لا يزالُ واقفاً على عتبةِ الغرفة ، نظر نحو الممرِ الذي يبدو مظلماً أكثر ممّا هو عادةً ، لا يبدو الطريقُ طويلاً نحو المطبخ ، يحتاج بعض الشجاعةِ وينتهي الأمر ، يتذكّرُ أنّهُ عندما كان طفلاً ، كان يجلسُ على الأرجوحة للجهة المعاكسة ، بعكس جميع الأطفال ، وها هو اليوم يديرُ ظهرهُ للحياة ، يحبّ أن ينجز كلّ شيء بشكلٍ مختلف ، وكان ذلك سبب طردهِ من آخر وظيفةٍ له ، كان ذلك منذ عامٍ تقريباً ، وكان ذلك سبباً ليقوم والدهُ بإبعادهِ عن منزل العائلة ، كان ذلك منذ خمسةِ أعوامٍ تقريباً ، وكان قد أحبّ زوجته بشكلٍ مختلفٍ للغاية ..
يكرهُ التقليد ، وكلّ ما هو تقليدي ، يفكر ، كيف يمكنُ أن يُتمّ الأمر بشكلٍ مختلف ، وهل هناك موتٌ مختلف ؟! ، هناك طرقٌ مختلفة ، وأسبابٌ مختلفة ، ونتيجةٌ واحدة ، يعلمُ تماماً أنّهُ سيكون شخصاً مشهوراً غداً ، حيثُ أنّ فعلتهُ التي هو مقدمٌ عليّها مادةٌ دسمةٌ للصحف والمحطّات التلفزيونيّة والإذاعيّة ، يشعرُ بالجملةِ المعهودة تتردّدُ حوله (( لا تريني وجهك بعد الآن )) ، سمعها مرّاتٍ ومرّات ، وفي كلّ مرّة يشعرُ أنّه يسمعها بدقةٍ أكبر ، وبوضوحٍ أكثر ، وبنبرةٍ أقربُ إلى الزعيق ، كانت آخر مرّةٍ منذ خمسِ دقائق ، قالتها زوجته المحبوبة بينما هي تحزم أمتعتها قبل أن تغادر المنزل الذي سيكون ساحة جريمةٍ بعد قليل ، لا يزالُ متردّداً ، خطرت لهُ الفكرة منذ أيام ، بعد أن كان يريدُ الذهاب للبحث عن عمل ، ولكنّه تذكّر أن حذاؤه مهترئٌ للغاية ، ولا يصلحُ للاستعمال أبداً ، فغيّر رأيهُ وعاد أدراجه ، إنّها فكرةٌ تراودهُ كلّما شعر بالجوع ، وكلّما رأى نظرات الازدراء التي تطلقها زوجته نحوه بين الفينة والأخرى بينما هو لا يملك من أمره شيئاً ، يؤمن بأنّ حظّه عاثرٌ لدرجةٍ مخيفة ، عاد للنظر نحو الممر ، يزداد ظلمة ، كأنّ الستائر تُسدل من تلقاء نفسها ، واضعةً حدّاً للنور الكاذب الذي يتسرّبُ من النوافذ ، كان يأملُ أن يكون مخرجاً مسرحيّاً ، أو كاتب سيناريو على الأقل فهو يعتقدُ أنّه ينظرُ إلى الأمور بمنظورٍ فنيّ ، تذكّر أنّ عليه الاتصال بالشرطة والإسعاف ، لكي لا يكون مشهد موتهِ آخر مشاهدِ المسرحيّة ، سارع إلى الهاتف واتصل ، ادّعى أنّه أحد سكان الحي ، وأنّ جارهُ قد انتحر في الشقة المجاورة – أي شقته - ، تنهّد ، لقد أنجز قسماً كبيراً الآن من الجريمة ، لم يتبقى إلّا الذهاب إلى المطبخ ، إنّه مصرٌّ على المطبخ ، مشى ومشى ، شعرَ أنّ الطريق طويلٌ للغاية ، يخطو ويخطو ، ما هذا الدرب اللامنتهي ؟! ، وصل أخيراً ، أسدلَ ستارة المطبخ بيدٍ مرتجفة ، يتردّد ، تناول السكّين الكبيرة ، رفعها ، تردّد ، رفعها وأنزلها عشرات المرات ، قبل أنّ تبدأ صفارات سيارات الشرطة تتبادر إلى مسمعه ، عليهِ أن يُسرع ، هيّا ، أغمض عينيه ، بدأ بابُ الشقة يُدقُّ بقوّة ، نظرَ حوله سريعاً ، عليهِ أن يتمّ الأمر ، تناول بصلة وبدأ بتقطيعها ، قطّع وقطّع وبكى ، بينما باب الشقة يُكسر ، وفعلاً قد غدا مشهوراً ، فبينما هو يقضي يومه الأوّل في مصحةِ الأمراض العقلية كانت الصحف قد عنونت وأصبح معروفاً بـ " المجنون الذي ظنّ نفسه بصلة " ..
-
سامر النجارأعيشُ على هامشِ الحياة ، أقتاتُ الكلمات ، وكلُّ ما لدي قلمٌ وبضعةُ أوراقٍ وعشرون عاماً على هذا الكوكب .