جرعات حنان(1) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

جرعات حنان(1)

قصة قصيرة الجزء الأول

  نشر في 26 ديسمبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

في إحدى الصباحات الماطرة للمدينة الألمانية "كولونيا" استقلت "توليب" حافلة كبيرة وكان مسارها إلى مدينة "بون"، ودت أن تجلس قرب النافذة ولكن جميع المقاعد ممتلئة، جلست في المقعد الأخير إلى جانب شاب يلقي رأسه على ظهر المقعد مغلق العينين "ربما كان نائماً"، وفي حضنه فتاة صغيرة.

بعد عشر دقائق من الانطلاق تسللت رياح قوية من نافذة الحافلة تسببت بتطاير جزء من وشاح "توليب" على وجه الشاب النائم .

أفاق الشاب وأغلق النافذة بإحكام، ثم نظر إليها وقال لها: هل أنتِ من بلاد الشام؟ نظرت إليه بتعجب وقالت: وهل أنت عربي، وكيف عرفت أنني من بلاد الشام، قال لها: ربما رائحة المدينة ملتصقة بك، هل تغسلين وشاحك بالياسمين.

صمتت "توليب" وابتسمت بخجل، ثم قال لها: أنا "ريان" من "الكويت" وهذه ابنتي "رهف"، قالت له: ما أجملها من فتاة وكم عمرها، رد عليها "ريان" قائلاً: ثلاثة سنوات.

بدأت الفتاة الصغيرة تلعب بشعر "توليب"، أخذتها "توليب" ووضعتها في حضنها وبدأت تلاعبها كي تقضي على بطء الوقت، وإذ بالصغيرة تقول لتوليب هل أنتِ ماما؟.

قال "ريان": أمها توفت أثناء ولادتها، وعندما تسألني عنها دائما أقول لها ستلتقي بها ذات يوم في حافلة ما، لهذا اعذرينا أرجوكِ.

قالت "توليب": حسناً أنا أسفة ثم نظرت إلى الطفلة بإشفاق وقالت لريان: هل تشتاق إلى زوجتك.

"ريان": طبعاً.... ولكني رأيتُها منذ عشر دقائق عندما غفوت قليلاً، رأيت نفسي أحضنها مرتدي ثوب أبيض يشبه ثوبها، ولكن سوء الطقس جعل وشاحك يوقظني، ثم صمت قليلاً وكأنه يرمم ذاكرته، كما شعر أن قوته تخور ثم بدأ يتنقل بالذكريات إلى أن وقف عند لحظة فراقها، بدت ملامحه تائهة بعض الشيء، ربما تضاعف إحساس الشوق لديه، كما كانت نظراته مخيفة نوعاً ما.

نظراً لطول الطريق تسامرا "ريان" و"توليب" الأحاديث، حيثُ بهذا لا يشعران بالوقت، كما كان "ريان" مشتاق إلى عروبته، فمنذ مدة طويلة لم يتحدث إلى أحد باللغة العربية.

قال "ريان" وهو ينظر إلى "رهف": هذه الفتاة هي كل حياتي، ليس لها أحد غيري هنا، باقي العائلة في "الكويت" ولن أعود إلى هناك، ولم يذكر السبب.

قالت "توليب": أنا أدرس الفنون الجميلة في السنة الأخيرة، وأعمل في متحف الشوكلاته بعد دوام الجامعة.

أظن أن "رهف" تشبه أمها فهي بعيدة كل البعد عن الملامح التي تمتلكها.

توتر "ريان" ثم أجاب في ارتباك: نعم أجل إنها نسخة صغيرة عن أمها، أنظري إليها فقد غفوت في أحضانك.

للحظة حدث ما لم يكن بالحسبان... أنه الطوفان المفاجئ، بدأت حالة الذعر تنتشر بين الركاب، كما بدأت السيول تجرف الحافلة شيئاً فشيئا، وبدأ كل شخص بالحافلة محاولات جاهدة بالنجاة.

جرفت السيول "ريان" وكانت أخر كلماته: "رهف"... "رهف".

أما "توليب" نجحت بإنقاذ الطفلة "رهف" وإنقاذ نفسها.

جاء اليوم التالي...

عم الهدوء في المدينة على أثر تلك الحادثة، حيثُ أن الموتى كثر والمفقودين أكثر، حضنت "توليب" "رهف" بكل قوتها واحتوت بُكائها وصراخها ثم بدأت تفكر ماذا ستفعل مع هذه الطفلة الصغيرة هي وحيدة الآن.

لن تستطع رميها على رصيف الانتظار أو تعرضها لهمس العابرين على الطرقات، كما كانت ترى وجهها كأن به شيء من الجنة، كيف تتركها تذبل في هذا الجحيم، كانت الطفلة تبدو كياسمينة فارسية لن يحل عليها الأمان يوماً.

أعادت "رهف" السؤال على "توليب" للمرة الثانية قائلة: هل أنتِ ماما، أشفقت "توليب" على الفتاة الصغيرة، وقالت لها: نعم يا حبيبتي.

"رهف": أريد أبي.

قالت "توليب" بصوت يتخلله السلام: حسناً.. بابا "ريان" ذهب إلى السماء ليعيش بين النجوم.

أوسا".""رهف" : أريد أبي

"توليب": عزيزتي ماذا تقولين!، كم أنتِ صغيرة يا حبيبتي كيف لي أن أشرح لكِ.

لم تستطيع "توليب" نسيان وجه "ريان" وهو يتلاشى بالماء، أصبحت تقول في ذاتها: يا إلهي كيف لي أن أترك تلك الفتاة الصغيرة، ثم قررت الاحتفاظ بها، وأخذتها معها إلى سكن الجامعة حيث تقطن.



  • 8

   نشر في 26 ديسمبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

عندما نصطحب من يحتاجون المرافقة نشعر بأننا حقا نقدم شيئا ما ، ابدعت في وصف القصة .
0
سهام السايح
شكرا لك من كل قلبي
محمود بشارة
عفوا يا سهام اصابت سهام كتاباتك قلوبنا وعقولنا .

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !


مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا