كل شيء سيكون على ما يرام، فلابد أن تشرق الشمس بعد الأيام الممطرة. كانت هذه المحادثة اليومية لعلياء مع نفسها، كانت مؤمنة بأنه من رحم الآلام والمعاناة تولد الإنجازات الكبرى. لو لم يكن لدى مارتن لوتير كينغ ذلك الحلم آنذاك لما أصبح أوباما رئيسا يوما، لو كان طه حسين استسلم لقدره لما دخل التاريخ بإبداعاته، كل شيء يبدأ بحلم. وحتى إن لم نحقق أحلامنا فإننا نعيش على أمل تحقيقها.

بعد أن غمر الحزن قلبه ونال منه، فارق أبو علياء الحياة في حضن ابنته. شعرت وكأن العالم ينهار من حولها، وكأن الحياة تقول لها أن لا زال في جعبتها ما تبتليها به، لكنها كانت دائما على أتم الاستعداد. رفضت الدموع النزول على خديها لأسابيع. حتى أتاها الجواب الذي كانت تنتظره، الفساتين التي عرضتها على إسحاق أُنجزت بالشكل الذي توقعته بالضبط وقد حققت مبيعاتها إيرادات جيدة، حتى أنها أثارت إعجاب زبونات من مدن أخرى!

حصلت علياء على أول وظيفة كمصممة، لم يكن الأمر هينا في البداية فلم يتقبلها أحد من زملائها الذين كان أغلبهم رجالا وكانوا ممن يعتقدون أن تلك المهنة يجب أن تظل حكرا على الذكور فقط. جلبت معها كل تصاميمها لتعرضها على إسحاق وشرعت في رسم أخرى، أصرت على المشاركة في التنفيذ وعلى متابعة كل ما كانت تخطه يداها بنفسها تحت أعين ذكورية دائمة التبخيس لأي عمل كانت تقوم به. حتى إسحاق لم يكن دائما في صفها بل أن معاملته أحيانا كانت قاسية وكلماته جافة لكنها علمت كيف تجعل الجميع يحتاجون إليها ولم يكونوا يحبونها. حتى ألذ أعدائها سامي الذي كان رافضا لوجودها أصبح أعز صديق.

وجاء موعد المسابقة الوطنية التي تقام كل ثلاث سنوات والتي يشارك فيها ممثلون عن المصممين الكبار ليفوزوا بالمشاركة في المسابقة العالمية بنيو يورك. كان كل زملائها قد شاركوا من قبل دون أن يفوز أحد منهم، ذلك ما جعل إقناع إسحاق بمشاركتها شيئا صعبا لكنه قبل بشرط واحد، إن لم تفز فستفصل من العمل.

كانت تود تقديم تصاميم جديدة ومبدعة غير تلك التي اعتادت رسمها، خطرت عليها فكرة تصميم فستان يعبر عن مدينتها وقصتها بطبع حداثي ومبتكر، أطلقت عليه اسم فستان الشمس. يوم المسابقة اكتشفت أن عدد المتسابقين يقترب من الألف، أحست بشيء في نفسها لم تحس به من قبل، ضاق صدرها ولم تعد تقوى على التنفس. اتصلت بسامي الذي أثنى على عملها وأخبرها أن من صبرت على الفقر بعد الغنى قادرة على أن تحقق هدفها مهما كانت العقبات. شكرته على حسن ظنه بها وتذكرت بداية علاقتهما، عندما كان ينظر إليها باستعلاء وأحيانا باحتقار لمجرد أنها فتاة تجرأت على ولوج عالمهم المزعوم. أدركت أن الذي جعل قلب سامي يلين حتى يصبح صديقا بإمكانه أن يجعلها تحرز اللقب.

بعد أسبوع من التباري أحرزت علياء على لقب ملكة التصاميم ببلدها وحصلت بذلك على فرصة تقديم أعمالها بنيو يورك. كانت تعلم أنها بداية العالمية لتصاميمها. لم تكن تتوقع ما سيجود به القدر بعد ذلك، فبعد عودتها تلقت عروضا مغرية للعمل قبلت واحدا منها. رحلت إلى حياة جديدة بنيو يورك محاولة طي كل الصفحات المؤلمة لكنها لم تود نسيانها تماما لتتذكر أنها صمدت عندما كانت على وشك الانهيار. رحلت نحو حياة جديدة أفضل لها ولأخوتها الثلاث الذين ستظل مسؤولة عنهم.

ذهبت لتودع العم طارق والخالة استر، كان وداعهما قاسيا لكنهما أخباراها أنهما سيكونان دائما معها ولو كانا بعيدين. وبأن البعد الجغرافي لا يهم، الحب ينتهي فقط عندما يبدأ البعد العاطفي، وهي ستظل في القلب دائما.