"اصطبغ البيت فجأة باللون الأحمر، الشراشف والوسائد والصحون والكؤوس. لم أنتبه حتى سألتْني إن كنت لاحظت شيئا ملفتا في البيت، ثم زادت : احزر يا عزيزي أي عيد على الأبواب ؟..".
توقف عن الكلام ، وسألهم وهو يطوف عليهم بعينيه:
- هل تعلمون ما الذي حدث؟..
قال أحدهم ضاحكا :
- أخبرنا بسرعة. ما الذي حدث؟ .
سحب نفسا عميقا من سيجارته ورشفة من قهوته واستأنف قائلا :
- كانت وقعتي سوداء ، فقد عرضت عليها كل الاحتمالات : سألت إن كان عيدا وطنيا كعيد الشهداء أو الاستقلال، أو تشجيعا لمباراة ما سيخوضها فريقنا المفضل قريبا وهو الذي يطغى اللون الأحمر على زيه.. فأجابت بأني رجل انقطع منه الأمل والرجاء ، تقليدي لا تليق الرومانسية بي، وأن العيب عليها لأنها فكرت في إحياء المشاعر بيننا .. كدنا ليلتها نبيت متخاصمين لولا أنني بذلت قصارى جهدي في إقناعها بأنني أحبها على مدار السنة، خلاف فقراء الحب التعساء أولئك الذين يصطنعون الفرحة ووهم الحب ، وأخبرتها أن الحب عندنا مقيم وليس عابرا، وأن أجمل كلمات الحب هي الصامتة ، وأن الحب الحقيقي في أني لا أخون وأني أصون بيتي وأحفظ أهلي وأقاسمهم همي وفرحي ..
والتفت إلى أصحابه وأضاف:
- هل تراكم تصدقونني لو أقسمت لكم بأني لم أسمع قط عن هذا العيد من قبل؟
انفجر الأصدقاء هازئين فرفع صوته أحدهم مؤيدا:
- ولا أنا ، لولا زميل لي بالشغل يوم طلب مني أن أعوضه حتى يتمكن من انتقاء هدية لحبيبته.... وليتني ما علمت...
سألوه بفضول ومرح :
- كيف؟ لا تقل أنك تجاهلت الأمر .
فأجاب :
- ليتني فعلت والله ، ولكن يعلم الله أني حين علمت فكرت فيها واجتهدت في إرضائها: فقد مررت بعد انتهاء الدوام إلى أكبر محل للوازم البيت واخترت لها قدرا ثمينة حمراء كبيرة ذات غطاء زجاجي شفاف. فاجأتها بالصندوق ذي الشرائط الحمراء فكادت تجن من الفرح وأمطرتني غزلا وشكرا وكلاما عذبا...ولكن لما كشفت عن القدر خابت ورمتني بالأنانية وبأني لا أرى أبعد من شهوات بطني وأني لا أستطيع أن أراها إلا بنكهة البصل والثوم ... وحتى أصلح خطيئتي، ارتديت المئزر وغصت في المطبخ أعد العشاء وفطور اليوم الموالي وأعد لكل فرد من أولادي الصغار سلات الفطور واللمجة ليأخذوها في الغد إلى مدارسهم .. و بت ليلتها تعبا، كالا، ألعن السيد فالنتان حتى مطلع الفجر.
نطق آخر معارضا :
- القس فالنتان براء من كل ذلك ، فهو قد قدم حياته من أجل الحب حين زوج الجنود بحبيباتهم متحديا الأوامر الإمبراطورية. ولكن العن العولمة والصناعة التي زرعت كل هذه البدع بمنتهى الخبث والدهاء حتى باتت دون أن نشعر جزءا من ممارساتنا وقناعاتنا ..
خاطبه أحدهم :
- صحيح ما تقول والله ، أنت على الأقل واع بكل ذلك فلا مجال للوقوع في هيمنة مثل هذه المظاهر. لا بد أنك أحسنت التصرف ذلك اليوم
أشاح الرجل بوجهه وهمس :
- دعني رجاء فأنا أكره تلك الذكرى.
ولكنه نزل عند رغبتهم بعد إلحاح وراح يسرد :
- استقبل هاتفي يومها رسالة من تلك الرسائل القصيرة الجاهزة مشحونة بكلام الحب وملصقات القلوب الحمراء والورود ، خدمة جاهزة ورسالة لا تتعب في إنشائها، فقلت أرسلها إلى زوجتي...
- جميل ، أنت محظوظ صديقي .
- محظوظ؟ بل منكود: فلقد حولت الرسالة خطأ إلى رئيسي في العمل عوضا عن زوجتي... لن أحدثكم طبعا كيف صار ينظر إليّ من تحت نظارتيه ويلمّح في كل مناسبة إلى شيوع الخيانة والبذل للعشيقات وإهمال الزوجات. ودرءا لسوء فهم جديد رحت أقص ما حدث على زوجتي ، فابتسمت لذلك وشكرتني على المبادرة. ولكنها من يومها لم تتوقف على استباحة هاتفي بحجة وبدون حجة ...
وعلا ضحك الجماعة ، فقال آخر :
- أنا مرتاح من كل وجع الراس هذا ، ومعفى من كل هذه الهدايا منذ أن أهديتها يوما باقة من الورود الجميلة وقالت لي متبرمة : "جميلة جدا ، لكنها ستذبل سريعا ، لو أنك اشريت بثمنها لحما أو سمكا لكان أجدى وأنفع ". النساء يا رفاق لا يقنعن ولا يرضين
في تلك الأثناء كانت النادلة الشابة تجمع الأكواب والفناجين وتستلم الحساب ، فاستمعت إلى آخر الحديث ، فهمست قبل أن تمضي إلى طاولة أخرى سائلة : أيها السادة ،هل يقنع الرجال ويرضون؟...
بقلم :لمياء_ن_ب