كلنا ذلك الشخص الذي يتسيقظ الصبح كإنسان عادي, يأخذ قرارات عادية, يعيش حياة عادية, يخطئ أخطاءا عادية, يعلوا ضغطنا ويتعكر مزاجنا, تتعالى ضحكاتنا وتشرئب الفرحة من أقفاص أعيننا لأشياء عادية.
تنسحب سجادة الأيام من تحت أقدامنا, وتنزلق معها لحظات السعادة مقابل أشياء عادية. لم نختر يوما من نكون, لربما لم نجرؤ يوما لنسأل من نكون, نمضي وقد سلمنا –تخاذلا- بأن القدر اختار مسبقا أن يجمعنا في سكة واحدة, لا نكلف نفسنا أن نقف بحزم لنبرر –حتى- موقعنا في حلبة الأيام.
لا نملك الجرأة الكافية لإعلان نفاقنا, نعم نفاقنا, ولدنا وقد تعلقت برقابنا عادات وتقاليد وأسماء ودين. كلها تنحت مسبقا سكة لحياتنا, وأحيانا يرسم الدين سكة وتطمس العادات أحرفها, فنعيش صراع الفصام بين ما كان وما سيكون وما يجب أن يكون, وما نحن "نريد" أن يكون, نعيش رهابا قويا من أن نقف في أعلى الجبل لنصرخ بصدق من نحن, ونرى عمق ما نقف عليه, وأفق ما نسير إليه. نعلم –إن كان العلم لا يقتضي الوعي- أننا هنا لهدف, ويوما ما لن نكون هنا, وكل ما سيبقى منا هو الهدف, لكننا أبدا لا نستطيع الوعي بكوننا سنغادر هذا الحلم الضبابي قريبا, وبأننا سنفتح أعيننا يوما لتصير الصورة أوضح, لكن يومها ستكون الصورة مجرد ذكرى التقطتها أنامل الزمن, لا يمكننا التبسم أكثر لتكون أجمل, ولا تسليط الضوء على زوايانا لتصبح أوضح.
تعودنا أن نعامل كمسليمن, تعودنا أن تكون أسماؤنا محمدا وعبد الله وفاطمة وزينب... لكن, أمنا من اختار –بكامل قواه العقلية والقلبية- أن يصبح مسلما؟ أمنا من اختار أن لا يكون مسيحيا أو ملحدا أو هندوسيا أو بوذيا...؟ أمنا من بحث عن الحقيقة ليزيح بداخله الشك الدفين الذي وصل به النفاق إلى الدرجة التي ينكره بها, لو بحثنا بأنفسنا عن كينونتنا, عن أسباب وجودنا, عن التفاصيل الدقيقة للوحة حياتنا. بين استيقاظنا أول مرة ونومنا آخر مرة لربما تساءلنا مرارا لم ومتى وأين سنكون بالنهاية, أو بعبارة أخرى, كيف سيكون شكل لوحتنا في النهاية. لكن بين السؤال وصدق السؤال نقف حيرى, أو نميل لنتناسى أو نتغافل عنه. بعد التقاط الصورة, لا شيء يخلق الفرق إلا التفاصيل الدقيقة التي تفصل بيننا, تلك الثواني المعدودة التي تصنع المعجزات, وتلك الكلمات البسيطة التي ترحل بنا من عالم إلى آخر, وتبقى الصورة نفسها –في ظاهر الأمر- لكن الفرق الذي تحدثه تلك اللحظات, تماما كالفرق بين الحجار المزيفة واللؤلؤ الكريم.