

- "ألا تتذكرني؟... اغرورقت عيناه بالدموع و بدا محبطا و حزينا من جوابي ..."لطالما انتظرتُ عودتك، لطالما بقيتُ وفيّا لك، أردتُ أن أبقي بجانبك، لكنك نسيتني و تغيرتَ يا أحمد، تغيرت كثيرا"

تضاعفت دهشتي أكثر من طريقة كلامه معي، أيكون هذا طفلا حقا؟ ثم فجأة، تغيرت ملامح وجهه الحزينة، و بدا غاضبا ثم صرخ "انظر حولك يا أحمد...الآن الآن فقط قد عدت لموطنك"

وقفت سريعا في مكاني، فإذا بي أجد كل شيء من حولي يتغير، لا مرآة و لا غرفة و لا بيت، بل وجدت نفسي وسط منظر طبيعي خلاب، عشب أخضرطويل يصل حد الرُّكب، يداعبه هواء عليل فيتمايل يمينا و يسارا، ترسل عليه الشمس أشعتها البلورية فتزيده جمالا و أناقة، لقد كان المكان أشبه بحديقة سرية، محاطة بأشجار كثيفة شامخة تخفي ما وراءها.

لكن، ما هذا المكان؟ كيف حصل كل هذا؟ كيف وصلتُ إلى هنا؟...مهلا...لابد أني قد غفوت، نعم أكيد أني داخل حلم.

ابتسمتُ سعيدا باستنتاجي، كأني موقن أني في حلم جميل، بل هذا هو التفسير الوحيد لما حصل.

- "أنت لا تحلم يا أحمد" باغثني الطفل مجددا، كأنه يجيب عن استنتاجي، ثم أخذ يقفز فَرحًا مستمتعا بالمكان و هو يردد :


"يا طائري المشرق في أحلامي حلق طيفا للمنى

فالعقل لا يجدي من دون التحدي و روح المغامرة

هيا يا صديقي شاركني طريقي كي يصبح النجاح في المنال...


أنا أعرف هذه الأغنية، إنها أغنيتي المفضلة حين كنت طفلا، و بدأت أرددها معه بصوت منخفض، أتأكد أني لا أزال أذكرها.

تجاهلت نفي الطفل لحقيقة الحلم... فكيف لا يكون كذلك؟

جلست أتأمل الطبيعة الخلابة و أحاول نسخ صورها في ذاكرتي عَلَّني أخبر أمل عنها بعد الاستيقاظ.

و استلقيت على العشب أنظر إلى السماء الصافية، و الطيور المحلقة في تناغم ساحرمع هدوء المكان، و الحق أن الحلم بدا ممتعا و مغريا، لذلك أردت الاستمتاع بالمكان قبل نهاية الحلم و العودة للواقع من جديد.

كان الصغيرلا يزال يردد تلك الأغنية الشهيرة، ثم اقترب منّي، جَلَس بجانبي، و هو يختتم أغنيته :

- "هيا نسااافر لأرض الخيااال، نعيش المغااامرة" صمت لحظة ثم سألني"هل أعجبك المكان يا أحمد"؟

- "نعم المكان جميل هادئ و مريح...لكن أخبرني أولا، ما اسمك ايها الصغير؟ سألته دون أن أحيد بناظري عن السماء.

- "اسمي...أحمد..." قالها ضاحكا و هو يقترب إلي أكثر..."انظر اليّ جيدا...الا تتذكرني؟ أنا أنت يا أحمد"

جلست في مكاني من دهشتي، نعم...الآن فقط انتعشت ذاكرتي، إنه فعلا يشبه الطفل الذي أراه في صورألبومي الخاص، فهل يكون هذا الطفل هو أنا بالفعل؟ ما هذا الحلم العجيب؟

ابتسمتُ من جديد "يا له من حلم...أنا ألتقي بنفسي صغيرا..." و أطلقت قهقهة صغيرة

رد الطفل بثقة و بنبرة جادّة "ليس حلما هذا يا أحمد، لقد رحلتَ عَنهم، انا و أنت الآن هنا فقط، و لن نفترق... فقد عشتُ طويلا وحيدي.

انتابني شيء من الريب من كلامه، ماذا إن كان محقا و أنا لا أحلم؟

لم أجبه، واتجهت أكتشف المكان و أبحث عن ما يوجد وراء الأشجار...المفاجأة...يوجد فراغ تام...كأن الحديقة معزولة كليّا و لا يوجد وراء الاشجار سوى جرف مظلم لا تظهر له أية نهاية.

كان الطفل يضحك و هو يتابع حركتي المرتبكة وملامحي القلقة، ثم ناداني"دعك من هذا يا أحمد، هيا نلعب قليلا، فأنا أشعر بالملل...ما رأيك بنزال كرة قدم، هل أتقنت التسديدات الطويلة، أم أنه لم يعد لديك شغف وقت كاف لتتدرب عليها؟"

إنه يتحدث عني بالفعل و عن الاشياء التي كنت أحبّها،... "اسمع أيها الصغير، أنا لا أدري أي نوع من الأحلام يكون هذا الحلم، و أعلم أنك تشعر بالوحدة هنا، لكن أنا... أنا لا أستطيع البقاء...يجب أن أعود فهناك أشخاص ينتظرونني، و يحتاجون وجودي بجانبهم، كما أني قد أتأخر عن العمل و عن مسؤولياتي إن بقيت نائما...يجب أن أستيقظ"

قاطعني محتجا..."لا يحق لك أن تتركني، انا أنت، أنا جزء منك، ستبقي هنا معي..." و ركض غاضبا. اختفى وراء بعض الشجيرات، فصرختُ بصوت عال سمعت صداه في الأرجاء، "لا يا أحمد، أنا سأرحل عن هذا المكان،..سأجد الطريق بنفسي"

أخذ يتمتم كلمات من بعيد، كأنه يغني من جديد، لم أسمع منها سوى "سأسير وحيدا، بجانب النهر الجاري، و أغني للعالم أغنتي الخاصة بي"

لم أكترث له و لأنينه، و اتجهت نحوالجرف لعلي أجد طريقة للخروج من هذا الكابوس، لم أترك منطقة إلا فتشتها، فلم أجد سوى المجهول يحيط بالحديقة... ما العمل الآن؟ ماذا لو لم يكن هذا حلما كما قال الطفل؟ ماذا لو أني في عالم ما بعد...لا لا...هذا هراء.

بدأت الشكوك تراودني...فهذا الحلم لا يشبه أي حلم، و بينما أنا شارد أفكر في الوضع إذ بالطفل يناديني بنوع من الاستهزاء" أأنت خائف يا أحمد؟...نعم أنت خااائف، أنت خائف من المجهول، أأنت قلق يا أحمد؟ ...نعم إنك قلق بسبب المجهول، أتعلم يا أحمد؟ ذاك المجهول الذي لم تكن تحسب له حسابا في الماضي أصبح كابوس لحظات حياتك، إنه نقطة ضعفك، إنه خوفك، أليس كذلك؟

وقفتُ محبطا على آخر جرف، أحسست بالحيرة و شيء من الخوف. و فجأة صرخ الطفل صرخة دَوَّت في الأرجاء و هو يقول "اخترق هذا المجهول يا أحمد"، ما إن استدرت لأنظر إليه حتى وجدته يتقدم نحوي بسرعة الريح... وصل إلىّ و دفعني بكل ما أوتي من قوة نحو الجرف، ففقدت توازني، ثم سقطتُ من أعلى الجرف نحو نهاية مجهولة، سقطت سقوطا حرا، و أنا أصرخ من أعماقي، و أحس باقتراب نهايتي.

الغريب أن السقوط استمر وقتا طويلا، فتحت عيني لأكتشف ما يحصل، فوجدت الطفل بجانبي هادئا مغمض العينين. كنا نخترق فراغا تاما، فكيف يستطيع الحفاظ على هدوئه بهذا الشكل؟... مدّ يده إليّ من جديد دون أن يفتح عينيه، و ما إن لمست يدي يده حتى بدأت أرى...

إنّه حَيُّنَا القديم...الطّفل "أحمد" على دراجته، يسابق الريح مبتسما نشيطا، أرى شخصان في الصورة؟ نعم...إنهما أبي و أمي بملامح شابة مسحتها الأيام...هاهو الطفل مجددا يركض وراء الكرة مع اطفال الحيّ، أنا أتذكر هذه القاعة، و هذه الحديقة، أنا أتذكر هذه المدرسة و هذا النادي...الصّور تتسلسل بسرعة الواحدة تلو الأخرى، و أنا أحاول أن أتمسك بها، أحاول إبطاءها كي أطيل النظر إليها أكثر، لكنها كانت تمضي سريعة، كسيل عارم... إنها ذاكرتي... أنا أتذكرهم، هؤلاء الأصحاب و الجيران... هاهي غرفتي القديمة، مجتمعون نلعب و نتنافس و نتشاجر ثم نضحك،ثم...ظهرت صورة مرت ببطء، رأيته فيها وحيدا جالسا في المقعد الخلفي للسيارة، بدا حزينا، كأنه ترك عزيزا خلفه...

- "انتبـــــــــه" صرخ الطفل أحمد مُنَبّهًا قبل ثوان من ارتطامنا بالمياه.

انتهي بنا السّقوط من الجرف إلى الماء...كان ارتطاما مخيفا و مؤلما، فقد أيقظني من ذكريات طفولة جميلة، تمنيت لو طالت أكثر كي أسترجعها جميعها، فأنا أشتاقها، و أشتاق تلك الأماكن و كثيرا من الوجوه.

سَقطنَا في نهر جار واستبشرت خيرا، فأنا سَبَّاح ماهر، و أستطيع السباحة نحو بر الأمان. إلا أن تدفق المياه كان قويا، فانتابني القلق، و كل ما كنت أخشاه أن تجرني المياه نحو شلال...حاولت السباحة عكس التيار و الوصول نحو السطح، لكن قواي بدأت تخور دون جدوى، و الطفل؟؟ أين اختفى؟

سمعت كلماته تتردد في أذني... "أأنت خائف؟...أأنت قلق؟...اخترق المجهول يا أحمد"، فتوقفت عن المقاومة، هدأت و استرخيت وسط ذلك التيار و ذاك العمق، و أغمضت عيني و أنا أردد "لعله حلم...بل إنّه فقط حلم"

حينها عاد شريط الصور يظهرمن جديد،..إنّه... شريط نجاحاتي، من أيام الابتدائي ثم الاعدادي ثم الثانوي، حتى يوم تخرجي، كنت ارى صوري و كيف أن ابتسامتي كانت تتناقص مع مرور الزمن رغم النجاحات، حتى ما أصبح لنجاحي طعم،... انتقل بي شريط الذكريات إلى لقاءاتي بأصدقائي فلاحظت نفس الشيء، صورنا و نحن أطفال مستأنسون ببعضنا البعض مستمتعون بوجودنا مع بعض، و كيف تغيرنا مع الوقت لتصبح لقاءاتنا روتينية من غير طعم؟...ثم ظهرت صورة...من هذا؟ نعم، إنه صديق الطفولة أسعد، يوم اختلفنا في الرأي، و احتد النقاش بيننا، ثم اختفى، دون أثر...ما هذه الصور؟ إنها صورعالقة من جنازة جدتي؟ ...و هذا والدي بين الجموع يخفي دموعه، كنت أحاول التقاط صور الحاضرين، لكن...دون جدوى.

توالت الصور خاطفة، من كل مرحلة من مراحل حياتي، و رأيتني مرة مبتسما، و مرة ضاحكا، و مرة فرحا و مرة مكتئبا،... و آخر صورة ظهرت فيها من جديد وحيدا بجانب النهر الجاري.

اختفت فجأة الصور، و ظهر الطفل من جديد و صرخ للمرة الثالثة "انتبـــــه"...

كما كان تخميني...ها نحن نسقط مجدداعبر شلال عنيف...تمسَّك الطفل بيدي جيدا و سقطنا معا عبر الشّلّال و سمعته يقول :

" أحمد، لقد كنت طفلا يملؤك الشّغف و الجنون و التحدي، و لا يرهبك تغير الزمان و المكان و الأشخاص من حولك، و لا تقدم السنوات، فلا تجعل الحياة تقودك نحو الاحساس بالملل منها، بل استقبلها كل صباح بنفَس جديد من الايمان و اليقين، من الرضا و التفاؤل و الامل.

"الحياة يا أحمد جميلة لأننا نحن من نختارجعلها كذلك، فنحن من يزينها بالعطاء الغير مشروط، و العمل بحب و إتقان، و باحتساب لله سبحانه.

"لا يُحزنك يا أحمد ما مضى و فات، فلو كان فيه خيرا لما أخطأك، و تذكر أنك تسبح في نعم الله فلا تنس شكره عليها.

"الحياة تجارب يا أحمد، و نظل نتعلم فيها دون توقف، فلا تندم على شيء اخترته، بل اجعل كل تجربة دليلا لك لتكون أفضل نسخة منك"

"لا تتوقف عن الطموح يا أحمد و تَخَلَّ عن الخوف من المجهول فهو يُكَبّلُ تقدمك، و لا تنس أن درب السعداء في عُلُوّ همّتهم.

"أحمد، لا تفقد ابتسامتك، فالحياة دون ابتسامة تضيق، و لا تفقد عفويتك لأن بعض الناس يحبون التصنع و المجاملات الزائفة، بل كن صادقا كما عهدتك، صادقا مع نفسك و مع من حولك.

"لا تؤذي نفسك يا أحمد... لا تؤذها من أجل الاخرين و لا تؤذي الاخرين من أجل كبرياء نفسك

"أحمد، راحة المؤمن في شغله، فاشغَل نفسك بما يعطيك رغبة في الاستمرار في الحياة و بما يحفزك على مزيد من العطاء، فالفراغ يقتل الروح و يفرغها من طاقتها و يملؤها بالملل.

"أحمد، من لا خير فيه لأهله فلا خير فيه لأحد، فكن لأهلك الخير كله، كن لهم خير مؤنس و خيرسند و خير ناصح.

"أحمد، بعض الأصدقاء هبة من الله، لكنهم قد يعبرون حياتنا لأيام معدودة فقط، لديهم مهمة ينجزونها في حياتنا ثم...قد يختفون، فمن سار بدربك و بقي معك سر معه و حافظ عليه، أما من فرقت بينك و بينه الحياة، فاحفظ له جميل الذكريات، و جميل الأثر الذي يتركه داخلك.

"أحمد، عش لحظات حياتك كما تستحق ذلك، عش لحظة الفرح بالفرح، و قابل الاحزان بالصبر، و لا تفوت عليك الاحساس بطعم الحياة، فلولا طعم الحزن لما كان للفرح طعم، و لولا طعم الخيبة لما كان للنجاح طعم.

"عش حياتك يا أحمد بالعرض لا بالطول، فالزمن يطوي الحياة بسرعة في سويعات معدودة، بينما الاعمال تملؤ الحياة بالعرض، و لا تنس أن البحث عن الرزق عمل كما أن الاتقان عمل، والابتسامة عمل، و العطاء عمل، و الذكر عمل، و الصدقة عمل و كل حركة فيها خير هي عمل.

"الراحلون يا أحمد، يحبون أن يكونوا ذكرى جميلة في حياتنا، لذلك لا تحزن عندما تتذكرهم، بل ابتسم، و ادع لهم بالخير، فهم يبقون أحياء في قلوب الذين يحبونهم.

و لا تنس يا أحمد "احفظ الله يحفظك"

- "ألن تعود معي؟؟" سألته،

أجابني...

" و أهم شيء يا أحمد أن لا تفقد الطفل داخلك...فهو الشيء الذي يبقيك حيا"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

- "أحمد؟"...انتبهت حولي، فوجدتني لا أزال واقفا أمام المرآة...استدرت لأجد أمل تمسك بكتفي..."هل شردت في المرآة؟"

نظرت إليها و إلى الغرفة...أتتأكد من اني متيقظ...ابتسمتُ... ثم ضحكتُ...و هي تنظر إلي بتعجب، فقالت.."ما بك"؟ ما الخطب؟

- "لا شيء عزيزتي، فعلا شردت أمام المرآة فقط..."

- "حسنا، أحمد... لن أقول عيد ميلاد سعيد، فأنت تعلم موقفي من أعياد الميلاد، بل سأقول" بارك الله لك في عمرك و رزقك سعادة الدارين، ووفقك لكل ما فيه خير.".

لم يكن من عادة أمل مباركة أعياد الميلاد، لكنها لم تفوت يوما الدعاء لي في هذا اليوم دون تذكير من السيد فايس بوك.

فعلا، لو حجبت على المواقع الاجتماعية يوم ميلادك من قد يتذكره يا ترى؟ ربما هما شخصان بالنسبة لي، أمل و أمي.

أخرجت أمل شيئا من محفظتها... إنها طاولة شطرنج... مَدَّتها إليّ مبتسمة، "اقتنيت هذه من أجلنا"، و تابعت قائلة كأنها ترفع التحدي..."هكذا سيكون النزال أكثر متعة من اللعب على الحاسوب، مارأيك؟".

سمعته بداخلي يقول من جديد...و أهم شيء "لا تفقد الطفل داخلك يا أحمد"

ناديت الأطفال بصوت عال كما لو أني مذيع محترف يعلق على نزالات و مباريات الأبطال، "مها....أمجد...اقتربا اقتربا، نزااااال شطرنج بين أقوى اللاعبين تحتضنه بعد قليل غرفة الجلوس، فليأخذ كل واحد مكانه و ليتقدم المتبارون لطاولة النزال، و ليبدإ العداد"

ضحكت أمل و ضحك الأطفال و بدا الجميع متحمسا للعبة، سألت الطفلين وهما يتسابقان نحوي"من ستشجعان أيها الصغاار؟"

انتهي


  • 5

   نشر في 07 غشت 2021 .

التعليقات

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا