غريب أمري فعلاً ، أمارس الحمق بشتى أنواعه وأنا على دراية به ، فأنا أعلم أن لكل مشكل حل لكنني أجعل من الحل مشكل ، وأعلم مسبقاً الصواب و أفعل دائماً الخطأ ، أتجاهل كل النصائح وبمثلها أنصح الصالح والطالِح ، أعلم ما أريد وأفعل ما لا أريد ، أفعلا أنا العاقل الأحمق ؟؟
لقد كرمني الله سبحانه وتعالى عن باقي الخلق بنعمة العقل ، بها أستطيع التفكير والتحكم بالعواطف والمشاعر والسيطرة عليها ، وبها أستطيع التحليل والتفسير والتمييز ، فالعقل مرتبط بصفة مباشرة مع الحواس الخمس التقليدية ( البصر والسمع والشم والتذوق واللمس ) ، لأنه وبكل بساطة يتلقى المعلومات عبر هذه المنافذ الخمس إذ لولاها لما كنت إنسانا ، يقول عز وجل في سورة الحج " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ " (46)
ولكن على ما يبدو فأنا لا أجيد توظيف هذه البوصلة لتوجيه حواسي نحو الإدراك الإيجابي ، والسيطرة على سلوكاتي ومعاملاتي اليومية لتحقيق نوع من التوازن لأن الكمال لله عز وجل ، لذلك قيمتي الإنسانية تتجلى في العقل ، لو أحسنت توظيفه لما شقيت لا في الدنيا ولا في الاخرة ، فكثيرا ما أبحث عن الراحة النفسية وأعلم أنها في الصلاة ، ولكن أثناء صلاتي أشغل تفكيري بأمور الدنيا ، بل الأبعد من هذا ، قد أسرع في تأدية أعظم أركان الإسلام لمشاهدة مقابلة في كرة القدم طرفيها من الظفة الأخرى لا يعلمون عني شيئا ، وأغلب أوقاتي فراغ عدو الإنسان الأول ، أقضيها تائها وسط الموقع الأزرق ذهابا وايابا بين أحضان زحمة من المنشورات التي لا تمسن ولا تغني من جوع ، وفي المقابل هناك على الرف أعظم كتاب في التاريخ شامل لكل مناحي الحياة يكسوه الغبار '' القران الكريم '' ، لم أفتحه منذ شهر رمضان الفارط ، فالجبل في غلظته وقساوته ، لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه ، لخشع وتصدع من خوف الله عز وجل ، فكيف لي أنا هذا العبد الضعيف أن أفرط فيه ، سامحني الله . يقول الله عز وجل في سورة الحشر '' لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) '' .
بإمكاني أن أستغل وقتي أثناء جلوسي بمقهى الحي ، لتصفح الجرائد والإطلاع على جديد العالم في المجال الإقتصادي والإجتماعي والسياسي ، وقراءة روايات وكتب لأغني رصيدي من المعلومات ، ولكني أتباهى بسجارتي وأنا منكب بغبائي على هاتفي الذكي أطلع على اخر صيحات الهواتف والملابس وقصات الشعر ، فحتى جسمي لم يسلم من حماقاتي ، ففي الوقت الذي يحاول فيه الخلود للنوم والحصول على حقه من الراحة ، أقمعه وأقاومه بعنف وأجبره على ما لا طاقة له به ، كل هذا لعيون ألعاب الفيديو والأفلام المليئة بالمشاهد المنحطة للكاسيات العاريات ، والعجيب في الأمر ، هو أنني أمتتل لرغبة جسدي في النوم مع أذان صلاة الفجر ، يا حسرتاه كم ضيعت على نفسي من الأجر والثواب .
فعلا أنا عاقل أحمق فقدت البوصلة وضيعت الطريق ، ولكن إلى متى سأواصل التوهان؟ لا لا ، لن أواصل على هذا الطريق يجب أن أعيد تفعيل بوصلة العقل بالعلم لأتصالح مع نفسي ومع من حولي وأبني شخصيتي على أساس سليم ، حتى لا أكون عالة على نفسي وعلى المجتمع ككل .
يقول الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم وإذا أردت الاخرة فعليك بالعلم وإذا أردتهما معا فعليك بالعلم ، فالجاهل يفعل بنفسه ما لا يمكن أن يفعله به عدوه .