الحرف - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الحرف

سعيد تيركيت

  نشر في 10 فبراير 2015 .

الحرف

في غابة من الأفكار، يتألم الحرف. يتيه بين تلال الكلمات. يزيغ عن خط الجمل المستقيمة. يدمع لشوق الأحبة. تعترض طريقه مطبات من النقط والفواصل. تخترق صدره رماح علامات التعجب، مصيره منعرجات الأسئلة، ليعتقل في صنارة علامة الاستفهام. تختزل حياته بين مزدوجتين، في عالم من السراب، تتقاذفه أمواج النحو ليصطدم على صخور القوافي، في محيط الأفعال، حدودها عارضتان، مدها تفسير وجزرها إعراب، لتنهار قواه على صفحات الأرقام، شاكرا كل الشعراء، ساجدا أمام الكتّاب، الذين طوعوه في حقول الألغام، تحت عيون النقاد. ينتج ابتسامة تضيء كزهرة حمراء وسط ظلام دامس.

ترعرع الحرف، وسط إخوته الثمانية والعشرين، في مجتمع غير ملتزم، بالأحكام والقوانين والضوابط، متمرد على أنواع البلاغة والنثر والخطابة؛ نشأ عتيا، حتى بلغ مرحلة الكلمة، أضحى كلمات، ونضج جملا، وتقوى فقرات، وهرم حتى صار الحرف عصي النطق.

تألم الحرف كثيرا، في أوج نضجه، يرى في التحامه بإخوته، شحذا كسيف للهجاء، يروض للمدح كشبل في قفص السيرك، من أجل كلمة حق يراد بها باطل؛ فنبت جملا، اسمية وفعلية تحت ضربات معول الكسر، مرفوعا في وضع مضموم، وأنين الشدّة الجاثمة على فتحة حروف العلة، المؤدية الى غياهب السكون.

عانق الحرف الحروف على مضاجع الملذات في وجع لغوي، حبلى برموز الاستفهام والتعجب، كلما نام واو العطف على قارعة فارغة من معطوف تائه في بحور الشعر، كلما انتهك الحال في نصبه، بقوة السكين على اللسان، او اختلط نون النسوة مع نون التوكيد بدون تشنج وعنصرية، او هجرة كان، وتركها أخواتها بدون وجبة أكل، أو تضميد المبتدأ والخبر بكسور في مصحة النحو، يشفى الفعل العليل فوق سرير النص، ليزرع الفواصل ومطبات النقط، كي يجثى الأمر على ركبتيه منثورا في فوضى قبيحة، محاطا بنسور الجر... لتلد مؤنثا على وجه تشوهات خلقية، وذكرا في وضع عاق على تضاريس وتجاعيد اللغة.

حفنة من المستغورين النحاة، مستشرقون ومستعربون، نحتوا أخاديد من الجمل، اسمية أو فعلية، على قلبي. تنكروا في ضمائر تختفي حياء ً، لاستخفاف بألمي. أنا الحرف السارد في منعرجات كثيرة من النص، جمل كثيرة أشفقت الرقابة على حذفها. وهج كلماتي، ضياؤها، بوحي النادر المتعالي بحنو المساء، وأنا على هاوية عنفوان نص متربع، لا أحب استبداد الرغبة أو حارسا على مذبح التعبير... لن أضع حدا لجنوني. أرفض الخروج من هدا المضمار، هدفي الصعود إلى منصة التتويج.

طيفي يلغي عقارب زمن الوله، أشكالي امتنان لضياء حمل وجع الكتابة لألم مستكشف قواميس لغة التوهج، انزوى في معجم الحذر، عصي الفهم، أئن من مغص حاد، متشبثا بأخوتي التوائم، غني في التعريف، طائعا، خانعا تارة، مرادفا، شارحا تارة أخرى؛ صورتي كئيبة حتى في طباعتي على المعاجم والمجلدات الأنيقة المظهر، أمام حسرة روادي، وعشاقي، بمباركة ابن أبيه سيبويه، المسكون بمشاركة عشاقي سرير الصياغة، شذبا وإضافة، كلما اكتشف وقوعي في حبال المضاجعة، بلغة عشيقة على أرض الأحلام ساجدة.

تيركيت سعيد


  • 1

   نشر في 10 فبراير 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا