تعجرف الشعوب يهدد السياحة البينية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

تعجرف الشعوب يهدد السياحة البينية

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 28 غشت 2018 .

تعجرُف الشعوب يهدد السياحة البينية..

هيام فؤاد ضمرة ..

في زمن الحضارة والتطور باتت الحركات السياحية بين دول العالم أمراً مرغوباً مع سهولة التنقل بين دول العالم، ويسر معاملات السفر، وسرعة وسائل النقل المتوفرة، وتنوعها وفخامتها وكثرة الخيارات المتوفرة، وبرامج الرحلات السياحية المخفضة التكاليف، وبات عمل شركات السياحة مزدحماً في بيع تذاكر السفر البينية بين الدول، خاصة مع تلك الدول التي اهتمت بإنشاء مشاريعها السياحية الضخمة والجميلة والمتطورة وذات الجذب السياحي الأقوى، وتأمين وسائل مريحة تسعد السائح وتوفر له ذاكرة سياحية مشوقة يرغب بأعادة حيثياتها بين حين وآخر، فالسائح بطبيعته مستعد أن يدفع ماله مقابل أن يحصل على العرض السياحي الأجمل، بتكلفة معقولة غير مبالغ فيها، والطبيعة الجميلة تمتلك قوة جاذبية عظمى للسواح، فالإنسان بطبيعته يميل ميلاً تلقائياً للطبيعة الخضراء والمياة المتساقطة والأجواء المنعشة، والخدمات السياحية المريحة التي توفر فرص الهناء والرخاء والأناقة

ولكن في نفس الوقت نشأت داخل شعوب البلاد الجاذبة للسياحة، حالة من رفض الغرباء، الذين يملأون بلادهم بعاداتهم غير المألوفة، وثقافاتهم الخاصة، وتصرفاتهم التي تبدو لهم عجيبة وأحياناً غير مستساغة، وحتى بأزيائهم الغريبة، ولغتهم المبهمة، وعلى الغالب الأغلب بإنفاقهم السخي للمال الذي يبدو على أهل البلاد عزيز المنال، في وقت يتعرض فيه العالم لخسارات اقتصادية كبيرة، ولانحسار واضح في حركة البيع والشراء، فيتعامل مع هذا السائح بفوقية واضحة، وبجفاء استنكاري غير مخفي، وبخشونة غير لائقة البتة، فتبدو معاملته فيها الكثير من الأنانية والتعجرف في كثير من الأحيان تصل حد الوقاحة واللؤم، ومثل هذا التصرف يعتبر مدمر للسياحة وباعث على تهريب السياح.

ورغم أنّ السياحة تشكل جزءا مهما ومؤثرا في الاقتصاد الوطني، بل تعتبر أهم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية في العالم، وتلعب دوراً مهماً وبارزاً في تنمية وتطوير البلدان، وقد ازدادت أهميتها كصناعة وحرفة مهمة في رفد الأسواق والاقتصاد العام، وتنوعت السياحة بتخصصاتها وأشكالها، فهناك السياحة الترفيهية، والسياحة الدينية، والسياحة العلاجية، والسياحة الاقتصادية الصناعية، والسياحة الرياضية، والسياحة العلمية وغيرها.

وتبرز السياحة في الدول المتطورة كرافد أساسي في التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية، ولذلك بتنا نجد هناك اهتمام واضح في توفير منشآت سياحية متوسعة ومتطورة، ومهتمة في ضخامة حجم الاستثمارات في القطاع السياحي، مما يساعد في تحقيق تقدم هائل في اقتصاد الدول ويشكل مصدراً مهماً من مصادر الدخل القومي، يمكن هذه الدول من الحصول على مدخولات عالية من قطاع السياحة، خاصة إذا ما كانت هذه الدول تمتلك دراسات جدية في كيفية جذب السواح وتهيئة بيئة سياحية آمنة ومريحة له، وتوفير ثقافة سياحية بين السكان أنفسهم واحتياجاتهم، وبين العاملين بالقطاع السياحي أنفسهم، لتأمين ظروف وبيئة سياحية تستجيب لحاجة السائح وتؤمن له الحماية لضمان بيئة سياحية مستدامة، وتأمين حماية للبيئات السياحية ذاتها من أولويات الجذب السياحي، حيث أن الاهتمام بالسياحة هو باعث مهم على التنمية الوطنية المستدامة، ومطلباً اقصادياً يعتمد عليه في تحفيز الاستثمار، وتعد التوعية بأهمية تنمية الأجواء السياحية وإدارتها على نحو كفؤ هدف مهم في الدول التي تعمل على تطوير اقتصادها وتهتم بتحسين البيئة المعيشية لسكانها.

وعلى هذا فتوفير البيئة السياحية في كافة مكوناتها بما فيها طرق تعامل السكان الإنساني مع السائح وهي مهمة جداً في جذب السياحة ورفع الحصيلة السياحية للبلد، وبات استخراج القوانين المنظمة للسياحة أمراً مهماً للغاية، فتطوير القطاع السياحي عملية مستمرة تحتاج لوضعها داخل بؤرة الاهتمام، حيث يتطلب ترسيخ مفاهيم سياحية واعية بين جميع الفئات بما فيهم السكان أنفسهم، لتأمين ظروف سياحية ملائمة للجذب السياحي واستدامته، فالسياحة هي صناعة حديثة توفر فرص العمل لقطاع عريض من الشباب، وترفع من مستويات الحالة الاجتماعية بين السكان، والاحتكاك الثقافي يوفر تطوراً في العادات والثقافة وفهم التعامل الإنساني بين أصحاب الثقافات المتنوعة واحترامها، وتقبل الغرباء بأريحية ودون هجانة، وهذا يتطلب أيضاً احترام الموروث الثقافي للمجتمع نفسه، والحفاظ على القيم والتقاليد والعادات الايجابية المحفزة لفهم الاختلافات الثقافية، والمساهمة في تعميم فكر التسامح والتقبل واستيفاء حق الثقافات على تنوعها.

وقد باتت الحكومات في البلاد السياحية مطالبة بتمكين القطاع السياحي وتوفير البيئة السياحية وتوعية السكان بأهمية السياحة والثقافة السياحية كقطاع انتاجي مهم في اقتصاديات البلد، فالتخطيط العلمي الصحيح في استخدام الموارد المتوفرة الطبيعية والبشرية على حد سواء يعتبر من أولويات النجاح في الاستثمار السياحي، فالسياحة هي تأكيد لحاجات الانسان للاستجمام والرفاهية والراحة النفسية لمن يستخدم السفر وسيلته لتأمين أجواء محسنة للحالة النفسية لمن هم مشغولين جدا في إدارة أعمالهم وإدارة حياتهم ويبحثون عن وسيلة ناجحة وملهمة لاستعادة اللياقه الذهنية والنفسية والجسدية، فالسياحة تقود إلى تحقيق حالة تآلف بين الشعوب المختلفة بعاداتها وثقافاتها حين توفر الوعي الكامل لأهمية السياحة على الاقتصاد المحلي وأهميته الإنسانية على حسن تقبل الثقافات المتنوعة واحترامها والتعايش مع الاختلافات، فالسياحة هي وسيلة حضارية لتنمية الثقافات بين الشعوب والمجتمعات المختلفة حيث تكتسب الدول السياحية المهارات الثقافية والخبرات المختلفة وتعلم لغات الشعوب الأخرى ومصطلحات التعامل المهمة، وتنوع التعامل مع هذه الشعوب المختلفة بعاداتها وثقافتها يوفر ثقافة عالية ويوسع مدارك العقل في فنيات التعامل الايجابي، ويخلق صناعات سياحية متنوعة.

فالسياحة توفر حركات بنكية ومالية جيدة، وتشجع الزراعة والصناعة، فتأثيرها ايجابي على قطاعات انتاجية مهمة في حياة الشعوب، وباءاً عليه على هذه الشعوب أن تمتلك ثقافة انسانسية في التعامل الانساني مع السياح الذين يشكلون أداة رفع اقتصادي في حياته العامة داخل بلده، فنشر القيم الإنسانية عامل مساعد في تحقيق تنمية سياحية خادمة للاقتصاد المحلي ومن هنا ندرك حقيقة واقعية أن السياحة تحقق رسالة إنسانية عظيمة وتبني عقولاً أكثر ثقافة تسير جنباً إلى جنب مع الرسالة الاقتصادية، فالإنسان في تفاعله مع محيطة البيئي يعيش ضمن منظومة هائلة من القيم البيئية الراسخة في عاداته وأخلاقيات تعامله مع من هو غريب ومختلف عنه وهي ميزة يجب التعامل بها في البلاد الجاذبة للسياحة.

فتعتبر طرق التعامل الإنساني والأخلاقي من أهل البلد المضيف للسواح من الأمور الأساسية المهمة لتنشيط السياحة أو تجميدها، وهناك فرق كبير بين الشعوب الودودة والشعوب اللدودة، تلك العدائية والاستغلالية التي تشعرك بعدم الأمان وعدم المصداقية، وهذه بالتأكيد تقودك للابتعاد والتنصل من التعامل معهم، وصرف الاهتمام قدر الإمكان عن التعامل حتى التجاري مع أهل تلك البلاد، فنجاح السياحة من نجاح قيم التعامل عند الشعوب، وما نجاح دول آسيا سياحياً إلا لامتلاكهم قيم التعامل الايجابي مع السواح وكسب ودهم مهما كانت أجناسهم ومللهم وثقافتهم، أي لم يضعوا اعتباراً إلا لإنسانيتهم بالدرجة الأولى والأخيرة.

وفرنسا للأسف من الدول الغنية بامكانياتها السياحية من ناحية الإنشاءات السياحية والطبيعة الجميلة، ولكنها فقيرة من ناحية التعامل الإنساني الملائم مع أهل الشعوب الأخرى من السياح، فكثيرون جداً أولئك المشتكين من التعامل الفوقي الذي يتعاملون فيه مع السواح إلى درجة وصفهم بالوقاحة وفقرهم للذوقيات، وهذا بحد ذاته يعتبر فقر أخلاقي وقيمي واضح في الطبيعة الفرنسية الموهومة بقيمتها الإنسانية، وتذكرنا حادثة احتفالهم المجنون بفوزهم في ملعب الكرة الدولية وتحطيمهم أبواب المحال التجارية وسرقة محتوياتها، يجعلنا نتساءل ثانية وثالثة ما الذي حول شعب اعتبر في مرحلة ما من أكثر شعوب العالم رومانسية وذوقيات تعامل، ليصبح في الوقت الحديث أسوأ شعوب العالم تصرفاً حضارياً مع وطنه ومصالح وطنه، ومع شعوب العالم التي تزور بلدهم سياحياً، فهل باريس الغرب أصابها الهرم والعجز، أم هي طبيعة راسخة فيهم اختفت في مرحلة الخروج من التخلف، لتعود سريعاً في مرحلة جديدة أشد بؤساً وتخلفا إنسانياً.. لله أنت يا ماري أنطوانيت من مزاجية أهل وطنك، قطعوا رأسك الجميل ليطفأوا حقدهم المتعاظم، واليوم يقطعون رأس الحكمة ليطفأوا ظمأ أرواحهم المتعطشة للفوضى، هناك شعوب تسير سيرا حضارياً متقدماً، وأخرى تهبط هبوطاً أخلاقياً مدمراً، والكاسب الحقيقي صاحب القيم الإنسانية الحضارية العالية.

على عكسه تماماً الشعب الإنجليزي الذي ينظر إلى التقاليد والعادات الإنجليزية نظرة التقديس، ويرفض المساس بقوانينها وشكلها، بل يطالب بالتقيد بكل بتفاصيلها الدقيقة، لذلك هو يرفض السائح غير المتقيد بهذه التقاليد، وقد قامت قيامة المجتمع الإنجليزي في الأحياء الفخمة في مرحلة ما بسبب وجود أهل الخليج السواح الذين يسهرون ليلهم على الشرفات أو في مداخل بيوتهم المملوكة في لندن، فقط لأنهم لم يعتادوا في عاداتهم على مثل ذلك التقليد العربي، على الأخص الخليجي ذلك المبهور بالأجواء الصيفية المعتدلة وهو بلباسه التقليدي وحياته الاجتماعية الفريدة، يراه الانجليزي غريباً في عاداته، وهي ثقافة عنصرية بحتة ترفض ثقافة الآخر ولا تحترمها وترفض تقبلها، والسياحة تشكل رافد من روافد بلاده الاقتصادية، وهو على ذلك يحتاج لتعميم ثقافة التقبل للآخر المختلف، وثقافة التسامح مع الآخر المختلف.

من المعروف أن الشعب الروسي يتمتع بطبيعة عدائية مع الشعوب الأخرى المختلفة في ثقافتها وجنسها، ودوما له نظرة العداء للآخر الغريب وينظر لنفسه على أنه الأكمل والأذكى، فرغم أن روسيا بلاد شاسعة في مساحتها، وكانت تحتل عدد من الدول المتنوعة في ثقافتها وأصولها، إلا أنها ترفض الثقافات المختلفة مع ثقافتها، وقد حاولت جهدها لصرف بعض أهل الديانات عن دياناتها لدرجة القهر وقتل من يجاهر بدينه الغريب عن ديانتها، هذه الطبيعة عطلت على روسيا الحركة السياحية فترة طويلة، قبل أن تعي ضرورة إحلال ثقافة التسامح وتقبل الآخر المختلف، وضرورة توفير أجواء آمنة للسائح كون السياحة هي مصلحة اقتصادية مهمة للبلاد.

ويبدو أن ثقافة العنصرية وعدم تقبل الآخر المختلف، هي طبيعة غالبه على شعوب الأمم الأوروبية المتحضرة صناعياً وعلمياً، وتفوقهم في المجالات العلمية والصناعية جعل منهم شعوب متكبرة حد التعجرف، تعيش على نشوة نجاحات البعض منهم أكثر ما تعيش على القيم الإنسانية العامة، فتجد فيهم البرود الشديد في التعامل كونهم استغنوا تقريباً عن الأمومة والأبوة، وعدم الاكتراث بالبنية الأسرية الممتدة التي تختبر العواطف البشرية الطبيعية، وهذه تعتبر الأقل ضررا فيهم، والأهون في طبيعتهم.. فهل التعنصر مع الذات مرض ممكن الشفاء منه؟

العالم اليوم باتت تكتسحه مفاهيم مختلفة وعادات مستحدثة تؤثر على التركيبة العقلية الجديدة تلك التي باتت تضع مصالحها في المقدمة، فتبني مفاهيمها على وعي جديد كونه مولع بالجديد المجرب، لكن تظل دوما بقايا من الماضي المتداعي تترك تأثيراتها في زوايا العقل، فتعيده فجأة لطبيعته المعتادة، ليعود من جديد لدواعي المصلحة والمنفعة.. وهلما جرا.

ويتبادل الأوروبيون عبارات تعكس نفسها بصورة نمطية ثابتة عن كل شعب، يمكن تلخيصها بكلمة، كبرود البريطاني، ورومانسية الفرنسي، وجدية الألماني، وعاطفية الايطالي، واباحية السويدي، وغباء البولندي، وبخل السويسري،

لكن أكثر الشعوب الأوروبية التي تتسلط عليها العجرفة هو الشعب الألماني على ما يتهمهم الأوروبيون، يليهم بالترتيب الشعب الفرنسي، فالبريطاني.. لكن كانت نسبة التصويت بعمومها ضعيفة جداً لأن كل شعب يرى نفسه بالمقدمة، على أنه الأفضل.


  • 2

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 28 غشت 2018 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا