لا يستوي الظل و العود أعوج .
نشر في 15 يونيو 2015 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
( لا يستوي الظل و العود أعوج )
بالأمس القريب .. استضافتْ إحدى القنوات الفضائيّة العربيّة على نشرة الأخبار أحدَ المسؤولين على
ميدانالفكر والإبداع ألا وهو وزير الثقافة لتلك الدولة و ذلك منْ أجل إعطاء رأيه حول موضوع ما .. إلاّ
أنّ معالي الوزير المحترم و رغْم أنّه كان يعتمد بين الفينة والأخرى على المقروء .. إلاّ أنه و في مشهد
غريب و عجيب .. كان في صراع محموم و محْتدم مع اللّغة العربيّة التّي لاكمها بعنف شديد و بدون أيّة
رحمة و بدون أدنى حياء .. فجعل غير ما مرّة الفاعل منصوباً .. و الحال مرفوعاً .. أمّا النّواسخ فكانت
تصرخ و تستغيث مرّة بأبي إسحاق الزّجّاج ومرّة بمحمد السّرّاج ولا منْ يصحّح أو يُغيثْ ولا حول ولا
قوّة إلاّ بالله ..و المُضْحك المُبْكي .. أنّ سيادته كانتْ عيناه جاحظتين أمام عدسة ( الكاميرا ) وبدون خجل
كان يرشقنا بابتسامات (دونجوانيّة) لا تستحقّ والله إلاّ الردّ عليها بالطّماطم النّيئة .
أليس من عجائب الدّنيا أنْ تُحيل وزيراً للثقافة على برنامج من برامج محْو الأميّة ؟
سيُجيبني اللّبيبْ : تلك ما هي إلاّ شجرة تُخفي من ورائها غابة .
نعم هذا صحيح .. ففي أغلب الدول العربية عموماً و المغاربيّة خصوصاً يلاحظ أنّ المشهد الثقافي يعاني
من حساسيّة مفرطة من اللغة العربيّة و الخلل و العيب ليس أبداً من عظمة هذه اللغة بل العيب ممّن
استفردوا بملف الثقافة في هذه البلدان أو تبوّأوا مناصب تنفيذيّة تهمّ الشّأن الثقافي حيث و لغاية في
نفس يعقوب .. عملوا على تهميش دور هذه اللغة في أخذ مكانها اللائق بها .. و لذلك انقلب المشهد
الثقافي رأساً على عقب .. حيث وجد كثيرٌ من المثقفين أصحاب الغيرة على لغتهم .. وجدوا أنفسهم في
خانة ( الكومبارس ) في حين اليوم و مع الأسف الشديد فالمشهد الثقافي العام يتصدّره كثيرٌ من النطيحة
و كثيرٌ من المتردّية بل و حتى ممّن عاف منهم السبع .. طبعاً و بالتزاوي فالفن كقيمة ثقافيّة هو الآخر
تأثّر سلباً بالمنحى الذي رُسم للثقافة عموما .. ذلك أنّ تهميش لغة الضّاد عمداً سيزيد من إفراز قوالب
هجينة و مريبة لا طعم و لا لون و لا رائحة فيها .. فهل يستوي الظل و العود أعوج ؟
من أقوال المفكّر الإيطالي الكبير ( كارلو نلينو ) و الذي طبعت محاضراته عن «تاريخ الآداب العربية من
الجاهلية حتى عصر بني أمية» يقول في إحدى هذه المحاضرات :
( اللغة العــــربية تفوق سائر اللغات رونقا .. ويعجـــز اللسان عن وصف محـــــــاسنها )
أمّا طه حسين :
( إن المثقفين العـــرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا ناقصي الثقافة فحسب
بل في رجولتهم نقص كبير و مهين أيضاً )
بقلم : تاج نورالدين .
-
تاج .. نورالدين .محام سابق- دراسات في الفلسفة والأدب - متفرغ الآن في التأليف والكتابة .- محنك في التحليل النفسي- متمرس في التحليل السياسي- عصامي حتى النخاع- من مؤلفاته :( ترى من هذا الحكيم ؟ )- ( من وحي القوافي ) في ستة أبواب وهو تحت الطبع .- ( علم ...