ذاتَ رمَضـ@ـَان*.. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ذاتَ رمَضـ@ـَان*..

يـوميـات

  نشر في 17 يناير 2015 .


عبد الرزاق بـوتمـزّار

***

اليــومَ الأول

التـّـاسعـة صبـاحـاً.. تـُخرس صوت المنبّـه وتـُعيده إلى مكـانِه بعيدا عـن الوسادة..

تـقطـع الـدّرب الطـّويل صعُـداً نحـو السّـور العتيـق. فـي الـدّرب، كان قليلٌ من الذين تصادفهم في العادة قد استـيقظـُوا.. أجواءٌ ما تقول رمضان. تتحسّـس جيـبَـيْك كـي تتـأكـّد مِـن أنـّك قد تـركتَ فعـلاً علبة السّجـائر فـي مكانِهـا قـرب الوسادة الخالية. تتـأكـّد كـي لا تـُشعل، بالسّهـو، سيجـارة في أول أيام رمضان وتصيرَ حديثَ الحـيّ في هذا اليوم الاستثنائيّ..

تضحكُ للفكرة. تواصل خطواتِك الوئيدة تحت سياط شمسٍ تشِي بيوم مُلتهـِب.

السّـْويقـَة ناعسة. تستقبلـُك رائحة النـّعناع الطـّريّ. فقط الخضّارون الحاذقون كانوا قد فتحوا محلاتهم الصّغيرة في الزّقاق الطويل الضيّق. تعليقاتٌ هنا وضحكـاتٌ هناك. الـرّوائح قويّة وواضحة. تـُعطيك فكرة عـمّا يوجَد في كـُلّ حانوت دون حتى أن تنظر إلى داخله.. تـُراوِغُ بعض الأجسادِ المُتـرنـّحة و"جيكواتِ" اللـّحوم، التي أخذت تتـدلـّى من حوانيتِ الجزّارين. العُبـوسُ هـو الغالبُ على الوجوه. تلفّ إلى اليمين، ثمّ إلى اليسار، فإلى اليمين. يسـاراً ثمّ إلى اليمين.. كـلامٌ قليل، حركات ثقيلة..

يلفـُظك السّـورُ العتيق. الكرة الأرضية، الـدّار البيضاء في أول أيام رمضان. حركة السّير ليستْ بالحِـدّة الطبيعية. مع ذلك، حذار وأنتَ تقطـع شـارعاً فـي العاصمة الاقتصادية.

تدلفُ إلى "القسم" وتجلس إلى مكتبك وقد ألقيتَ تحية الصّباح. تـُشعِل الجهـاز وتشرع مُبـاشَرةً فـي العمل. لا كأسَ قهوةٍ ساخنةٍ مع قطعة "البّـانْ كَـْريّـِي" ولا كوبُ العصير، الـّذي اعتدتَ أن ترشفـه بعصا "البّـايْ"، مُحدِثـاً صوتـاً عالياً مِـن بين شفتيك، وأنتَ تتطلـّع إلى وجوهِهم، إلى ضحكاتِهم وتعليقاتِهم.. ولا حتـّى سيجـارة الصّبـاح، ومـا أدراكَ مـا سيجـارة الصّبــاح قبل أن تشـرع فـي عملٍ "يـوميّ"، مُتطلـّب..

ملفـّاتٌ ومواضيع كثيرة فـي انتظارك. مِن أين تـبـدأ؟ مِن "اليـَوميّ" أمْ مِن "الفـْريكَـُو"؟.. ما عليك إلا المُوازَنـة بين الاثنين، حسب الطلب. بعد جولة سريعة فـي موادّ الصّفحة والتـّأكـّدِ مِـن أنّ المطلوبَ منكَ فـي "فسحـة رمضان والصّيف" مُنجَـز، تعـود إلى اليـوميّ.. بين هذا وذاك، لا بأس، طبعـاً، فـي إلقاءِ نظرة على الأثير، والـرّد على تحية هنـا أو تعليق هنـاك..

بعـد لحظاتٍ، يـرتفع الإيقـاع ويشتـدّ اقتراب صهـدُ "البـُوكـْلاجْ".. آهٍ، يـا سيجـارة إضافيّـة! كـُنتِ ستـُخرِسين أصواتَ هذي المَطـارقِ النـّازلة عـلى عُرُوقِ الدّماغِ بضرباتٍ مُوجعة متتاليّة.. صائمون، واللهُ أعلم!

أخيـراً، تمـرّ لحظـاتُ "العصب". تهـدأ الأجواء مُجـَدّداً ويعُـود كـُلٌّ إلى عمله الرّوتينيّ استعداداً لليوم المُـوالي من يومياتِ مِهنـةٍ ليستْ ككـُلّ المِهـن. تـحرص على أنْ تمـلأ "الثـّلاجـة" بأكبـرِ قـدْرٍ مُمكنٍ من المـوادّ، ثمّ تغـادر المكان، وأنتَ لا تـلوي عـلى شيء..

الثـّالثة وخمس وثلاثـون دقيقة. فـارقٌ زمنـيّ كبير يفصلك عن المغرب. تستخرجُ عـادة سنويّة مِـن دولابِ وحدتِك القـاتلة: النـّوم نهــاراً.. يــاهْ، منـذ رمضان المـاضي لـَم تـُتــَح لك فـُرصة قيلـُولة يوميّـة حقيقيّـة. تـُحْكمُ إغْلاقَ الباب والنـّافـذة. تستلقـِي فـوق السّـرير في جوفِ غـُرفةٍ صامتـة، فـي حيّ خلـْفـيّ. يقترب الكـرَى بسرعةٍ غير اعتيادية من الجفنيـن..

حركةٌ وضجيج، فوضى أصوات متخاصمة.. يهجُم الجميع من خلال نافذة الغرفة العُـلويّة، الـّتي بقيتْ مُشرَعة على الـزّقاق الخلفيّ. تـفركُ عينيك وتنظر إلى ساعة الهاتف. تدور دورة كاملة في مرقدكَ وتتمطـّى وتعُـود إلى جولة إضافيّـةٍ مِن النـّوم.. آه، كـَم يلزمُك من النـّومِ، جسدي المسكين!..

تشتـدّ الفوضى في الشّـارع. تفتـح عينيك. السّـادسة وأربع وعشرون دقيقة. تغادر نحو الصّنبور. قطرات الماء تـُخمدُ صهد الذات في يومٍ أولَ مِـن رمضانَ يُعلنُ عن نفسِه شهـراً بسخنونة غيرِ اعتيادية..

تنزل الأدراج. تلفّ إلى اليسـار. تقطـع الـدّرب الطـّويل صعـُداً نحـو السّـويقـة. وجوهٌ ضاحكة وأخرى عابسة. خليطـٌ من البشر، بين الطـّيّب المُتسامح والمُتجهّـِم المُستـعدّ للخصام ولكلامٍ "آخـَر"، لسببٍ ولغيرِ سبب.. تشرَع، كـأيّ زبـونٍ خبير، في مُسـاوَمة معروضاتٍ اشتهتها العين..

مُلتهبـَة هذي الأسعارُ، تقولُ لكَ وأنتَ تغـادرُ السّـويقة، تتأبّـط قارورة الـرّايْب وكيلـُو بْرقـُوق..

ليس الجـو وحده المُلتهبُ فـي أولِ أيامِك يا رمضـانَ.. تجلس إلى طاولة صائمـة إلا مِـن سَمك ورايْب وبـْرقـوق.. (...)

يـُتبـَع

~~

*نُشِـرت حلقـات في "صحيفـة النـاس" خـلال رمضـان الأخير


  • 6

  • عبد الرزاق بوتمزار
    كـاتب صحـافي، حـاصل على إجازتيـن، الأولى في اللغة العربية وآدابهـا من جامعة القاضي عيـاض بمراكش، والثانـية إجـازة تطبيقية في علـوم وتقنيـات الكتـاب -تخصّص مسـاعـد نشـر من جامعـة محمد الخـامس بالرّباط.
   نشر في 17 يناير 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا