بلغ السيل الزبى
للكاتب فريد أبوسرايا
لا يطير البحر ولا يحطّ إلاّ حيث تدعو الحاجة التي قد تكون سيلاً جارفاً أو ريّاً منعشاً .
ميخائيل نعيمة
بين الفينة والفينة تغير الأسود على المملكة ، وتعيث فيها فساداً . في واقع الأمر ، لم تكن المملكة بحاجة إلى مزيداً من الفساد فقد كانت تعج بالفاسدين والمفسدين الذين يزيدون عن حاجة الفساد ليبلغ مراده ويتم رسالته . لم يكن هناك بد من التعامل بجدية مع هذا الخطر الداهم الذي يهدد سلامة المملكة ، ولحماية مملكته من نيوب الليوث وابتساماتها قام الملك بحفر بعض الزبى على قمم بعض الربى المحيطة بمملكته ، وغطاها بأغصان وأوراق الأشجار من أجل الإخفاء والتمويه .
في جنوب المملكة يقع سد ( نازف ) ، وكان هذا السد يحجز مياه السيول ، ويحول دون أن تغمر هذه المياه أراضي المملكة . على أية حال ، لم تكن المملكة بالمدينة الفاضلة ، أو اليوتوبيا التي حدثنا عنها توماس مور ، وكانت الأخطار تتهددها من الخارج ومن الداخل على حد سواء ، فإذا كانت الأسود تشكل خطراً داهماً عليها من الخارج ، ففي الداخل أفاعي تتلوى وتتقلب، ولكن الأدهى والأمر ، أن سرحاناً كان يسرح على المسرح ، ولا يريد أن يبرح قبل أن يجرح .
أراد أحد أفراد الحاشية الملكية أن يبني طريقاً يصل إلى مزرعته ، فقام بالإعتداء على سد نازف ، ونزع بعض حجارته ليستغلها في بناء طريقه . وبذلك أفسد السد ليبني طريقاً ، فكان البناء متأسس على الدمار أو كما يقال على جرف هار.
أنفتحت السماء فكأنها أفواه قرب ، وأمطرت كما لم تمطر من قبل ، وكان البرق يخطف الأبصار ، وهزيم الرعد يصم الأذان ، تشبعت الأرض بالماء ، وبدأت البرك والغدران تتشكل على سطح الأرض ، وأزداد منسوب الماء في البرك إلى درجة أنه أخذ يسيل . تدفق السيل في مجراه ، وطفت على سطحه بعض العلاجم التي بعثها الماء إلى الحياة ، وأخذت تلك العلاجم تنق وهي فرحة مسرورة بقدوم الماء .
أصطدم السيل بسد نازف العليل ، ولكن في هذه المرة لم يصادف السيل درءاً يصدعه . نزف سد نازف فكان نزيفه نزيفاً داخلياً نخر جسم مملكة بأكملها .
طغى الماء حتى غمر الربى ودمر الزبى المحفورة هناك ، وأفسد تدابير الملك لإصطياد الأسود . أنزعج الملك مما فعلته هذه الجائحة بالزبى التي حفرها ، فقال مقولته الشهيرة ( لقد بلغ السيل الزبى ) . أدرك الملك أن هناك خطراً كامناً في مملكته أسوأ من الخطر الذي تشكله الأسود .
لقد وقف الملك لوحده في مواجهة هذه الأخطار، ولكن السرحان كان يعدو بجد في المضمار ، ولم يجد في طريقه كلابا تنبحه وتحمي الذمار ، وقد قيل ، لو أن الملك ربى كلاباً لنبحت عنه ، أو كما قالت نازك الملائكة :
أما في ديار العروبة كلب فينبح
أما من نعاج فتنطح؟