رؤى الحجاز

فيصل حسن البكري

تأخذني أفكاري لماضينا الجميل حينما أبحث بين ثنايا الحياة براءة طفولتنا

وأحلامنا وكم من الساعات تمضي بنا

مسرعة دون أن نشعر بلحظاتها.

سوى ذكريات لا تزال منقوشة في ذاكرتنا تعيدنا إلى صفحات طفولتنا المليئة بالرسومات التي نثرتها أناملنا الصغيرة ونحن على مقاعد الدراسة لتحكي لنا عن دفء ماضينا الذي أندثرت منه المفاهيم والقيم والعادات وهي تلاحقنا حتى ونحن نلهو في أزقة حارتنا العامرة بأهلها الطيبين.

أهل الشيمْ والكرم والفكر والأدب.

لقد كنّا جيل تربىٰ على الأدب وإحترام الكبير والعطف على الصغير.

تربىٰ على أن هنالك ساعة "قيلولة" للأب بعد وجبة الغذاء. فلا يجرؤ أحد منّا على رفع صوته حتى لا نزعج الأب أثناء نومه.

كان موعد التلفاز عصرآ نشاهد من خلاله أفلام الأطفال التي لا زالت تتناغم دخل مشاعرنا بين الذكريات والإبتسامات. ومن بعدها نتناول وجبة العشاء ثم نخلد للنوم حتى نستيقظ باكراً لصلاة الفجر.

جيل لم ينهار نفسياً من عصا "المعلم"

ولم يتأزم عاطفيآ من ظروفه العائلية مهما كانت مهنة الأب !

جيل لم يُترگ مع الخادمات لأننا لم نتعلق بغير أمهاتنا ولم تتعلق قلوب أمهاتنا إلا بتواجدنا بالقرب منهن.

لم نشكو من كبر المناهج الدراسية

ولا من حجم الحقائب المدرسية

أو من كثرة الواجبات المنزلية.

فلم يكتب لنا الأب والأم وجباتنا اليومية

وكنا ننجح بتفوق من غير دروس خصوصية.

جيل أجتهد في حل الكلمات المتقاطعة ومعرفة صاحب الصورة ولعبة الخروج من طريق المتاهة بذكاؤنا دون مساعدة الغير لنا.

جيل كنا نلاحق بعضنا في أزقة حارتنا القديمة بأمان ولم نخشى المفاجآت ولم يعترض طريقنا لص أو متسكع في الطرقات.

نلهو ونلعب مع أبناء الجيران وتفاصيل يومنا كانت على وجُوهِنا عفوية.

جيل وقف في طابور الصباح مرتديآ أزهى الثياب وحذاء "الكاوتش" يتلألأ بياضآ وبجوارنا حقائبنا وبداخلها المناهج التي أرتقينا معها إلى أعلى مراتب العلم والفكر والأدب.

جيل كنا ننام على سطح المنازل نتسامر ونضحك وننظر إلى السماء نشاهد القمر ونعد النجوم ونتحدث مع بعضنا ولا نتحدث عن غيرنا.

جيل كان للأب هيبة

وللمعلم رهبة

وللكبير قيمة.

نحترم الجار ونتقاسم مع الصديق المصروف دون إستكبار.

جيل عاش وترعرع على الأخلاق والأدب والله الموفق.