متى نكتفي من دراما" العشق الأسود " ؟
و لأننا نعيش في مجتمعات سوداوية ، بائسة ، لم تجرب في تاريخها سوى الإستبداد و القمع و لا تعرف سوى الإستسلام ، فدائما ما يجذبها ذلك النوع من الدراما الذي يبكى
نشر في 17 ديسمبر 2016 .
الفن و الدراما من أهم الصناعات التي تصنع ثقافة المجتمع .. و دائما ما يواجه علماء الإجتماع إشكالية كبيرة في التعامل مع الفن و الدراما .. هل هو يعكس الواقع أم إنه يصنع الصورة التي تؤثر في الواقع ؟
في المجتمعات الليبرالية ، فإن الفن صناعة قوية و لها تأثيرها و تعكس الواقع بصورة أقرب إليه و تستطيع أن تسلط الضوء على جوانب مختلفة سياسية و إقتصادية و إجتماعية ، بينما يغيب ذلك في المجتمعات السلطوية ، فالفن فيها يعبر عن صوت واحد و صورة و احدة و تؤثر في المجتمع و تصنع التصورات التي قد تؤثر على أدوار الأفراد و تصوراتهم عن أنفسهم .
فنرى في المجتمعات السلطوية أنواعا محددة من الدراما و تناقش قضايا إجتماعية التي تعكس دائما صورا نمطية عن فئات المجتمع المختلفة ، مما يدعم هذه التصورات في ذهن الأفراد و ينتج عنه سلوكا ويصبح واقعا .
و لأننا نعيش في مجتمعات سوداوية ، بائسة ، لم تجرب في تاريخها سوى الإستبداد و القمع و لا تعرف سوى الإستسلام ، فدائما ما يجذبها ذلك النوع من الدراما الذي يبكى و الذي فيه الكثير من المعاني المشوهة عن التضحية و يحوله إلى الإستسلام و غيره من المعاني التي تزيد الطين بله و تغرق المجتمع البائس في مزيد من التصورات المشوهة و البائسة . لذلك ، كان للدراما العربية دورا كبيرا في فصل الإنسان العربي عن واقعه و عدم معالجته ، أو كما أوضح الدكتور محمد عباس في كتابه " التمويه في المجتمع السلطوي " و كأن الإنسان العربي يستمتع بالإلم و الحزن اللذين يخلقان جوا مأساويا ينسجم مع ما تعانيه الذات من صراع بسبب فشلها في مواجهة الواقع " .
الألم و الحزن و الإحساس بالعجز و القهر .. هو ما تضخه الدراما في عقل الإنسان العربي حتى يستطيع من ناحية ينفس فيها عن رغباته و مكنوناته التي لا يستطيع أن يبوح بها أمام المجتمع ، و من الناحية الأخرى تجعله خاضعا و متكيفا مع هذ المجتمع السلطوي و يستمر في لعب نفس الدور دون الثورة أو التمرد عليه .
-
Nadia Fawzyمحرر إقتصادي -- أكتب في مجال التنمية الإقتصادية و الثقافة المالية