لقد إستشكل كثير من الناس حديث النبي صلى الله عليه و سلم عن سجود الشمس تحت العرش، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فلما غربت الشمس قال أبا ذر: هل تدري أين تذهب هذه؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [يّـس:38]) متفق عليه، و لم يكتف آخرون  بالإستشكال فقط بل أنكروا الحديث، و منهم من تأوّله بطريقة علمية حتى أخرج الحديث النبوي عن معناه الصحيح قائلا أن العلم المعاصر أثبت عكس ما فهمه السلف من الحديث، و لكن المعلوم عندنا أن النقل الصحيح لا يخالف العقل الصريح أبدا كما قرر أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية إذ قال في كتابه درء تعارض العقل و النقل (الأدلة العقلية الصريحة توافق ما جاءت به الرسل، وأن صريح المعقول لا يناقض صحيح المنقول، وإنما يقع التناقض بين ما يدخل في السمع وليس منه، وما يدخل في العقل وليس منه) ، و مما لا شك فيه عندنا أن الحديث صحيح لا غبار عليه، إذن ما معنى الحديث و حقيقة سجود الشمس تحت العرش.

من الأشياء المتفق عليها بين العارفين بالحق أن العرش هو سقف الوجود فقد قال الله تعالى:  (الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ) طه (5)، و قال النبي صلى الله عليه و سلم: (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض) رواه البخاري، ، و قال ابن كثير: (هو مالك كل شيء وخالقه، لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات، وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش، مقهورون بقدرة الله تعالى) تفسير ابن كثير، و قال رحمه الله في تفسيره لقول الله تبارك و تعالى ذو العرش المجيد قال ذو العرش معناه (صاحب العرش العظيم العالي على جميع الخلائق) تفسير ابن كثير،و قال ابن القيم: (ولهذا لما كانت السماء محيطة بالأرض كانت عالية عليها ، ولما كان الكرسي محيطاً بالسماوات كان عالياً عليها ، ولما كان العرش محيطاً بالكرسي كان عالياً) الصواعق المرسلة، و قال الشيخ ابن باز رحمه الله في معرض كلامه عن العرش (هو كالقبعة على العالم وهو سقف العالم كله) من الموقع الإلكتروني للشيخ.

و من المعلوم أيضا أن الشمس تتحرك و تدور قال الله تعالى (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) يس (38) و قال تعالى (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يس (40) و قال تعالى (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا) الكهف (17) و قال تعالى: (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) لقمان (29) فالشمس تتحرك و تجري و تدور و هذا ما أثبته الله في كتابه و في سنة رسوله كما تقدم في حديث معاذ رضي الله عنه فيستحيل أن يثبت كائنا من كان عكس ذلك فالقرآن لا ريب فيه و لا شك في صدقه و من شك فيه فهو كافر مشرك بالله رب العالمين.

 من خلال ما ذكرناه آنفا يتبين لنا أن  الشمس حيث ما سجدت فهي تحت العرش، لأن العرش سقف العالم و هي تحته، و لا تخرج عن العالم، و هذا يبطل قول من قال أن الحديث منكر لأنه من الملاحظ أن الشمس لا تخرج من مجراها الذي تدور فيه لتذهب و تسجد تحت العرش و الدليل تعاقب الليل و النهار ،فقولهم هذا دليل على جهلهم بأن العرش سقف العالم إذ أن الشمس تسجد تحت العرش حيث هي و في مجراها و لا يستلزم ذلك أن تخرج منه، قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى و الشمس تجري لمستقر لها: (مستقرها المكاني ، وهو تحت العرش)، و أما عن وقت سجودها و صفته فهي تسجد كما قيل عندما تغيب في جهة أي تتوارى عنهم و تشرق في جهة أخرى من الأرض و هو محل سجودها و من المعلوم أن سجودها ليس كسجود البشر كما أن تسبيحها ليس كتسبيح البشر و لكن نحن نؤمن بأنها تسبح و تسجد إذ أن الله عز و جل قال في كتابه العربي المبين (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) الإسراء (44) فنحن لا نفقه تسبيحهم و لا سجود الشمس و لا نفهمه لأنه بخلاف لغتنا و ألسننا كما ذكر ابن كثير ذلك .

فالحديث واضح وضوح الشمس سواء من ناحية السند و صحته أو من ناحية معناه الذي لا يخالف أبدا الحقيقة العلمية المتداولة في عصرنا هذا فالواجب على المسلم متى ما علم صحة كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يؤمن بالحديث و يصدق به و أن يتهم عقله فهناك أشياء لا يمكن للعقل أن يفهمها و لا للعلم أن يفسرها أو أن يصل إليها، كاليوم الآخر و الجنة و النار  فنحن نؤمن بذلك و نصدقه و لا نشك فيه طرفة عين، و لهذا وصف الله المؤمنين بعد أن ذكرهم في مقام التقوى فقال: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) البقرة (3) فالمتقون هم من يؤمنون بالغيب و يصدقون بكلام الله المحكم و بسنة رسوله الله صلى الله عليه و سلم .

و صلى الله و سلم و بارك على سيدنا محمد و على ىله و أصحابه.

أبو ذر القصراوي.