هل يمكنه أن يشعر بي؟ إن كان القلب يتصل بقلب من يحب، فيشعر بحزنه وألمه، كما يشعر باشتياقِه ولوعته، كما يشعر بوجودِه الآمن، وهدوء الطرف الآخر أو اضطرابه.. فماذا يعمل الحب في قلب الحَبيبَيْن ليصيرا كيانَين مادّيين مُتباعدَين في المكان لكن مُتناغِمَين بالزمان ومترابطَين بحبل خَفي؟

لله در قلب ذو استشعار دقيق، تهزُّه أدق موجة صعود أو هبوط في قلب حبيبه. إن كانت الرُوح من عند الله، فَفِينا من صِفات الله التي تُفرِقُنا عن المخلوقات الأخرى، فمنها أن يُحدّثُنا حدْس خافِت بما يقع في طَرفٍ من العالم لشخص نتعلق به أو يتعلق بِنا.. وتعالى الله ذو القوة، فإنَّا ضُعفاء تُرهبنا رَجْفَة مصدَرُها إلهيّ كتلك الرجفة.

هل جاءك حبيب في المنام فرأيته في حالٍ كأنه يبحث عنك وينظر إليك في صمت الصبور؟ أو رأيت كأنك كنت تبحث عنه، وحين آتاك انفرجت أساريرك وسكن القلب وسط الضلوع؟ أو أنك خِفت ضياعَه منك فرأيتَه يُرافق غيرك فبكيت بقلبٍ مُنكسِر؟ هل تُصدِّق حقاً أن الأحلام من صُنع العقل اللا واعي ليعطيك ما يُريح نفسك؟ كلا.. إنّ الروح فوق كل عِلم مادّي وَضْعِيّ.

أو لعلك اختبرتَ اهتمامَ شخص وولعَه بك، شخص أنت لم تُبادِلْه مشاعره تلك، لكنه مازال عالق هناك، حتّى أنّه يأتيك في منامٍ ثم حين تلقاه في صباحِه تراه مُشرِق بغير عادة كأنما هو يعلم بأنه كان في منامك. ولو طال منك أكثر من تحيّة الصباح لقضى نهارَه يتغزّل بك ويُمطِرُك بدفء قلبه ذلك اليوم.

هل تُصدق في ذلك؟ أتؤمن بالحَدسِ في عمومِه؟ كالذي يُصِيب فؤادك قبل وقوع خَطب جَلل.. أتؤمن بالرابط الوثيق بين المُحبين؟ كالذي يصيب أمي حين ينكسر قلبي فتُهاتِفُنِي لتطمَئِن عليّ وتُصِرّ على تكرار سؤالها: هل أنتِ بخير يا ابنتي؟.. أتؤمن بالامتزاج القلبيّ بين الزوجين؟ كالذي يصيبني حين أشعر بلفهتك نحوي أو نفورك مني أو حزن شديد يسكنك؟ حتى خيانة المحبين لها صوت مدوي يسمعه القلب.

إذا استطعت أن تتذكر مرورك بلحظات شعورية مشابهه لكل ذلك فهنيئاً لك يا مُفرط الحساسية، إنك من هؤلاء القليلون الذين يمتلكون شعور داخلي صادق ينصتون إليه، هنيئاً لك قدرتك على حِفظ علاقات حقيقية ومُبادلة مشاعر صادقة في أوقاتها الملائمة.

إنها نعمة كبيرة أن تمتلك حِساً رقيقاً فتشعر بكل شيء وتكون إنساناً مُهذب بصدق مشاعره ومتسق مع بواطن ما يحدث معك وحولك. لكن الشعور بكل شيء مؤلم حين لا تجد مفر من خوف يؤرق ليلك لأنك تعلم أن أمراً جلل على وشك الحدوث، وقد يصيبك الندم حين تقع مع أشخاص مُتبلدي الحِس؛ لا يعلمون عن قلبهم سِوى ما حفِظوه وتلقّنوه في صِغرهم..

الله الذي قدّر لعباده التفاوت في الشعور حتماً قدّر لكلٍ بلاءه، وبحسب رزقك يكون زادك مما يعينك على التحمل.. فليس أمامنا سوى قَبول كل ما يأتي به الله، والصبر على بلاءه حين يطول، والإشفاق على من لم يُرزق بشعور إنساني رفيع.