طرقات ضيقة الأفق ، أمٌ ما زالت تلوح بيد الوداع
غاباتٍ فسيحة للأسود ، سماءات ملأى بالمسافرين .
وقت المغتربين قِربَة مثقوبة ، و أمٌ ما زالت تعجن من صبرها خبزاً، عله جائع أو يشتهي لقمةٍ بعد يومٍ ملئ بالتعب .
صعد إلى القطار و ارتمى في حضن الكرسي كما لو يشتهي حنان يطبطب عليه ألمه .
نظر نحو السماء بعين التائهين عله يجد أمه في عين الشمس . بعد حَفنةٍ من تفكيره في حياته و ما وصل إليه
أفاق على صوتٍ ينادي " المحطة رقم 9 "
نزل من القطار يجر قدميه المتعبتين في شوارع المدينة الضخمة ، و في رأسه دوامات من الأسئلة الكثيرة ،
وصل إلى منزله ، تحسس جسده بعد حلقة الصراع مع عقله و ما يجول فيه ' إنه بخير'
خلع الأفكار عن جسده و نام في بيجامته المهترئة و تلحف بهواء الغرب المنعش في تلك الليلة .
وقع عليه الصبح ممسوساً بسؤال " من أنت و ماذا تفعل هنا"؟
التفت في المكان يمنةً و يساراً " أين أنا "
ركض نحو المرآة ليتحقق من كونه هو من في المكان ' إنه أنا ! ' ماذا أفعل هنا؟
اتجه نحو الشباك ليتحقق من مكانه ، ' هذا المكان لا يشبه حديقتنا ، ثم أين فرن الطينة التي تعد فيه الخبز أمي ،
أمسك رأسه من ضربات الأسئلة المتتالية عليه ' أين أنا'؟
وقعت عينيه على ورقة مكتوب عليها رقم لا يعرف لمن ، لكنه افترض أنه سيفيده بإجابة عما يحدث معه!
(اتصل بالرقم)
- ألو...
- أهلاً محمود كيف حالك.
- لست بخير ، أنا لست بخير
لكن إعذرني من أنت و أين أنا و..
-( مقاطعاً) محمود أنا جارك بالسكن!
يبدو أنك أصبت بداء الغربة.
- داء الغربة!!
- نعم ، إنه داء يصيب المغتربين ، يُفقدهم الذاكرة لساعاتٍ
من فرط الشوق و الحنين إلى الديار .
- آه ، إذاً أنا مغترب و أعاني داء الغربة!
متى وصلت إلى هنا؟
- منذ شهر تقريباً.
- و متى أُعافى ؟
- ساعاتٍ قليلة سترجع لك الذاكرة ، لكن لا أضمن لك أنك ستشفى من داء الغربة تماماً ما دمت موصولاً بشوقك إلى الديار و من فيها.
-
اشواق عبد الكريمأبلغ من العمر عشرون ربيعاً