أفيون عمّال العالَم؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

بحث عن الذات و ليس جلدا للذات:

قبل التقاعد كنت أظن أن أصدقائي لِي (درويش)، و العلم لِي، والثورة لِي، و اليسار لِي، و النضال النقابي لِي، و المعارضة السياسية لبورقيبة و بن علي لِي، و التقدمية لِي، و العقلانية و الحداثة لِي، و الحظ و المنطق معي.

بعد التقاعد تخلى عني البعض و تخليت عن الباقي و لم يعد أي شيء لي و لا معي.

لب الموضوع:

يبدو لي أنه كلما زادت نضالية المناضلين القياديين النقابيين المحترفين المتفرغين، زادت معها سلبية العمال على المستوى الفردي. و من سوء حظ هؤلاء الأواخر المستضعفين في الأرض، أنهم منحوا ثقتهم للأوائل الانتهازيين المتعطشين للسلطة، فوجدوا أنفسهم تابعين مستلَبِين منهوبين مسلوبين من مالكي وسائل الإنتاج (الدولة و الأعراف) و من ماكينة النقابة.

لم يكتشفوا بعد أن جل المناضلين القياديين النقابيين المحترفين المتفرغين يشتغلون "خَمّاسة" عند مشغليهم و مؤجريهم، الأعراف العموميين و الخواص، لقد قبل هؤلاء الأبطال الأشاوس و رضوا - بتودد و دون تردد - بالعيش تحت نظام سياسي لا يحرمهم - هم فقط لا غير - من متعة مشاركته بعض سلطته و لا يبخل عليهم ببعض الامتيازات المادية مقابل الخيانة و الانتهازية.

جل العمال و الموظفين الفقراء التونسيين يمارسون مهنة و يقبضون أجرا متواضعا و يعِدهم ممثليهم المناضلين القياديين النقابيين المحترفين المتفرغين بوضع أفضل، و في جل الحالات يتقاعدون بأجر زهيد في وضعية اجتماعية أسوأ.

جل المناضلين القياديين النقابيين المحترفين المتفرغين لا يمارسون مهنة سوى الدمغجة و الانتهازية و يقبضون أجرا و منحة و امتيازات من العرف الذي يدجنون و يروضون العمال لخدمته، و في جل الحالات يتقاعدون بأجر محترم في وضعية اجتماعية أفضل.

ينتظر العمال واهمين من المناضل القيادي النقابي المحترف المتفرغ المثقف (موظف منتج للدمغجة) أو المتثقف (عامل ناقل للدمغجة) أن ينسلخ من طبقته الوسطى، البورجوازية الصغيرة، و ينظمّ إلى طبقتهم الدنيا، البروليتاريا، و يلتحم بهمومهم و يدافع عن حقوقهم، فإذا ببطلنا المغوار يلبي بالفعل رغبة "ناخبيه" و ينسلخ من طبقته، لكنه ينسلخ ليصعد إلى الطبقة العليا لا لينزل إلى الطبقة السفلى: جل أعضاء المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل من أصل عمالي يدوي ينهون مهامهم النقابية الوطنية برتبة مدير عام في الشركة المشغلة عن طريق الترقية المهنية، أما الأعضاء أنصاف المثقفين فقد يسعفهم الحظ و يواصلوا "النضال النقابي الأممي" خارج الوطن بمرتب شهري بالعملة الصعبة يفوق شهرية رئيس الجمهورية التونسية (30 ألف دينار تونسي).

أما الخلاصة التالية فَلِي:

الاستحقاق الوحيد الذي أسنده شاكرا للمناضلين القياديين النقابيين المحترفين المتفرغين: إنهم يؤخرون أو يؤجلون الثورة الدموية إلى موعد غير معلوم.

لكنهم في الوقت نفسه يختطفون الأمل من عيون العمال الحالمة بغد أفضل.

يبدو لي أن نضالية أو وساطة المناضلين القياديين النقابيين المحترفين بين المستغِل و المستغَل تمثل "أفيون العمال و الموظفين الفقراء" في تونس و في العالَم أجمع.

يبدو لي أن النضال النقابي تطوعي مجاني و وقتي أو لا يكون.

ملاحظة: للأمانة العلمية استوحيت بعض الفكرة و بعض الأسلوب من "أفيون المثقفين"، ريمون آرون، 2010.

إمضاء م. ع. د. م. ك.

يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد الهدام المفيد.

لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 24 أوت 2014.