أنثى السراب "ثورة حواء الورق"
بقلم : أحمد خضر أبو إسماعيل
نشر في 29 أكتوبر 2017 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
" أنثى السراب " رواية للمبدع الجزائري " واسيني الأعرج "
صاحب العبقرية المتجددة ,أصدر العديد من
الأعمال الروائية .
وكل نص له عالم خاص ونكهة آخرى أثناء الإنغماس في القراءة
..........................................................................
استطاع " واسيني " وفي كل طرح روائي أن يقدم لنا عالم خيالي من خلال نظم السرد الذي تميز فيه من خلال قدرته الواضحة على التحكم بمكامن اللغة , وهو صاحب "النفس الطويل" في قيادة الأبجدية وتطويع حروفها بما يتناسب ومضمون العمل الأدبي .
للعنوان عند " واسيني " سلطة مطلقة في عملية جذب القارئ ,ومن ثم لحظة الدخول إلى عوالم النص وتخطي عتباته الأولى والإنقياد خلف سياقاته وتراكيبه التي يرصفها بشكل رشيق وبالتالي يستطيع إلصاق القارئ بالنص حتى أنفاسه الأخيرة .
"أنثى السراب " فكرة عبقرية استطاع من خلالها الكاتب أن يبعث الروح في شخصية روايته والتي جعل منها أنثى متمردة على الأبجدية , قامت بفك سلاسل حروفه لتحرق أجمل تفاصيل الحب بين شخص الروائي وعازفة الكمان , قدمها لنا عبر ثلاثة فصول بعناوين أعلنت إنتماء النص إلى المدرسة الرومانسية
بهاء الظل
مشيئة القلب
عطر الرماد
ضمن اعتبارات الرواية يعتبر دخول الروائي إلى السطور " شجاعة " وهنا لا نحاكم واسيني الشخص وإنما واسيني النص , الذي نجح وببراعة إيهام القارئ أن النص مكتوب بعدة أقلام منفصلة
فتتراوح اللغة الروائية بجمالية خلال السرد , وهنا سأقول : أن " واسيني " وجد مخبئ لا بأس به خلف منظومة الرواية التي تُبنى على الرسائل , على العلم أنها كلاسيكية لكن إنطباعات السرود المختلفة أضفت نوعاً حداثياً ,و لا أظن أن الكثيرين يمتلكون هذه الخبرة .
من العبثية أن نحاكم النص " الفنتازي " كما نحاكم " الأدب السيري " لذلك لا أعتبر أن الكشف عن يوميات حقيقية للروائي تسمح لنا بالتمادي في إعمال الحكم المطلق بأن واسيني الأعرج هو نفسه واسيني بطل أحداث الرواية , أردت التنويه لأن الكثير من النقاد يعطون لأنفسهم الحرية في الحكم على عوالم الروائي الخاصة .
أما عن الرحلة في الرواقات " النسوية " الخاصة فالدخول خلف الخطوط الحمراء هواية يحبها الكاتب للدفاع عن سيادة المرأة في المجتع , ويعتبر واسيني من الأصوات الصارخة دائماً في وجه جلاد النساء في مجتمعاتنا , وهذا الأمر كثيراً ما وضعه أمام محاكمات إجتماعية قاسية .
تأثر واسيني الأعرج بعملين أدبيين مهمين
" الدون كيشون " ل سرفانتس
"ألف ليلة وليلة " الشهير
دائماً يكون جلي و واضح لذلك أعتبر تكرارهما ليس ضمن حالة " نفاذ أدبي " وإنما هوية للروائي بالإضافة طبعاً لإرثه الأندلسي الذي نراه دائماً متألقاً بين السطور .
ومن هنا نعود للنص وفق وجهة نظر إجتماعية , العلاقة التي رسمها الكاتب ضمن سرده الروائي تتنافى والقيم المتأصلة في مجتمعاتنا , وأعطى النص شرعية لتلك العلاقات العابرة بين الأنثى والذكر ولا أنفي وجودها ضمن المجتمع لكن ماترتب عليها كان في لحظات غير منطقي إطلاقاً فلو سلمنا أن " عازفة الكمان " ليلى أنجبت طفلين من أبوين مختلفين ونُسبا لزوجها " دون تعقيب " على ذلك إلا أن انقسام شعور الأمومة كان جلياً , وحاول الكاتب رتقه من خلال تراكيبه لكن الفجوة واضحة وأيضاً من خلال مبررات لا أظنها مقنعة , هنا نحاكم النص برسالته وليس ببنيته وإذا أراد التحذير من مخاطر الحب الأعمى عليه الإبتعاد عن الأمومة .
كما أسلفنا " واسيني " صاحب نفس طويل في عملية السرد إلا أن هذه الحالة لا تخدم النص دائماً فهناك إحالات وحواشي كثيراً ما " تكررت " أظن أنه كان بالإمكان الإستغناء عنها وهذا لا ينفي رشاقة النص لكن يحمله في بعض الأحيان مالا يحتمل .
اتكأ الكاتب على عدد من الشخصيات التي لم يعرها إهتماماً وعلماً أنها مفصلية ضمن هكذا قصة روائية وهنا أقصد إلى فكرة الزواج التي جعلها ردة فعل طائشة وزوجة البطل التي لعبت الهوامش دوراً أكثر منها وهنا أظن إغفال واسيني عن هكذا نقطة متعمدة وكأنه أراد أن يقول : أن من يذهب إلى أقاصي الحياة يتخلى عن الكثير من الإلتزامات لكن بالمقابل تعتبر ثغرة صغيرة عليه كان أن يسدها ولو برسالة عابرة .
شخصية الروائي خدمت النص بشكل كبير جداً وخصوصاً في قضية التنقل الجغرافي وهذه إحدى النقاط التي استساغها الكاتب و وجد فيها حيزاً واسعاً للمراوغة بمعناها الإيجابي .
لم يراع الكاتب المسألة العمرية ضمن نص الرسائل فلو ذهبنا لنص العشرينيات وجدناه ونص الأربعينيات ينصهران بنفس الحرفية , ولا أطالب الكاتب بالركاكة وإنما بالتبسيط من ناحية سبك التراكيب .
وطبعاً قيمة النص تتعدى مسألة الحبكة الواحد فلقد وضع " الأعرج " خلفية تاريخية قديمة ومعاصرة للوحة النص وأقول خلفية لأنها تتماهى مع الأحداث دون ثغور , وإن دل ذلك على شيء دل على نية إصلاحية إجتماعية مستنداً على دروس التاريخ التي أسقطها بحرفية عالية على الواقع .
ومن هنا أقول :
اختزل الروائي مراحل تاريخية مهمة وبالتالي أعطى قيمة النص الأدبي وزناً لا يستهان به في ظل تراجع ملحوظ في فن كتابة الرواية العربية , ولغة واسيني تعتبر هي الأجمل للترجمة لأنه يتقن الإسبانية والفرنسية وبالتالي يقرأ أفكار المترجم وهي خاصية مميزة وبنفس الوقت تعطي القارئ أثناء التوغل في النص روح العالمية , أما ثغور النص الأدبي هي نوافذ يخرج الكاتب منها ليلغي فكرة الكمال .
-
أحمد خضر أبو إسماعيلالكاتب أحمد خضر أبو إسماعيل من مواليد 26.3.1993 سورية .سلمية كاتب في القصة القصيرة
التعليقات
أحسنت و موفق في كتاباتك القادمة .
وهذا إن دل ، يدل على براعتك في التحليل والنقد ، ولك نظرة حادة في إكتشاف مواطن الجمال والعيوب في النص ...
دام قلمك الناقد ~