بعد حديثنا في الانطباع السابق عن الثقة ننتقل اليوم إلى الأسرة ، فلا يخفى أن كل مجتمع هو نسيج من الأسر المتعددة المترابطة المتآلفة ، و لعل الأسرة مجتـمع صغير على قـدر تآلفها و انسجامها و حـسن تواصلهـا و تعاملها مع غيرها من الأسر يكون تآلف المجتمع و انسجامه و حسن تواصله و رقيه .
و اليوم و نحن نرى كيف يفقد المجتمع حياته لا بد أن ندرك و نعي أن الأسر فقدت حياتها منذ زمن بعيد إلا نسبة قليلة منها ، فهي لم تعد ذلك المكان الآمن و الحضن الدافئ بقدر ما أصبحت مأوى للمبيت المشـترك و الأكل المشترك و قد يكون هذا الأخير نادرا فيها أيضا ..
لقد تهدمت الأسر بما تم صنعه و تسويقه من الصراعات الوهمية المتخيلة ما بين الرجل و المرأة ، اللذان أضحيا بفضل الثقافات الجديدة عدوان يتصارعان ، و أصبحنا نقرأ هنا و هناك عن حقوق المرأة و حقوق الرجل و حقوق الطفل دون أن نسمع عن حقوق الأسرة و بنائها .
أصبحنا نسمع عن صراع المرأة و الرجل و لا نعلم شيئا عن تآلفهما .. أصبحنا نناقش كل حين صراع الأجيال و خلافات الأبناء و الآباء دون أن نعي أن ذلك يمضي في طريق هدم الأسرة عبر شعارات رنانة و عبر كلمات حق يراد بها الباطل .
لقد صار أفراد الأسر كأنهم مجموعة من الناس الذين تقابلوا صدفة في جزيرة مهجورة مما اضطرهم قصرا للصبر على تواجدهم معا حتى تأتي سفن تجليهم كل إلى وجهته .
الأب يضحك و يلهو مع رفاقه و زملائه في المقهى أو العمل ، فإذا دخل بيته دخل عبوسا مكشرا لا يكلف نفسه عناء ابتسامة و لو مصطنعة ..
و الأم تمضي يومها ما بين ثرثرة النسوان و المسلسلات و المطبخ ، قاصرة كل مهماتها على إعداد الطعام و غسل الملابس
و الابن أبعد ما يكون عنهما و عن البيت ، فإذا عاد أغلق عليه بابه و تسمر أمام التلفاز أو الحاسوب أو الهاتف على الأقل .
فكيف يحيى المجتمع و الأسرة تكاد تفقد معناها ؟ ، و أين نحن من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم : " خيركم خيركم لأهله ، و أنا خيركم لأهلي " أو كما قال عليه الصلاة و السلام .
محمد أكزناي