عزيمتي ساقتني لبلاد بعيدا عن بلادي، و ألقتني وسط حشد من الناس لا علاقة بيني و بينهم، ظننت أن هاته البلاد بلاد رزق وفير، لا تعب و لا إرهاق ، بلاد الراحة و السعادة، بعيدا عن الحزن و الكآبة، فوجدت ما لا خطر على البال، وجدت عكس ما ظننت، أه... مرت سنين علي في بلاد الغربة و ليس لي بعدُ صديق يسأل، كم من ليلة لم أنمها، خوفا أن تفوتني صلاة الفجر، لأن المسجد بعيد كثيرا ، فإذا صليت الفجر، أجلس و أحتسي القهوة و أرسل بصري الى النافذة التي تطل على المدينة الضخمة،و حقول خضراء قريبة من مسكني، و أشجار الريحان في كل مكان ، و خيوط الشمس تائهة في دروب المدينة، ها قد حان وقت العمل أجهز حقيبتي و أخرج أركب سيارتي، أحاول أن أسرع كي لا أتأخر، فأفاجئ بزحمة الطريق في الصباح؟ و الوقت يمر بسرعة، بينما لو كنت في بلادي لن أواجه هذا المشكل أبدا، قيل: أننا نحن العرب كثافتنا السكانية أكثر من الغرب، تعجب إذا و آستغرب، وصلت إلى العمل و لله الحمد بنصف ساعة، كل الموظفين يحبون الإنفراد في أوقات العمل، لما تصل ساعة الإستراحة يجتمع الكل و يناقشون و يضحكون و البعض الآخر مثلي جالس يفكر عن بلاده، أين وصلت و كيف حالها؟ ها أنا هاهنا بين يدي آقتصاد هذه البلدة الغريبة، و ها هناك بلادي آقتصادها في تراجع، و وضعها مزري و سئ، فما السبيل إلى عبد بلد غريب؟ ترك الحرية و أتى إلى حيث فيه العبودية و الرق، صدق قول الشاعر: و آعرف مواضعَ ما تأتيه من عملٍ ++ فليس في كل حينٍ يحسنُ العملُ ،
و اعلم يا صديقي القارئ أن بلادك كيفما كانت، أرأف بك من أيت بلاد أخرى، فآختر إما الهون و العذاب و إما الفرح و العزة، و قبل أن تسافر خذ معك ما يكفي من المناديل فهي في الغالب غالية، و لا تنسى ثقافتك و أصلك ، و آفرض نفسك و آرضى بمن تكون ، و لا تبال.
أتثائب من الملل، سأنام قليلا، ستنام معي يدي و عروقي، سأنام في غير بلادي، في غير زمني، في غير أصلي، و شبابي شاخ، تُرى يا تُرى أسأموت في أرض غيري؟
-
عتيقة أخراز فأصدق الناس من صح إخلاصه و توكله