أحمد خالد توفيق ما بين السرقة الأدبية والاقتباس - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أحمد خالد توفيق ما بين السرقة الأدبية والاقتباس

  نشر في 16 ماي 2023 .

الأصالة والتقليد إشكالية كبرى في الأدب,وفي الفنون عموما,أرقت الأدباء والنقاد معا. ولنا نحن العرب في أديبنا المصري الكبير أحمد خالد توفيق نموذج ثري يصلح للدراسة. فهو من علم الشباب القراءة (قراءة التقليد) وهو الموصوم بعدم الأصالة فيما يكتب,وحين أخرج عددا من الكتاب بعده لا يفعلون غير التقليد مثله. فيرجع السبب الأول لتجاهل النقاد لروايات أحمد خالد توفيق في عدم أصالتها وتدني مستويات التقليد فيها إلى حد النسخ أو حتى السرقة الأدبية,وأعلاها قدرا في النقل لا يتعدى كونه اقتباسا عن عمل آخر,وهو ما يصدم الغير عارفين من قراءه المخلصين الذين كان يحسبونه واحد من الأكثر الكتاب ثراءا في ملكة الخيال التي هي واحدة من أهم بنيات الإبداع,حتى أن البعض يقارنه بـ ستيفن كينج Stephen King من حيث سعة الخيال. ولا يسعنا المجال هنا للحديث باستفاضة في تلك المسألة وتناول كل ما جمعته عن اقتباساته. ولكن سيتم عرضها كلها في أجزاء متتالية وربما متجددة من سلسلة المقالات تلك.

وخلاصة القول,نحن لا نقصد أن نهاجم شخص المرحوم الكريم,إلا أن نصف النقد الأدبي (أو أي نقد) عبر تاريخه هو هجوم,والمدح يقابله قدح. بل حسبنا أن نثير مجموعة من التساؤلات الثرية التي تفيد الأدب,ولا تضر به. وتزيدنا معرفة,وتزيد أحمد خالد تقديرا في حقه وما قدمه في أدبه,وتزيل عنه -وعنا- اللبس من ظن بسوء إليه,أو بفضل ليس فيه.

وأحمد خالد بالفعل لديه عدد كبير من الاقتباسات التي تمادى فيها اقتباسا حتى أنها قد تصنف سرقات. أما وقد سلمنا بأن وظيفة الناقد تلزمنا بالتعرض لمسألة النقل والاقتباس في أعمال أحمد خالد,فالنقطة الثانية هي السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا الآن؟ بعد موت المؤلف, الذي لن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه. والرد عليه يلخص في نقطتين؛أولها أن هذا مشروع أتابعه منذ سنوات وسنوات من قرائتي لأحمد خالد توفيق,ولكم تمنيت لو يطيل به العمر لقراءة كتاباتي. والنقطة الثانية أن مواجهة أحمد خالد بإقتباساته جرت في أكثر من موضع,وقد عجز صراحة عن الرد عليها,ونحاول هنا أن نقدم نقدا ممنهجا.

وهنا ننتقل إلى النقطة التالية,وسؤال آخر. هل ذلك يعني أن أعمال أحمد خالد توفيق لا تساوي شيئا؟. من ناحية أصالة الأفكار حيث المصدر,فنعم هي لا تساوي شيئا,أو بخس ثمنها. فهي إما مسروقة أو مستهلكة في أغلبها,إلا في حالات معينة نقدمها لاحقا. ولكن لا يصح أن يشاد به باعتباره يملك خيالا خصبا ومصنع للإنتاج الأدبي. بل ومقارنته ربما في هذه الصفة مع ستيفن كينج نفسه. بحكم أن أغلب أفكاره -إن لم يكن كلها- مأخوذة من غيره. الجديدة منها إما ليست له,وإما ليست جديدة. وهو نجح في التستر عليها ببراعة أدبية عبر التنقيب في أعمال نادرة يحسب أنه لن يلتفت إليها أحد,وعبر عجنها وخلطها داخل كتاباته, مخرجا كتابة جديدة. وهنا نقول أنه بالفعل أخرج كتابة جديدة وأصيلة من نواحي أخرى, فسوف يتضح أن كتابته من ناحية الأصالة ومن نواحي أخرى قد تساوي شيئا,وهو ما نحاول توضيحه في هذا المقال.

لم يكن أحمد خالد توفيق وحده بالمقارنة مع من سبقوه,أو حتى من معاصريه,فحتى الكاتب الكبير يوسف زيدان اتهم بالسرقة. وعلى الصعيد السينمائي -والسينما كانت عشقه- فإن أشهر المخرجين حول العالم حاليا,ليسوا إلا مجموعة من اللصوص المحترفين يسرقون أفكارهم السينمائية,وعلى رأسهم نولان وتارانتينو. وبل والغرب يسرق من الشرق أدبيا وسينمائيا وفي مناحي أخرى غير ذلك برغم ما يزعم,ولهذا نفرد فيه مقال أو أكثر من مقال,أحدها يتناول الأعمال التي أخذت عن أعمال أحمد خالد توفيق نفسه. إن أحمد خالد توفيق يستحق عن جدارة لقب العرّاب. وهو مدرج عندي في المرتبة السابعة ضمن أعظم الأدباء المصريين,وهي نفس المرتبة التي يحظى بها ستيفن كينج ضمن أعظم الأدباء الأمريكيين. هنا نسحب كلماتنا ونقول أنه جدير بالمقارنة مع نظيره. ولاستحقاقه تلك المكانة أسباب أخرى تطرقنا إليها في موضعها. ولكن نعلن منها أن الكاتب الكبير أحمد خالد توفيق أخذ عنه واقتبس منه وسطى عليه العديد من الكتاب الذين نقلوا عن نصوصه,لدينا نحن العرب,وحتى في الغرب,وهو ما نطرحه في مقال آخر كما أسلفنا الذكر. ولكن يجب أن نمر ولو مرور الكرام على بعض ما تقدم,ليصبح موضوع المقال,عن سرقاته هو,والسرقات منه أيضا كما نقدم لاحقا.

عند هذه النقطة يلزمنا توضيح أن النقل أنواع (نقل / اقتباس / سرقة / ترجمة / تعريب / استلهام / تشابه / تقليد),لذا فإن الأعمال التي اقتبسها أحمد خالد يتراوح الاقتباس فيها تارة مرتفعا في حدته فيعد سرقة,وتارة خافتا لا يعدوا أكثر من كونه استلهاما. وتارة يكون مجرد اقتباس يتم تطويره,وأخرى يكون فيها نقلا قريبا من السرقة ولكن دون ذلك. وفي مرات قليلة ربما هي محض توارد أفكار (تشابه). وغير ذلك من الحالات. وعامة سنحاول لاحقا التركيز على أي عمل يحمل تطوير يجوز فيه نسبته إلى الكاتب دون أن يعيب بتهمة السرقة الأدبية.

وهذا يعني أننا ملزمين بإثبات السرقة على السارق,أو الاقتباس على المقتبس. وذلك من خلال عرض لمقارنة بين النصوص الأصلية وتلك المنقولة. إلا أن هذا له موضع آخر. ونكتفي هنا بعرض مجموعة من الحالات المختلفة في اقتباسات أحمد خالد توفيق. وحتى لا يتشتت القارئ يمكن القول أن أي نقل لنص أدبي آخر يندرج تحت نوعين

1-ترجمة لغوية

2-ترجمة سردية

الأولى هي أن يعيد المترجم سرد النص بلغة غير اللغة التي كتب بها. والثاني هي أن يعيد السارد سرد النص بإسلوب غير الذي كتب به. والترجمة (النوع الأول) لحالها لازالت تثير قدرا من الإشكاليات على خط موازي من مشكلة الأصالة والتقليد (النوع الثاني) الذي نعني به هنا. علما أن أحمد خالد توفيق

وهذه هي الحالة الأولى,قدم النوعين,وأولها الترجمة.

أما الحالة الثانية -وهنا ننتقل إلى الترجمة السردية- لا يأتي النقل فيها إلا في الفكرة فقط. وهذا النقل يسمى نقلا فحسب,لا سرقة ولا إقتباس (أو إقتباس في أصغر الحالات) فهو محمود. وسواء كان أصيلا في باقي أجزاؤه أم لا,تنبع الأصالة من دوره التأسيسي في إدخال نوع جديد إلى ثقافة جديدة (على سبيل المثال) كما فعل أحمد خالد مع أفكار الرعب والفانتازيا والخيال العلمي,وتمادى فانزلقت قدمه إلى الحالات التالية. ومن هذا النقل,نقله لأدب الرعب,وجيدا منه أخذه من تراثنا؛النداهة,حارس الكهف,لعنة الفراعنة,التطير. هذه هي الحالة الوحيدة الأصيلة في نقلها والتي يمكن أن نطلق عليها مسمى (المقتطف) أو المختارات الأدبية (أنثولوجي) حيث معالجة وتحرير وسرد جميع النماذج ضمن موضوعات معينة من أجل الوصول إلى أشكال جديدة. أو كما يقول وائل عبد الفتاح:- "ذكاء أحمد خالد توفيق،أنه لمس شيئًا ما يجمع حوله (أخوية) افتراضية حول الرعب الشخصي. يعتمد في حبكته على مرجعيات سينما الرعب،وروايات أشهرها لستيفن كينج،ويستطيع أن يخلق عالم مشترك بين مراهقين يعيش كل منهم في فقاعته وهامشه"[نسختنا السرية: أحمد خالد توفيق والرعب / وائل عبد الفتاح / مدينة]. وهو ما تؤكده الناقدة اليمنية هند هيثم.

أما الحالة الثالثة,وهنا ننتقل إلى تبيان حالات الإقتباس وتحديد السرقة منها والإقتباس فيها. فهي ليست إلا إقتباس أفاد منه أحمد خالد وقدم أعمالا إما كانت أصيلة ولو بقدر ضئيل. وهو أمر ملازم لأحمد خالد في أغلب أعماله حتى أكثر المسروق منها. وإما كانت غير أصيلة وهذا حال كل النصوص الأدبية تقريبا. فقدم لنا سلسلة ما وراء الطبيعة,وهي العمل الأبرز له,والأكثر تجليا فيه هذا النوع من الإقتباس. ونذكر منها مصاص الدماء والرجل الذئب, وحش البحيرة,أكلة لحوم البشر,والموتى الأحياء,ميدوسا,رجل الثلوج,المخلوقات الفضائية, المينوتور,الجاثوم,الوينديجو.

لاحظ أنه قدم تقريبا كل الوحوش المعروفة في العالم إلى القارئ العربي,بل وكذلك الظواهر الماورائية؛العوالم الموازية,لعنة الفراعنة,الجاثوم,التطير,الإحتراق الذاتي,الأشباح,النباتات المتوحشة,الإتصال الحسي,السحر,التداخل الزمني,والسفر عبر الزمن,والنبوءة,والطوطم.

وهي قريبة من الحالة الرابعة,أي التعريب,وفيها تمثل موقف أحمد خالد في الأعمال التي اعترف وصرح بنقله منا,وهي قليلة.

وترى هند هيثم الكاتبة اليمنية الشابة والقديرة,وصاحبة مدونة (وتصدعت المرآة) أن الجانب الإيجابي الوحيد والأصيل في تلك النصوص المنقولة عن ثقافة الغرب. هو,ولا أجد خيرا مما تقول

"داخل الإطار الخوارقي لسلسلة ما وراء الطبيعة، يكمن عالم حافل بالتفاصيل الحميمية زمنه سابق لزمن مُعظم قُراء السلسلة، وحتى مؤلفها. مُغامرات رفعت إسماعيل الذي ينتمي إلى جيل الأجداد ابتدأت في الخمسينات، واستمرت عبر الستينات والسبعينات. عاصر الملكية، والحرب العالمية الثانية، والثورة المصرية (وثورات العالم السياسية والثقافية والاجتماعية التي حدثت مُنذ الثلاثينات وحتى التسعينات)؛ وعبر رؤيته الساخرة للعالم، تتحسس سلسلة ما وراء الطبيعة عالماً قديماً بحنين زائد يتخفى خلف قناع من اللامبالاة والاعتقاد بسخف وضآلة البشرية.

ربما يكون عالم الستينات والسبعينات الذي تدور فيه معظم أحداث السلسلة هو الجوهر الأصيل فيها. حيث تعيش السلسلة فيه، تحن إليه، وتنتقده في الآن ذاته. في ذلك الزمن، كان العالم أكثر فخراً وبراءة. كان أصيلاً ومُفعماً بالأمل. كانت الحياة أقل تعقيداً، والثقافة حقيقية عميقة. لم يكن المجتمع قد انقلب إلى مُجتمع زائف مُنافق كما حدث فيما بعد في الثمانينات وما بعدها، حين سقط القناع عن القناع عن القناع كما يقول محمود درويش في مديح الظل العالي.

ينجح أحمد خالد توفيق في إحكام نسج التفاصيل الدقيقة الشفافة للفترات التي تدور السلسلة فيها، ولا ينسى أنه يكتب لقراء لم يعش غالبيتهم تلك الفترة، لذا يُذكرهم من حين لآخر بزمن الأحداث، طالباً منهم الصبر والتمهل لتذوق تفاصيل حُقبِ ما قبل العولمة. حيث يوظف الرموز الفنية والسياسية والإجتماعية لتلك الحُقب بشكل حقيقي فعال لاستكمال خلق صورة مُتكاملة حية لزمن لم يبق منه إلا الفٌتات. الأمر الذي يخلق تفرد سلسلة ما وراء الطبيعة ببعدها الإنساني العميق، ويجعل الاقتراب منها نقدياً لتحليل بُناها السردية وتطور شخصياتها درامياً شيئاً ضرورياً للوصول إلى العمق الذي يمكن أن تبلغه السلاسل الخيالية التي تحاول بناء عالمها الخاص، سواء بمحاولة الإنطباق على العالم الواقعي، أو النأي عنه إلى أبعد مدى مُمكن."

وأتفق معها تماما في هذا,وإن كنت أزيد بالقول,أن أحمد خالد قدم عملا أصيلا تمثل في دور تقديمي أو تأسيسي لأدب الرعب إلى العرب كما عرفه الغرب,حتى ولو أدى ذلك إلى اتخاذ خيارات وإجراءات لا تتصف بالنزاهة الأدبية عادة. وآثار مساهمته تلك واضحة معالمها حتى يومنا هذا,بكل إيجابياتها وسلبياتها.

والحالة الخامسة هي الأقبح,لكون أحمد خالد توفيق ناقلا للأدب الغربي أو للسرد السينمائي إلى الأدب,رغم قبحه لكونه عمل غير أصيلا أولا,ولكون صاحبه سارق ثانيا (فهو يأبى الإعتراف بأي نقل حدث في أي من تلك الأعمال حتى ولو كان نقل بسيط إلا في مرات نادرة جدا). إلا أن نقله هذا عمل أدبي كبير يشاد به لثلاثة أسباب

أولا لأنه أحيا هذه الأعمال أو أعاد تجديدها أو اقتبس منها (نقلا أو سرقة) وأعاد صياغتها بإسلوبه هو. وهو أمر كان لينتج عنه أعمال أدبية أولى بها أن نرميها في أقرب سلة قمامة. لولا أن أسلوب أحمد خالد توفيق ليس كأي إسلوب لروائي آخر.

ثانيا لأنه قدم إلى قراء العربية متعة رعبية ربما حتى الأكثر اطلاعا بين قراءه عاجزا على تحصيله في عصر بلا إنترنت,نحن نتحدث عن فترة التسعينات وبداية الألفية.

ثالثا هو لم يكن مجرد ناقل فحسب,فاستطاع من الخلال الكثير من الأفكار المسروقة أو المستهلكة استخراج أفكار جديدة سواء كان في الحبكة أو في الأجواء (أقصد الأجواء المصرية الأصلية بإمتياز).

ومع ذلك تظل هذه الحالة معروفة على أنها سرقة أدبية,ومن مصادره الكبرى في ذلك مختارات هيتشكوك الأدبية,وقصص لافكرافت القوطية.

والحالة السادسة أكثر قبحا أيضا,وهي المعروف بإسم المعالجة الأدبية لنصوص سينمائية, والمثال العربي الواضح في مصر قبل أحمد خالد هو يوسف عز الدين عيسى,الذي قام بكتابة نصوص أدبية عالجها عن نصوص إذاعية قدمها هو بنفسه. مما اعتبره النقاد نقطة قاتلة له في أدبه. وهذه مجموعة من الأفلام التي أخذ عنها أحمد خالد

-المرآة الغامضة Der geheimnisvolle Spiegel 1928

-الزومبي الأبيض White Zombie 1932

-فرانكنشتاين Frankenstein 1931

-عروس فرانكنشتاين Bride of Frankenstein 1935

-الأشياء القادمة Things to Come 1936

-يد المومياء The Mummys Hand 1940

-الناس القطط Cat People 1942

-أنا مشيت مع زومبي I Walked With a Zombie 1943

-لعنة الناس القطط The Curse of the Cat People 1944

-ميت في ليلة Dead Of Night 1945

-بيت الرعب House of Horrors 1946

-المتاهة The Maze 1953

-غزو خاطفي الأجساد Invasion of the Body Snatchers 1956

-على الشاطئ On the Beach 1959

-محل الرعب الصغير The Little Shop Of Horrors 1960

-مينوتور,وحش كريت البري Minotaur, the Wild Beast of Crete 1960

-آلة الزمن The Time Machine 1960

-قناع الموت الأحمر The Masque of the Red Death 1964

-منزل أهوال دكتور تيرور Dr. Terrors House of Horrors 1965

-ليلة الجنرالات The Night of the Generals 1967

-ليلة الموتى الأحياء Night of the Living Dead 1968

-كراهية دكتور فيبس The Abominable Dr. Phibes 1971

-قطار الرعب Horror Express 1972

-الحشرة Bug 1975

-النذير The Omen 1976

-مارتين Martin 1977

-رعب إيميتيفيل The Amityville Horror 1979

-مدينة الموتى الأحياء City of the Living Dead 1980

-صراع الجبابرة Clash of the Titans 1981

-موت الشيطان Evil Dead 1981

-المساحون Scanners 1981

-الناس القطط Cat People 1982

-الشيء The Thing 1982

-فيلم الشيء It 1990

-الصرخة Scream 1996

-أنا أعرف ماذا فعلت الصيف الماضي I Know What You Did Last Summer 1997

والحالة السابعة هي على النقيض من هذا التردي,نقصد بها إرتفاعا فوق النقل فحسب,إلى إبداع بعد إستلهام. فهو هنا أخذ الفكرة,وصنع منها فكرة أخرى أصيلة بالفعل.

ومن ذلك سلسلة أرض أخرى / سالم وسلمى حيث طرح تصورات غير مطروقة عربيا, وربما لا غربيا حتى. مثل

-أرض بلا فراعنة,أو بعبارة أخرى لم يكتشف فيها بعد آثار الفراعنة.

-أرض فيها المغول حكموا العالم.

-أرض سيطر فيه الغرب على العالم واندثرت شعوب الشرقين الأوسط والأقصى. وتتكثف جهود المنظمات الإنسانية للحفاظ على العظايا,وهي بقايا تلك الشعوب. من بقى حيا منهم.

-أرض غرقت في الظلام بعد كارثة عالمية.

وإن كانت الفكرة نفسها والإطار العام غربية بامتياز.

ومن ذلك برنامج بعد منتصف الليل,وسواء كان البرنامج حقيقي -وأنا لازلت أبحث في ذلك- أم كان برنامجا خياليا ابتكره العرّاب,كلا الحالتين تمثل لعبقرية أحمد خالد توفيق وأصالته في صك فكرة جديدة وإن كانت في الأصل مستعملة في الأدب الغربي وخاصة الخيال العلمي,إلا أن برنامج بعد منتصف الليل نفسه -ناهيك عن كونه ربما أول من ينقل هذا الإسلوب / النوع إلى الأدب العربي- لا يوجد نظير له في أي عمل سردي أدبي أو سينمائي أو حتى تاريخي (في حالة أن البرنامج مخلق بالكامل من مخيلته),والمتشابهات لا تزيد عن كونه أجزاء فيما نحدده بالقصص الآتية

ومن ذلك مجموعاته القصصية -التي أحاول أنا تقليدها في قصصي- التي تحمل فكرة عبقرية من أحمد خالد توفيق,أن يجمع كل قصص موضوع معين (مثل ما وراء الباب المغلق) في مجموعة قصصية ذات رابط روائي وطابع إنثولوجي,نفس الأمر في قصص العميان بأرض الظلام (ولاحقا في ممر الفئران),وقصص المحركين في (أسطورتهم) بجزئيها. ونفس الأمر يصنعه في كل حلقات الرعب تقريبا. فكرة حلقة الرعب نفسها والتي نقلها أدبيا من الجانب السينمائي عبقرية في حد ذاتها,وربما يكون هو أول كاتب في تاريخ الأدب يبتكر هذا النوع من الأدب. الفكرة لها أبعاد عدة أكثر مما يسعنا عرضه هنا. وعلى ذكر الأبواب قدم قصص جيدة جدا,لا تخلو من طرافة في الفكرة,وإمتناع عن التقليد,إمتناع يصل إلى حد الإبداع, فلعلها هي أصيلة بإمتياز,مثل زنزانة خريولسن,وفكرة غير معتادة من الحلقة الثالثة.

ومن ذلك بيت الأفاعي المقتبسة من الجريمة والعقاب لفيودور دوستويفسكي والتحول لفرانتز كافكا في مزج مخيف ومحكم بينهما. هذه واحدة من أفضل قصص السلسلة وأكثرها أصالة فالأديبان الكبيران لم يشكلا سوى مصدر إلهام هنا ولم يتجاوزا ذلك والرواية كانت غنية بحق.

ومن ذلك ملك الذباب,وهي قصة مستندة إلى أسطورة إغريقية,وبعض قصص الذباب (من بعيد) مثل سيد الذباب لـ ويليام غولندغ (سيد الذباب قصة رمزية لا تتشابه بتاتا مع ملك الذباب -مثل عدة أعمال مذكورة- ولكن كما قلنا (من بعيد)). وقد أبدع أحمد خالد في صياغة فكرة أصلية لا يشابهها أي عمل آخر في واحدة من أفضل روايات السلسلة وأكثرها إرعابا. كما أنها يستأنف أحداثها في روايات الذين ذهبوا ولم يعودوا كذلك,التي استفاد فيها كذلك من تجربته الأدبية في بيت الأفاعي. وعموما قدم أحمد خالد دررا من العدد 65 إلى العدد 72.

وقد أخذنا الكثير في الأمثلة من ما وراء الطبيعة -وما راء الطبيعة كلها تصلح كمثال واحد متكامل- لكن أحمد خالد توفيق قدم أعمالا أدبية غير هذا,تستحق الدراسة لتبيان ظاهرة (الأصالة والتقليد) فيها. والأمثلة تأتي لنا أكثر وضوحا في عمله الآخر,الفانتازي يقابل به عمله الرعبي,سلسلة فانتازيا. حيث تنقسم الروايات في فانتازيا إلى أربعة أقسام رئيسية

الأولى تتناول رواية ما,أو عالم أدبي كامل لأديب كبير. مثل صديقي جلجاميش (شئين ائيقي أونيني),وليال عربي (شهرزاد,ونعم شهرزاد أديبة),توم ومن معه (مارك توين). وقد أبدع في تخيل الصراع بين الآداب الأصيلة,والموبقات السطحية في ثلاثة روايات؛الإسم شكسبير,وفي مملكة الأخوين (غريم),وعبقري (دوستويفسكي).

الثانية تتناول سيرة شخصية كبيرة أثرت في التاريخ,ولها تراث أدبي / نقدي ما,أو أن قصتها جديرة بالحكي. مثل أيام مع هانيبال,والبطل ذو الألف وجه (جوزيف كامبل),عبقري آخر (المتنبي),وشيء من حتى (سيبويه),وآخر أيام الرايخ (هتلر),والخناقون (الخناقون),إعدام في البرج (آن بولين).

الثالثة تتناول الملاحم وأساطير الشعوب,مثل خيول ورماح (الأساطير الفرعونية),وألعاب إغريقية (الأساطير اليونانية). وبالطبع يمكن عد أعمال جلجاميش,هوميروس,وشهرزاد, ضمنهم,لولا أن فضلنا الفصل بين الأدباء والأعمال الأدبية الغير منسوبة لأحد.

حتى أنه قدم الأساطير الأمريكية الحديثة ذات المرجعية السينمائية الكوميكساوية

-إمبراطورة النجوم

-ذات مرة في الغرب

الرابعة هي مجموعة قصصية بينها رابط ما

-قصة لا تنتهي

-حكايات من والاشيا

-بين عالمين

-أحلام

وفيها جانب أصيل من حياة واقعية تدفع البطلة لهروب مستمر إلى عالم فانتازيا. وهناك قصص أكثر أصالة من ذلك,لدرجة أن الغرب -ولي نظرية تدعم شكي نطرحها لاحقا- أخذوا منها. ولنعرض مثالان صارخان,هما عودة المحارب الرواية التي سبقت مارجريت آتوود في روايتها ورؤيتها البينيلوبية. وفلاسفة في حسائي التي خرجت في وقت قريب من عالم صوفي,فوالله لي شك في تاريخ تلك الرواية التي ملئت الدنيا صراخا حول إبداع أخذ تقدير زاد عن حده. وهناك أعمال أخرى لأحمد خالد مشابهة لتلك الحالات.

العمل الثالث هو سافاري,وهو أكثر عمل يختلط فيه الأصيل مع المقلد,ولكنه يقدم تجربة فريدة يمكن الإستمتاع بها أكثر,رغم الإقتباسات بها.

العمل الرابع,هو خماسية اليوتوبيا العربية؛يوتوبيا,شآبيب,السنجة,مثل إيكاروس,في ممر الفئران. هذه أعمال لا تشوبها سوى لمحات إقتباس لا يخلو عمل أدبي أو سردي منها. بينما أخرجت لنا تجارب أدبية إبداعية,أصيلة وغير نمطية,مما نتناوله في مقال آخر.

هناك حالة ثامنة لم نتطرق إليها,وهي التقليد,والمقصود به,تقليد كاتب عن آخر,في نفس السياقات الثقافية والأدبية مثل كاتبان مصريان,هنا أحمد خالد لا يقلد إلا من نفسه مثل تكرار شخصية رفعت إسماعيل في شخصية محفوظ حجازي من سلسلة (آلان نفتح الصندوق).

أما الحالة التاسعة,وهي التشابه,فهذا إذا تم إثبات براءته,يحسب ضمن توارد الأفكار أو هو مجرد تشابه برئ يقع بالضرورة أحيانا. وهو وارد في أعمال أحمد خالد توفيق.

أشارت الباحثة إيناس خنسه,عند مناقشتها حول المقالة,إلى وجوب الالتفات إلى عدة محاور عند التعامل مع نصوص أحمد خالد توفيق من حيث الأصالة والتقليد.

المحور الأول هو تبيان الفروق بين الحالات؛(نقل / اقتباس / سرقة / ترجمة / تعريب / استلهام / تشابه / تقليد / مقتطف). وقد بينت.

المحور الثاني هو موقفي منها,وفي العموم,وهو موقف أي أديب أو ناقد يحترم نفسه,كل ما يقترب من حد النقل,هو قبيح لأنه مكرر. والتكرار جميل إذا سوق في حد الإستلهام,الذي يخرج لنا الإبداع. وحالة أحمد خالد هي استغراق في النقل والتكرار,لم يمنعه من استخراج تجارب أدبية فريدة من نوعها.

وهذا ينقلنا إلى المحور الثالث,وهو لماذا ليست تلك الإقتباسات بالضرورة سلبية أو انتقاص من قيمة وإبداع أحمد خالد توفيق. هي انتقاص بالفعل,ولكن إزاء ما قدمه (من خلال هذه السرقات / الاقتباسات أو من خلال اشتغالات أدبية / نقدية / فكرية أخرى) ترجح الكفة بتقديره وإجلاله.

ومحور آخر يطرح التساؤل حول مسألة نقل هذه التأثيرات من أصولها غير العربية إلى جمهور القراء العرب،وهل يعتبر ذلك مشروعا ومهمة عسيرة وصعبة،يثنى عليها،من قبل العراب؟ هل كانت هذه التأثيرات ستصل العرب لولا ترجمتها لصيغ جديدة في كتاباته؟

وإجابتي,لا. ليس بالضرورة أن نثني على أحمد خالد توفيق إلا فيما يستحق الثناء عليه. وجهده مشكور فيما قدمه بأدب الرعب,ومساهمته محفوظة إلى اليوم. ولكن كل المؤشرات وقد أشار بالفعل عدد من المحللين والباحثين والنقاد,إلى تطور طبيعي في مسار الرواية العربية تأثرا بالغرب,ربما قام أحمد خالد بدفعها بقوة (وهذا أمر جلل),ولكنه استغل النهم الغير عادي إلى الرعب في مجتمع تحكمه الغيبيات والروحانيات. والشواهد عديدة حول ذلك,حتى أن موسوعة الظلام والبحوث المشابهة التي قدمها,هناك بحوث أكثر إحكاما منها كان ينظر إليها باستخفاف فيما سبق. كما أنه ليس أول كاتب رصين عربي في الأدب الخيالي وقد سبقه كثيرون كبار,وهو نفسه صعد تحت مظلة نبيل فاروق وسطع نجمه عليه, رغم أن غياب أحمد خالد ربما لم يكن سيؤثر (في هذا المحور وليس بالضرورة في كل ما قدمه) وكان نبيل فاروق سيصبح عرّابا من خلال الخيال العلمي بدلا من الرعب والفانتازيا.

والمحور الأخير وسؤال؛هل يمكن تكرار أي شيء؟ بمعنى أليست كل عملية كتابة جديدة حتى ولو كانت نسخا مطابقا لما سبق لأنها تستلهم لحظة وقوعها وتخاطب قراء جدد؟ كلها اسئلة مشروعة ومطروحة في مقالي,وإن ساعدتني أسئلة إيناس الذكية على التوضيح. والحقيقة أن هذه قضية أرقت الأدباء والنقاد عبر تاريخ السرد الأدبي,حتى أن البعض ينفي وجود أي عمل أصيل سوى دون كيخوته التي تعد أعظم رواية على الإطلاق. وخلاصة القول,أن هناك توليفات لم تجرب بعد,وليس ذنبنا أن الكاتب عاجز عن الوصول إليها,وليس أحمد خالد توفيق هو الوحيد في ذلك,بل أن ستيفن كينغ نفسه نعرضه في المقال التالي مجردا من أي أصالة أدبية نسبت إليه.

يقول بيكاسو

-الفنان الجيد يستعير والفنان العظيم يسرق!



  • رايفين فرجاني
    ناقد أدبي وسينمائي نشر عدد من المقالات على الشبكة,وكاتب روائي يعمل على عدد من الروايات والقصص القصيرة التي لم تنشر بعد.
   نشر في 16 ماي 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا