دولة الأرشيف (5) - فلسفة العمل ( ق.ق.ج) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

دولة الأرشيف (5) - فلسفة العمل ( ق.ق.ج)

(دولة الأرشيف) سلسلة قصصية ساخرة على نمط (قصة قصيرة جداً)

  نشر في 24 غشت 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

دائماً عند استلام وظيفة جديدة، يبدأ الموظف الجديد بتعلم قواعد وقوانين العمل وحدود وظيفته، فيعرف المباحات والمحظورات وماله وما عليه وكذلك الخطوط الحمراء حتى لا يتعداها .. هكذا بدأ سامي وظيفته الجديدة في إدارة المطبوعات التابعة لهيئة الأرشيف، لقد تعلم كل القواعد إلا واحدة ... .

حدث أنه ذات مرة كان يعمل في ملفٍ فيه جداول بأرقام الطبعات والإصدارات الصادرة عن الهيئة، ووجد أن الأرقام كانت غير صحيحة على وجه الدقة قليلاً، فلم تكن أعداد النشرات تقابل السنة التي نُشرت فيها، عَرَف ذلك من خلال أرشيف النشر الذي اطلع عليه في وقت سابق، فقام بترحيل الأرقام بحيث وافقت سنوات النشر.

غب تابوم التالي لم يتخطَ الملف المدير عندما وقعت يده عليه، وبعد نظرٍ متربصة، قال فجأة:" من الذي كان يعمل على هذا الملف أمس؟"

فرد سامي:" أنا"

"لماذا بدلت في الأرقام؟"

"كانت الأرقام خاطئـ.."

"لا تقل أنَّ ثمة خطأ هنا تحت إدارتي!"

"أ..أ.. أقصد أن الأعداد لم تكن تناسب سنوات نشرها .."

"إذن كيف تمر علينا لجان التفتيش كل شهر ولا تضع ملاحظة واحدة على عملنا؟!"

"لا أعرف، لكن ... "

"ليس هناك لكن .. عليك متابعة مسارات العمل كما هي دون فزلكة، خصوصاً مع تردد المديح في آذان المسؤولين من المستوى الأعلى في حق تلك الإدارة، ومن أفواه المفتشين أنفسهم، ألا يكفيك هذا؟! .. السؤال الآن: من الذي أعطى لك إذن تغيير الأرقام؟"

"لا أحد، أنا فكرت ..."

"فكرت!" انفجر بها

"هذه هي المشكلة .. (أنا فكرت!) .. لماذا تفكر؟! .. ما الداعي لذلك؟ .. وكيف تفكر بلا إذن؟؟ .. هل تظن نفسك قوة ما ورائية قادرة؟! .. هل تحسبك تخلق شيئاً جديداً أو تكتشف قوانين لم يتوصل لها أحدٌ قبلك؟

إن كنت تظن ذلك فأعلم أن عملنا معروف ولا يتغير ولا مجال للتفكير فيه .. إن التفكير دائماً يجلب المتاعب، هل سمعت عن ايمبيدوكليس؟ ألم تسمع عن تلك الدراسات التي تناولت أضرار التفكير؟ 
فالتفكير له علاقة بالأسئلة، والأسئلة تحتاج لأجوبة، وليست كل الأسئلة لها أجوبة، فعلام المجازفة بسكونك النفسي لئلا تقع في شراك سؤال لا جواب له ويكون ذلك سبب هلاكك مثل الأخ ايمبيدوكليس.

وقبل كل ذلك، أنا أميل إلى قول هؤلاء الجماعة الذين يقولون بأن (الأشياء إنما تقاس بعوائدها) -هؤلاء جماعة محترمون فعلاً، يعرفون طبيعة الحقيقة ويقدسون قيمة الوقت- فما عائدة التفكير علينا؟ ما النفع الذي يقع لنا حين نفكر؟ .. صدقني ليس إلا المتاعب.

خذ عندك ديكارت مثلاً عندما أراد أن يستنبط الوجود ويبثت وجوده -هل ترى أية مسخرة كهذه؟- عندما شك في وجوده وملأ الدنيا شكاً حتى قال: (لقد أردت أن أنسف كل شيء، لقد بدأت من الصفر) وكأن الصفر ليس من الوجود! وخرج باستنتاج هو مقولته الغريبة عتيقة الغرابة .. فقال: (أنا أفكر؛إذن أنا موجود) .. هاها المغفل .. مع أنك لو تمعنت قليلاً في الأمر لاكتشفت كم السخافة التي في تلك النظرية .. فما الذي أمكنه من التفكير أصلاً وأتاح له تلك الميزة؟! .. نعم كأنك تريد أن تقول: (وجوده) .. فليس التفكير بأسبق على الوجود أو دليل حتمي عليه، وبالتالي فاستنتاج ديكارت كالمرآة أينما نظرت فيها تري صورتك .. (أنا أفكر إذن أنا موجود) أو (أنا موجود إذن أنا أفكر) .. هل رأيت كيف تكون المغالطات، ومتاعب التفكير .. هل تريد أمثلة أخرى؟ أظن أن هذا كافياً.
ثم إياك أن تريد أن تتفلسف؟ أبداً! فأنا لا أحب الفلسفة، أنا أكرهها جداً."


  • 2

   نشر في 24 غشت 2019  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا