ماذا لو كتبنا التاريخ بأنفسنا؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ماذا لو كتبنا التاريخ بأنفسنا؟

  نشر في 18 يناير 2016 .

الصمود الحقيقي على ارض هذا الوطن يأتي من تلك الهالات السوداء المتراكمة حول عينيها؛ أينَ الليل من نُعاسها، ذلك الذي نسيَها وذهب ليؤرّخ خُطوات شاب لا يعلم ما الذي يبحث عنه سوى انّ الليل كان مُلائماً لخلوته فهربَ إلى الشارع، ذلك الليل الذي تتبّع تلك الخُطوات بدقّة جيّدة ورأى على مقربةٍ إلى حدٍّ ما رجل آخر لا انتظر أيّها الليل لا تؤرّخ تلك الجملة فهوَ ليسَ برجلٍ عاديّ! عندما اقترب قليلاً تبيّن بأنّه يرتدي بذلة تُشبه اولئك الذين يخافون النوم في الليل فتنقلب الحرب ضدّهم!

ارتفع نحيبها وهيَ تستجدي الخلاص، قالت يا ربّ حدّثني بأنّ ما يحدُث لي هو الخير لي لكنّ الليل غفل عنها مرّة اخرى وذهب ليتتبّع خُطوات ذلك الشاب فالتاريخ هُنا يبدو انضج من بكاء فتاةٍ في منصف الليل تشكو حالها وضعفها!

اقترب ذلك الشاب اكثر، هُناكَ مقولة تُخبرُ بانّ الرجل لا يمكنه فعل شيئين في آن فإمّا ان يُفكّر وإمّا أن يكون حاضراً بجسده وعقله في المكان الذي هوَ فيه. أما عن صديقنا هذا فمن مشيته يبدو انّه كان يُفكّر وعليه فقد انقطعت الخيارات الاخرى وانقطع تركيزه في طريقه، ها هوَ يقترب جيّداً والليل يبدو من ارتجافه بانّ محبرته على وشك الانقضاء، ها هوَ الآخر يُشهر سلاحه الذي يختبئ خلفه، ما الذي قد يخطر في بال ذلك المسلّح اكثر من أنّ هذا الشاب على وشك ان يهجمَ عليه فيضيع امن جسده قبل أن يُضيع امن البلاد القومية التي شارك في صناعتها طالما انّه لا ينام الليل!

لحظة على التاريخ ان يعود لبيت تلك الفتاة قليلاً ليملأ المحبرة، ها هوَ يجدها ساجدة كلّها راحلة عن هُنا يبدو عليها الخشوع والوقار، ها قد أصبح مُغرية للكتابة فيها فمن أينَ سيجد لحظة كهذه ليدوّنها ويقول للآخرين الذين سيقرأون بانّ الليل حين ينتصف يمكنك ان ترتحل إلى الله تماماً. ها هي تقوم من سجودها، لقد تأخر دقيقتين على ذلك الشاب أسرع ليجده لا يزال يقترب شارد الذهن شارد الحضور كمن يسير في طريق غير وعرة مستقيمة غير قادرة على إزاحة عقله عن التفكير والاستمرار في ذلك.

ها هوَ يدوّن جيّداً، خُطوات أقدامه وتحرّكات ذلك الجندي، رهبته وخوفه ونقطة هربت من عن جبينه غير معروفة المصدر، ها هوَ يوقظُ زميله الذي لم ينم منذُ يومين يدعوه لأن ينظر إلى ذلك الشاب الذي يُشبه البطل في تلك المرحلة تماماً؛ فما من علامات خوفٍ تملأ جسده! ها هوَ يقترب اكثر وها هوَ ذلك الجندي يصوّب بندقيّته في القلب مباشرة فما من مجالٍ لأن يصوّب في مكانٍ آخر الخوف يجعل النظر متوجهاً إلى مركز الموت مباشرة، وها هوَ التاريخ يدوّن 12 ديسمبر 2015 حدثت واقعة انتحار، بدت للتاريخ على أنّها انتحار وبدت للجندي الذي قتله على انّه يُريد الهجوم عليه، وكلاهما قاما بتزوير الأحداث جيّداً: الليل والجندي والتاريخ تواطأ معهما.

لم يُعارض التاريخ ما قيلَ فيه، استمرّ يحصي عدد الذين خرجو من ديارهم ولعلّهم ألوف، خرجوا تحت سيطرة عقولهم التي تستجدي بعض الراحة من التعب والتفكير، ولانّ الرجل لا يملك قلبين في جوفه ولانّه وبحسب ما قيلَ من دراسات عنه لا يمكنه القيام بأمرين في آن، لم يستطع التاريخ ولا الليل ولا ذلك الجندي الولوج إلى داخله ومعرفة بانّه مغيّب تماماً في تلك اللحظة ولا ينوي على فعل شيء سوى استجداء الخلاص من تفكير قلّبه عن اليمين وعن اليسار لأيّام عديدة فكان الخروج للمشي والخلوة حين لا يكون هناك احد عبادة لعقله الذي يطلب الخشوع والرضا.

ماذا عن تلك الفتاة؟ عادَ إليها التاريخ متاخراً كان كلّ ما دوّنه بانّها استيقظت في منتصف الليل بكت كثيراً ونامت. لم يستطع الولوج إلى داخلها ليعلم بأنّ حركة ما كانت على الحدوث قريباً بين ذلك الشاب وتلك الفتاة، الليل أيقظهما، هيَ لانّها لم تجد سوى الخلوة الليلية لتُبوح لله بما يعلم من آلامها، وهو لم يجد سوى الخلوة الليلية لعقله الذي كاد ان ينفجر.

لم يعلم التاريخ شيئاً، انتهت الاحداث على هذا الحال، تلك الفتاة عاشت غربتها بعد ذلك، اي بعدما بلغها خبر استشهاده، قيلَ بأنه انتحر وكان عليها ان تصدّق ذلك لتسير كما اراد لها التاريخ ان تفعل. 


  • 3

  • أنصار دباس
    في مُحاولة أن أكون، تعثّرت كثيراً، أكثر مما كُنت وحين أكون لا يبدو لي الأمر مُشتهىً تماماً كما كُنتُ أفعل المستحيل كي أكون ذلك الذي أكونه في حينها.
   نشر في 18 يناير 2016 .

التعليقات

عمرو يسري منذ 8 سنة
جميلة رغم أنني أصابتني الحيرة قليلاً بسبب كثرة إستخدام ضمير الغائب (هو و هي )
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا