عُد إلى الجحيم .. ونعمَ المصير (1) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

عُد إلى الجحيم .. ونعمَ المصير (1)

  نشر في 22 فبراير 2016 .

_1_


عد إلى الجحيم .. ونعمَ المصير

السلام على من يقرأ .. ولا تتصنّعوا أمامي ردّ السلام .. هو لم يكن من شيمتكم يومًا !

اسمي .. نسيتُه بعد توالي السنواتِ عليّ دون أن أسمعه من أحد

مهنتي .. أجيد تلقي كل أنواع الضرب والرفس والذبح والرمي

أستمتع عند قلع أظافري .. وعندما تقطع أطرافي .. أبتسم

جمال الحياة يتمثل في دمائي المتناثرة أمام عيني بعد كل عصا حديدية أُسلخ بها

عائلتي .. لا أعرف عنها شيئا

أصدقائي .. لا يوجد

وطني .. الجحيم .. وهو نعم الوطن

محبوبتي .. كما قلتُ لكم .. العصا الحديدية

وأرى كل معاني الجمال والإبداع والحُسن حين تلامس جسدي بأقسى وأعنف الضربات

باختصار .. سيرتي الذاتية , بروافايلي .. حياتي الخاصة .. وكلما فيّ .. يُلخّص بكلمة واحدة

إنني "المعتقل"


_2_


إن أردتَ أن تعرفَ البداية , فهي كلُّ ما أذكره عن العالم خارج الجحيم :

خُطِفتُ يومًا وإذ بها الحكومة خاطفي .. بتهمة لا أعرفها .. ولا حتى هي تعرفها.

وأخذتني إلى الجحيم ..

ليس عليكَ أن تعرف كيف هو الجحيم .. لا أعتقدُ أن أذنيكَ الرقيقتين ستتحمّلان سماع شيء عنه

ولا خيالُك اللطيف .. لن يستوعبه .. ودع عنكَ الفضول .. فمن يدري ؟

قد تقودُك قدماك إليه يومًا .. بعد الموت !

لكني أستطيع أن أخبرَك :

الحياة .. أنا لا أحبها كما تحبها أنت .. فأنا لم أجربها يومًا

السعادة .. أنا لا أعي الفرق بين السعادة والتعاسة !

الصحة .. لا داعي لها .. فلجسدي قدرةٌ كبيرة على التحمل

الجنة .. لا أعرف .. أذكر أن والدي يومًا قرأ لي قصة عنه حينما كنتُ في الـ .. لا أذكر كم كان عمري حينها

فبالمناسبة .. أنا اختُطفتُ في عمر السابعة .. ذاك هو العمر الذي لن أنساه أبدًا

أما عن بقية السنوات .. السابقة واللاحقة لذاك العام .. فكلها متشابهة .. ولا فرق بينها !

وفي أقبح يومٍ في حياتي .. تمّ نفيي إلى خارجِ هذا الجحيم

لا أدري لمَ .. ولا أدري ما الجرمُ الذي ارتكبته !

ولا أدري لم كل هذا الظلم ! لماذا تخرجونني من الجحيم .. إلى حيث ما هو أسفلُ من الجحيم !

أخرَجوني إلى الشوارع .. إلى الباصات والسيارات والمباني والأشجار .. كنتُ أمشي لا أدري إلى أين ..

ولا أدري حتى من أين .. بدت لي الأماكنُ وكأن طيفًا اختطفني من جديد .. أيعقلُ أن الجحيم الذي كنتُ فيه .. يبعد عن هنا بضعة كيلومترات !

أيعقل أن الجحيم الذي كنتُ فيه .. يحيط به هذا المكان !

أين أنّات الألم ؟ وأين صراخ المذبوحين ؟

أين العصي التي تنهال على جلود الأطفال والكبار ؟ أين الدماء .. أين الآهات .. أين الموت ! أين الجحيم !!

كاد عقلي أن ينفجر .. وكدتُ أصرخ "أين أنا" !

لكن رجلًا أوقفني فجأة .. احتضنني .. ثم انهارت الدموعُ من عينيه كالمجنون ..

وكأنه رأى أمامه ما ينتظره منذ سنوات ..


_3_


بدأ يتمتمُ بكلماتٍ غريبة .. "أخي" .. "أخي" .. "أخي" .. وهكذا

تبيّن لي في ما بعد , أن لدي أخٌ أصغر مني بتسع سنوات .. وعن طريق صديق له صار وزيرًا في الحكومة ..

أخرجني من الجحيم

التقيتُ بأشخاص يُقال لهم "العائلة" .. أو "عائلتي" ..

كانوا قد أعدّوا الكثير من الأطباق والمأكولات التي بدت لي شهية على الرغم من أني لم أعرف ما هي أو ممّ تتكون أو كيف تؤكل ..

قالوا أنهم يحتفلون بعودتي وبعيدميلاد ابنة أخي ..

كان شيئًا جميلًا أن يحتفل أحدُهم باليوم الذي وُلد فيه !

في الحقيقة .. وفي ذلك اليوم .. لم أتفوّه بحرفٍ واحد .. لم أعرف إن كان علي أن أتكلم

لم أعرف إن كنتُ قد خرجتُ إلى عالم أفضل .. لم أعرف إن كان ذلك العالم عالمي !

لم أعرف إن كان عليّ أن أفرح .. أو أن أحزن .. لم أعرف إن كان عليّ أن أسال عن والداي الذين تبين لي في ما بعد .. أنها لم يعودا على قيد الحياة

لم أعرف شيئًا .. ولم أعرف نفسي ! .. إنني أذكر ملامح بسيطة عن وجه الطفل الصغير حينما كانت أمه تسرح له شعره أمام المرآة ..

وقد نظرتُ في ذلك اليوم إلى المرآة .. لأول مرة بعد ثلاثين سنة .. هكذا أخبروني .. أنني اختفيت من حينها ..

لقد رأيتُ فيها وجهًا مجعّدًا أسمرًا ملطخًا بسوادِ الجحيم وحُمرة الدماء .. شعرًا أبيضًا .. ملطخًا بالسواد

لحيةً بيضاء طويلة شعيراتها مختلفة الأطوال مقلمة بطريقة عشوائية

إنني لم أرَ وجه ذلك الطفل .. الشيء الوحيد الذي كنتُ أفكر فيه دائما .. لا أستطيع أن أراه !

الشيء الوحيد .. الذي برغم كل ما عاينتُه في الجحيم .. ما كان يغيبُ عن ذهني يومًا ..


  • 1

   نشر في 22 فبراير 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا