الحجاب بين التحليل والتحريم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الحجاب بين التحليل والتحريم

إشكالية وجوب الحجاب وعدم وجوبه

  نشر في 28 أبريل 2016 .

الحجاب, كلمةٌ تكاد أن تكون مرعبة لمن يدّعون مواكبة التطور والحداثة والتنوير, ولا أدري من جعلهم أو كيفَ جعلهم يعتقدون أن الحجاب يحدُّ من حرية المرأة مثلًا, أو أنهُ إهانة لها, ويوحي بالجهل والتخلف، ولماذا يتم التعامل مع هذا الموضوع بسطحية وسذاجة من قِبل العامة, وما أكثر ما يتشدق بهذا الموضوع بالأخص.

هنا علينا أن نتساءل، هل هذا الازدراء المُمنهج على الحجاب وتوابعه وضوابطه أتى عن عبث وفراغ دونما سبب؟ أم كانت هُنالك ضغوطات وأخطاء من المتشديين والمتأسلمين – البعيدين عن المنطقية والموضوعية بُعد المشرق عن المغرب – في طرح فكرة الحجاب.

هذا التعصب يجعل أي موضوع سواء أكان دينيًّا أم لا، غير مرغوب به ويصبح الأمر وكأنهُ حِملٌ ثقيل على المجتمع مما يضعف الحجة حتى لو افترضنا أنها منطقية وموضوعية لفكرة وجوب الحجاب.

«حين يكرهنا أحد على رؤية الحقيقة, لا نراها حتى لو كانت أمامنا».

هذا الأمر يترتب عليه – إجبارًا – توظيف آيات كثيرة من قِبل العقول الدوغمائية لصالحهم وللترهيب بها دون أدنى إدراك لمعنى النص الذي يشرعون به، في نفس الوقت يتبين للناس أن الخطاب القرآني شديد اللهجة، قاسٍ لا يحتمل النقاش.

والحال أننا هنا أمام مشكلتين, الأولى: ألا وهيَ اضطرارنا للدفاع عن الدين أمام من ينتظرون أخطاء منه لانتقاده, والثانية: الدفاع عن الدين ممن يعتبرون أنهم أهلٌ للدين ويحوّرونه عن معانيه وأهدافه.

قبل أن نتطرق لموضوع الحجاب ووجوبه والدلائل على ذلك وظهور الحجاب قبل الإسلام, يسعني أن أذكر الإشكالية التالية التي طرحها المفكر السوري الراحل «جورج طرابيشي» في كتابه «من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث» ألا وهي التّحول الأيديولوجي من القرآن إلى الأحاديث النبوية والاعتماد عليها أكثر.

هُنا تحديدًا تم إغلاق معاني الآيات في القرآن لتحل محلها الأحاديث, ونحن نعلم جيدًا أن النص القرآني مفتوح المعاني وبلاغي بشكلٍ كبير.

هذا الإغلاق المتّعمد الذي تم من قِبل بعض فقهاء الشريعة والمفسّرين لأسباب تاريخية، سياسية. حتى تم تفسير معنى الآية حسب أهواء كل مجموعة وما ينسجم مع مصالحها, وإذا ما تعمّقنا وبحثنا – ولا يسعنا الوقت هنا للبحث – في هذه الإشكالية نجد أن أغلب الأحاديث النبوية لا محل لها من الصحة ولا علاقة لها بسيدنا محمد (ص) حتى أنهُ تم تأليفها بعد وفاة النبي محمد وهنالك أمثلة كثيرة ووافرة لإثبات هذه الحقيقة.

لنبتعد إذن قَدرَ الإمكان عن كل ما نعتقد أنَّ بداخلهِ شُبهة ولنعد إلى مرجعنا الرئيسي «القرآن» ونستقي منهُ ما يُفيد إشكالتينا التالية: ألا وهي؛ هل الحجاب واجب على كل امرأة مسلمة؟

وإن كانَ كذلك, فما هي ضوابطه ومتى وكيف، وما هي الدلائل على ذلك؟

والحال أننا عُدنا للمصدر الرئيسي – القرآن – لنُغلق أمام جميع المذاهب الأخرى باب التبرؤ.

لنطرح عدة أدلة على وجوب الحجاب في القرآن ونبحث بها.

أولًا: الآية رقم 31 من سورة النور (قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ).

في هذه الآية تحديدًا يوجد استباق على الوجوب, فنجد أن الله سبحانه وتعالى يأمر الرسول أن يقول للمؤمنات «يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن».

إذا ما عُدنا إلى الآية 30 من سورة النور أيضًا نجد قوله تعالى: «قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم».

وهذا يدل على أن الآية لم تُخصص لجنس دون جنس آخر، لنكمل الآية «وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا».

هُنا يأمر الله سُبحانه وتعالى النساء أن لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وواضح هنا أنه لا علاقة لها بالحجاب لا من قريب ولا من بعيد.

«وليضربن بخُمرهن على جيوبهن».

نعود للغة العربية, فنجد أن «الخُمر» هي جمع «خِمار».

أي أنَّ الله تعالى يأمرهن أن يغطين «جيوبهن».

نعود للغة العربية فنجد أن «جيوبهن» تعني فتحة الصدر فقط!

هنا أيضًا لم يتم ذكر الرأس واليدين والكفين.

ثانيًا: الآية 59 من سورة الأحزاب: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين».

إذن, إن الله يأمر النبي (ص) أن يقول لنساء المؤمنين بإدناء «جلابيبهن»، ومعنى الجلباب هنا وفي اللغة العربية بعيد كل البُعد عن حجاب الرأس.

كلمة «جلباب» تعني لباس المرأة والرجل معًا وهي صالحة للجنسين, وهو اللباس الذي يُغطي الجسم فقط.

ثالثًا: الآية 53 من سورة الأحزاب (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي… وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهن من وراء حجاب).

لنطرح سؤالًا هنا، لماذا كان الخطاب موّجهًا إلى الرجال أيّ (يا أيها الذينَ آمنوا)؟

وهذه الجملة غير موجّهة للنساء ولا يمكن أن تكون.

النقطة التالية: أن الله سبحانه وتعالى يأمر الرجال بمخاطبتهم أن (يسألوهن) أي «النساء» من وراء حجاب.

إذًا جاء الخطاب هنا للرجال دون أحدٍ غيرهم, فكيف لنا أن نفسّره عكس هذا؟

لنلاحظ أنَّ للحجاب في اللغة العربية معانيَ كثيرة وليس فقط حجاب الرأس، ويتبين لنا أنهُ كان على الرجال مخاطبة النساء بحجاب، أي شيء يفصل بينهم أقلهُ.

ولنلاحظ أن جميع المحرّمات في القرآن الكريم والموجبات قد تم ذِكرُها بشكل واضح لا يحتمل اللبس، وتم النهي عنها بشكل قاطع.

إذن لماذا هذا الغموض في الآيات التي يدّعون من خلالها وجوب غطاء الرأس؟

ولو كان الأمر بتغطية الرأس صحيحًا لوجدنا آية – على الأقل – واضحة.

لنكن موضوعيين قَدر الإمكان, ونفترض أن الحجاب كان واجبًا على نساء المؤمنين، هنا سنتحضر الآية 125 من سورة النحل (وادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين).

والآية 197 من سورة البقرة (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى).

إذن التقوى تأتي في الدرجة الأولى في الإسلام قبل الحجاب وقبل أي شيء آخر, والدعوة إلى أوامر الله بالمحبة والحكمة لا بالتشدد والانصياع الأعمى.

والقرآن بين أيدينا ولنتبين به، وإني هنا لا أتكلم بموضع ناقد لوجوب الحجاب أو مؤمن، وإنما هذه الآيات من القرآن ذاته ولا يختلف عليها اثنان.

وهنا أستشهد بقول الباحث والفيلسوف الراحل (مصطفى محمود): «علينا أولًا أن يكون لنا إيمان المسلمين الأوائل في عمقه وبساطته وفطرته، وهو غير الكلام الأصولي الذي يرّوج لهُ السطحيون والمتاجرون في الدين الذين يتعاركون حول اللحية والنقاب والحجاب والجلباب ويتركون لب القضية ليغرقونا في قشور ومظهريات».

إن أخلاق الإسلام وقيمه في القضية، أن تكون لنا أخلاق هؤلاء المسلمين الأوائل وأن تكون لنا أرواحهم وقلوبهم. ليست القضية ماذا نلبس على رؤوسنا، وما يكون طول الجلباب أو العباءة؟! إنما القضية ماذا يكون في داخل رؤوسنا وماذا يشغل عقولنا وقلوبنا وكيف نفكر وكيف نعمل وبأي روح نعمل.

وأخيرًا يجب علينا أن نذكر أيضًا أنَّ الحجاب وجد قبل الإسلام بكثير، عند اليهود وبلاد فارس ولدى الروم وفي الهند.

فالحجاب في الدرجة الأولى هو حُسن خُلق لمن أرادت ستر شعرها أو لعيب ما بها، فتتستر.

ومن غير الضروري إطلاقًا أن نغصب النساء على الحجاب لشيء واحد فقط، هو أن الحجاب لا يدل بالضرورة على طهارة ولا على إيمان أو أخلاق, إنما القلب وحده من يتّصف بهذه الصفات التي تنعكس على المظهر الخارجي, وإنَّ الله ينظر بالدرجة الأولى إلى قلوبنا فإذا صَلحت صَلحَ كل عمل.

«الالتزام هو انعزال عن الحرام، لا عن الحياة».


  • 1

  • أحمد محمد يحيى
    21 عامًا.. طالب قسم الحقوق في الجامعة اللبنانية \ كاتب وقاص لدى عدّة مدونات.
   نشر في 28 أبريل 2016 .

التعليقات

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا