جواب عن سؤال غير مطروح - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

جواب عن سؤال غير مطروح

  نشر في 15 ماي 2023  وآخر تعديل بتاريخ 11 يونيو 2023 .

    منذ نعومة أظافرنا، ولجنا المدرسة، نقرأ ونلعب ونكتب، وندرس، ولم يتبادر إلى أذهاننا بأن أغلب الأمثلة التي كان السادة الأساتذة يستشهدون بها، أثناء إعطاء أمثلة على الحالات المدروسة، كانت لا تخلو من كلمة شجرة. بل الأمر لا ينتهي ها هنا، بل زاد عن ذلك إلى أن جل الكتب التي درستها وقرأتها لا تخلو من هذه الكلمة، سواء كتب قديمة أو كتب حديثة. ولا أحد فينا تساءل: ما السر وراء هذا؟

    لذلك ارتأيت في هذا المقال أن أبحث وراء هذا السر فضولا مني، من أجل القبض ولو على جزء يسير من الحقيقة. وسأتطرق، في البداية، ولو بشكل وجيز إلى تعريف كلمة شجرة مستعينا في ذلك بما جاء في لسان العرب. وقد تناول ابن منظور دلالة الكلمة في صفحتين وجزء من صفحة أخرى، وكل صفحة مقسمة إلى ثلاثة أعمدة، يعني أنه ناقشها في سبعة أعمدة، وكل عمود يمكن قياسه بالصفحة. إذ تدور دلالة هذه الكلمة على كل ما سما بنفسه، وهو من النبات، دق أو جلَّ، وقاوم الشتاء، أو عجز عنه، والواحدة من كل ذلك شجرة وشِجرة(1) . فالشجرة إذن كل ما كان له ساق له جدور في الأرض وله أغصان في السماء وهذه الأغصان مكسوة بالأوراق. وتختلف الشجرة عن النبات في كون هذا الأخير لا يقاوم كل تقلبات الفصول الأربعة، في حين فالشجرة، على عكس النبات، تقاوم جميع تقلبات الفصول الأربعة رغم ما يطرأ عليها من تغيرات على مستوى تبديل الأوراق والثمار.

    وعودة إلى موضوعنا، يمكننا طرح هذا السؤال كفرضية لكي نعود إليها لاحقا: ألا يكمن سر هذا الخلد في السمو كما جاء في التعريف سابقا؟ لنترك هذا السؤال، ونغوص أكثر في دلالات الشجرة، و استعمالاتها المختلفة:

    جاء في قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إلَيْهِ الشَّيْطَانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ على شجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى}(2) . انطلاقا من قوله تعالى يمكن أن نستشف مجموعة من الملاحظات التي سنعتبرها أرضية لكي ننطلق منها: آدم عليه السلام كان في الجنة، وبما أن المكان الذي وسوس إليه فيه الشيطان هو الجنة، فإن الشجرة هي أيضا كانت في الجنة، وكانت من بين النعم التي أنعم بها الله على آدم، إلا تلك الشجرة المعلومة. وفي موضع آخر يقول تعالى في سورة الفتح: {إِذْ يُبايِعونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}(3) ، فسخر الله تلك الشجرة لكي يبايع المسلمون الرسول صلى الله عليه وسلم تحتها. وجاء في سورة الرحمان {والنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدان}(4) : نحن نعلم موقع النجوم في السماء والسماء من السمو والله سبحانه وتعالى لم يقم بعطف الشجر في هذا الموضع، من الآية، عبثا وإنما لِما لها من رفعة وسمو بناء على ما تقدم ذكره، فيسجد بذلك النجوم والشجر إلى الباري سبحانه.

    كما نسمع كذلك باسم شجرة الفلاسفة التي كان الفلاسفة يستضلون تحتها من حر الشمس من أجل اجتماعاتهم بناء على ذلك فهي كانت رقعة ومحطة للعلم. علاوة على ذلك يمكن النظر من زاوية أخرى فنتساءل معا: من أين كانت تصنع تلك الكراسي التي كنا نجلس عليها في الأقسام والطاولات؟ نعلم جميعا: إن مصدر الكراسي التي كنا نجلس عليها كان من سيقان وأعمدة الأشجار، إضافة إلى الطاولات، وقبل ذلك الخشب الذي يستعمل لرفع سقف المدارس، أثناء تشييدها، كان من صلب الشجرة. ألا يمكن اعتبار هذا سرا يكمن وراء خلود هذا الاسم (الشجرة) في أذهان جل من حرك أصابعه تجاه القلم ليكتب؟

    فصار اسم {الشجرة} يسيل لعاب العديد من الأساتذة الذين تتلمذنا على أيديهم وغيرهم، ولا شك أنكم ستتفقون معي، كما صاروا يستعملونه في الكتابة كذلك. ولا يقتصر استعمال هذا الاسم على العرب فقط بل تجاوز الأمر ذلك إلى العجم، فاستعملوه، كما اطلعت على بعض إنتاجاتهم، بالمعنى المقابل له في الفرنسية Arbre، وفي الإنجليزية باللفظ المقابل له Tree...

    وحاصل النظر، يمكن القول: إن السمو كان أيضا من نصيب الشجرة (الاسم)، فكتبت من أجلها تلال من الصفحات، ليس من أجل تقديم إضافة، وإنما لرفعتها وارتفاعها. فكنت أنا من بين الذين أجبلوا على تحريك أصابعهم لكتابة هذه الكلمات ونشرها.

-------------------------------------

1- ابن منظور، لسان العرب، تح عبد الله علي الكبير ومحمد أحمد حسب الله وهاشم محمد الشاذلي، م 4، مادة دول، دار المعارف، القاهرة، ط 1، د ت، ص 2198.

2- سورة طه، الآية 120.

3- سورة الفتح، الآية 18.

4- سورة الرحمان، الآية 6.



   نشر في 15 ماي 2023  وآخر تعديل بتاريخ 11 يونيو 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا