توجهت عائلة العم مسعود إلى أقرب محطة مواصلات لحجز رحلتهم المتوجهة نحو المدينة. دون أن يحملوا أي شيء، كأنهم هاربين من طامة ستحل بالبلدة بعد رحيلهم. و الحال أنهم تلقوا رسالة من أخ العم مسعود للإقامة في شقته الرائعة المتواجدة في قلب المدينة. كانوا في غاية السعادة و الفرحة الشديدة، و أخيرا سيتركون كل شيء ورائهم لا رجعة للماضي المتدني، أين الجوع و البؤس و الفقر المدقع، إنها معجزة تحققت في لمح البصر، لقد قام أخ مسعود الذي يدعى كمال بتسجيل الشقة بإسم أخاه تعبيرا عن إمتنانه فهو الذي مهد له طريق النجاح الذي بلغه الآن و أصبح بفضل الله إحدى إطارات الهامة للبلد . لم ينكر جميل أخاه بل أغرقه في الجميل و الفضل.
كانت الشقة التي في إنتظارهم تفوق تصوراتهم و توقعاتهم البسيطة التي إعتادت على البساطة.
فور وصول عائلة العم مسعود سنة 1990 إلى الشقة كانت المفاجأت في إنتظارهم، أولها إستقبلهم بواب في غاية الأناقة و اللطف قادهم إلى الشقة التي توجد بالطابق الثاني، ثم بمجرد أن فتح لهم الشقة و إستأذنهم بالذهاب تراجعوا إلى الوراء من شدة الإنبهار، لقد كانت الشقة في غاية الجمال و الكمال، أول ما لمحه العم مسعود أريكة كبيرة وضعت في وسط الشقة ذات ألوان داكنة شملت كل مساحة الصالة. و تفرقت عنها الكراسي العاتيقة في كل مكان فشكلت صورة لطيفة . أما زوجة العم مسعود لم يشغلها سوى المطبخ و كيف يكون، فطوال الرحلة كانت تتخيل لونه و كل آوانيه. و يالا الفرحة لقد حظيت بمطبخ كمطابخ الملوك، كان عتيقا جميلا، زين بنوع نادر من اللوح الذهبي فوضعت كل الصحون حسب حجمها بمكانها المخصص لها، و تلك الكؤوس الطويلة المتعالية إصطفت فوق قطعة قماش مربعة الشكل بيضاء اللون، و لقد وجد أطفال العم مسعود ثلاث غرف صغيرة، فإختار كل واحد منهم الغرفة التي دخلها أولا.
إن أطفال العم مسعود في رعيان الشباب، رحيل الفتاة البكر تدرس بالجامعة تبلغ من العمر ثلاثة و عشرون سنة، أما أحمد فيصغرها بعام واحد يدرس كذلك في الجامعة لكن ليست التي تذهب إليها أخته رحيل فإختصاصه الطب عكس رحيل الذي كان اختصاصها الحقوق.أما الأخت الصغرى تدعى سمر و هي تبلغ من العمر السابعة عشر سنة مزالت في سن المراهقة. كانت قبل رحيلها الى هذه المدينة الفاخرة تذهب إلى المعهد الذي يبعد عن بيتهم الكثير من المسافات . و هاهي الآن تعيش هنا ومع هذه الرفاهية ستنسى أيام العذاب و الذهاب كثيرا على الأقدام.
بعد أن قامت عائلة العم مسعود بجولة معتبرة بالشقة الجديدة .و إكتشف كل واحد منهم غرفته و مساحته الجديدة. راحت حليمة زوجة العم مسعود إلى السوق مع بناتها لتشتري الغلال و الخضار و تعد العشاء . و في الطريق الى السوق ذهلت سمر و رحيل بما رأته عينهما إنها مدينة جميلة و فاقت توقعتهم، هذه المباني الشاهقة قد تصيبهما بالدوران إن فكرتا و نظرتا إليها بكثب من شدة علوها و إقترابها من السماء. و تلك المقاهي المختلطة و الناس الغير عاديين، كأن عائلة العم مسعود قد سبقت حضارتها.
مع حلول الليل عادوا جميعا إلى الشقة و كالعادة إستقبلهم البواب بكل ترحاب، فتعالت حليمة و إنتابها التفاخر فنظرت إليه بتعال و فخر تحيه دون ان تنطق بأي كلمة، في قرارة نفسها ضحكت من شدة التمثيل، فهاهي الليلة تلامس السعادة بكلتا يديها و الكل الفضل يعود لأخ مسعود الذي منحهم فرصة العيش الكريم و توديع الفقر.
بعد العشاء مباشرة رغب أحمد في إكتشاف المدينة وحده، لكن أباه منعه خوفا عليه و أجبره على أن يذهبا معا إلى أقرب مقهى لهذه البناية الشاهقة. وافقا أحمد بعد برهة كأنه يفكر ماجدوى رفضه إن بقي في المنزل لن يستفيد قد تكون المقهى تجربة جيدة في أول ليلة في هذه المدينة الحلوة.
يتبع....
-
راضية منصورمختصة بدارسة قانون سنة ثالثة دكتوراه