كانت سنوات اعتقاله الثلاث و التعذيب والتنكيل الذي تعرض له بمثابة درسا قاسيا تعلم منه أن لا مكان له في وطنه، الذي أصبح فيه الظلم هو السائد ولا يحق لأحد أن يعترض على السياسات القمعية ،التي ينتهجها النظام ولذلك، أصبح يرى أن من الضروري أن يغادره، كي يبدأ حياة جديدة بعيدا عنه لعل يأتي يوم و يعود إليه من جديد ، عندما يسود فيه الحق والعدل في تلك اللحظة اقتربت منه شقيقته روكسانا، جلست بجانبه وسألته فيما يفكر نظر لها :
-لقد قررت مغادرة البلاد لم يعد هنا ما يستحق أن ابقى من أجله .
-انا شقيقتك الكبرى يا ايفان الا استحق أن تبقى من اجلى.
ارتمى في أحضانها يشعر فيهما دائما بالحب والحنان الذي يذكره بوالدته الراحلة والتي تشبها كثيرا في كل شئ:
-لم أعد أستطيع العيش هنا يا عزيزتي ، وأخشى أن تصابي بالأذى بسببي انتي وزوجك
-إلى أين ستذهب
- النمسا لدي صديق هناك سوف يساعدني.
غير ايفان ملابسه وخرج من المنزل في طريقه إلى أحد أصدقائه الذي أخبره أنه رتب له كل شئ و أن السفر سيكون في غضون أيام.
بعد مرور بضعة أيام، جاء موعد السفر اعد حقيبته وودع شقيقته التي كانت تبكي لا تصدق بأن شقيقها الوحيد سوف يتركها، و لكنهطمأنها وأخبرها أنه سيعود يوما ثم غادر حتى التقى بصديقه هاجي
والذي سهل له عبور الحدود مع المجر و منها بعد رحلة شاقة وصل الى النمسا تلك البلاد الجميلة الهادئة، كانت المرة الاولى التي يتنفس فيها الحرية الذي تمنى كثيرا أن ينعم بها وطنه و لما لا من الممكن حدوث ذلك في المستقبل أخرج من جيبه ورقه بها عنوان صديقه رادوي الذي التقى به في المعتقل منذ سنوات وهو من شجعة على المجئ الى النمسا و اوقف احدى سيارات الأجرة التي أوصلته إلى منزل صديقه دق الباب ففتحت
فتاة شقراء جميلة سألته من يكون اخبرها أنه صديق رادوي فسمحت له بالدخول حتى تخبر رادوي الذي جاء و رحب بايفان :
-لقد اشتقت لك يا صديقي العزيز أنا سعيد برؤيتك مرة اخرى
-و انا كذلك يا رادوي و لقد كنت اتذكر حديثك معي الدائم بخصوص أن اترك رومانيا و أتى إلى هنا
-هيا سوف اريك غرفتك الخاصة التي ستبقى فيها حتى أجد لك منزل و سوف تعمل معي في متجر الحلوى الخاص بي.
ذهب مع رادوي الى الغرفه وضع حقيبته و دخل في سبات عميق من شدة الإرهاق.
في الصباح استيقظ على صوت صديقه يخبره بأن يستعد ليذهبوا الى المتجر سويا قام إيفان على الفور و ذهب للحمام واخذ دش قبل أن ينطلقوا في طريقهم إلى المتجر الذي يقع في إحدى أحياء المدينة دخل رادوي المتجر ومعه ايفان ليتعرف على باقي العاملين في المحل و على رأسهم لورا تلك الفتاة النمساوية صاحبة الابتسامه الاخاذه سلم على الجميع و اخبرها مدى سعادته بالتعرف عليهم ثم بدأ العمل الذي يتمنى أن يكون سببا في تغيير حياته للأفضل. و بعد انتهاء العمل وجد لورا تقترب منه :
-ما رأيك ان نذهب معا كي أعرفك على معالم المدينة؟
- يسعدني ذلك لورا ولكني متعب اليوم
اقترب منهم رادوي ليسألهم فيما يتحدثان أخبرته لورا بما قالته لايفان :
-اذهب يا صديقي معها سوف تعجبك المدينة كثيرا.
ذهب ايفان مع لورا كي يشاهد معالم المدينة الرائعة التي سحرته منذ اللحظة الأولى له على أرضها ظل يتحدث مع لورا التي وجدها تسالة عن رومانيا تريد منه واصفا لها :
-بلادنا رائعه لورا ولكن تشاوتشيسكو جعل منها جحيما يهرب منه كل من يستطيع الهروب
كان يبكي وهو يتحدث عن بلاده الذي تركها مضطرا لكنها ما زالت وستزال في عقله و قلبه دائما، وضعت لورا يدها على كتفه و قالت بصوت حنون :
-اطمئن سوف تعود إليها من جديد و سيكون كل شئ على ما يرام .
-اتمنى ذلك لورا هيا لقد حان موعد عودتي للمنزل
-اتمنى لك ليلة سعيدة و سوف نكمل مشاهدة باقيه معالم المدينة غدا .
مرت أيام كانا يذهبان معا بعد العمل يتجولان في المدينة يحكي كلا منهم عن حياته و معاناتهم في الحياة بدأ يشعر إيفان بان لورا تشبه في الكثير من الأمور فكلاهما لم يذق طعم الراحة و أن كان ما مر به لم يكن بالأمر الهين فلقد ذاق جميع انواع العذاب لأنه فقط طالب أن تصبح بلاده مثل باقي بلاد العالم التي يتمتع فيها الشعوب بحريتهم و رغم ذلك ما زال مؤمنا بحدوث ذلك يوما.
أراك ولورا تتحدثان كثيرًا هذه الأيام. هل هو الحب يا صديقي؟
نظر إيفان إليه دون أن يتحدث بكلمة مكتفيا فقط بابتسامة، و لكن مع إصرار صديقه على أن يحكي له ما بينه و بين لورا، قال :
-ما يربطني بها صداقة فقط فهي فتاة طيبة القلب
-انك تكذب يا صديقي ولكن سوف اصدقك و الان لقد وجدت لك منزل مناسبا بالجوار سوف نذهب غدا كي تشاهده و تنقل اغراضك الى هناك
شعر ايفان بالسعادة و شكرا صديقه على كل ما قام به من أجله منذ أن جاء إلى المدينة .
-منزلك جميل للغاية يا ايفان
قالتها لورا عندما جاءت لزيارته وتهنئته بمنزله الجديد ابتسم لها:
-شكرا جزيلا لورا تفضلي بالجلوس سوف اذهب لعمل فنجانين من القهوة فإن الطقس اليوم شديد البرودة
ذهب ليعد القهوه و بينما هو بعدها اقتربت منه لورا واضعا يدها على يده فأبعد يده عنها وجدها تقول :
-اسفه اذا كان ما قمت به يزعجك
-لا شئ يا لورا سوف انتهى من عمل القهوه حالا
جلسا يشربان القهوة قبل أن يجد نفسه يقترب منها وضع يده على يدها و قال :
-لورا انا احبك
ابتسمت و ارتمت بين ذراعيه شعر بدفء افتقده كثيرا منذ أن جاء هذا البلد الجديد.
وقف أمام النافذة يحمل سيجارة في يده و لورا على السرير تنظر الية كان وجه حزين اقتربت منه و تناولت سيجارة هي الأخرى و سألته عن سبب الحزن على وجه رغم السعادة التي عاشها معا منذ دقائق :
اشتقت الى ايام الطفولة و اللعب مع الأصدقاء و حضن والدتي الذي كان يحتويني و يشعرني بالأمان هل تظنين أن بإمكاني العودة للوطن
وضعت لورا راسها على كتفه وقالت بكل ثقة:
-ستعود و سوف اذهب معك لانني اشتقت لرؤية بلادك فقد احببتها من حديثك عنها
قبل يدها وضمها بين أحضانه و قال :
-لورا هل تقبلين الزواج مني.
-نعم ايفان لأنني احبك منذ لقاءنا اول مره
مرت بضعة أيام وجاء يوم الزواج وصل هو و صديقه الى الكنيسة ظل ينتظرها حتى جاءت مع شقيقها شعر ايفان بالسعادة و بكى لا يصدق بأنها ستكون زوجته كما أنه كان يتمنى أن تكون معه روكسانا لتبارك له زواجه. بعد الانتهاء من مراسم الزواج قبل شفتيها ثم غادرا عائدين إلى المنزل و تغمرهم السعادة املاين في حياة جديدة بعيد عن أن ما يذكرهم بالماضي. في اليوم التالي جاء له رسالة تخبره بوفاة شقيقته روكسانا الخبر نزل عليه كالصاعقة لا يصدق بأنه قد حرم أيضا من شقيقته الوحيدة جلس يبكي و لورا تحاول تهدئته نظر لها
و الدموع على خديه :
-لقد كنت أتمنى أن أكون الآن في رومانيا كي ألقي عليها النظرة الأخيرة .
بعد مرور أيام ذهب إلى صديقة رادوي يخبره بأنه سيترك العمل وسوف يقوم بشراء عربة صغيرة لبيع الحلوى في المدينة تمنى له رادوي التوفيق :
-اذا اردت المساعدة يمكنك أن تأتي إلي و سوف اساعدك.
شكرا لك يا صديقي لقد قمت بالكثير من أجلي ولن انسى ما دمت حيا كل ما فعلته معي
بدأ ايفان يتعلم صنع الحلوى بمساعدة لورا التي كانت تشجعه وتشد من أزره ويقوم ببيعها في العربة التي اشتراها و قد بدأت تنال اعجاب كل من تذوقها حتى أصبح يأتي إليه الكثير من الزبائن
كان سعيدا للغاية هو ولورا بما يتحقق و زادت سعادته عندما جاءت لورا وهي مبتسما لتقول:
-انا حامل يا زوجي العزيز
ضمها بين أحضانه وقبلها و قد أسعده هذا الخبر بشدة و قد اقسم الا يسمح للحياة أن تقسو على طفله الذي سيأتي للعالم بعد بضعه أشهر كما قست عليه
كان يعمل بكل جهد من أجل توفير حياة أسرية سعيدة حتى جاء اليوم الذي وجد فيه رادوي يأتي إليها و اخبره بسفره خارج النمسا و أنه يعرض محل للبيع فقام بالفور شراء محل صديقه ليبدأ في توسعته حتى أصبح أشهر محلات الحلوى في المدينة يأتيه الجميع لتذوق اجمل الحلوى و رغم كل النجاحات التي يحققها لم ينسى يوم وطنه فكان يتابع اخباره دائما. بعد مرور سنوات أصبح لديه هو لورا طفلتان و هم آنا و ليزا كانا مصدر سعادته كما كانت والدتهم طيلة السنوات الماضية التي لم ينطفئ فيها الحب الذي جمع بينهم منذ اللحظة الأولى.
في أحد الأيام جاءته أنباء عن مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء رومانيا تندد بكل قوه دكتاتورية تشاوتشيسكو الذي حكم البلاد لسنوات طويلة هو وزوجته بالحديد والنار كان يتابع الأنباء القادمة من وطنه ويدعوا له أن يتخلص من هذا الجحيم الذي عاشه فيه الشعب حتى جاءت الفرحة الكبرى
عندما جلس يتابع محاكمته والتي انتهت بإعدام هذا الديكتاتور العجوز وزوجته تنفس حينها الصعداء و كاد قلبه أن يرقص فرحا و ذهب إلى لورا و قبلها :
-سيحدث كما توقعاتي يا عزيزتي سأعود و انتي معي الى رومانيا الحرة
بعد أيام قليلة عاد إلى أرض الوطن شعر في تلك اللحظة أن روحه عادت إليه من جديد بعد أن أصبح الوطن ملكا للجميع. وصل إلى قبر شقيقته و معه لورا جلس يبكي يتمنى لو كانت معه لتشاركه فرحته ولكن لم يكن باليد حيلة ليقرر الاستقرار والعمل في وطنه حتى نهاية العمر و قد عاشا سنوات حياته يغرز في بناته أن حب الوطن أسمى انواع الحب و أن الإنسان بلا وطن كالازهار دون رعاية يمكن أن تذبل و تموت .
النهاية
احمد ابوزيد
نشر في 11 غشت
2019 .
التعليقات
لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... ! تابعنا على الفيسبوك
مقالات شيقة ننصح بقراءتها !
مقالات مرتبطة بنفس القسم
جلال الرويسي
منذ 2 شهر
جلال الرويسي
منذ 7 شهر
Mariam Alsayegh
منذ 9 شهر
إلهة الأبجدية والإبداع
عزيزتي .. عزيزي.. منبر كلاود.. منبر جديد ., يسعدني أن أنشر به ويسعدني متابعتكم لكل المقالات به.. كما دعمتموني دومًا ادعموا ها الموقع العربي المؤثر .."بينما يتأوهون.. يسرقون.. يجيدون الفوتوشوب.. هاهاهاوحدي.. سر نبضه .. بهجته عبر الأكوان.. العوالم.. العصوروحده .. عشقي فاكسين..سموم شيخوخة قلوبكم الكاذبة..بلحظاته
منصور
منذ 10 شهر
عبد الرقيب البكاري
منذ 1 سنة
الخلاص
الخلاصقصة قصيرةفي ليلة موحشة وفي إحدى القرى التي لا يكترث لمآسيها أحد وفي سنوات الحرب واليأس كان الليل يوشك أن يرحل بعد عناء طويل عندما سقط رأس الأم على صدر زوجها من التعب والإرهاق ، ثلاثة أيام بلياليها وهي تضع
منى لفرم
منذ 1 سنة
حسن غريب
منذ 1 سنة
وتوالت الذكريات
قصة قصيرة /وتوالت الذكريات بقلم:حسن غريب أحمدكاتب وناقد مصر__________________________________قالت له ذات يوم : ولدى لا تغادر .. أنت جسر البيت .. نظر إلى الأفواه الجائعة فى الخارج .. كانت حبات المطر ترسم شكلاً ما فوق النافذة .. المدفأة تصدر شخيراً مخيفاً
أشرف رضى
منذ 1 سنة
nessmanimer
منذ 2 سنة
soumia kartit
منذ 2 سنة
soumia kartit
منذ 2 سنة
آلاء غريب
منذ 2 سنة
Mais Soulias
منذ 2 سنة
د. يـمــان يوسف
منذ 2 سنة
Rim atassi
منذ 2 سنة
آلاء غريب
منذ 2 سنة