لقلبي الفاقد العزاء ولروحها شآبيب الرحمة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

لقلبي الفاقد العزاء ولروحها شآبيب الرحمة

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 08 ماي 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

لقلبي الفاقد العزاء ولروحها شآبيب الرحمة..

هيام فؤاد ضمرة..


ما هي إلا أيام معدودات طالت أو قصرت، وما هي إلا دار غربة تكتنفها الغواية، تنتهي بالسفر الأبدي لرحلة تكتنفها الطواية، وهي المسافة الممتدة بين الولادة والموت والتي تسمى حياة دُنيا، فما أدناها من حياة فانية محكومة بالانتهاء والرحيل الذي لا عودة منه، بل هي خلاصاً خالصاً من حياة دُنيا فانية إلى حياة برزخية باقية إلى ما شاء الله، والحقيقة أنها مرحلة إنتهاء من دار التكليف والعمل إلى دار البلوغ والأمل، من دار العناء إلى دار الرخاء والهناء، فمن منا يستطيع أن يتنبأ بيوم رحيله وساعة أفوله، فتلك الساعة علمها عند الله، وكذلك الحالة التي ستكون عليها لحظة الرحيل..

"أينما تكونوا يُدْرِكُمْ الموتُ ولو كنتُم في بروجٍ مشيدةٍ" النساء..

" كلّ نفسٍ ذائقة الموت" هو قدر لا مهرب منه ولا استثناء فيه.

اللهم أسألك الرحمة لقلبي فاقد الأعزة، فأكثر ما يجرح كياني فقداني صديقة عزيزة أحببتها بكل جوارحي، وعشنا معاً ما ينوف عن الأربعين عاماً وكلانا تأتلف بقلبها صداقة عامرة بالوفاء والمصداقية، وكبر أبناءنا بيننا وأمام نواظرنا وكأننا أسرة واحدة تلتحم بكافة مشاعرها، إلا أنّ حقّ القدر هو دينٌ قائم لا بُد من إيفائه، ولا بد للجرح أنْ تفتحه يَد القدر غير عابئة بأوجاعنا، وصدمات نفوسنا، وثورة مشاعر فقدِنا.. ويلاه كيف تنسلّ العافية من أجسادنا، وكيف تُباغِتنا الأحداث بالصدمات الموجعة، تسقط علينا من علوٍ شاهق تكاد تهشّم مشاعرنا,

رحماك ربي وهذه الديار ترتسم على جدرانها مراسم الأحزان، فيهجرها الصوت الدافئ الأليف، ليعوي في أنحائها الموت بصوته الداوي المُخيف، والقلب كان تعلق بالتحنان وألِف وجهاً يطيبُ به المديح.

فيا صديقتي وأصدق من صادقت، سأظل أتشوق فوح طيبك في كل بادرة رسخت في ذاكرتي، استحضرهُ شريطاً لا نهاية له، فالأرواح جندها الله لتميل حيثما تهوى، وإذا ما مالت لا ينكفئ عودها ولا تتهاوى بنودها،

كنا في الشدائد قلبا يتوحد على الود والوفاء على ما يُوجبه حقّ الصداقة، فلا ينتابنا في مواقف الدعم غياب ولا أفول، فأنتِ الصديقة العزيزة وأنتِ قافية شعري والمواجد، إذا ما دعاها الواجب لبت النداء كما عهد الصديق في لحظات الضيق، فتجيب بكلِّ طيب، وبالمثلِ أكون أنا في مواقف الشدة ولحظات الضيق، فما من يقدر أنْ يُفرقَ لنا شمل، ولا مَنْ يثير بيننا الشكوك، نفرح لفرح بعضنا ويذوينا الأسى إذا ما أصاب أحدنا أمر فيه الضعف والبلاء.

واهٍ يا صديقتي الغالية هاهي الحياة تمضي بنا سِراعاً، وتأخذنا أعمارنا في مهبّ ريحٍ عاتية تسلبُ منا عافيتنا وترهق مراحلنا، لكنا ونحن اللتان نشأنا على ثبات الإيمان، ظلننا نقف أمامها كالسارية المغروسة بباطن الأرض لا تنحني ولا تنكسر، نستمد قوتنا من ايمان بالله هو وحده القادر على أنْ يُخرجَ عباده من الضيق إلى فسحة الأمل، ويبدلنا مِن معترك إلى مستراح، ونحن كما العهد بنا لا نلتقي إلا على حبٍّ وفرح، ولا نودِّع بعضنا البعض إلا على أمل اللقاء القريب.. فيا إلهي كم تعتقت الأحزان في روحي فصرت وسطها شلالاً منسكباً من الدمع،يشقّ مساربه عبر أسيل مجرّح.

يا لقلبي المفجوع؛ ويا وجعي المنسول؛ تُشقيني غصتي لغيابك، وتثير بي كوامن الأحزان كلما عاركتني الذكرى وتمطت أمامي، فأين مني نبضي الذي كان هادئاً، وأين مني ركون النفس إلى الأيام، فكم هي الأيام تفاجئنا في غير المتوقع وتضربُ في رؤوسنا أوتاداً من الأحزان,

فأنى لي القوة لأقول لكِ وداعاً أخية، وأتحلل من كلِّ المشاعر، فما ربطنا هو أعمق من الصداقة وأقرب للأخوة، كنا أرواح تآلفت على الودِّ بالعهد الأمين، ستظل صورتك تتوهج في مخيلتي حين كانت تجمعنا العلاقتين بنجاح، صداقتنا وقرابتنا، فكنا نتبادل الدعوات والزيارات، ونتشارك أجمل الرحلات العائلية الاستجمامية، والنشاطات الاجتماعية وخطط التسوق، فما أجمل حسن ظننا بالله دوماً وأبداً.

لكن وَهن السنين يُذريني ويُشقيني، ويكاد هذه اللحظة أنْ يخونني يراعي بالتعبير عما يمور في مكنوني، فالحزن على فقدك صديقتي يفيض داخلي ويملأ مسارب شجوني، وقد قضيتِ بحادث سير رهيب اختطف روحك الطاهرة إلى برزخ الموت الخفي، فقلبي اليوم محزون، ويراعي يكاد لا يستطيع ترجمة حزني العميق.. فكيف يا ترى أقوى من أنْ أحوِّل معزوفة الوُدّ الذي عايشناهُ معاً إلى سيمفونية حزينة لفقد أعز الصديقات وأوفاهُن، فما أقسى تلك اللحظة التي تلقيت فيها نبأ فقدانك صديقتي، فرغم أن الموت حقّ وهو بوابة الخروج من الحياة، إلا أنّ فقد الأعزة لها ساعة غفلة قميئة تخرجك للحظات عن طورك، فتصرخ بلا إرادة منك صرخة استنكارية ( أرجوك لا يا ربي.. ليس بعد).

فالموت يُواري عنا الأحبة بلا هوادة لنكتشف أنّ الزمن يتلاعبُ بنا كما يتلاعب الموج العالي بالسفينة قبل أنْ يُغرقها إلى القاع السحيق، فبأيِّ الطرق نستطيع أنْ نستدرك ميزان الأحزان قبل أنْ تتناولنا أمواجه العاتية، وبأيِّ شكل أستطيع أنْ أُبعد عن ناظري شريط الذكريات وهي لا تني تزورني وتمنحني المشهد تلو الآخر إلى أنْ تتمكن من عينيّ العبرات.. فأشهق باكية.

كيف ستبدو عليه الحياة وأنت يا صديقتي لست فيها، لله كيف الشموع تذوب وتذوي ذبالتها، فتنتهي ويموت معها الضوء والحركة والأنفاس، كيف يتحول النهار ليلا دامساً بالكاد نتلمس في عتمته موقع الخطوات، فالموت من طبيعته اغتيال الحياة، فأنى لها من مهرب وهو يفتح شدقيه على وسعهما للإلتهام، فيا إلهي كيف يتحول الأحبة إلى ناقوس ذكرى يدق بين الحين والآخر جدران الذاكرة مستخرجاً كل ألوان الأحزان، فتأتينا الصور وكأنها تأتينا مِن بُعد بَعيد في غفلة من الزمن،

لقد منحني الله كواكبا أضاءت مراحل حياتي بمعاني الصداقة الحقة، صداقة صدوقة خالية من المصالح والتزييفات، أصحاب قلوب صافية لا تقرب نفوسها الرياء ولا الغدر، فكم من صديقة كانت لنا النور في أعيننا والنبض في صدرنا، وكانت مصدر الإلهام والوفاء ومشاعر السخاء، فإذا كان الموت قدر البشر فمثلهن يمتن كالأشحار واقفات بكل إباء.


  • 1

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 08 ماي 2019  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا