عاطفة غير مترجمة(2)
قصة قصيرة الجزء الثاني
نشر في 11 أبريل 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
قالت "هند" لعروة أرجوك أفلت يدي إنك تؤلمني، ثم أخفضت صوتها قليلاً وقالت : غداً في مثل هذا الوقت سأخبرك بكل شيء ولكن الآن أرجوك دعني أذهب لا أريدك أن تتأذى.
قال لها: ولمَ اتأذى ماذا فعلت!.
قالت له: غداً سأخبرك، لا أستطيع الآن ثم ذهبت مسرعة، لم يفهم "عروة" شيئاً ولكن خيوط من الخوف لامست قلبه ولا يعلم لماذا.
في الساعة العاشرة مساءً من نفس اليوم ذهب "عروة" إلى فراشه ليريح رأسه قليلاً من هذا النهار المتعب، ثم بدأ شريط يومه يمر أمامه، شعر أنه يفكر في هند كثيراً، ربما أحب أن يدخل بوابات الوهم لأن الوهم يقي
من وجع الوحدة، وما لبثت عينيه بأن تغمض إذ به يشتم رائحة مسك قوية، فتح عينيه وإذ بهند تجلس على طرف السرير.
لم يستوعب "عروة" ما يحدث، كلم "هند" بصوت مرتفع يتخلله خوف وغضب قائلاً: كيف جئتِ إلى هنا، من فتح لكِ الباب، لماذا لم تستأذني قبل الدخول ولمَ أنتِ هنا.
"هند": هدئ من روعك أرجوك سأخبرك بكل شيء، حسناً أنا لست من الإنس.
"عروة": ماذا! أنتِ جنية يا إلهي بسم الله.
"هند": لا تخف أنا مسلمة.
"عروة": أرجوكِ ارحلي من هنا ولا تؤذيني.. وبدأ يغطي نفسه بالبطانية كي لا يراها.
"هند": لا تخف اسمعني أرجوك أريدك أن تساعدني، لا تخيب أملي استحلفك بالله أن تساعدني.
رفع "عروة" البطانية عن رأسه وقال لها: لمَ أنا! لمَ لا تذهبي لأحد غيري.
"هند": بل ذهبت ولكن منهم من كان يخاف مني ويهرب، ومنهم من كان أخي يمنعني عنهم، حسناً هل تذكُر ذاك القط الذي أتلف ثوبي بأسنانه، أنه أخي دائماً ما يتشكل بقط وعندما رآني أتحاور معك غضب جداً وخاف أن تكشف أمري.
"عروة": هل تتشكلون بأي شيء.
"هند": تقريباً ونكون محكومين بالشيء الذي نتشكل به..
"عروة": وما هو الشيء الذي تريدينه؟ بدأ صبري ينفذ هيا تكلمي.
"هند": شقيقتي "ميرال" مسجونة داخل زجاجة نبيذ فارغة، فقد سجنتها المردة لأنها خالفت قواعد المملكة، ولن يستطيع إخراجها سوى إنس أو مارد من المردة، أتوسل إليك أن تساعدني فهي مسجونة منذ مئة عام.
"عروة": ولكن يا هند أنا.
"هند": لا تخف فقط ترفع الغطاء عن الزجاجة.
"عروة": حسناً يا "هند" حسناً ولكن أين موجودة هذه الزجاجة.
"هند": قرب تماثيل "الاوشابتي"، سنذهب هناك غداً صباحاً.
وافق "عروة" وذهب معها في الصباح الباكر، وعندما وصلا إلى هذه الزجاجة بدأ يفتحها رويدا رويدا بكل قوته وبعد نصف ساعة من الجهد والصبر فتح الغطاء وإذ بميرال شقيقة "هند" تخرج من الزجاجة.
عاد "عروة" إلى الخلف خائفاً، تشكلت "ميرال" على شكل فتاة سمراء.
اقتربت منها "هند" واحتضنتها بقوة وقالت لها: "ميرال" لا أصدق يا عزيزتي كيف صبرتي كل هذا الوقت وأخيراً أنتِ حرة.
قالت لها "ميرال": من الذي أخرجني من سجني؟، أجابتها "هند" قائلة: هذا "عروة" باحث فلسطيني هو الذي ساعدني بإخراجك .
التفتت إليه "ميرال" وقالت له :سأعطيك مكافأة كبيرة جداً، لم يتكلم "عروة" ولا كلمة فقد تملكه الخوف، حيثُ أن هذه المشاهد غير مألوفة بالنسبة إليه.
بعد عدة أيام التقت "هند" بعروة قرب المقبرة الفرعونية وأعطته ماسة صغيرة هدية وشكر من أختها "ميرال".
"عروة": من أين أتيت بهذه الألماسة.
"هند": أحضرتها "ميرال" من المدينة النحاسية.
"عروة": وما هذه المدينة هل يوجد بالعالم مدينة من النحاس!.
"هند": ألم تقرأ كتب التاريخ والآثار، هذه المدينة مذكورة في الكثير من الكتب، فقد رواها مؤرخين وجغرافيين وإخبارين، كما ذكرها "ابن الفقيه" و"المسعودي" و"الغرناطي" و"ابن خلدون" والأمويين.
"عروة": بلى اقرأ ولكن هناك آلاف الكتب.
"هند": حسناً هيا لنجلس قرب هذه الصخرة الفرعونية لأحدثك عن هذه المدينة.
تم اكتشاف هذه المدينة في أواخر القرن السابع الميلادي، وقد بنيت من النحاس على الرمال ما بين بلاد المغرب العربي والأندلس، كل قصورها وبيوتها وأسوارها من النحاس.
قيل بناها الجن وقيل بناها نبي الله "سليمان" وقيل بناها "إسكندر الأكبر" وكان أخر خبر عنها في العهد الأموي في خلافة "عبد الملك بن مروان"، فقد أرسل هذا الخليفة إلى القائد "موسى بن النصير" في الأندلس كتاباً يأمره به أن يأخذ ألف فارس ويذهب إليها ليعرف أخبار المدينة، وكان لهذه المدينة سور من النحاس عظيم جداً كما كانت خالية من الأبواب والمداخل.
قال القائد "موسى بن النصير" للجند: من يصعد إلى هذا السور ويقتص خبر المدينة وسنعطيه عشرة آلاف درهم، صعد أحد الفرسان على سلم عظيم وأول ما نظر للمدينة بدأ بالضحك والتصفيق بصوت مرتفع ورمى نفسه داخل أسوارها، تفاجأ القائد "موسى بن النصير" من صنيعه، ثم قال للجنود من يصعد السور ويقتص خبر الفارس الذي رمى نفسه في المدينة وسنعطيه عشرون ألف درهم، صعد أحد الفرسان وكان من حُمير وأول ما نظر إلى المدينة فعل كالجندي السابق ضحك بصوت عالي وصفق ثم ألقى بنفسه إلى المدينة، أرسل "موسى بن النصير" جندي ثالث وفعل مثلهم (هنا صدق المؤرخ الفارسي "ابن الفقيه" عندما قال أن الإسكندر وضع طلاسم على المدينة تجعل الإنسان الذي ينظر إليها يشعر بالسعادة والانجذاب) ، ثم بدأ القائد والجنود التي بقيت معه يدورون حول المدينة.
وجدوا شخص يسبح في بحيرة قريبة من المدينة، سألوه من أين أنت ولما وحدك هنا، قال لهم: أنا من الجن وقد سجنني نبي الله "سليمان" في هذه البحيرة ومعي جن كثير جداً لا نستطيع الخروج منها، ثم اختفى مرة واحدة، أمر القائد بعض من الجنود أن ينزلوا في هذه البحيرة ليروا أخبارها.
بعد تنفيذ الأمر صعدوا من البحيرة معهم ثلاثة صناديق، بعث القائد "موسى" صندوق منهم إلى الخليفة الأموي وعندما وصل الصندوق اجتمع عند الخليفة حاشية من الأدباء والمفكرين والشعراء وكبار الأمة وقد فتحوا الصندوق، صعد منه دخان أزرق كثيف وإذا بشخص عظيم البنية يقول تبت يا نبي الله "سليمان" لن أفسد في الأرض مرة أخرى، وإذ بالخليفة يقرأ آية من القرآن من سورة سبأ وهي (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)) وهذا أكبر دليل على أن الجن لا يعلمون الغيب لأن هذا الجني ظن أن نبي الله "سليمان" على قيد الحياة إلى الآن.
"عروة": هل هذه المدينة موجودة إلى الآن.
"هند": إن رمال الصحراء غمرت المدينة في كل هذه المدة.
"عروة": يا إلهي يا لغرابة هذا العالم، نعم تذكرت يا "هند" أريد أن أسألك عن الملكة "بلقيس"، هل صحيح أن أمها من الجن وأباها من الإنس، وهل يتزوج الجن من الإنس، هل هذا ممكن؟!.
"هند": حسناً يا "عروة" سأحدثك في هذا الموضوع في المرة المقبلة، الآن يجب أن أذهب قبل أن يلاحظ أخي غيابي.
بقلم سهام السايح
-
سهام السايحمؤلفة كتاب كأنه سديم وكتاب عمر مؤجل