نشر في 10 نونبر 2019 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
- السلام عليكم يا آنسة.
- و عليكم السلام أستاذ أحمد... لابد أنك عدت من أجل نظارتك... تفضل بالجلوس...سأحضرها حالا.
- حسنا ...شكرا لك
اختفت الآنسة "سوسن" لبضع لحظات اغتنمتها لأجول بناظري بين أنواع النظارات و أشكالها الكثيرة...
و تذكرت كيف أنه لدرجة عدم تحمسي لارتداء النظارة لم أهتم في اختيار ما يليق بي... و وافقت على أول اقتراح من اقتراحات الآنسة "سوسن"...
كما كنت أتأمل الزبائن... كل زبون كان محاطا بصديقين أو أكثر يقترحان عليه أشكال النظارات و مرة يلوحون بإشارة النفي و أحيانا بإشارة القبول... و الزبون يبدو عليه التردد و الانفعال و الخوف من عدم ملاءمة النظارات لوجهه أو بالاحرى عدم قبول الآخرين له بالشكل الجديد من النظارات...
- أعتذر لتأخري أستاذ أحمد... تفضل بتجريب نظارتك...ريثما أنهي ملء أوراق التغطية الصحية...
أخذت نظارتي... لبستها... لم أنظر للمرآة رغم اقتراح السيدة "سوسن"... و انتظرت أوراقي بفارغ الصبر حتى أخرج من هذا المحل حيث بدأت تظهر بعض علامات الجنون.
- تفضل سيدي هذه أوراقك...
- شكرا لك آنستي... و خرجت مسرعا بالرغم من أنها قالت شيئا لكنني لم أكن مهتما لذلك بقدر رغبتي في الخروج.
تنفست الصعداء... دخلت سيارتي...
يا إلهي ...لقد نسيت الاطلاع على ما كتبته الآنسة سوسن في أوراق التغطية الصحية...
"مبدأ التغطية الصحية في بلادي يقوم على دفع أوراق تثبت شرائي لنظارات ثم تقوم شركة التأمين بتعويضي 80% من المال الذي دفعته لشراء النظارات"
فتحتها...ثم....
"يا إلهي...يالها من سيدة... يجب علي العودة من جديد... لقد دونت مبلغا أكبر بكثير من المبلغ الذي دفعته لها من أجل نظاراتي"
- السلام عليكم يا آنسة.... لقد اخطأت في تدوين مبلغ النظارات...
ألقت نظرة سريعة على الورقة... و قالت باندهاش "هل دفعت مالا أكبر مما دونت لك؟"
- لا يا آنسة بل أقل بكثير...
تجيب بنوع من الاستغراب'' و ما المشكلة إذا؟..."
- المشكلة أن المدون على الورقة ليس بالمبلغ الذي دفعته بل أكبر منه...
- و ما المشكلة في ذلك؟؟؟
كأنها لا تفهم... أو ربما أنا الذي لا يفهم ما الخطب... نظرت إليها دون كلمة أخرى... أنتظر تفسيرا...
- لابأس يا أستاذ أحمد...لقد دونت لك مبلغا أكبر كي تعوضك شركة التأمين في المبلغ الذي دونته لك و بالتالي تسترد مالك 100 بال100 و ليس فقط 80 بالمئة...
قلت بتعجب... "هل طلبت أنا ذلك؟"
- لا لم تفعل...لكننا نتعامل مع زبائننا دائما بهذه الطريقة...يأخذون ما طاب لهم من أنواع النظارات و ندون لهم ما يستردون به مالهم كله...يعني... لم يعترض أحد على ذلك من قبل... و لماذا يعترض أحدهم؟؟...
- هممم.... فكرت قليلا ...أحاول أن أجد كلاما مفيدا... لم أجد أي شيء سوى...
"هلا أعدت كتابة الاوراق من جديد يا آنسة... و دوني من فضلك المبلغ الذي اقتنيت به النظارة دون زيادة أو نقصان"
أطالت النظر إلي بتعجب... فقاطعت شرودها" هلا أسرعت قليلا فلدي موعد قريب؟"
- طبعا ...سأفعل بسرعة...
أخذت أوراقي و انصرفت....
السؤال الذي يطرحه أغلبكم الآن...لماذا لم أعط درسا في الأخلاق لصاحبة المحل؟ لماذا لم أوضح لها أن ما كانت تفعله هو "سرقة" يتشارك فيها البائع و المشتري...
الحقيقة أنني أحسست أن الكلام لن ينفع في هذه اللحظة...
كيف تقنع شخصا يرى فيما يفعله حقا... بطولة... تعاونا... أنه مخطئ أو أنه سارق؟؟
أحيانا كثيرة ستجد المجتمع يتفق على الخطأ... و يزينه بألوان من الحق ... ستجد الجميع يستنكر عليك صدقك و أمانتك... و يعتبرها غباء و بلادة.
أحيانا كثيرة لن يفهمك أحد و أنت تنطق بكلمة حق... بل لن يسمع أحد منك كلامك...لأنه في نظرهم "بدون معنى"
أحيانا كثيرة... ستحس بنفسك وحيدا واقفا ضد تيار كله يسير بخطى جماعية نحو الهلاك...
و إذا جلسوا إليك سيصرخون... أن المسؤولين مفسدون... أن المسؤولين سارقون...أن المسأولين مخادعون...أن المسؤولين كذا و كذا....
الكل يتهم الكل و الكل يلقي اللوم على الكل... و لا أحد ظالم و الكل مظلوم... و لا أحد متهم...و الكل ضحية...
كيف ستشرح لهم؟؟؟ كيف؟؟؟
كيف ستشرح لهم ...أن الدرهم الواحد الحرام بالسرقة... كأكل الميتة أو الجيفة...
كيف ستشرح لهم أنه إن خدعوا شركة التأمين... فإنهم لم يخدعوا الله و هو ممهلهم...
كيف ستشرح لهم أن الفساد هو مستويات... و أنه بما يفعلون كانوا ليكونوا أشد فسادا في مسؤوليات أكبر...
كيف ستشرح لهم... أنهم سبب خراب هذه الأمة...فليتوقفوا عن لوم الآخرين و ليلوموا أنفسهم..."فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"
لن يفهموا...لن يسمعوا...فقد اتفقوا على الفساد باسم الحق....
و أنا... لن أشرح لها ... لأنها تعلم...لكنها لا تريد أن تبصر الحق...ف "الحلال كالحق بيّن.... و الحرام كالفساد بيّن"
أعلم أنه من الصعب السير ضد التيار....و الصعب أكثر إقناع التيار أنه متجه إلى التهلكة...لذلك...
لا سبتئس إن وجدت نفسك وحيدا على الحق...بل اثبت عليه.... و اقبض عليه لعل الله يغير بك أحوال الناس...
عفوا أيها العالم البئيس المتناقض المدمر (بكسر الميم) و المدمر (بفتح الميم)... لن أسير معهم.... و لن أرقص على أنغامهم... و لن أتبع الركب المنجرف...و سأظل واقفا بإذن الله للحق و مع الحق...
-انتهى-
بقلم:
Z.Brh
التعليقات
Wow
و انا واثقة انك ستكشف ستار اسمك لنا يوما بسبب روعة ما تكتب
تخيلت المشهد كأنه مسلسل جسدتك في شخصية باسل خياط مرتديا نظارات باطار اسود استمر اخي z.brh