نبدأ الحياة بصرخة ، كما نبدأ خط الكلمات بمحاولة إمساك القلم بشكل جيد ،نكبر رويدا رويدا ونتقدم كما تتقدم محاولاتنا في اتقان الخط ،نعيش الطفولة بشكل فطري و بما تقتضيه من عفوية ،ولحد كبير الامر شبيه بمانكتبه في اول العمر كل ماهنالك كلمات لا وجد لثقل المعنى او زخم المترادفات كل ما هنالك سيل من المكتوب ودفق من العمر في الجهة المقابلة.
تتوالى الايام وتتلاحق ونقف على أعتاب الوعي والواقع الذي يفرض السير على خطى القدر ،ومعه تكتسي الكلمة حلتها الابهى وهي المكنون والمعنى ،بعض الاعمار تباد بالاتباع والانقياد فتصير شبيهة بنص منسوخ ،ايما ناقل له القدرة على تشكيله فلامعنى فيه ولا مساق ،وهذا قدر الانبطاح لسلطة اللوم والتقاعس كما اورثته ايانا مجتمعاتنا العقيمة بعقم منظوماته جمعاء.
نبدأ في التحرر حينما نبدأ في وضع ذواتنا في الطريق العكسي الذي يفرض الاجتهاد اكثر من المسايرة و الذوبان في فكر جمعي يكرس لنمط واحد من الحياة الذي يتغنى بالاستقرار كوضع لا كنتيجة مبنية ،فنجد النمطية اغلب حاكم لسلوك المجتمع راسما بذالك حلقة شبيهة بتلك التي يجري فيها فأر تجارب ،دراسة فعمل فزواج ثم اولاد فقبر بعد ذلك ،وليس في الامر انتقاد لأي مفهوم انساني مما سبق بقدر ماهو انتقاد للكيفية التي تسير بها الامور دون محدد عقلاني فهو تقليد ورضوخ لمنطق مجتمعي محض ولا انفي وجود الاستثناء لكنه عديم الجدوى لبناء خلاصة حتى لا ننساق امام تعميم مرضي صرف ؛وهذا بالذات شبيه بالنسبة لي الى الكتب التجارية حيث تجد الاف العنواين على امتداد البصر واختلاف الطبعات ودور النشر غير ان المكنون واحد ،تصير في الكلمات مجرد قاموس كل كاتب يبدع في قول نفس الشيء لكن بصيغة اخرى لاغير.
اعلم ان كلامي لن يعجب السواد الاعظم لكن لا الزم به احد قدر ما الزم به نفسي، ان الحياة على غرار الكلمات لايجب ان تكتفي بالتكرار و الاستنساخ ،ولايقبل عقل ان تكتب اعمار بثقلها على الهامش فقط ،وانما هي معركة بين الذات ونفسها ان تضع نفسها في سكة القدر الامثل ،وتؤرخ لذلك في صفحات عريضة عنوانها مواجهة اكبر مخاوفها،حينها لن تكون الدراسة مجرد خوف من الجهل او البطالة ،ولن يكون الزواج مجرد خوف من الوحدة او استجابة لنداء امومة او ابوة فطريين دونما عقلانية وللمرء اليوم ان ينظر لنسب الطلاق المهول والتي ان دلت على شيء فلكم انتم ان تكتشفوه ،ولن يصير العمل مجرد وسيلة للعيش وضمان البقاء بل حتى هذا المفهوم يمكن ان يتحول الى شيء اخر كالشغف و قس على ذلك كل نواحي الحياة.
ان اقدارنا كالكلمات ،لامكان فيها للاستقرار لانه موت للمعنى وعدوان على الحياة ان تعيش في عدم الغياب الذي تصوره النمطية ،والاهم في الامر ان الكتاب لايكتب على حين غرة ،وانما هو مسير من الاخطاء والتنقية حتى يكتسي الصورة المثلى ،ولايهم ان يتم بنهاية فالقصد ان يجد المرء فيما يكتب اي فيما يحيى ؛ويعرف لم ؟ والاصعب في هذا الكتاب هو كتابة الإهداء لانه آخر مايكتب وليس اوله كما يظن الكثيرون......