تركيا: بلاد العجائب - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تركيا: بلاد العجائب

  نشر في 16 شتنبر 2020 .


من يزور تركيا مرة يشتاق لزيارتها كل مرة، ومن يعيش هناك يستمد روح انتمائه للبلاد من جمالها الساحر وموقعها الاستراتيجي المهم، فالبلد صاحبة التاريخ العظيم، والحضارات المتعاقبة، والثقافة الغنية، والاقتصاد القوي، يعتبر من الأجمل في العالم. وهذا الجمال هو المحفز الأكبر للسياحة التي تعتبر المحرك لديناميكية الدولة. فتركيا باختصار بلاد العجائب والقلب النابض للعالم القديم.

مركز العالم القديم

تعتبر تركيا دولة ذات موقع استراتيجي مهم؛ لموقعها بين قارتي آسيا وأوروبا، حيث يمتد الجزء الأكبر منها في شبه جزيرة الأناضول، وجزء صغير منها في شبه جزيرة البلقان. ويفصل الجزء الأوروبي عن الآسيوي مجموعة من المسطحات المائية، هي: المضائق التركية (البوسفور والدردنيل)، وبحر مرمرة.

ويحيط بها العديد من الدول، هي: اليونان وبلغاريا في الشمال الغربي، وجورجيا في الشمال الشرقي، وأرمينيا وأذربيجان وإيران في الشرق، والعراق في الجنوب الشرقي، وأخيراً سوريا في الجنوب.

كما تمتلك الدولة سواحل طويلة على البحر الأسود في الشمال، والبحر الأبيض المتوسط في الجنوب، وبحر إيجة في الغرب.

وأهم مدينتين فيها، هما أنقرة العاصمة، وإسطنبول المدينة الأكبر والأكثر أهمية.

جذور ضاربة في عمق التاريخ

لقد سكنت العديد من الحضارات هذا الإقليم ابتداءً من حضارة الأناضول، مروراً بالإغريق، والرومان، والبيزنطيين، وانتهاءً بالترك، حيث آلت الأمور إليهم بعد الانتصار العظيم في موقعة ملازكرد (1071م) المصيرية تحت راية دولة سلاجقة الروم، وبقيادة السلطان ألب أرسلان العظيم، لكن هذه الدولة لم تدم طويلاً، حيث تفككت إلى إمارات صغير (بيليك) بعد غزو المغول للبلاد سنة (1243م).

لكن كما هي العادة، خرج طائر العنقاء من تحت الرماد، فبعد توحيدها لهذه الإمارات المشتتة في الأناضول؛ انبعثت دولة آل عثمان الإمبراطورية العظيمة لتفتح البلقان، وتفتح القسطنطينية سنة 1453م بقيادة السلطان المجاهد "محمد الفاتح"، وتعيد تسمية المدينة إلى "إسلامبول" وتجعلها عاصمتها. وكانت غاية صعود الدولة العثمانية في عهد السلطان سليم الأول وابنه السلطان العظيم "سليمان القانوني" حيث تحولت الإمبراطورية لتصبح دولة الخلافة بعد أن ضمت الحجاز والعراق والشام ومصر وشمال إفريقيا، وتوسعت أكثر لتسيطر على الجزء الأكبر من جنوب شرق أوروبا.

لكن الإمبراطورية العظيمة وفي أواخر القرن الثامن عشر بدأت تتهاوى، لتخسر الكثير من أراضيها تدريجياً بعد معارك طاحنة ضد روسيا في القوقاز، ومعارك أخرى في البلقان.

ولرأب الصدع وإعادة التماسك الاجتماعي والسياسي للدولة؛ بدأ السلطان محمود الثاني في بداية القرن التاسع عشر مجموعةً من التحديثات التي طالت جميع جوانب الحياة في الإمبراطورية، وقد سار على خطاه السلطان المجاهد عبد الحميد الثاني، لكنه عزل من قبل جمعية الاتحاد والترقي بقيادة الباشاوات الثلاثة.   

محمد طلعت باشا وإسماعيل أنور باشا وأحمد جمال باشا الذين أسقطوا السلطان عبد الحميد ورطوا الإمبراطورية في الحرب العالمية الأولى التي كانت السبب الرئيس في تفككها وتحولها إلى دول صغيرة. وقد تأسست الجمهورية التركية على أنقاض الدولة العثمانية.

ويعود الفضل بتأسيس الجمهورية لحروب الاستقلال التركي بقيادة مصطفى كمال أتاتورك الذي أقام الدولة التركية، وأنهى دولة الخلافة ليصبح أول رئيس تركي، كما أنه قام بالعديد من التعديلات في إطار تغريب الدولة وعلمنة النظام السياسي فيها، وهو ما عليه تركيا الآن.

تركيا: اللاعب السياسي العالمي

متحدرة من الإمبراطورية العثمانية وممتلكة موقعاً جيوسياسياً فريداً؛ تعتبر تركيا دولةً إقليميةً هامةً ذات دور عالمي محوري، اكتسبته من كونها جسراً بين الشرق والغرب. 

فهي عضو أساسي في الأمم المتحدة، وعضو قديم في البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما أنها عضو مؤسس لمجموعة العشرين، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومنظمة التعاون الاقتصادي في إقليم البحر الأسود، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنموي، هذا بالإضافة لخوضها مفاوضات لدخول الاتحاد الأوروبي منذ العام 2005.

وقد تبنت الدولة العديد من الأنظمة السياسية، ابتداءً من نظام الحزب الواحد بقيادة حزب الشعب الجمهوري، مروراً بالنظام البرلماني الذي ظل معمول به إلى أن تم التحول إلى النظام الرئاسي بعد استفتاء 2017 والانتخابات الرئاسية عام 2018. ويعتبر الرئيس رجب طيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية القائد الفعلي للجمهورية التركية الحديثة منذ فوز حزبه بالانتخابات البرلمانية عام 2003 وحتى يومنا هذا.

وتتبوأ تركيا المعاصرة مكانة رفيعة باعتبارها قوة إقليمية كبيرة ذات أهمية عالمية، وهي أيضاً دولة صناعية حديثة في موقع جيوسياسي محوري.

وبالرغم من جذور المجتمع التركي الإسلامية العميقة، إلا أن الدولة التركية تتبنى النظام العلماني، وفيها مساحة واسعة للحريات الدينية والاجتماعية.

الدولة ذات التنوع الديموغرافي الواسع

حسب إحصائية لعام 2020 بلغ عدد سكان تركيا الـ 84.33 مليون نسمة، 75.7% منهم يعيشون في المناطق الحضرية، وتقدر نسبة الزيادة السنوية للسكان بـ 1.35%، وهي الدولة رقم 17 في العالم من حيث التعداد السكاني بنسبة 1.08% من عدد سكان العالم. كما أنها دولة شابة بمتوسط أعمار يقارب الـ 31.5 عام.

ويشكل العرق التركي الغالبية العظمى من عدد السكان بنسبة تتراوح بين 70-80%، ومع هذا فالدولة تضم تقريباً 47 مجموعة عرقية أخرى، يعتبر الكرد والعرب والأرمن والإغريق الأبرز من بينهم.

كما أن لغة الدولة الرسمية هي اللغة التركية التي تعتبر اللغة الأم لـ 85.5% من السكان، بينما يتحدث 11.9% اللغة الكردية، و2.4% يتحدثون اللغة العربية.

اقتصادٌ صاعدٌ بقوة

يحتل الاقتصاد التركي المركز الـ 19 بين أكبر الاقتصادات العالمية، والمركز الـ 13 في تعادل القوة الشرائية؛ بناتج محلي إجمالي يقدر ب 744$ ترليون دولار ومعدل قوة شرائية يصل لـ 2.4$ ترليون. وهي واحدة من الدول المؤسسة لمجموعة العشرين ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنموي.

وتعتبر الصناعة أحد القطاعات الأهم في الدولة، وعاملاً أساسياً في نموها الاقتصادي، حيث تحتل المرتبة الـ 14 في انتاج المركبات، وتعتبر أحواض بناء السفن في الدولة ذات أهمية عالمية لإنتاجها ناقلات البترول وناقلات المواد الكيميائية، بالإضافة لإنتاجها اليخوت الضخمة. وتعتبر شركتي "بيكو" و "فيسيل" التركيتان من العلامات التجارية المعتبرة بين الشركات الرائدة في إنتاج الإلكترونيات الاستهلاكية، والأجهزة المنزلية.

هذا بالإضافة إلى عشر قطاعات أخرى، هي: الإنشاء، والخدمات المصرفية، والنسيج، والبتروكيماويات، وتكرير النفط، والتعدين، والحديد والصلب، وصناعة الآلات، والصناعات الغذائية، والزراعة، التي تسهم في النمو السريع للاقتصاد التركي الذي من المتوقع أن يكون من ضمن العشرة العظام في مدة تتراوح بين 5 إلى 10 أعوام.

ونتيجةً لهذا النمو المذهل تتبوء تركيا المركز السابع بين الوجهات الأكثر اجتذاباً للاستثمار الأجنبي المباشر في أوروبا حيث اجتذبت إليها قرابة الـ 209$ مليار دولار بين العامين 2003 و2018، وتعتبر قطاعات التمويل (بنسبة 34%)، والتصنيع (بنسبة 24.1%) من أكثر القطاعات المجتذبة للاستثمار الأجنبي المباشر. كما أن غالبية هذا الاستثمار تأتي من أوروبا صاحبة النسبة الأكبر، والولايات المتحدة بنسبة 7.7%، ودول الخليج بنسبة 6.8%، والمملكة المتحدة بنسبة 6.6%. 

ويعتبر قطاع الإنشاء واحد من القطاعات الأسرع نمواً في الدولة، حيث تحتل شركات المقاولات التركية المرتبة الثانية عالمياً من حيث المشاريع الأجنبية متقدمةً على الولايات المتحدة الثالثة، وبعد الصين الأولى. ويعمل في هذا القطاع قرابة الـ 2 مليون شخص. 

ثقافةٌ غنية

ورثت تركيا العناصر الثقافية العثمانية التي تعتبر خليطاً من الثقافة التركية، والبلقانية، والعربية، والإسلامية، وقد أضيفت إليها حديثاً اللمسة الأوروبية المعاصرة؛ التي جعلت الثقافية التركية تمزج بين التقاليد العريقة وأسلوب الحياة العصري.

وبما يتعلق بالحياة اليومية؛ يحب الشعب التركي التعبير عن المشاعر المختلفة باستخدام تعبيرات محددة، منها على سبيل المثال: "قيتشميش أولسون" في حال المرض، و"هوش قالدين" للترحيب، و"كولاي قالسن" لتمني عملاً سهلاً، و"آفيات أولسون" عند تناول الطعام.

ويعتبر الطعام من العناصر الأساسية للثقافة التركية، بأطباقه الشهيرة والمتنوعة، مثل: الكباب، والدولمى (المحشي)، والكفتة، والكنافة، والبقلاوة، وغيرها الكثير. كما تعتبر وجبة الإفطار الوجبة الأكثر أهمية حيث تحوي عادةً الجبن، والعسل، والبيض، والخيار، والبندورة، وبالتأكيد الخبز.

ويُنظر للنظافة في المجتمع التركي على أنها أمر أساسي في كل مناحي الحياة، حيث يستمد الأتراك ذلك من شعائرهم الإسلامية التي تحثهم على الاغتسال المتكرر. كما أنهم غير معتادين على دخول البيت بالأحذية، وإذا جاءهم ضيف يقدمون له نعل خاص، وهم أيضاً شعب مضياف حيث يقدمون الطعام للضيوف بكميات كبيرة، ويعتبر رفض تناوله أمراً معيباً.

والمشروب الوطني في تركيا، هو الشاي حيث يشربونه في كل مكان وتقريباً في كل وقت، حيث يقدمونه بلون أسود مائل للحمرة في كؤوس تشبه زهرة التيوليب مع مكعبات السكر في الخارج، وإذا استقبلوا ضيفاً عزيزاً يقدمون معه الحلقوم التركي الشهير.

وجهة سياحية شهيرة

يزور تركيا الملايين من السياح من جميع أنحاء العالم؛ فهي واحدة من الوجهات السياحية المفضلة للكثيرين، حيث حازت على المركز السادس بين الوجهات السياحية العالمية في العام 2018، وفي 2019 زارها قرابة الـ 51.9 مليون سائح.

وقد حددت اليونسكو 17 موقعاً في تركيا من ضمن قائمة التراث العالمي، منها إسطنبول التاريخية، هيرابوليس (باومكالي)، كابادوكيا، جبل النمرود، وموقع العصر الحجري في كاتالهويوك.

كما تحظى تركيا باثنتين من عجائب الدنيا السبع القديمة، وهي معبد أرتيميس (من القرن السادس قبل الميلاد) في إفيسوس الواقعة في مدينة إزمير، وضريح هاليكارناسوس (من القرن الرابع قبل الميلاد) في بودروم. وتضم البلاد منطقة "قوباكلي تبة" التي تعتبر أقدم موقع ديني في التاريخ.


  • 2

   نشر في 16 شتنبر 2020 .

التعليقات

شاعر النيل منذ 4 سنة
معلومات جميلة وقيمة ومفيدة شكرا على المجهود
0
شاعر النيل منذ 4 سنة
معلومات جميلة وقيمة ومفيدة شكرا على المجهود
0
can 2016
العفو نحن دائما في الخدمة لتوفير المعلومات الصحيحة والنصيحة الصادقة والموثوقة

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا