إننا حين نرتهن للقضايا الحالية كالقضية الفلسطينية مثلا ، نحن بذلك نبحث عن معنى ، عن أسباب أعمق لحيواتنا التي قتلتها سطحية الروتين والسلام والدعة وأبطلت جدواها مرارة العبثية والإذعان لخطية مساراتنا الموحشة ..
في مثل هذه المواجهات حصرا وفقط تنتعش المعاني الحقيقية في الحياة: الألم، التعاطف ، التأثر، الحماس، الحزن، وهنا فقط تعطى التضحية قيمتها الحقيقية، ويكتسب الاجتهاد مفهومه الفعلي، ويتبدى الالتزام بالقضية كقيمة علوية لا يمكن تجاوزها. كل القيم تتشبع بألوانها وتستعيد معانيها، وكل الحياة تشع مضيئة بسراج إخلاص لا ينطفئ، بعد أن كانت باهتة تلاك في الألسن ولا تتجاوز الحلق إلى القلب.
أثناء هذه الصراعات وفي حمى التفاصيل يأتي السؤال: كيف كنا نطيق العيش من قبل هذا؟.. وكيف سنطيقه من بعد ؟! ثم يليه سؤال آخر: هل تحلو الحياة من دون صراع؟
الجواب الذي يأتي غالبا ما يكون أعمق بكثير ، يتجاوز حرفية السؤالين ليروي ظمأ سؤال أعمق وأقدم هو : لماذا يوجد شر في هذه الأرض؟ لم لا نعيش في سلام ؟! لماذا لا يكون الجميع طيبين ورائعين ونتحاب فيما بيننا وتسود الوداعة والدعة، ونعيش في راحة وهناء؟!
الجواب يكمن في تفاصيل القضايا النبيلة ، في عمق الصراعات من أجل الحق ، في قيمة معاني الحياة التي لا تتبدى إلا فيها ومن خلالها، في حلاوة الالتزام، و مرارة الاجتهاد، و لهفة التقصي والمتابعة، و عناء المكابدة وجراح المدافعة ، في أسطورة الردع والانتصار والانتشاء، والقهر والانكفاء ، في جمالية الكر والفر الإقدام والتراجع ، النصر والهزيمة ..
لقد خُلق الشر في العالم لكي نستمتع بمحاولة ردعه ، ونعيش حياة حقيقية ونحن نصارعه، لقد وجد لنبتهج حق البهجة بالانتصار عليه، إنه السالب الذي يضفي على حياتنا موجبا حقا ذو معنى إن نحن قضينا عليه، ويورثنا عزيمة وهمة إن فشلنا في إقصائه، وجود الشر هو محراك الهمم ، ومولد التحدي، وأبو المعجزات، فما كان لقيمة الانتصار أن تكون لولا وجود الصراع بين الخير والشر الذي يضمن حركية الحياة ويثبت معانيها ، ويجدد قيمها ، ويخلد ثوابتها كلما همت بالأفول.
تصور حياة بلا صراع مصيري بين الحق والباطل! كيف كانت ستكون الحياة في غياب شر مستطير أو بطل يشجه وبلجمه؟! أي ملل وأي عبث وأي صفاقة وتفاهة سنحياها، وأي قيمة سوية ستقر في القلب، وأي منطق مستقيم سيمكث في العقل، ستصبح كل القيم الإنسانية مجرد نظريات يتقاذفها البشر في الهواء بلا أسس واقعية تسندها ، ولاوقائع فعلية تذكر بها وتثبتها، ويبدأ العبث، وتبدأ البلادة ، وتنفد الإنسانية!
اليوم .. واليوم فقط بدأت أمتن للشر على وجوده .. إنه العامل الوحيد الذي يحفز قيمنا كبشر .. ويعطي لحياتنا معنى حقيقيا عميقا بمحاربته وقمعه.. فشكرا أيها الشر !
-
فاطمة بولعناناليوم حرف وغدا حتف
التعليقات
ولكننى لن أشاركك -على نسق المقال- توجيه الشكر للشر والباطل والقبح والكذب- فليسوا فى الحقيقة هم المحفزين لنا ولكن المحفز الحقيقى هو الايمان بالله والاحتفاظ بفطرتنا السليمة دون التلوث المجتمعى والاخلاقى الذى يحيط بالجميع..تحياتى وفى انتظار المزيد من ابداعاتك.
لمتابعتى على رقيم : https://www.rqiim.com/agwad
لمتابعتى على جوجل: https://rwaealfekr.blogspot.com/