مآسي كورونا ستحيي جنونها في الذاكرة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مآسي كورونا ستحيي جنونها في الذاكرة

  نشر في 22 فبراير 2020 .

مآسي كورونا ستحيي جنونها في الذاكرة

هيام فؤاد ضمرة

ما زالت بؤرة الفيروس كورونا تغلي بمرجل الوباء وتفور دون هوادة، وما زال الموت يخيم على المدينة المنكوبة ويثير الرعب والقلق بين الصينيين متلقي الصدمة أمام حجم ما حصده هذا الكابوس البغيض، وقد فاق تعدادهم الألفي متوفي وبتزايد مطرد، وما كادت دولة ايران تسجل ثلاثة عشرة إصابة بالكورونا وأربع وفيات حتى انتقلت منها حالة إصابة إلى لبنان حملتها معها سيدة آتية من إيران،

وما زالت حركة السفر بين الدول هي السبب الرئيس في نقل الفايروس المتحول من دولة لأخرى، الأمر الذي جعل وزير الصحة اللبناني يؤثر عزل نفسه للتحقق من سلامته بعد عودته من ايران.

فالأمر المقلق رغم كل التحذيرات من ضرورة تأجيل مواعيد السفر وتحاشي مواقع التجمعات، إلا أن البعض الكثير من الناس ينظر للأمر بكثير لا مبالاه غير مدركين خطورة الأمر، الفايروس الذي بات كبقعة الحبر سرعان ما يتفشى.

أما الباخرة الموبوءة دايموند برينسيس الراسية في ميناء يوكوهاما بضواحي طوكيو فحال ركابها تماما كفاقدي الأمل ليس بيدهم حيلة وهم المحصورون مع الفيروس في مساحة محدودة إلا الصبر والإنتظار، وترك يد القدر تتلقفهم كيفما قدر لهم، تحاصرهم الأوهام وتتضاءل أمامهم فسحة العمر حتى لتكاد تصبح بحجم الصفر، وتقفل أمامهم كل الأبواب، تتجمد حدقات أعينهم عليه، عساه في لحظة حظ جبارة يخرجهم من هذا الهول إلى مستقبل ممتد، خاصة أن حجم الإصابات على متن الباخرة تضاعف بصورة رهيبة وبسرعة عجيبة، وثبت أن المرأة الإسرائيلية التي تهافتت دولتها لإخراجها سالمة من الباخرة دايموند برنسيس، قد تم التأكد بعد وصولها فلسطين المحتلة أنها مصابة فعلياً بالفيروس المتحول وتم الحجر عليها تحت إجراءات مشددة، ليتبينوا أنهم أحضروا الجحيم بنفسه إلى عرينهم.

مشاعر أقل ما يمكن أن تسمى متفجرة هولاً، هو حال المقبل على الموت تحت أي لحظة يقرر فيها الفيروس اللعين التهامهم، وتركهم مفرَّغين من الحياة، إن الإنسان ضعيف أمام المحبطات والتحولات المصيرية، فلا حزن يستمر ولا فرح يدوم، هي لحظات تحول شريط الحياة إلى أقصر مدى ممكن، حقا الدنيا أيام يداولها الله بين عباده، لا فرق بين واقع هذا الظرف وبين أنياب حرب لا تذر ولا تبقي، فلا يدري المرء منهم متى تأتي لحظة السقوط الأخير.

المثير المؤسف والذي لا نجد له مبرراً هو تفشي الفايروس المتحول في سجون الصين، وتم تحديد سجنين متباعدين، وفي إقليمين خارج إقليم هوبي منبع الفيروس، هما إقليم شاندونغ في الشمال الصيني وإقليم شيجيانغ في الشرق الصيني، بلغ حجم الإصابة داخلهما ما يزيد عن المائتين وخمسين سجيناً، والأغرب ولكونهما خارج الإقليم الذي انبعث منه الفيروس، فإن الأمر وضع كثيرا من التساؤلات حول رخاوة الإجراءات في ظرف كهذا تم فيه الإعلان داخل الصين عن حالة الإستنفار العام والتشديد التام، وفرض مزيد من الإجراءات لاتخاذ كامل الحيطة لمحاصرة الفايروس لدرجة التشديد إلى الحالة القصوى، مما عرض مسؤولين بارزين في الدولة تم إقالتهم من مواقعهم بسبب هذا الفلتان والتقاعس الواضح بعد أن تم إجراء تحقيق وتقصي الإجراءات التي ثبت فعليا تقاعسهم في اتخاذ وسائل واجراءات الوقاية من الوباء، والأغرب أن يكون التفشي الأعظم للفيروس الخطير في سجن النساء مما سيضخم المساءلة من جهات دولية تعنى بحقوق المرأة.

وكثرت القصص المأساوية التي خلفها هذا الفيروس المجرم، فأسرة مخرج سينمائي من مدينة يوهان معقل الفيروس المستجد هو شيانغ ين شيانغ مدير مكتب الاتصال الخارجي في الحزب الشيوعي المسؤول عن نشر الثقافة الصينية، مؤلفة من خمسة أفراد، المخرج ووالديه وشقيقته وزوجته، كانوا اتخذوا قرار تطبيق سياسة الحجر على أنفسهم ولزموا منزلهم، لكن غرابة القدر أن يواجههم الفيروس كموجة تسونامية متفلتة ويلتقطهم الواحد تلو الآخر بصورة مأساوية بالغة بفارق أيام، وكأن ذلك المنزل كان عبارة عن قنبلة الفيروس الموقوتة لأسرة المخرج التي التقطت العدوى من بعضها، وما زالت زوجته تعاني سكرات الموت، وكتب عبارة مؤثرة قبل وفاته يقول فيها: " إلى كل من أجببتهم وأحبوني.. وداعاً".

وأينما حل الوباء المؤدي إلى الموت كثرت القصص المأساوية وأحدثت الحزن، فلكم أن تتصوروا طفلا يولد يواج الحياة وهو يحمل فيروس كورونا ليكون أصغر إنسان مصاب بالفيروس المجنون، والذي تم اكتشافه بعد ساعات من ولادته، والجهاز الطبي غير متيقن إذا كان الطفل التقط الفيروس وهو في أحشاء والدته المصابة أم وهو ينزلق منها إلى الحياة، وكانت أم مصابة بالفيروس ولدت قبل أيام طفلة سليمة مما يعني احتمالية حدوث عدوى الطفل خلال الولادة نفسها.

ولعل أشد المشاهد المؤثرة قسوة تلك الصورة التي شاهدناها عبر وسائل الإعلام لأم ممرضة تعالج المصابين بالفيروس، وتغيب الأيام الطوال بعملها، وابنتها المتشوقة لعناقها، تفتحان أيديهما على وسعهما وكأنهما تتعانقان، إنما عناق عن بعد بعيد ودموعهما تنهمر بملوحتها الحارقة وبمشاعر فياضة تثير اللواعج، فيما الأم تقول لإبنتها وهي تحاول رفع معنوياتها " والدتك تحارب وحشاً ضخما يا حبيبتي وستعود إلى البيت حالما تقضي عليه.. أحسني التصرف"..... وفي نهاية اللقاء وضعت الطفلة وعاءاً للأكل على الأرض وابتعدت للخلف حتى تتمكن الأم من استلامه.

مذهلة تلك الإجراءات التي اتخذتها الصين في المدينة الموبوءة للحد من انتشار عدوى الفيروس المجرم، بدءاً من المستشفى الضخم الذي شيد في زمن قياسي كما في الأحلام والأساطير وزود بأفضل الأجهزة والأقسام، من توعية الناس وتشجيعهم على فرض نظام الحجر الذاتي على أنفسهم، وعدم التجول إلا للضرورة القصوى، واعتمادها الروباتات الإلكترونية للخدمات كمثل روبوتات توصيل الحاجيات أو المواد الغذائية والأدوية، وخدمات الفنادق والمستشفيات، واستخدمت طائرات بدون طيار لزيارة الأهالي وفحصهم للتأكد من سلامتهم، كما اعتمدت شاحنات بلا سائق أيضاً لجمع القمامة وتنظيف الشوارع، وشاحنات بلا سائق لرش المطهرات ضد الفيروس، ولم تتوانى من استخدام وسائل القوة لأخذ المصابين الذين كانوا يقاومون أخذهم إلى المشافي بهدف الحد من انتشار الفيروس اللعين، ولقد اتخذ قرار جمع المرضى المشتبة بإصابتهم بالفيروس وحجر المقربين منهم للتأكد من خلوهم من الفيروس.

والعالم يخوض حربه مع فيروس لا يرى بالعين المجردة وقد أثار الرعب والفزع لخطورته، فهل يا ترى ستتمكن الصين من وقت لجم جريانه ووقف تدفقه؟

ويظل بعد كل هذا سؤال آخر يفرض نفسه أمام تفشي فايروس كورونا وعبوره حدود الصين إلى الخارج، باتجاه دول عديدة من دول العالم.. من المؤكد أن العالم متعاطف مع الشعب الصيني ويواصل متابعة كل وسائل التصدي للفيروس المتحول وينظر بعين العطف تجاه الشعب الصيني.. إنما هل يستطيع أحد منع نفسه من إظهار خوفه من الإختلاط بالصينيين؟ وأولئك الذين تقترب ملامحهم من دول آسيا من الصينين؟ سيما وأن العالم بات يتحدث عن غرابة ما يأكله سكان الصين وعن تلك الرائحة العجيبة التي تتسرب من تحت أبواب منازلهم في دول اغترابهم خارج الصين؟


  • 5

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 22 فبراير 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا