( مترجم ) شهادات من مذبحة دير ياسين : كانوا يكومون الجثث و يحرقونها
اوفير ادرعات – هأرتس / ترجمة ( من النسخة الانجليزية للصحيفة ) – محمد احمد حسن
نشر في 15 ماي 2019 وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .
منذ عامين خرجت إلى النور وثيقة من الصعب قراءتها كانت مستقرة في أرشيفات رابطة إحياء تراث ميليشيا ليحى . الوثيقة كتبها احد عناصر الميليشيا منذ نحو 70 عاما . قراءة تلك الوثيقة ربما تعيد فتح الجرح النازف منذ أيام ( حرب الاستقلال ) ( النكبة – المترجم ) ، الأمر الذي سيتسبب في تهييج مشاعر المجتمع الاسرائيلى .
كتب يهودا فيدر في هذه الرسالة ، و الذي كان احد عناصر ليحى (( الجمعة الماضية نفذت حركتنا بالتعاون مع منظمة اتسل ( التي كان يقودها مناحم بيجن ) عملية كبيرة لاحتلال قرية عربية تقع على طريق القدس – تل ابيب تدعى دير ياسين . و قد اشتركت في تلك العملية على نحو أكثر نشاطا )).
على امتداد الرسالة يصف فيدر بالتفصيل دوره في المذبحة التي حدثت هناك . حيث كتب (( هذه هي المرة الأولى في حياتي التي تقع فيها عيناي على أشخاص عرب )) . و يكمل (( و في القرية قمت بقتل شخص عربي مسلح فتاتين عربيتين كانتا تقومان بإنقاذ الرجل الذي تم إطلاق النار عليه . و يصف كيف قام بإعدام البنات رميا بالرصاص بواسطة بندقية آلية (( لقد أوقفت الفتاتين في مواجهة الحائط ، و قمت بإطلاق الرصاص عليهن مرتين من بندقية من طراز تومى )) .
و إلى جانب ذلك يتحدث فيدر عن نهب القرية بعد احتلالها مع زملائه . حيث يقول (( لقد صادرنا كميات من الأموال ، و وقعت في أيدينا مصوغات ذهبية و فضية )) . و ختم الرسالة بتلك الكلمات (( إنها حقا عملية هائلة و هذا ما سيجعل اليسار يقوم بالذم و القدح فينا )) .
هذه الرسالة واحدة من عدة وثائق تاريخية كشف عنها النقاب في فيلم وثائقي جديد بعنوان ( ولد في دير ياسين ) ، و الذي أخرجته المخرجة نيتا شوشانى التي قضت عدة سنوات في بحث تاريخي شامل حول مذبحة دير ياسين التي تعد من الأحداث الرئيسية لما يسمى ب(حرب الاستقلال ) (( النكبة )) ، و التي تمثل كذلك وصمة عار لإسرائيل حتى يومنا هذا .
و خلال العرض الأول للفيلم في مهرجان القدس السينمائي قامت شوشانى بعرض عدة شهادات عن الحادثة على مراسل هأرتس ، و التي كانت نتاجا لبحث مكثف في الأرشيفات إلى جانب مقابلات معمقة مع من تبقوا على قيد الحياة من المشاركين في الحادث . بعض من هؤلاء كسروا صمتهم الذي استمر لعقود حينما تحدثوا إليها للمرة الأولى في مواجهة الكاميرا .
بدأ الهجوم على قرية دير ياسين في صباح التاسع من ابريل عام 1948 كجزء من عملية نحشون لكسر الحصار المفروض على الطريق إلى القدس ، و ذلك بمقارنة 130 من (( مقاتلى )) ليحى و ارجون الذين تلقوا مساعدة من ميليشيا الهاجاناه . وقد واجه (( المقاتلون )) مقاومة صلبة و قاموا بأعمال القنص النيرانى و التحرك ببطء خلال ممرات القرية ، بينما يقومون برمى القنابل و تفجير المنازل .
أربعة من (( المقاتلين )) قد قتلوا و أصيب عدد أخر منهم . فيما قتل عدد من السكان العرب الذي تم الاختلاف حول ملابسات و ظروف موتهم . لكن اغلب الباحثين أوضحوا أن 110 شخصا من سكان القرية من بينهم نساء و أطفال و أشخاص من كبار السن قد تم قتلهم هناك .
و يصف يهوشوا زيتلر قائد العملية مشهد مغادرة العرب لمنازلهم بقوله (( لقد كانوا يفرون كالقطط )) . و قد قامت شوشانى بمقابلته في عام 2009 قبل عدة أسابيع من وفاته . و قد أنكر زيتلر ان جنوده قد نفذوا مذبحة فى القرية ، لكنه لم يقل كلمة عن الطريقة التي تم بها قتل سكان القرية .
و يضيف (( لقد وضعنا قنابل بجوار البيوت و هرب منها الناس . و قد نفذنا التفجير تلو التفجير و فى خلال ساعات قليلة لم تعد نصف القرية موجودة )) .
زيتلر قدم وصفا قاسيا عن حرق جثث الأشخاص الذين تم قتلهم بعد احتلال القرية . حيث قال (( لقد ارتكب رجالي عددا من ( الأخطاء ) جعلتني غاضبا ، لماذا فعلوا ذلك ؟ )) . و أضاف (( لقد قاموا بتكويم و تكديس جثث الموتى ، و قاموا بإحراقها . و قد انبعثت من الجثث رائحة كريهة و لم يعد الأمر بسيطا )) .
مشهد قاس أخر قدمه البروفيسور موردخاى جيخون و الذي يشغل منصب كولولونيل ليفتانت في قوات الجيش الاسرائيلى الاحتياطية و الذي كان ضابط استخبارات في الهاجاناه و تم إرساله إلى دير ياسين بعد انتهاء المعركة . حيث قال جيخون الذي توفى منذ عام (( بالنسبة لي فان الأمر كان أشبه بمذبحة منظمة )) . و أضاف (( عندما تقوم باحتلال موقع عسكري فان ذلك لا يعد مذبحة حتى لو قتل مئات من الناس . و لكن عندما تدخل مواقع مدنية و تقتل الناس و تشتتهم فان ذلك يصبح مذبحة منظمة )) .
ووقفا لجيخون (( هناك شعور بان ما حدث كان مذبحة كبيرة ، و كان من الصعب على أن اشرح لنفسي أن ما حدث كان دفاعا عن النفس )) . و يكمل (( كان انطباعي أن الأمر اكبر من مجرد مذبحة . فإذا كانت المسألة قتل مدنيين أبرياء فان ذلك الأمر نستطيع أن نسميه مذبحة )) .
يائير تسابان عضو الكنيست السابق عن حزب ميرتس و الوزير السابق أوضح في لقاءه مع شوشانى انه بعد حدوث المجزرة التي لم يشارك فيها قد تم إرساله من آخرين ضمن كتيبة من الشباب لدفن جثث الموتى . و أضاف قائلا (( انه من المنطق أن يتم تحميل الصليب الأحمر المسئولية القانونية عن كشف ما حدث و هذا ضروري لإخفاء آثار الموتى ، لان نشر الصور و الشهادات عما حدث في القرية سيدمر بشكل كبير ( صورة حربنا من اجل الاستقلال ) )) .
و يضيف (( لقد رأيت عددا عدد متعادلا من الجثث )) . ويكمل (( أنا لا أتذكر أنني رأيت جثة لرجل مقاتل . أتذكر بشكل كبير نساءا و رجالا من كبار السن )) . و يشهد تسابان بأنه قد رأى عددا من السكان قد تم إطلاق النار عليهم في الظهر . و نفى اى مزاعم عن أن بعض السكان قد قتلوا خلال تبادل لإطلاق النار . و يتذكر (( لقد رأيت رجلا و امرأة كانوا موضوعين في زاوية من غرفة ووجوههم قبالة الحائط و تم إطلاق النار عليهم في الظهر . و ذلك الأمر لا يمكن أن يكون أبدا في خضم معركة . لا مجال لذلك )) .
مذبحة دير ياسين كانت لها تداعياتها . فقد ( أدان ) قادة الوكالة اليهودية و الهاجاناه و الحاخامات الكبار المذبحة ، و استخدمها اليسار للتنديد بسياسات اليمين . و في الخارج تم تشبيه الحادثة بجرائم النازية . و علاوة على ذلك فقد لاحظ المؤرخ بينى موريس في كتابه ( ضحايا صالحون ) أن دير ياسين قد أحدثت آثارا ديموغرافية ( سكانية ) و سياسية عميقة . حيث جعلت أعدادا كبيرة من العرب تغادر أماكنها .
و قد أصبحت شوشانى مهتمة لأول مرة بقصة دير ياسين منذ عقد مضى و ذلك عندما كانت تعمل في مشروع تخرجها من أكاديمية بتسليئيل للفنون و التصميم في القدس الغربية ، و الذي يركز على التوثيق البصري لمستشفى كفار شاؤول الحكومي للأمراض النفسية و الذي بني على أراضى دير ياسين . و من خلال تتبعها لتوثيق إحدى مباني المكان و الذي كان يخدم في الماضي سكان القرى المجاورة و أصبح حاليا جزءا من المستشفى تولدت لديها الرغبة في العثور على صور تاريخية للمذبحة التي حدثت منذ 70 عاما .
و قد شعرت بالمفاجأة عندما وجدت أن المهمة لم تكن سهلة على الإطلاق . فالصور المنتشرة على الانترنت و التي يقال انه تم التقاطها في دير ياسين قد تم التقاطها في صبرا و شاتيلا حسب قولها و هي المذبحة التي نفذتها ميليشيات مسيحية لبنانية بحق مئات من سكان مخيم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان .
في أرشيف الجيش الاسرائيلى أفرجوا لها عن صور منشورة لمقاتلين اسرائليين موجودين بدير ياسين ، و تظهر سلسلة الصور تلك مجموعات من مسلحي ليحى و ارجون ، لكن لا اثر للعرب الذين تم قتلهم .
و في أرشيف الهاجاناه حيث كانت تكمل شوشانى بحثها – مثل طفل ساذج حسب قولها – كانت هناك مفاجأة أخرى في انتظارها . حيث قالت (( ظهر لي رجل كبير في السن و اخدنى في سرية تامة إلى غرفة منزوية و قال لي إنها تحتوى على صور تم التقاطها مباشرة بعد المذبحة )) .
الرجل كان شراجا بيليد و الذي يبلغ من العمر 91 عاما و كان يعمل في قسم المعلومات في ميليشيا الهاجاناه وقت المجزرة . و قد أوضح لشوشانى انه تم إرساله إلى القرية بعد المعركة و بصحبته كاميرا لتوثيق ما رأه هناك . و يقول (( أول شئ رايته كانت شجرة كبيرة قد تم ربط و تقييد صبى عربي بها . و تلك الشجرة قد تم إحراقها . ثم بعد ذلك قاموا بربط الصبي و تقييده بالشجرة و تم إحراقه معها )) . و يواصل (( لقد قمت بتصوير ذلك )) .
و يزعم أيضا انه قام بالتصوير مع على بعد لمجموعات محدودة من الجثث تم تجميعها في محجر قريب من القرية . و قد سلم فيلم التحميض الخاص بالصور إلى رؤساؤه و منذ تلك اللحظة لم ير الصور على الإطلاق .
ربما لهذا السبب فان تلك الصور تعد جزءا من المواد البصرية التي تم إخفاؤها في أرشيف وزارة الدفاع و الجيش و غيرها من مؤسسات الدولة التي تحظر النشر حتى بعد 70 عاما من حدوث ذلك . و قد قدمت شوشانى التماسا للمحكمة العليا بشأن هذا الأمر منذ عقد مضى كجزء من مشروع تخرجها في بتسليئيل . و قد انضمت هارتس للمخرجة في التماسها .
و قد أوضحت الدولة أن نشر الصور سيكون سببا في تدمير علاقات الدولة الخارجية ، و انتهاك حرمة الموتى . و قد حكمت المحكمة العليا برفض الالتماس ، و كذلك بأن تظل تلك المادة غير متاحة أمام الجمهور . و في ذات الوقت تمكنت شوشانى من الحصول على صور أخرى ذات علاقات بالمجزرة ، و من بين هذه الصور صور تظهر مجموعة من الأطفال اليتامى الذين فقدوا أبائهم بعد أن تم قتلهم في دير ياسين .
مازالت مذبحة دير ياسين مستمرة في ازعاج كل شخص اشترك فيها حتى بعد مرور 70 عاما . لا احد يوافق على شخصنة المذبحة .
و قد قام المؤرخ د/ يورى ميليشتاين الذي درس حروب إسرائيل بعمل الكثير من اجل إشاعة نظريات تزعم انه لم تحدث أية مذبحة في القرية . حيث زعم في مقالات كتبها أن ما يثار عن وجود مذبحة محض أسطورة كاذبة .
و قد قالت شوشانى أثناء تجميعها للمواد المتعلقة بالحادثة (( أنا لا اعتقد أن اى شخص يمكن لديه هف المجئ إلى هنا و قتل الأطفال )) . و بالرغم من ذلك فهي تقول أن ما حدث لم يكن معركة ضد مقاتلين و لكن ترويج ما حدث من احتلال مفاجئ للقرية في مواجهة سكان يدافعون عن بيوتهم يعد حجة هزيلة .
هناك العديد على ما يبدو من حالات عزل و اقتلاع السكان و إعدامهم بعد حدوث قتال و ذلك بغرض الردع و التخويف .
تعد مذبحة دير ياسين واحدة من عدة حوادث اشتهرت بتورط مقاتلين يهود في ارتكاب جرائم قتل لمدنيين في ( حرب الاستقلال ) ( النكبة ) و ما بعدها .
مذبحة أخرى غير مشهورة حدثت في كفر قاسم في عام 1956 و التي حدثت في نفس الوقت الذي بدأت فيه الحملة على سيناء . و في تلك المذبحة قتل 48 مواطنا من ( عرب اسرائيل ) ( فلسطينيوا 48 ) رميا بالرصاص على يد قوة من الشرطة . و كما في حالة دير ياسين فان الدولة مازالت تفرض رقابة على المواد الأرشيفية في كفر قاسم .
الرابط الاصلى للمقال
https://www.haaretz.com/israel-news/MAGAZINE-testimonies-from-the-censored-massacre-at-deir-yassin-1.5494094