حكاية : ِجرْو القائد

يحكى ان قائدا ، ممن نصبهم الاحتلال الفرنسي على احدى القبائل المغربية ،اراد ان يحتفل بميلاد ِجرْو صغير ولد من كلب ذو أصول إفرنجية نادرة ، ومن شدة إعجابه وفخره بالمولود الفريد ، اخبر أهل القبيلة انه سيقيم حفلة تتحاكى بها القبائل المجاورة ،على شرف الجرو الإفرنجي ، ونظم حفلة غداء فاخرة دفع ثمنها أهل القبيلة من قوت يومهم ، واستدعى للمناسبة اجود خيالة القبيلة ليقدموا فرجة فروسية للمدعوين ،من النساء المسنات ، وجمع من الصبايا والاطفال المستهترين الذين حضروا مصطحبين معهم كلابهم وجراءهم، واصطف الكل على جنبات الميدان (الحَرْكة) انتظارا لقدوم فرسان الفرجة . وخرج القائد في زينته محاطا بحراسه وهو يمسك جروه العزيز ، واعطى الانطلاقة لمراسيم الحفل ،لكن المفاجأة لم تكن سارة حين امتنع كل الفرسان عن الامتثال لاوامر القائد المتعالي ، ووقفوا جميعا امام منصته مستنكرين احتفاله الغريب و ورافضين دناءتة في اقحامهم في مثل هذه المواقف المخجلة و المذلة ،وسط فضاء عجيب من نباح الكلاب ولهو الأطفال وزغاريد الحمقى ، وهم رمز القبيلة في قيمها وأصالتها ..

فسعر القائد من موقف الخيالة ،وانهال عليهم بوابل من السب والشتم ،متوعدا بتأديبهم ، ومنعهم كليا من ممارسة طقوس الفروسية ، بل حتى مجرد الاقتراب من ساحتها ، وأمر في الحين قواته من الحرس والعسس بان ينزعوا عنهم خيولهم و يجردوهم من بنادقهم و(بارودهم) ، وحدث ما حدث امام اعين القوم ،والرؤوس مطأطأة، والأبصار زائغة، والألسن خرساء ، ثم امر اعوانه بان يتم استبدال الخيالة بغيرهم دون ان يحدد هوياتهم ..واستبشر القوم خيرا وظنوا بان الرجاء في الفرجة لم ينقطع ، وان لذة الاستمتاع برؤية الخيول الجامحة، وطلقات البارود المدوية لا زال ممكنا بالرغم

مما حدث ، لكن الاغرب انقشع حين فوجيء القوم بعد ساعات من الانتظار، بدخول أفواج من الحمير والبغال ساحة( التبوريدة) بأحجام واشكال وألوان مختلفة، وقد شدت على ظهورها نوع من الدٌّمى المحشوة بعَصْف ماكول من التبن ، وبدت الدمى وهي تمسك بنادق من خشب مسوس ومتهالك ، وأعطيت انطلاقة الحفل العجيب وبدأت الحمير والبغال في الجري و ( الزعرطة ) دون اتجاه او نظام ،والغبار يعلو الفضاء ، واختلط صوت النهيق بالضُّراط ، وصفير الصبيان بنباح الكلاب وزغاريد الصم من النساء بقهقهات الشيوخ ،فزاد يقين الحمير وهي وسط الميدان ( الحَرْكة ) انها تقدم عرضا فروسيا جاذبا وجابذا ، والفرسان الحقيقيون ينظرون ويتألمون في صمت ،وبركان الأسئلة يغلي في داخلهم ويكوي جوانبهم :

(رباه !!اي زمن هذا حين يحجب ميدان التبوريدة عن اَهله ؟ وتستبدل الخيول بأقزام من الحمير والبغال ؟ والفرسان بأكوام من قش التبن النتن ؟ والبنادق والبارود بعصي متهالكة ؟ ؟؟ ليتنا متنا قبل هذا اليوم )

فقرروا الانسحاب خفية عن الأنظار ،ما دام القائد والقوم والعسس منشغلون بالأكل والشرب والفرجة والاستمتاع بالطقوس الجديدة في التبوريدة ، وظنوا انهم ناجون من الاعين ، وهم كذلك اذ بالجرو الصغير يلمح تحركهم فأرسل نباحا غريبا تنبه له القائد ومن معه من العسس، فألقي القبض على الفرسان ، وأودعوا السجن بتهمة العصيان والتمرد والانسحاب من حفل القائد قبل ن يأذن لهم جروه الإفرنجي .

من حكايات الف مشكلة وحل

تخيل محمد خلوقي