كانت تنتظره كعادتها في الشرفة ، تنتظر أن تراه خِلثة في الظلام ، لتملئ به عينيها ، وترنو إلي ظله بكل جوارحها ، كانت تنظر إلي طيفهُ كأنها تُرسل إليه رسائل عبر نسمات الهواء فكتبت :
" إليكَ مُعذبي ، لقد شعرتُ باليتم منذ أن أصبحتُ "أُخري " ، عابرة سبيل بين الأحبة ، الحياة تضيق بي مثلما ضاق قلبك عليّ ، رغم اتساعه فإنه لا يحمل إلا حبك لها ، أعذرني ربما خانتني كلماتي اليوم ، لكن شعور الخُذلان ينتهكني ، لعل كلماتي تواسيني وتعزي قلبي فيك "
أحبتهُ منذُ نعومة أظافرها ، تعلمت الحب لأجله ، كانت الشاهد الأول علي قصته معها ، كان يستعين بي في كتابة جوابات لها ! " يا لك من وقح يا عزيزي !!"
كنت أكتب إليها و عيني تزرف و قلبي ينزف ، أكتبُ إليها ما أتوق شوقاً لسماعه منه ، رغم ألمي لكني كنت أسعد لأجله ، كذلك الحب يا عزيزي !
.................................
قابلته في الجامعة بعد أن أنهت محاضراتها .
أحمد : إزيك يا رحمة عاملة إيه .
رحمة: الحمدلله يا أحمد وانت أخبارك إيه .
أحمد : الحمدلله تمام ، إيه يبنتي بقالي كام يوم مش بشوفك اومال لو مكناش جيران بقا ؟
رحمة: معلش يا أحمد كنت مشغولة شوية في المذاكره.
أحمد: طيب تعالي اقعدي معانا أنا ورنا في الكافتريا .
رحمة: لا معلش يا أحمد مره تانية.
أحمد: ليه كدا يا بنتي ، مالك يا رحمة بقالك فترة مش عجباني هتخبي علي أنا بردو ده انا أخوكي يا بت .
رحمة: آه طبعا أخويا .
أحمد: طب احكيلي بقا مالك ، مين اللي مزعلك وانا اطحنهولك .
رحمة: ابتسمت إليه بوهن ، مافيش حاجه والله يا أحمد تعبانة شوية بس و محتاجة أروح ، المرة الجاية هبقي اقعد معاكو ان شاء الله .
أحمد: طيب علي راحتك ، خدي بالك علي نفسك .
رحمة: حاضر يلا سلام .
" فرت من عيناها دمعة حرقت وجنتيها ، ألست أنا أحق به وبحبه منها "
وصلت إلي المنزل ودخلت غرفتها ، انخرطت في بكاء مرير ، اتصلت بصديقتها هبه .
-لازم تنسيه ، ارحمي قلبك يا رحمة ، هو مبسوط معاها و بيحبوا بعض ، تعلمي النسيان حبيبتي .
- مش قادرة يا هبه والله ما قادرة.
-لأ لازم تقدري يا رحمة ، لازم تفوقي بقا ، عارفه إنك بتحبيه من بدري والموضوع مش سهل ،بس أوعديني تحاولي يا رحمة .
- حاضر يا هبه حاضر .
.................................
تذكرت بيت قرأته يوماً للمتنبي" مالي أكتم حباً قد بري جسدي " ، نعم فحبه قد بري قلبي وروحي وجسدي ،لكني قد قررت النسيان أو التناسي لا أدري .
لكني سأسمح لنفسي أحياناً أن أحبه بعض الوقت في رواياتي ، ربما يحبني فيها ، سنعيش قصه حب أسطورية ربما !
انقطعت عن الجامعة فترة ليست بقصيرة ، لتنفيذ إحدي محاولاتي البائسة لنسيانه ، انعزل عن العالم فقط أعيش بين رواياتي و أوراقي التي اكتب فيها خواطري و عبثي .
لم أعد انتظره في شرفتي ، لكنه لا يغيب عني لحظة ، حقاً إنها محاولة بائسة ، لكن لابد منها .
...............................
-تعالي يا رحمة سلمي علي خالتك أم أحمد .
-ازيك يا طنط عاملة إيه .
- الحمدلله يا حبيبتي .
- ألف مبروك يا أم أحمد عقبال ما تفرحي بعياله
" أحست بأن الأرض تميل بها ، خطبها ؟ "
- الله يبارك فيكي يا حبيبتي عقبال ما تفرحي برحمه.
- ألف مبروك لأحمد يا طنط ، عن اذنكوا عشان ورايا مذاكره .
...........................
- خطبها يا هبه خطبها .
- اهدي يا رحمة ما أحنا كنا عارفين أن طبيعي ده يحصل .
- مش قادرة حاسة روحي بتتسحب مني يا هبه .
-قومي اتوضي واستهدي بالله وادعي ربنا يخرجه من قلبك يا رحمة ، أحمد مش نصيبك .
" توضأت ولبست إسدالها ، فرشت سجادة الصلاه و شرعت في صلاتها ، حتي خرت قواها و سالت دموعها ، يارب طلعه من قلبي يارب ، أنا حافطت علي نفسي عشانك ، برد قلبي يارب واشفيني منه ، أنا قلبي بين إيديك يارب عايزه انساه ، ساعدني يارب "
انهكها البكاء حتي راحت في نوم عميق ، ما إن استيقظت حتي قررت أن تحرق كل بقاياه و تنثر رماده من شرفتها ، مزقت الأوراق التي ذكرتهُ فيها ، أسدلت ستائر شرفتها إلي الأبد ، ارتدت ملابسها في ثبات وصمود استغربته وذهبت للجامعة لم تخشي أن تقابلهم معاً هذه المرة .
وجدته يجلس معها في الكافتريا .
- صباح الخير .
- صباح النور .
- ألف مبروك ، فرحت أوي علشانكوا .
- الله يبارك فيكي ، عقبالك أنتي تستاهلي كل خير يا رحمة والله .
- ايوه أنا أستاهل .
" أستاهل لأن أنا اللي اخترت أحبه ، وأستاهل كل خير عشان أنا عمري ما اتمنيتله غير الخير "
#ندي_نديم