مما لا شك فيه أن القضية الفلسطينية تعتبر الاهم والقضية المحورية الاولي للشعوب العربية كافة بل للشعوب الاسلامية ايضا مهما كانت بعيدة جغرافياً ولا عجب في ذلك بما لفلسطين والقدس من مكانة فى الدين الاسلامي ولكن السؤال هنا ياترى ما موقف مسيحيو الشرق الاوسط من هذه القضية المحورية؟؟ ها نحن بصدد الاجابة على هذا السوال فى مقال اليوم. سأحاول ان استعرض كل النقاط بموضوعية وبعيدا عن العواطف.

فى المجمل يتشارك المسلمون والمسيحيون فى دعم القضية الفلسطينية باستثناء قلة قليلة منحازة دائما للغرب وتردد ادعاية الغربية بلا فهم فبالنسبة لهؤلاء الفصائل العسكرية الفلسطينية ارهابيون بل والفلسطينيون جميعا ارهابيون بل وكل المسلمين حول العالم ارهابيون اما الاسرائيليون هم ملائكة الرحمة المضطهدون فى كل مكان.

ولعل السببين المباشرين لتضامن غالبية مسيحيو الشرق مع الشعب الفلسطيني هما :

1. أن التكتلات الكبري للمسيحيين فى البلدان العربية تتواجد فى مصر والاردن وسوريا ولبنان وفلسطين نفسها وجميعها بلدان دخلت فى حروب مباشرة مع اسرائيل معانت شعوبها مسلمين ومسيحيين الأمرين من من جراء تلك الحروب المدمرة التي اختبر فيها الشعوب مدي اجرام وخسة الصهاينة.

2. السبب الثاني وهو بديهي جدا ان المسيحيين من خلال نشأتهم في محيط اسلامي يتأثرون به منذ الصغر ويتبنون افكاره حين يكبرون ويعتنقون تلك الافكار ويدافعون عنها بقوة حتى وان كانت لا تمثل احتياج ماس لهم.

وقبل ان ننتقل للقسم التالي من المقال اود هنا ان اشير لنقطة فى غاية الاهمية وهي أن تشابه المواقف لا يعني بالضرورة تشابه الدوافع فالموقف يمكن ان يكون متماثلا بين مجموعتين من الناس ولكن لكل مجموعة دوافعها الخاصة لاتخاذ هذا الموقف والتي قد تكون مختلفةً بالكلية عن دوافع المجموعة الاخرى، فعلي سبيل المثال طائفة ناطورى كارتا اليهودية المتدينة معروف عنها دعمها الشديد للقضية الفلسطينية ورفضها القاطع للحركة الصهيونية المؤسسة لدولة اسرائيل التي لا يعترفون بها اصلا بل يعتبرون وجودها خطيئة كبرى بحق الله، هذا الموقف متطابق تماما مع النظرة العربية ولكن ماذا عن دوافعهم؟ حين شاهدت لقاءاً تليفزيونياً مع احد حاخامات هذه الطائفة وجدته يقول ان الدافع وراء موقفهم هذا ناتج عن فهمهم للتوراة اليهودية حيث يؤمنون ان الله طردهم من هذه الارض المقدسة بسبب خطيئتهم وانزل الله عقابه عليهم بالشتات فى الارض بين شعوب غريبة وان اليهود لا يجب ان تقوم لهم دولة قبل أن يأتي المسيح المخلص ويؤسس هو الدولة اليهودية بنفسه ويكون ملكاً عليها وأى محاولة لاقامة دولة يهودية قبل قدوم المسيح المخلص هي خطيئة كبري ستزيد من غلظة العقوبة الالهية. هم كيهود مازالوا ينتظرون ان يأتي المسيح المخلص اما نحن كمسيحيون نؤمن ان المسيح المخلص قد أتي بالفعل منذ ألفي عام. لا اعلم ماذا سيكون موقف طائفة ناطورى كارتا من القضية الفلسطينية اذا استطعنا اقناعهم أن المسيح المخلص قد أتي بالفعل. أرأيتم ما اهمية فهم دوافع الناس لاتخاذ مواقفهم؟

أما فى هذا القسم من المقال اريد ان استعرض معكم اوجه التشابه والاختلاف بين نظرة المسيحيين للقضية الفلسطينية ونظرة اخوانهم المسلمين، لنبدأ أولا بأوجه التشابه :

1. يؤمن المسيحيون أن اسرائيل تكن الكراهية الشديدة لكل الدول العربية وتعمل على تحقير شأن شعوبها بكل قوتها بل لو امتلكت القوة لإبادة كل الشعوب العربية ما ترددت لحظة، استراتيجية اسرائيل تتعدي عدائها للفلسطينيين لتصل لإيمان راسخ ان لا حياة لإسرائيل بدون موت كل المحيطين بها والعكس صحيح. اذن اسرائيل هنا هي التي لا تريد السلام وتبادر بالعداء.

2. للفلسطينيين الحق الكامل فى التمتع بكل شبر من الارض المتنازع عليها والحق الكامل فى التمتع بكل الحقوق الشخصية والعامة المنصوص عليها فى الامم المتحدة.

3. يحق لكل الفلسطينيين المهجرين العودة لوطنهم آمنين.

4. الرفض والادانة الكاملة لعملية التهويد القسري والتطهير العرقي الممنهج للفلسطينيين وارتكاب المذابح وجرائم الحرب بحقهم.

5. الحق الكامل لفصائل المقاومة الفلسطينية باستحدام القوة العسكرية ضد اسرائيل لتدافع عن الشعب الفلسطيني ولردع اسرائيل عن ارتكاب المزيد من الجرائم.

أما عن اوجه الاختلاف فهي كالتالي :

1. (النقطة الأهم والاشد حساسية) اسرائيل ليست بالكامل دولة احتلال ولليهود حق اصيل فى هذه ارض لا يسقط بالتقادم وهو حق مساوى لحق اخوانهم الفلسطينيين فى الارض المتنازع عليها وإقامة دولة يهودية على هذه الارض ليس عبثاً لأنه بحسب الرواية التاريخية الواردة فى الكتاب المقدس -واظن انها متشابهة الى حد كبير مع رواية القرآن الكريم- فالوجود اليهودي على هذه الارض ممتد لآلاف السنين فيعقوب النبي الذي اسمه ايضاً اسرائيل ويعتبر أبو اليهود جميعاً وسميت الدولة باسمه كان يعيش مع اولاده الاثني عشر فى منطقة بئر سبع ويعملون كرعاة غنم واولاده الاثن عشر الذي من ضمنهم يوسف النبي من نسلهم يتكون اسباط اسرائيل الاثني عشر المكونين لشعب بني اسرائيل، وحين بدأ فرعون مصر فى اضطهاد اليهود تدخل الله بقوته من خلال نبييه موسي وهارون واخرج اليهود من مصر بمعجزة شق البحر المشهورة وبعدها أمرهم الله بدخول الارض المقدسة وحين تذمروا وسجدوا للبعليم بدلاً من السجود لله عاقبهم الله بالتيه فى الصحراء مدة اربعين سنة قبل ان يتمكنوا من دخول الارض المقدسة، وبعد مرور مدة العقوبة ووفاة موسي حس عقاب الله أمر الله الشعب بدخول الارض المقدسة بقيادة النبي يشوع وهذه المرة نفذ الشعب اوامر الله بطاعة ودخلوا الارض المقدسة اخيراً. يقول البعض ان دخول اليهود للأرض المقدسة حينها كان على حساب السكان الاصليين الذين هم قبائل كنعان ذوى الاصول العربية، ان افترضنا صحة هذه الحجة هل يجوز لشعب اسرائيل عصيان الله وعدم شن الحرب ودخول الارض فقط لإرضاء قبائل كنعان؟؟ قطعاً الاجابة لا. واستمر الوجود اليهودي على هذه الارض حتى عام 71 ميلادية حين قامت الحملة العسكرية الرومانية بقيادة تيطس بالتطهير العرقي الكامل لليهود وتشتيتهم فى الارض ومنذ ذلك الحين وهم مشتتون بين كل الشعب ولم يجتمعوا فى وطن واحد الا عام 1948 بإعلان قيام دولة اسرائيل. انا كمسيحي لا اقبل اى تشكيك فى هذه الرواية لان التشكيك فيها معناه التشكيك فى الكتاب المقدس نفسه الذي رواها وهذا قطعا مرفوض شكلا وموضوعا.

2. طرد اليهود والعودة لحدود 1948 وهذا يعني حرمان اليهود من كل الارض وهذا انكار لحقوقهم التاريخية.

3. الادعاء بأن اليهود هم مجرد مهاجرين قادمين من اجناس مختلفة هذا ايضا انكار لحقيقة وجود اجدادهم على هذه الارض سابقاً وتهجيرهم منها قسراً بكل عنف ووحشية، فى رأيي المتواضع الهولوكوست الحقيقي لليهود هو ما حدث على يد الرومان عام 71 ميلادية وهولوكوست النازية يعد دعابة امامه. حق العودة لهؤلاء الاحفاد محفوظ كما ان حق العودة للفلسطينيين المهجرين يجب ان يكون محفوظ ايضاً مهما طال بهم الزمن.

 4. الآثار والمنشآت المسيحية فى القدس ليست ذات قيمة دينية فالمسيحية لا ترتبط بأي صورة بأي مكان مادي على الارض وتأتي قيمة القدس او اورشليم كما يطلق عليها فى المسيحية من الوعد للمؤمنين الصالحين بالخلود فى مدينة سمائية تدعي اورشليم والسبب الثاني هو وجود الاماكن التاريخية المرتبطة بحقبة السيد المسيح ككنيسة المهد وكنيسة القيامة وقبر يسوع وجبل الزيتون الخ وتزداد قيمة هذه الاماكن بالدعاية والنزعة التجارية التي تريد استغلال هذه الاماكن فى الترويج للسياحة على الرغم انها جميعها لا دور لها فى العبادة كما ذكرنا سابقاً.

5. كراهية المسيحيين للاسرائيليين تأتي كنتيجة طبيعية لأفعالهم وجرائمهم الهمجية بحق الابرياء والمسالمين ومن اجل اعتداءهم على اوطاننا وشن الحروب علينا وتزول هذه الكراهية بزوال اسبابها ولا يوجد اى سند ديني فى المسيحية لمعاداة اليهود او غيرهم.

رأيي الشخصي بخصوص حل القضية الفلسطينية : القضية معقدة لا يمكن حلها بطرد اليهود لحدود ما قبل 1948 ولا بطرد الفلسطينيين قسرا ولا بإقامة دولتين مجهريتين متشابكتين فكل ما سبق لا يساهم الا فى زيادة وتيرة الصراع وكل المروجين له يعلمون هذه الحقيقة جيدا ويريدون فعلا تأجيج الصراع وتعميق الجراح أما الحل الوحيد الجذري للقضية هو الحل الذي طرحه الراحل معمر القذافي فى كتابه الابيض بإقامة دولة واحدة ذات قوميتين يهودية وعربية ويعود اليها جميع المهجرين من الطرفين ويتمتع فيها الطرفين بحقوق شخصية وعامة متساوية ويشارك الطرفان فى تولي الحكم فيها. هذا الحل لا يمكن تنفيذه الا فى مدينة الفضيلة حتى وان حدثت المعجزة وتم تطبيقه سيبقي الصراع قائما على المسجد الاقصي الذي يمثل لب الصراع لكلتا الفرقتين اللذين على عكس المسيحية يشكل المسجد الاقصي ركنا اساسياً فى عقيدتهم الدينية سواء اليهودية او الاسلام ولن يحسم هذا الصراع بالقوة لان المسجد المتنازع عليه لا يقبل القسمة على اتنين. يارب حلها من عندك يارب نريد ان يحل السلام بقوتك وقدرتك الجبارة كل اركان المسكونة.