بيانست (8) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

بيانست (8)

عندما نقتل البراءة بكل حب ..

  نشر في 12 يونيو 2019 .

                          ليس هناك ألم أعظم من أن تحبس بداخلك حكاية لم تروى

                                                                  (مايا أنجيلو)

There is no greater agony than bearing an untold story inside you

(Maya Angelou)

-الغربة-

سبعة آلاف و ثمانمائة و ثمانية و ثمانون يوما على الأرض ..

1) صندوق الألعاب ..

جلست (رهف) واجمة .. بطارية روحها فارغة و تصدر أنينا متصلا يصم أذنيها عن أي صوت سواه .. لازالت تفكر فيما حدث من ذلك الخنزير و لكن ضباب كثيف يغلف عقلها و يجعل رؤية أفكارها صعبة .. واجهت الكثير في حياتها و لكنها منذ باريس و هي تعاني ضغوط لم تتعرض لها من قبل .. و لأول مرة تشعر بذلك العجز و القهر .. لقد إبتزها الوغد و لا تجد بدا من أن تقبل إبتزازه ..

- و إنتم قاعدين فين دلوقتي يا (سهام)

إنتبهت على صوت خالها الذي تراه للمرة الأولى في حياتها و هو يسأل أمها .. فردت هي بدلا من أمها

- في الفندق اللي كان محجوز ل(فرح)

شعرت بالمرارة و هي تقول إسمها .. لقد نسيت في غمار عجزها أختها التي ترقد علي بعد خطوات قليلة في غيبوبة أدخلتها فيها بنفسها ..

- -بحزن- ربنا هيقومها بالسلامة

- إن شاء الله يا أخويا .. من بقك لباب السما

- إنتوا تسيبوا الفندق و تيجو تقعدو معايا أنا و (أليساندرا)

- (أليساندرا) ؟؟

سألت (رهف) متعجبة عدم سماعها للإسم من قبل .. كانت أمها قد قابلتها قبل أن تنصرف الأخيرة إلى عملها

- دي ... دي خطيبة خالك .. معلش يا (صلاح) خلينا في الفندق أحسن

قالتها أمها و هي تتحاشى النظر في عيني أخيها و إن أدرك ما ترمي له .. نعم هو عاش السنوات السابقة كأنه أوربيًا متناسيا أو ناسيا دينه و عاداته .. و أخته لن توافق علي أن تدخل بيته و هو يعيش مع صديقته .. نعم هي حبيبته لكنها بالنسبة إليها صديقته التي لا تربطهما علاقة ..

- أهم حاجة إني شوفتك بعد السنين دي كلها يا (صلاح) أنا كنت بقالي كتير زي اليتيمة و مملاش عليا دنيتي غير الاتنين دول .. (رهف) طول عمرها سند و ضهر ليا أنا و أختها

شوكة وجدت طريقها نحو حنجرة (رهف) فإنغرزت عميقا عميقا فخنقتها و جعلت من الصعب عليها أن تبتلع ريقها .. العبرات بدأت تتحرك في قنواتها الدمعية على إستعداد لكي تقفز نحو عينيها .. كلمات أمها ليست مجرد كلمات .. إنها سكين غير حاد تجز به عنقها جزا

- من النهاردة ماتحمليش هم حاجة يا سهام .. أنا مش هسيبكم تاني .. انتي مش متخيلة أنا عشت حياتي السنين اللي فاتت دي إزاي .. و لولا (أليساندرا) أنا ماكنتش جيت هنا و لا شوفتكم

- ما تحكيلنا يا أخويا .. قولي إيه اللي خلاك بعدت عني كدة ؟؟

أخذ نفسا عميقا دخل إلي صدره ممزوجا بآلام و ذكريات لن تفارق ذاكرته قبل أن يخرجه ممزوجا بمرارة شعر بها في فمه و روحه .. حكى لهم كل ما حدث معه منذ وطأ القارة العجوز و حتى قابلهم اليوم .. ثلاثة ساعات قضاها يحكي لهم عن تفاصيل كثيرة جعلت (رهف) نفسها تشعر بالامتنان ل(أليساندرا) و إنقاذها لحياته الضائعة .. شعرت بالشفقة عليه و رأت فيه الكثير من (فرح) .. كلاهما لا يستطيع مواجهة الحياة وحيدا يحتاجان إلى من يعتمدان عليه .. كلاهما وقعا تحت براثن وحشين إستغلاهما .. فقط لو تعود (فرح) إليهم مرة أخرى .. ستفعل أي شيء يمنع تلك الحشرة من أن يستمر في إستغلالها .. لا تعرف ماذا تفعل بعد و لكنها لن تخذل أختها الوحيدة .. ستسحقه سحقا من أجلها .. فقط لو تعود .. في حين هزت أمها رأسها حزنا و ألما عندما إنتهي من قصته قبل أن تجيبه

- كل واحد فينا شاف كتير يا (صلاح) .. أنا كنت زعلانة منك أوي بالذات بعد ما (حسين) الله يرحمه مات .. و مالقتكش جنبي .. و أنا أختك الوحيدة يا (صلاح) .. أختك ..

بكت و هي تقول جملتها الأخيرة و دمعت عيناها فنهض و قبل رأسها و إحتضنها في حين قالت (رهف) بلهجة لم تستطيع أن تجعلها مازحة كعادتها

- صلي علي النبي يا حاجة .. لولا الظرف اللي إحنا فيه كان المفروض نعمل حفلة لرجوع خالي .. إن شاء الله (فرح) تقوم بالسلامة و نعمل حفلة كبيرة نفرح فيها كلنا .. هتعرفنا على خطيبتك إمتى يا خالو

- -بإبتسامة- حلوة خالو دي .. أحلى حاجة سمعتها من زمان يا (رهف) .. أمك شافتها بس هي إضطرت تمشي عشان شغلها و هتيجي على هنا تاني بعد الشغل .. هي بتشتغل ممرضة في الصليب الأحمر هنا في لندن

- طيب تمام .. النهاردة تتعشوا معانا

نظرت أمها لها في حدة

- عشا إيه يا جزمة و أختك في الحالة دي ؟؟ معلش يا (صلاح) لغاية ما (فرح) تقوم بالسلامة أنا مش هسيب المستشفى

- ما أنا كان قصدي على كافيتريا المستشفى يا حاجة .. و أهي (أليساندرا) ممرضة و واخدة علي أكل المستشفيات .. معلش بقي إنت اللي هتضحى يا خالو و تاكل أكلهم

إبتسمت أمها رغما عنها في حين ضحك خالها و هو يقول

- ما تقلقيش أكلت أسوء منه .. إنت ماجربتيش طبيخ أمك قبل الجواز

ضحكت (رهف) في حين لكمته أمها في صدره و هي تضحك

- ما تقلش كدة يا خالو على طبيخ الحاجة .. أوعدك إنك لو دوقته دلوقتي بقى .. مش هتلاقي أي إختلاف

ضحك خالها بشدة و ضحكت أمها رغما عنها قبل أن تصمت فجأة

- صعبان عليا إننا بنضحك الضحك ده و (فرح) مش معانا .. يا حبيبتي .. ربنا يقومك بالسلامة يا رب.

- هتقوم بالسلامة و نفرح بجوازها من (عمر) كمان

وجمت (رهف) مرة أخري لذكره (عمر) في حين قالت أمها بحرقة

- إن شاء الله .. إن شاء الله .. يا رب

- إيه رأيك يا حاجة تروحي تصلي كدة ركعتين لله و تدعي ربنا .. يمكن تكون ساعة إجابة و لا حاجة

قالتها (رهف) محاولة إبعادها بعد أن خطرت تلك الفكرة في رأسها .. إعتادت أن تكون الأب في عائلتها الصغيرة و لكنها لأول مرة تشعر بالحاجة إلى من يساعدها على تولى زمام الأمور معها .. هي ليست ضعيفة .. و لن تكون ضعيفة .. لكنها تحتاج إلى المساعدة بشدة هذه المرة .. من داخلها هي تكاد تنهار و هي تواجه كل شيء لوحدها و حبيبها تركها و ذهب إلى قارته اللعينة .. لأول مرة تشعر بأنها في حاجة إلى رجل ترتاح في ظله من وهج نيران الحياة حولها .. وجود (فرح) في غيبوبتها .. الكذبة التي تجاهد لتغطى كل ثقب ينكشف منها .. العودة إلى مبارياتها لكي تتم إتفاقها مع الوكالة .. الثعبان الذي يلتف حولهما هي و أمها مبديا ودا ظهرت حقيقته الخبيثة منذ ساعات .. هي متعبة .. متعبة .. خالها ظهر فجاة في حياتها .. رجل .. نعم عرفت مما قاله أنه قضى أكثر من عشرين عاما مسلوب الإرادة .. لكن هل هو صادق في أنه سيقف بجانبهم ؟؟ هل سيسمح لذلك الثعبان بأن يبث سمومه في أجسادهم ؟؟

- عندك حق .. خليك مع (رهف) يا أخويا و أنا هاروح أصلي و أرجع لكم

- أنا هاخد خالي و نشرب حاجة في الكافتيريا يا ماما .. أجيبك شاي و لا قهوة معانا؟؟

- لا يا حبيبتي .. لما أرجع بقى

قامت من مقعدها و تركتهم في حين أخذت (رهف) تتأمل الأرض في شرود

- إن شاء الله هتقوم بالسلامة يا حبيبتي .. ما تقلقيش كدة ..

قالها خالها و هو يجلس بجانبها و يقبل رأسها في حنان .. ظن أن سبب شرودها منبعه قلقها على (فرح) .. نظرت إليه تتأمل ملامحه .. كم يشبه أمها و إن كان هزيلا .. هل ستستطيع فعلا الإعتماد عليه ؟؟ .. لقد عرفت بوجوده منذ ساعات مضت .. هل تستطيع إلقاء بعض همومها عليه الآن ؟؟

- إن شاء الله يا خالو .. يلا بينا على الكافتيريا.

قالتها و قامت من مقعدها و قام معها .. تأبط ذراعها في عفوية و هما يسيران معا بإتجاه الكافتيريا

- سامحيني يا بنتي إني ما كنتش موجود قبل كدة عشان أبقى جنبكم السنين اللي فاتت .. أنا عرفت أبوكي الله يرحمه قبل ما أسافر .. كان و نعم الرجال .. ما تتخيليش أنا إتصدمت إزاي لما عرفت إنه مات في عز شبابه .. الله يرحمه ..

- الله يرحمه يا خالو .. أنا عمري ما شفته غير في الصور .. و بالنسبة للمسامحة يا خالو أنا ماعنديش حاجة أقولها غير إني فرحانة إن بقالنا كبير .. ماما عملت أقصى ما في وسعها عشان ماتحسسناش إننا ناقصنا حاجة لكن الموضوع كان صعب عليها .. أنا عن نفسي حاولت أساعدها في إنها ما تحسش إنها لوحدها لكن برضه .. كان ناقصنا دايماً حاجة .. ناقصنا راجل .. هي الوحيدة اللي لازم تستسمحها يا خالو .. و لو إني أفتكر إنها سامحتك ..

نزلت دمعتان من عينيه مع كلامها لم يستطيع منعهما .. و أحنى رأسه مقبلا رأسها مرة أخرى

- أنا ماكنش ليا عيلة بقالي كتير .. و الحمد لله ربنا عوضني بيكو النهاردة .. أختي و بنتين زي القمر .. (أليساندرا) هتفرح أوي لما تشوفك ..

- بتحبها يا خالو ؟؟

قالتها و إبتسامة باهتة على شفتيها فإبتسم قبل أن يقول

- في أغنية قديمة يا (رهف) كانت بتقول كلنا نحب القمر و القمر بيحب مين .. (أليساندرا) هي القمر بالنسبة لي .. انتي بقى في حد في حياتك يا (رهف) ؟؟

كانا قد وصلا إلى الكافتيريا فسألته متجنبة سؤاله

- تشرب إيه يا خالو ؟؟

- كابوتشينو .. من غير سكر

نظرت إلى المسؤول طالبة منه كوبين من القهوة قبل أن يحملاهما و يجلسان على منضدة

- و ناوي تعمل إيه يا خالو ؟؟

- -أخذ رشفة من قهوته- كنت لسة بفكر أشتغل .. أنا تقريبا عمري ما اشتغلت بس كنت لسة بفكر النهاردة إني لازم أشتغل .. مش عارف هشتغل إيه لسة .. لكن هدور و أشوف .. و انتي أخبار التنس معاك إيه .. أنا بصراحة ماكنتش متابع أي حاجة بقالي سنين و يادوب عرفت من (سهام) عنك و عن (فرح)

- الحمد لله .. أنا لازم أسافر قريب عشان بطولة .. الوكالة هتدفع تكاليف علاج (فرح) و إقامتها هي و ماما .. ماكنتش عارفة أعمل إيه عشان ما أسيبهمش لوحدهم .. لكن وجودك دلوقتي طمني عليهم

- (سهام) حكتلي عالسريع إزاي كنتي شايلة المسؤلية عنها و عن أختك من سنين .. من هنا و رايح ركزي في حياتك و بس .. أنا هابقى راجل البيت من النهاردة .. مسؤلياتكم كلها هتبقى عليا لغاية ما أطمن عليك انتي و أختك مع أجوازكم و أمك مش هتفارقني تاني أبدا .. و ربنا يوعدك بواحد زي (عمر) كدة .. شكله جدع و إبن حلال

فاجأتها كلمته الأخيرة و هي تشرب قهوتها فشرقت و سعلت القهوة .. أسرع هو بمد منديل ورقي إليها أخذته منه لتمسح أنفها و فمها

- خير مالك ؟؟ حد جايب في سيرتك و لا إيه ؟

قالها مبتسما إلا أن ملامح وجهها العابسة أسكتته .. أحس أن عبوسها يداري شيئا بداخلها .. أخذ نفسا عميقا قبل أن يقول

- (رهف) أنا عارف إن أنا لسة بالنسبة لك شخص مش واخدة عليه .. شخص ظهر مرة واحدة في حياتك و أمك بتقولك إنه خالك .. شخص لا كان موجود في يوم ولادتك و لا بعد كدة لغاية ما بقيتي أهو عروسة زي القمر و جاي دلوقتي عاوز يعوض سنين عدت من عمرك ما تعرفهوش فيها .. لسة مش فاهماني و لا عرفاني و لا حتى كنتي تعرفي شكلي قبل النهاردة .. صعب طبعا فجأة تفتحيلي قلبك أو تثقي فيا و انتي لسة مش عرفاني .. و ماكدبش عليكي أنا مش هعرف أعوض اللي فات و لا أغيره .. و مهما سمعت من حكايات منك و من أمك عنكم مش هيكون زي ما كنت عيشتها معاكم .. و الطريقة الوحيدة اللي أقدر أحاول أكفر بيها دلوقتي عن غلطتي إني أبقى معاكم من هنا و رايح و أخدكم في حضني و أبقى بجد راجلكم .. راجلكم اللي تقدري تيجي تحكيله عن مشاكلك و تفتحيله قلبك .. تقدري من هنا و رايح تعتبريني في محل أبوك الله يرحمه .. سركم سري .. و همكم همي .. و صدقيني برضه إني لو قعدت عمري الباقي كله أعمل كدة مش هعوض غلطتي في حقكم .. ماكنتش أتمنى إني لما أقابلكم بعد السنين دي أقابلكم و أختك في الحالة دي .. لكن يمكن ده سبب أدعى إنك تسمحيلي أدخل حياتكم و حياتك بالشكل اللي يخليك مطمئنة .. أنا عارف إن طلبي صعب بس جربي تفتحيلي قلبك و مش هتندمي.

صمتت دقائق تزن كلامه و هي ترتشف قهوتها قبل أن تتنهد خرجت مصحوبة بتأوه

- إنتى في حاجة عارفاها عن حالة أختك و مخبياها عن أمك ؟؟

هزت رأسها بوجوم قبل أن تقول بصوت خفيض مكسور

- مش عارفة أبدأ منين يا خالي .. و مش عارفة هتفهمني و لا لأ .. و لو فهمتني هتقدر تساعدني و لا لأ ... و الأكتر هتبصلي إزاي بعدها ...

قالت العبارة الأخيرة و رغما عنها نزلت الدموع من عينيها .. وقف و سحب كرسيه حتى ألصقه بكرسيها و ربت على كتفها مهدئا قبل أن يعاود كلامه بلهجة مرحة

- عارفه .. و إحنا صغيرين أنا و أمك .. (سهام) كانت غيرانة مني عشان أنا الولد اللي جيه بعديها و سرق الدلع منها .. كانت بتحب تعمل مقالب فيا و تطلعني عيل قصاد أبويا و أمي في يوم جدك جابلنا صندوق خشب عمله عند نجار معرفته عشان تتحط فيه اللعب بتاعتنا أنا و أمك .. الصندوق ده كان كبير كان ممكن نستخبى فيه إحنا نفسنا .. المهم أنا و أمك إتخانقنا على الصندوق يتحط في أودة مين فينا و طبعا عشان أنا الصغير إتحط في أودتي .. نمت أول ليلة و أنا فرحان إن صندوق اللعب إتحط في أودتي أنا لكن من الليلة اللي بعديها صحيت من نومي مخضوض على أصوات هبدة الغطا و حاجة بتخبط جوه الصندوق و روحت جريت على أودة أبويا و أمي أعيطلهم و أقولهم على الصوت جدك قام من نومه و جيه معايا فتح الصندوق و ماكنش فيه حاجة .. طمني و قالي إني كنت بحلم و نيمني تاني .. تاني ليلة إتكرر نفس الكلام قمت جري تاني و روحت أعيطلهم و أصحيهم و جدتك جات معايا المرة دي و برضه مفيش حاجة بس المرة دي قالتلي قبل ما تنيمني إني لو فضلت خايف من الصندوق هتوديه أودة أمك و يتحط عندها .. الليلة اللي بعديها حصلت نفس القصة صحيت من النوم بس خفت أروح أصحيهم لصندوق اللعب يتاخد من أودتي كتمت خوفي جوايا و ما بقتش عارف أنام .. كل ليلة لمدة أسبوع كان بيحصل نفس الموضوع و أنا مابقتش تقريبا بنام غير ساعتين في أول الليل بعدين أفضل قاعد بقية الليل خايف و مش عارف أنام .. وشي إصفر و دبل و عينيا بقى تحتيها أسود و أنا برضه خايف أتكلم لياخدوه من أودتي و يدوه لأمك .. جدك الله يرحمه جالي في يوم و سألني مالي .. خفت أتكلم .. طمني و قالي ماخافش و إنه هيسمعني و يفهمني .. حكيتله على صندوق اللعب و إني كنت خايف أتكلم لا ياخدوه من أودتي و إني ما بحلمش .. حضني و باسني و قالي مفيش حاجة في الدنيا تستاهل إن الواحد يكتم جواه و يتعب عشانها بالشكل ده ..

- و بعدين ؟؟ إيه اللي حصل ؟؟

- و لا قابلين .. طلعت أمك اللي كانت كل ليلة تقوم من نومها و تفتح الصندوق و تشغل زنبلك لعبة و ترميها في الصندوق و تجري على أودتها .. مقلب من مقالبها عشان أخاف من صندوق اللعب و يروح لأودتها .. جدك الله يرحمه اللي إكتشف الحكاية و أخدت ساعتها علقة أتحداك إنها لسة فاكراها لحد دلوقتي

ضحكت (رهف) رغما عنها كثيرا .. أول مرة تسمع عن أمها و هي صغيرة و مقالبها .. يبدو أن عرق الشقاوة إمتد من أمها لها .. إنتظرها خالها حتى إنتهت من ضحكها مبتسما قبل أن يقول مرة أخرى بلهجة مملؤة ندما

- ساعات الخوف على حاجات بسيطة و مش مستاهلة يخلينا عايشين في قلق و خوف و رعب .. كان إيه يعني حتة صندوق لعب يتحط عندي و لا عند أمك عشان أقعد أيام مانمش .. بس الخوف على حاجة هايفة زي دي تعبني أوي .. و لولا جدك الله يرحمه كان موجود و فهمني على الرغم من هيافة الموضوع أنا معرفش كنت هافضل لغاية إمتي في الحالة دي .. للأسف نسيت كلامه ده بعد كدة و أنا عايش مع إنسانة مريضة نفسيا .. يمكن لو كنت افتكرت كلامه ده مكنتش عشت معاها السنين دي كلها بعيد عن الإنسانة اللي حبتني بجد فعشان كدة أنا آخر إنسان ممكن يحكم علي أي حد .. كلنا بنغلط و كلنا لينا ذلاتنا .. إحنا لا ملايكة و لا قديسين .. إحنا بشر .. و لو ماغلطناش يبقى مش عايشين و لا هنتعلم حاجة .. و مفيش إنسان كامل .. و يمكن ده اللي خلى (أليساندرا) تسامحني بعد اللي عملته فيها .. فصدقيني هفهمك و مش هرتاح غير لما أساعدك .. و مهما كان اللي حصل مش هحكم عليكي .. إحكيلي يا (رهف) .. مالك .. طلعي اللي جواكي

كلماته وجدت طريقها داخل عقلها حتى كسرت حاجز خوفها .. حكت له عن سرها الذي يعذبها .. حكت له كيف أصبحت رجل البيت منذ بلغت .. قلبها الذي غلفته بإحكام و أوصدت أقفاله و ألقت مفاتيحه بعيدا .. حكت له عن (چوناثان) .. حكت له عن (عمر) .. حكت له عن الحادث و كذبتها و تورطها مع الوكالة .. لم يتكلم كلمة واحدة أو يظهر أي تعبير يضايقها على وجهه و هو يستمع إليها .. بكت بقوة بعدها جعلته يأخذ رأسها في صدره و يقبله و هو يمسح على شعرها .. منحها حنانا كانت تفتقده .. حنان الأب .. و لأول مرة منذ بدأت المآسي تشعر بالراحة .. كان إعترافها بالأمر خلاصا لروحها التي كانت تحترق في جحيم الكتمان .. أخذ خالها يربط على رأسها بحنان حتى هدأت .. رفعت رأسها و هي تمسح بقايا الدموع في عينيها و تنظر إلى المائدة في شرود في حين إحتضن خالها يديها بيديه و هو يقول في صوت هادئ خافت

- أنا مش مصدق إنك كاتمة ده كله في قلبك و ساكتة يا (رهف) .. بتقوليلي هابصلك إزاي بعدها ؟؟ .. ده أنا لو كان ليا بنت ماكنتش أتمنى غير إنها تكون زيك .. انتي بت جدعة و بميت راجل .. وقفتي مع أمك و أختك و شلتي مسؤوليتهم لوحدك .. الحادثة مش غلطتك .. و لا غلطة حد .. ده قدر و نصيب إن أختك تكون موجودة في المكان ده .. أنا من اللي شايفه دلوقتي و من اللي عملتيه أنا متأكد إنك لا يمكن تئذي (فرح) و انتي قاصدة .. و بالنسبة للواد (چوناثان) ده .. فشكله واد جدع .. اللي يخليه يعمل اللي عمله ساعة الحادثة يقول إنه بيحبك و عاوزك و خايف عليكي .. واحد زي ده أنا هكون مطمن عليكي معاه .. و كفايه إنه بيحبك و بتحبيه و في ده بالذات أنا أكيد هقف جنبك .. الحب أحلي حاجة في الدنيا يا (رهف) و لو جالك ما تضيعهوش من إيديكي .. أما بالنسبة بقى للكلب إياه فده سيبهولي أنا هتتصرف معاه ..

- هتعمل إيه يا خالو ؟؟ -قالتها بصوت مهموم-

- مش عارف لسة .. بس لا يمكن أسيبه يستغلك و يستغل أختك و أمك و أقعد ساكت .. هلاقي صرفة معاه أوعدك .. و من هنا ورايح أنا خالك و أبوكي و صاحبك يا (رهف) تعاليلي أرمي عليا همومك و هتلاقيني جنبك

إحتضنته بشدة بعد كلماته هذه و إحتضنها هو في حب ممزوج بحنان إكتسبه من حبيبته المدافعة عن البشرية ..

- يلا بينا إحنا سايبين أمك بقالنا كتير .. تعالي نشوفها و نقعد معاها .. و إياك تجيبلها سيرة صندوق اللعب إياه

ضحكت بشدة و إحتضنت ذراعه و هما عائدين إلى أمها .. بداخلها لأول مرة في حياتها تشعر بذلك الشعور الذي إفتقدته .. الأمان.

سبعة آلاف و ثمانمائة و ثمانية و تسعون يوما على الأرض ..

2) الذئب و الحمل ..

لا مفر من المواجهة .. لا مفر .. بطبيعته يكره المواجهات المباشرة .. الصدام مع لاعبين أكبر منك حجما و أقوى و أسرع لن يجعلك شخصا حكيما .. أو شجاعا!! .. و كل الناس أكبر منه حجما و قوة و سرعة .. فلماذا يصطدم بهم في صراع يدرك نهايته مقدما .. لقد وعد (رهف) بأن يتولى الأمر .. و لكنه أدرك بعدها أنه كان يطلق وعودا فارغة من فوهة شجاعته .. شجاعته التي مازالت تقريبا جديدة (Brand New) و لكن بلا ضمان .. شجاعته التي لم تختبر من قبل سوى مرة واحدة منذ خمسة عشرة عاما .. و وقتها .. وقتها خذل أحب إنسان إلى قلبه .. بداخله كان يشعر بأن (عمر) لا يختلف كثيرا عن زوجته اللعينة .. فقط الفرق بينهم هي الأرض التي يمشون عليها .. أحدهم يمشي على أعلاها و الأخر ينام على الجانب الأخر .. بتوتر جعل عرقه يغلف جبهته إستمع (صلاح) إلى (فرح) تخبرهم بموعد زواجها من (عمر) .. نظر إلى الأرض بعدها متجنبا النظرة القادمة لا محالة من (رهف) تستنجد به أن يساعدهم .. ذات الرداء الأحمر تستنجد به أن ينقذها و أمها و أختها من الذئب .. لكنها إختارت حملا ليساعدهم ضد الذئب!! .. رفع عينيه نحو (أليساندرا) يستنجد بها من ضعفه .. و جبنه .. آملا أن يقتبس قليلا من شجاعتها .. نظرت إليه و على وجهها إبتسامة سعيدة أضافت بارودا إلى شجاعته الفارغة .. و هو مازال متحاشيا عيني (رهف) أخذ شهيقا متقطعا ملأ به جنبات رئتيه شاحنا به خلايا شجاعته .. حرر حنجرته من ذبول أحباله الصوتية بنحنحة و مَسح جبهته المبتلة بالعرق بأطراف ثلاثة أصابع قبل أن يقول و هو يلهث و يقاوم قرعات قلبه ليتحاشى المواجهة كعادته ..

- (عمر) ممكن تيجي معايا نجيب حاجة من الكافتيريا .. حد عاوز قهوة ؟؟

لبى (عمر) رغبته و قام واقفا في حين أشارت (رهف) إلى أنها تريد واحدة .. أعاد السؤال بالايطالية ل(أليساندرا) قبل أن يغادر مع (عمر) الغرفة و يتوجها ناحية الكافتيريا

- ماسمعتش مبروك يعني يا خالو ..

قالها (عمر) و هو يسير بجواره مبتسما كاشفا عن أسنان صفراء .. نظر إليه (صلاح) متأملا ملامحه .. ذقنه نصف النامية .. عينيه الخضراء .. بشرته السمراء .. يشبّه إلى حد كبير الرجل الذئب في الأفلام الأجنبية .. إرتجف قلبه خوفا من المواجهة المرتقبة .. مواجهة بين حمل و ذئب و لكن هذه المرة الحمل هو الذي يسعى نحو الذئب لا يهرب منه .. لم يرد على (عمر) و إستمر في طريقه نحو الكافتيريا و هو يحاول أن يجد بداية للمواجهة لا تجعله يخسر من اللحظات الأولى .. لم يعلق (عمر) -لحسن الحظ- على عدم الرد على جملته .. لو علق لكان لأربك أفكار (صلاح) التي يحكمها بالكاد .. وصلا إلى الكافتيريا .. أرض المعركة و المواجهة التي إختارها .. لا مفر الآن .. تذكر لحظاته مع (أليساندرا) و إبتسامتها الأخيرة له منذ لحظات محاولا إستمداد الشجاعة منها .. يا ليتها كانت بجواره الآن .. لسوف يشعر بأنه أقوى و أقدر .. إلتفت إلى (عمر) و نظر إليه في عينيه مباشرة .. إنظر إلى خصمك في عينيه مباشرة و أشعره بمدى قوتك و إستهانتك به و سيدمره ذلك نفسيا و معنويا -لماذا عينا هذا اللعين هادئة و قوية هكذا؟؟-.. ابعد الأفكار السلبية عن مخيلتك و تذكر لحظاتك السعيدة و إستمد منها الأفكار الإيجابية -لقد خذلت (أليساندرا) من قبل .. و خذلت أختك .. و من قبلهم خذلت نفسك .. فمن ستخذل تاليا ؟؟!!- .. خصمك ليس شريفا فلا تنتظر منه ان يحترم صمتك طويلا -ليت الصمت يستمر إلى الأبد- .. إنقض عليه بكل قوتك و عزمك و إرادتك و لتبدأ الجولة و لينتصر الأنقى و الأطهر و الأشجع -لكن هل أنا الأطهر أو الأنقى ؟؟- .. إستدعى ريقا من جوف أصابه الإحتباس الحراري بجفاف قبل يقول بلهجة حاول حشر أكبر قدر من القوة فيها..

- أنا عارف كل حاجة على فكرة

لماذا يبدو صوته مرتعشا مهتزا فاقدا الثقة على الرغم من إستماتته لجعله قويا ؟؟؟ .. بداية الجولة من جانبه ضعيفة للغاية !!!

- عارف إيه ؟؟ -قالها (عمر) بهدوء-

- عارف كل حاجة و مش لازم أوضح .. و إنت فاهم و بلاش نلاعب بعض بالكلام

يا إلهي .. لم يصدق أنه قال هذا الكلام و أنه بهذه المهارة .. مهارة تحاشي المواجهة!! .. أو مهارة الإلتفاف في دائرة مغلقة مبهمة إلى مالانهاية ..

قطع (عمر) الإتصال البصري -لحسن الحظ مرة أخرى- و أدار عينيه بين الموائد قبل أن يختار مائدة مقاعدها خالية و على سطحها ثلاثة أطباق و كوبين يحتوون جميعا على بقايا طعام و شراب .. جلس (عمر) على إحدى مقاعد المائدة و وضع ساقا فوق ساق بهدوء و ربت على المقعد المجاور داعيا (صلاح) أن يجلس عليه و هو يبتسم في هدوء مثير للأعصاب .. اللعين يحصره في ركن الحلبة و يحدد موقعه من البداية .. كم يشبه بهذا اللعينة التي حددت موقعه في بيتها من قبل !! .. قطب (صلاح) حاجبيه قبل أن يفاجأ بأن قدميه و جسده يتابعان ما حدده له (عمر) و يجلس على المقعد !! .. جلس .. كتفاه خذلتاه فإنحنيا لأسفل .. خواطره جعلت رأسه ثقيلة على رقبته فبذل جهدا أعاد صبغ جبهته بعرقه لكي يحتفظ بها قائمة في مواجهة هجمة الذئب المنتظرة ..

- بص يا (صلوحة) .. معلش .. كلمة خالو دي تقيلة أوي أصلها .. و إنت مش كبير للدرجة عشان أقولهالك .. و بما إنك مش عاوز نلاعب بعض فأنا هتكلم براحتي من غير ما أذوق الكلام .. ماشي ؟؟

هجم الذئب و أنشب أنيابه في مركز كرامة الحمل فسالت قطرات من شجاعته الظاهرية و إرادته .. هز (صلاح) رأسه موافقا متعجبا من إستسلامه بهذه السهولة له و الجولة لم يمضي عليها أكثر من دقيقة أو إثنين ..

- موضوع جوازي من (فرح) ده أمر منتهي .. و بما إنك عارف كل حاجة زي ما بتقول يبقى إنت عارف إن المحروسة بنت أختك الصغيرة هي اللي دخلت خطيبتي حبيبتي في الغيبوبة .. و هي اللي خلتها تفقد السمع و تبقى طرشا .. و أنا دلوقتي بضحي بنفسي و بربط مستقبلي بواحدة طرشا .. إنت متخيل يا (صلوحة) حجم التضحية اللي أنا بعملها دلوقتي ؟؟ إنت متخيل أنا بضحي بإيه كشاب عشان أساعد (فرح) اللي أختها خسرتها سمعها ؟؟

- إنت .. إنت إيه يا أخي .. إنت واطي كدة إزاي ؟؟

ردة فعل لا إرادية من الحمل الذي لم يتحمل أنياب و مخالب الذئب المغروزة في خاصرته و تتسلى بتمزيق لحمه و روحه و رجولته!!

- تؤ تؤ تؤ .. ما يصحش تقول الكلام ده لجوز بنت أختك .. أختك اللي إنت كنت سايبها لوحدها مع بنتين في الغربة و قاعد تتسرمح في إيطاليا و عايش حياتك هناك .. إهدا كدة و ما تعش الدور .. اللي إنت محموء عشانها دي إنت ماكنتش تعرف حاجة عنها من شهر بالضبط .. و لا حتى فكرت تدور عليهم .. إنت لولا قابلت أختك بالصدفة و لا كنت هتبقى خالو و لا حد كان هيسمع عنك .. بص أنا مقدر موقفك .. عرفت حاجات مش و لابد عن العيلة اللي إنت بقالك سنين ماتعرفهاش .. و بنت أختك جاتلك بتقولك ساعدنا .. على الرغم من إني مستغرب إنها هي اللي عملت كدة في أختها و إنت عادي كدة .. بس ما علينا .. من غير لف و دوران .. الجوازة ماشية .. و أي كلمة إعتراض منك أو من بنت أختك المستخبي هيبان .. و في كل الصحف كمان .. أنا صحفي أصلا و شغلتني فضايح الناس و بلاويهم .. بلاش تلعبوا معايا لمصلحتكم عشان رد فعلي هيزعلكم .. هيزعلكم أوي ..

أنشب الذئب مخالبه بين ضلوعه و نزع قلبه و يتسلى بمضغه بأنيابه الآن .. و يا ليته يأكل القلب بعد أن يمضغه .. بل يبصق كل مضغة و قطعة في وجه الحمل بعد أن يلوكها بين أسنانه .. كانت الهجمة هذه المرة أقوى من قدرته على التحمل و هو وحده .. لم يستطيع أن يجاهد أكثر من ذلك لينظر إلى عيني الذئب .. أشاح بوجهه جانبا ناظرا إلى المائدة المجاورة لهم و هو يقاوم أن تنزل دموعه أمام ذلك الوغد كي لا يفقد ما تبقى من فتات كرامته -هل تلك الشقراء على المائدة المجاورة تستمع لنا أم إنني أتخيل؟؟-

إنتهت المعركة بخسارة الحمل كما كان معروفا منذ البداية .. لم تكتمل حتى الجولة الأولى حتى نهايتها .. لسنا في قصص الأطفال الرائعة حيث ينتصر الحمل على الذئب الشرير لأنه الأطهر و الأنقى و الأشجع .. بل نحن على أرض الواقع حيث ينتصر الذئب دائما لأنه الأقوى و الأحقر و الأشرس .. منتشيا بفوزه غير العادل وقف (عمر) مبتسما و هو يتأكد من هندام رابطة عنقه و يلقي نظرة على الشقراء زرقاء العينين الجالسة على المائدة المجاورة قبل أن يقول بلهجة بدت مرحة رغم كل شئ

- يلا .. يلا بينا نجيب القهوة و نرجع لهم .. مش عاوزك تطلع كداب قصاد أختك و بنات أختك ..

قالها و هو يتجه نحو ماكينة القهوة و ينظر نحو (صلاح) ليلحقه .. لثوان ظل جالسا في مكانه .. طعم الهزيمة ليس جديدا عليه .. لقد ألفه طوال عشرين عاما حتى أصبح طعم الإنتصار غريبا و غير مستساغ بالنسبة إليه .. لكنه لن يحتمل أن يرى نظرة الخذلان في عيني (رهف) هذه المرة .. هذا أكثر من طاقته على التحمل .. لأول مرة يدرك أن (رهف) تشبه إلى حد بعيد (أليساندرا) و للمرة الثانية يدرك أن كلتاهما وضعتا ثقتهما فيه .. إستند على المنضدة ليستطيع القيام من مكانه .. الشقراء تنظر إليه و في عينيها نظرة لم يفهمها .. نظرة شفقة .. هل تفهم العربية ؟؟؟ .. بأرجل معدنية تجاهد السير علي سطح مغناطيس تحرك نحو (عمر) .. لماذا هو ضعيف هكذا؟؟ لماذا هو مثير للشفقة هكذا .. ماذا تجد فيه (أليساندرا) كي تحبه كل هذا الحب ؟؟ .. وجد (عمر) منتظرا أمام ألة توزيع القهوة مبتسما كذئب

- يا ريت إسبرسو ليا و إنت عارف الباقي

نظر إليه (صلاح) و لم يستطيع حتى رسم الإندهاش على وجهه .. بهدوء .. بإستسلام .. بضعف .. مد يده في جيبه و أخرج النقود و أودعها بداخل الألة تاركا (عمر) يختار ما يشاء ثم مد يديه ليحمل كوبين القهوة اللذان مد (عمر) يديه بهما إليه ليحملهما .. رشف (عمر) من كوبه رشفة قبل أن يبدأ السير نحو حجرة (فرح) دون أن يهتم إن كان (صلاح) بجواره أم لا .. ثلاثة خطوات .. بالضبط ثلاثة خطوات عدها (صلاح) قبل ان يلتفت (عمر) و يقول بلهجة مرحة

- زي ما قلتلك .. أنا عارف إن (رهف) هي اللي حكيتلك و هي اللي خلتك تتكلم معايا النهاردة .. بص .. أنا برضه جنتلمان .. مش عاوز أطلعك صغير قدامها كدة و إنت المفروض يعني .. يعني .. كبيرهم و كدة .. -قال الجملة الأخيرة بسخرية و سادية من يستمتع بسحق كرامة غيره- و عشان بس تعرف إني راجل .. و جدع .. أنا هسافر على مصر .. يعني .. لغاية ما (فرح) تخرج بالسلامة إن شاء الله و نعمل الفرح في مصر .. غالبا ده هيخلي (رهف) تفتكر إنك أثرت عليا و كدة .. و إنت بقى من هنا لغاية ما (فرح) تخرج بالسلامة تشوف إزاي تخلي الدنيا تمشي من غير ما صورتك تتهز قصاد بنت أختك .. دي مشكلتك .. بس مش هضغط عليك و هديك وقت تحلها .. يلا يلا .. شد حيلك كدة و تعالى بينا نرجع على الأودة..

قالها و عاد ليتوجه إلى غرفة (فرح) و أكمل طريقه .. نظر إليه (صلاح) و هو يبتعد .. بروح مخنوقة ثقيلة لم يحتمل .. لو كان الأمر عليه فقط لإحتمل كما إحتمل عشرين عاما من قبل مع إمرأة سادية لعينة .. الآن .. لن يتحمل أن يصيب أحد غيره مكروه .. الذئب إنتهى من الحمل و تركه في النزع الأخير و يتوجه الآن نحو عائلته ليلتهمهم .. لكن الذئب لم يأخذ في حسبانه أن النزع الأخير للحمل قد يكون قاتلا .. قد يكون قاتلا للذئب .. و (عمر) ذئب يجب أن يقتل!!!!!!

ثمانية آلاف و ثمانمائة و ثمانون يوما على الأرض ..

3) إعترافات ..

وقفت (خلود) خارج المعهد في الحديقة تتأمل بشرود طابور من النمل يسير نحو حفيرة صغيرة في أرضية الحديقة .. أفكارها و خواطرها كانت تسبح معهم حتى جحورهم .. أراحت مرفق ذراعها الأيمن على راحة يدها اليسرى و أمسكت بيدها اليمنى سيجارة مشتعلة عمرها نفسان فقط سحبتهما من قلب السيجارة بقبلتين عميقتين من شفتيها .. كانت قد فقدت الكثير من وزنها جعلها تماثل نحافة (فرح) تقريبا و إن إختلفت في أن جسدها كان مكتمل الأنوثة .. شعيرات بيضاء تخللت شعرها الأشقر .. لفحتها نفحة حارة من نفحات شهر أغسطس في وقفتها فأضافت نفسا ثالثا إلى عمر السيجارة سحبته بسرعة قبل أن تطلقه بزفرة حارة و تقتل السيجارة تحت حذائها عالي الكعب و تسرع إلى باب المعهد مرة أخرى .. قابلتها بترحاب برودة الجو المكيف حين فتحت الباب فأخرجت قطعة علكة نعناع من حقيبة صغيرة معلقة على كتفها الأيمن قذفتها في فمها قبل أن يبدأ فكاها في ميكانيكية إعادة تشكيل العلكة بين ضروسها و هي تسرع الخطى نحو قاعة الپيانو.. تعالى صوت كعبي حذائها معلنا عن قدومها و هي تدخل القاعة فلفتت إنتباه (مصطفى) .. أمسك عكازيه تأهبا للقيام لها فأوقفته بإشارة من كف يدها و هي تبتسم برقة .. كان (مصطفى) جالسا على إحدى مقاعد المتدربين يسار مدخل القاعة يراقب (فرح) الجالسة أمام جهاز ال(ڨايبروكورد) و ظهرها للمدخل فلم تلاحظ قدوم (خلود) .. في حين توجهت (خلود) نحو المقعد المجاور ل(مصطفى) و إستعملت ظهر المقعد كعلاقة لحمل حقيبتها قبل أن تجلس بجواره تشاركه مراقبة (فرح) و هي تعزف على الجهاز ببراعة لا تقل عن براعتها عندما كانت تعزف على الپيانو.. تصاعد لحن غريب في الهواء لم تتعرفه (خلود) .. ألحان لا تمت في درجاتها و إيقاعاتها إلى أي شئ درسته أو علمته من قبل .. قطبت حاجبيها محاولة التعرف على اللحن لكنها فشلت فنظرت متعجبة إلى (مصطفى)

- إيه اللحن ده ؟؟ .. أول مرة أسمعه

إصطبغا وجنتي (مصطفى) باللون الأحمر و هو مازال يراقب (فرح) .. لمس بأطراف أصابعه طرف نظارته قبل أن يقول

- (فرح) طلبت مني إني أسجل حوار لينا مع بعض أنا و هي .. بعدين أحذف صوتها و أحول الصوت لذبذبات .. بيتهيألي اللحن ده هو النغم اللي ألفته من ذبذبات صوتي ..

الدهشة في العينين الزرقاوتين جعلهما تتسعان و يرسم إبتسامة رقيقة على شفتين أسفلهما .. نظرت إلى (فرح) مرة أخرى و أخذت تركز في اللحن هذه المرة و عقلها يعمل في جانب أخر في نفس الوقت .. اللحن فاتنا .. موسيقى جديدة تبدعها (فرح) بتأثير صوت (مصطفى) هذه المرة .. (فرح) مغمضة العينين و على وجهها إبتسامة طالما رأتها عندما عزفتا معا .. (فرح) سعيدة .. (فرح) تعيش ما تعزفه هذه اللحظة .. شكرا لك دكتور (مصطفى) .. أعدت لنا شيئا لا يمكن أن تتخيل قيمته عندي .. أعدت إلى أختي الصغرى إبتسامة تاهت طويلا .. (فرح) أصبحت جاهزة للعودة إلى الأضواء بفضلك .. بفضل عملك .. بفضل حبك!!! .. تصاعد اللحن بسرعه و تتداخلت نغماته بطريقة مفاجئة .. إبتعدتا شفتا (خلود) عن إحداهما الأخرى و وجدت نفسها بلا وعي تتنفس بسرعة مع اللحن ..ما هذا ؟؟ .. لقد خبرت الكثير مع (فرح) .. لكن لأول مرة يؤثر لحن تعزفه (فرح) عليها هكذا .. لأول مرة تشعر بنغماته بهذه القوة .. لأول مرة تتنفسه!! .. (فرح) نفسها تلهث و هي تعزف .. ملامح وجهها تعكس تعبيرات لا يجرؤ قلم على وصفها .. هل هذا ناتج عن إندماجها مع العزف ؟؟ .. أم أنها تصارع شيئا ما ؟؟ .. نظرت إلى (مصطفى) بطرف عينيها فوجدت ما حسبته .. هو أيضا ينظر إلى (فرح) و صدره يعلو و يهبط بسرعة مع اللحن المتسارع .. ما الذي تفعليه يا (فرح) ؟؟ ..

- دكتور (مصطفى) .. إنتو كنتو بتتخانقوا ؟؟

ضاعفت النظارة نظرة الدهشة في عيني (مصطفى) و هو يقول ..

- لا .. أبداً .. أنا .. أنا .. زيك مبهور باللحن .. غريب .. حلو .. مش عارف .. مش لاقي له وصف مناسب!!

لم تقل شيئا أخر و إن وافقته الرأي .. ليس له وصف مناسب!! .. أوقفت الأفكار و الخواطر في ذهنها و فتحت كامل أذنيها لسماع اللحن الذي تعزفه (فرح) .. على الرغم من براعتها الموسيقية و تاريخ عائلتها الموسيقي .. إلا أن هذا اللحن بالأخص لا يشبه أي شئ سمعته من قبل .. اللحن متعدد المقاطع .. مقطع يصعد بك عاليا .. مقطع يطير بك طيران حر في الفضاء .. مقطع يجعلك ترغب بالبكاء .. مقطع يجعلك تتماسك كي لا تتسع إبتسامتك بشدة .. ما الذي تفعلينه يا (فرح) ؟؟ .. فجأة توقفت (فرح) عن العزف فلم تتمالك (خلود) نفسها إلا أن تقف و تصفق بقوة .. فاجأها صوت تصفيق هادر صادر من يمينها .. إلتفتت لتجد العديد من العاملين بالمعهد و بعض العازفين واقفين بجوار المدخل و حولها جذبهم اللحن و مثلها لم يستطيعوا منع إنبهارهم .. الإبتسامات في وجوه البعض .. البعض ترك لدموعه العنان .. البعض يلهث!! .. لقد إختبر كل منهم إحساس مختلف في نفس المعزوفة .. (فرح) نفسها مازالت مغمضة العينين ..تلهث .. لا تسمع التصفيق و لا ترى من حولها .. التصفيق و كلمات المستمعون ملئوا روح (خلود) بالفخر .. رغما عنها قفزت دمعتان تلألئتا في عينيها قبل أن تنسابان على وجنتيها .. نظرت إلى (مصطفى) فرأته مطأطأ الرأس و عينيه مغمضتين .. نظارته في يديها اليمنى و كف يده اليسرى تسند جبهته .. إستغرق منها الأمر لحظة لتلاحظ البقعة المبتلة تحته رأسه على الأرض و التي لم تعني سوى فقدانه التحكم على غدده الدمعية أيضا !!

- دكتور ..

لم يجب على الفور ندائها .. إستغرق لحظات على وضعه قبل أن يجيب دون أن ينظر لها

- أنا أسف .. إتفضلي ؟؟

صوت الدموع في نبرته لا يمكن أن تخطئها أذن إمرأة

- إنت كويس ؟؟

لم يجب .. فقط هز رأسه قبل أن يمسح عينيه و يرتدي نظارته و هو يرفع رأسه و يتحاشى تلاقي عينيهما

- أنا كويس .. -مغيرا الموضوع- إيه رأيك .. تفتكري إنها بقت جاهزة تعزف تاني؟؟

لم ترغب في أن تضغط عليه و هو في هذه لحظة ضعفه .. إبتلعت ريقا بطعم النعناع و نظرت إلى (فرح) التي لم تلتفت إليهم و أخذت تداعب مفاتيح الألة عازفة لحنا تقليديا .. في حين وقف بعض الحاضرين يستمعون لها و هي تعزف و يتحدثون و إنصرف البعض الأخر

- ممكن تستغرب من اللي هقوله دلوقتي .. أنا عمري ما سمعت لحن في حياتي ل(فرح) أو لغير (فرح) بالقوة و التأثير ده .. (فرح) عزفت حالا اللي عمرها ما عزفته قبل كدة .. لو أي ناقد أو عازف سمع اللحن اللي لعبته دلوقتي و اللي ألفته من ذبذبات هيبطل يألف أو يعزف تاني .. (فرح) جاهزة ؟؟ .. (فرح) عدت (فرح) اللي قبل الحادثة .. و الشكر ليك يا دكتور!!

لم يجب .. فقط تسارعت أنفاسه كأنه يقاوم شئ ..

- دكتور ممكن نتكلم برة .. لوحدينا ؟؟

هز رأسه موافقا و جذب عكازيه المستندين إلى جانب مقعده و إعتمد عليهما ليقف .. وقفت (خلود) و أراحت ظهر المقعد من حمل حقيبتها .. ألقى (مصطفى) نظرة طويلة على (فرح) لم تغب عن (خلود) قبل أن يلتفت إليها داعيا إياها في أدب أن تسبقه .. إستدارات و بدأ كعبي حذائها يصاحبان خطواتها بدقات متناغمة على الأرضية الخشبية و صاحبها (مصطفى) بإيقاع طرقات عكازيه على الأرضية .. خرجا من باب القاعة و توجها إلى كافيتريا المعهد .. بعض العاملين و العازفين و المدربين و المتدربين إحتلوا أركان الكافتيريا الأربع فلم تجد (خلود) إلا مائدة واحدة خالية في منتصف القاعة و تقوم عاملة ما بتنظيف سطحها ممن جلسوا عليها من قبل .. توجهت نحوها و سحبت مقعدا بيدها اليمنى و علقت عليه حقيبتها و إنتظرت حتى إقترب (مصطفى) من المائدة و سحب مقعدا مقابلا لها .. إستند على ظهر المقعد و المائدة ليجلس فجلست هي تضع ساقا فوق الأخرى .. نظرت للعاملة مبتسمة و هي ترفع يدها اليمنى قابضة أصابعها و تاركة السبابة والإبهام منتصبين في إشارة معروفة بمعنى قدح من (Filtered Coffee) .. نظرت العاملة ل(مصطفى) فهز رأسه مبتسما قبل أن ينظر نحو المائدة .. إنصرفت العاملة في حين قربت (خلود) مطفأة سجائر معدنية موضوعة على المائدة نحوها و هي تمد يدها بداخل حقيبتها و تخرج من أحشائها علبة سجائر و قداحة فضية

- عندك مانع أدخن ؟؟

هز رأسه نفيا و لا مَس طرف نظارته .. هو ليس بمدخن و لكنه اعتاد التعامل مع النساء المدخنات في كندا حتى أضحى ذلك طبيعيا حوله و ليس بغريب عنه كما كان في مصر .. الشئ الغريب له حقا هو طلبها الإذن بالتدخين .. أخرجت (خلود) سيجارة من العلبة أودعتها بين إصبعي السبابة و الوسطى قبل أن تلتقط منديلا ورقيا من علبة موضوعة أمامها .. غطت بالمنديل فمها و بصقت العلكة المنتهكة بداخله قبل أن تطبق الكفن الورقي عليها و تودعها في مثواها الآخير في قلب المطفأة .. أطبقت على طرف السيجارة بشفتيها صابغة إياه بلون أحمر باهت قبل أن تستخدم القداحة لإشعال الطرف الآخر و هي تمتص عصارة النيكوتين ثم تطلق سحابة بيضاء من فمها لأعلى بزفرة .. بدأت الكلام فجأة بدون مقدمات و هي تمسك مرفق ذراعها بكف يدها الأخرى و تعلق السيجارة بجانب رأسها في الهواء

- دكتور .. أنا إتعودت طول عمري إني أكون صريحة و أدخل في المواضيع مباشرة .. ما بحبش اللف و الدوران

نظر إليها مندهشا من بداية كلامها فلمس طرف نظارته و لم يجب

- أنا عارفة إنك بتحب (فرح) .

قالتها و هي تبتسم برقة و تنظر في عينيه مباشرة .. قالتها ببساطة و هي تستعد لسحب نفس آخر من السيجارة .. قالتها كأنها تخبره بأن الطقس جميل و أن الشمس مشرقة .. أما (مصطفى) فلو كانت أخبرته بأن لون بشرته أخضر أو أن له قرون إستشعار فوق رأسه لما أصابه الفزع مثلما إنتابه من جملتها هذه .. إتسعت عيناه من خلف النظارة في ذعر و ظهر إرتباكه و ذعره و هو يلمس طرف نظارته ألف مرة قبل أن يقول بنبرة دفاعية:

- حضرتك بتقولي إيه ؟؟ .. أكيد في سوء تفاهم .. أنا بالنسبة لي الأنسة (فرح) موضوع دراسي مش أكتر .. أه ممكن أكون معجب بيها كإنسانة .. لكن مش أكتر .. هو حضرتك ليه بتقولي كدة ؟؟؟؟

إتسعت إبتسامتها وهي تنتظر لأن ينتهي من كلماته الدفاعية المبعثرة .. طريقتها المباشرة الصريحة دائما تصيب الآخرين بالإرتباك .. قالت فور إنتهائه من بعثرة كلماته في هدوء:

- دكتور .. أنا مش عارفة بس .. أنا متأكدة.. أكبر دليل إن حضرتك أثبت نجاح التجربة من زمان و كان ممكن تسافر مع باقي الفريق لكن مفيش حاجة تخليك فاضل هنا لغاية دلوقتي غير إنك بتحبها

فتح فمه ليرد و لكنها قاطعته و هي تقول بهدوء

- دكتور .. من فضلك إهدا .. أنا مش بهاجمك و لا بكشف سرك .. الستات يقدروا يحسوا بمشاعر الرجالة اللي حواليهم سواء كان إعجاب أو حب .. و أنا مش صغيرة عشان ما أعرفش أفرق الحب من الإعجاب .. و على فكرة .. أنا سعيدة إنك بتحبها .. (فرح) أختي الصغيرة .. و أنا نفسي ترجع زي ماكانت و أحسن .. نفسي ترجع تعزف زي ما بتحب .. و تعيش الحب زي ما كانت عايشاه .. و بالذات لو مع إنسان محترم .. بيحبها .. ساعدها وقت ما إحتاجت مساعدة ماكنتش في إيدينا .. إنسان جالها في وقت كانت بتغرق فيه و مد لها إيديه و عافر لغاية ما طلعها .. النهاردة (فرح) و هي بتعزف كانت مختلفة .. اللحن حتى مختلف .. لحن مبني على صوتك !! .. (فرح) بتعبر عن اللي جواها بالموسيقى .. و اللي قالته النهاردة و هي بتعزف يخليني أقولك شكرا ليك

أطرق بوجهه لأسفل و تسارعت أنفاسه حين أتت العاملة تحمل القهوة و تضعها على المائدة مقابل (خلود) .. أخذت (خلود) تمتص عصارة سيجارتها في هدوء و لم تنبس بكلمة و هي تراقب (مصطفى) .. بدأت أنفاس (مصطفى) تهدأ قبل أن يرفع رأسه نحوها و يشرد ببصره إلى يمينها .. تحركت شفتاه ببطء قائلاً:

- أنا سافرت لهنا مخصوص عشانها .. التجربة كلها و الدراسة كانت عشانها .. من يوم ما عرفت باللي حصل و أنا ماقدرتش أرتاح غير لما عملت الجهاز .. أنا كنت معجب بيها من قبل ما أشوفها و أتكلم معاها .. لكن بعد ما عرفتها .. حبيتها -تسارعت أنفاسه مرة أخرى مقاوماً شيئاً ما- .. (فرح) تتحب من غير أي مجهود منها .. (فرح) مش إنسانة عادية .. دي ملاك .. أنا لا شفت و لا هشوف إنسان ببرائتها .. لكن للأسف .. أنا عرفت الملاك ده متاخر

- أنا مبسوطة ان أنا بسمع الكلام ده .. بس مش متأخر و لا حاجة .. على فكرة أنا حاسة إن (فرح) جواها مشاعر ليك

هز رأسه و تلألأت عيناه و هو يقول مقاطعا

- (فرح) بتحب خطيبها اللي مات .. (فرح) ما بتتكلمش غير عليه .. (فرح) مش شايفة غيره .. تصدقي .. أنا بحسده !! .. حتى و هو ميت بحسده ..

وجمت (خلود) عند ذكر (عمر) .. سحبت جرعة كبيرة من نيكوتين سيجارتها و أحرقته في صدرها قبل أن تطلق دخانه بزفرة قوية .. و تنظر بشرود إلى قدح القهوة الموضوع أمامها متأملة البخار المتصاعد منه و هي تقول

- دكتور .. أنا بطلب منك .. أنا بترجاك .. إنك تساعد (فرح) تنسى (عمر) .. مفيش غير إنسان زيك بيحبها .. بيحبها بإخلاص هو اللي ممكن يساعدها ..

- و إذا كانت هي مش عاوزة مساعدة .. ليه ..

- -مقاطعة بحدة- دكتور .. لو سمحت إسمعني!!

نظر لها متعجبا من حدتها .. لمس طرف نظارته و لم يعلق .. أطلقت (خلود) زفرة حارة قبل أن تقول

- أنا أسفة .. إني إنفعلت ..

قالتها و هي مقربة الحاجبين و في عينيها نظرة ألم .. هز رأسه بأن لا مشكلة .. أخذت الجرعة الأخيرة من السيجارة قبل أن تودع بقيتها في المطفأة .. أخذت رشفة من القهوة و هي تنظر له بشرود فإحترم صمتها و نظر نحو المنضدة .. أخذت نفسا عميقا سحب معه الهواء من الكافتيريا و هي تقول

- ممكن أئتمنك على سر ..

نظر لها متعجبا لثانية قبل أن يومئ برأسه إيجابيا .. أطلقت زفرة حارة لفحت وجهه على الرغم من مبردات الهواء قبل أن تبدأ الكلام .. إستمع إليها في أول الأمر بهدوء قبل أن تبدأ عيناه بالاتساع من الدهشة رويدا رويدا.

4) الغربة ..

بهدوء إستمرت (فرح) لعدة أيام تحت إشراف (خلود) و (مصطفى) تعزف على جهازها الجديد .. إكتشفت أنها رغم محاولاتها للتدريب منذ الحادث إلا أنها فقدت شئ من مهاراتها الموسيقية .. لهثت و هي تعزف شاعرة بأن أصابعها متحجرة يابسة قد أصابتها الحادثة بصدأ لم تستشعره عندما كانت تُمارس العزف الصامت .. إستغرق تذويب النغمات المجمدة في مخزون عقلها وقتا ليصبحوا صالحين للإستخدام مرة أخرى .. بهدوء ساعدتها (خلود) على إزالة الصدأ الذي غلف فكرها من تعرضه لعوامل الصمم و الإحباط لعامين كاملين حتى إستعاد بريقه و تألقه .. بحماس لم يتوقف (مصطفى) عن إزالة بقايا اليأس المحترق و السخام من روح (فرح) حتى إستعادت بعض من نقاءها و برائتها .. بصبر بدأت تستعيد لياقتها الموسيقية و تتفاعل مع الذبذبات الموسيقية .. لم تكن الذبذبات لتستبدل ما كانت تشعره عند سماعها الموسيقى و نغماتها الرشيقة لكنها كانت راضية حاليا عالمة أنها أحسن هدية قدمت لها مؤخرا .. وصلتها الوحيدة الآن إلى أطياف عالمها القديم .. نافذة فٌتحت لها خصيصا لترى ما كانت تعيشه يوما .. إلا أن شروط اللعبة واضحة .. فقط يمكنك المشاهدة لكن لا يمكنك العودة إلى هناك .. فقط لو تعثر على تسجيلا لصوت (عمر) و تحولها إلى ذبذبات لتشعر بلحن صوته الحبيب مرة أخرى .. لكن هيهات .. ضاع صوته مع ماضيها و عالمها المفقود .. بل أن أكثر ما تخشاه هو أنها بدأت تنسى صوته في عقلها!! ..

جلست إلى المقعد تستمع عبر الذبذبات إلى لحن أبدعته و عزفته يوما على إيقاع كلمات (عمر) .. ملمس المقعد البارد .. حركة الذبذبات على ظهرها إلي عقلها .. رغما عنها نزلت دموعها و هي تتذكر كل مقطع حاكه عقلها يومئذ .. كانت تغمض عينيها في هذا الجزء بإستمتاع و هي تسمع نغمة كلمة (وحشتيني) من فمه في مخيلتها .. إبتسمت بشدة في هذا الجزء و صدى كلمة (فاهمك) يتردد بين ثنايا عقلها .. فارت الدموع من عينيها في هذا الجزء و عذوبة إيقاع كلمة (بحبك) يحتل كل خلية في عقلها ألف مرة .. أحست بيد توضع على كتفها فجفلت و إعتدلت في جلستها و مدت أصابعها سريعا تُمسح بهم دموعها المنهمرة من عينيها قبل أن تنظر إلي من قاطع خلوتها لتجد (خلود) أمامها .. رأت القلق في عينيها و هي تنظر إليها مباشرة في عينيها .. حولت (فرح) عينيها سريعا من عين (خلود) إلى شفتيها

- انتي كويسة يا فيفي ؟؟ مالك ؟؟

واصلت (فرح) مسح عينيها بظهر كفيها مجاهدة كي لا ينقطع إتصالها بشفتي (خلود) و هي تقول

- مفيش .. اللحن ده بس أثر فيا شوية ..

- و من إمتى ده بيحصل ؟؟ عمري ما شفتك بتعيطي من سماع أي لحن

القلق في عيني (خلود) و الفزع في تعبيرات وجهها و حركات جسدها .. تنهدت بضيق قبل أن تقول

- يمكن عشان اللحن ده أنا ألفته مخصوص عشان (عمر) ..

قالتها بصوت لم تسمعه لكنها واثقة أنه كان مبحوحا .. مكسورا .. محطما .. بهتت (خلود) للحظة عندما ذكرت إسم (عمر) قبل أن تشيح بوجهها جانبا و تضم قبضتيها بعصبية و على وجهها إرتسم تعبير لم تفهمه (فرح) و إن أثار حنقها .. تعبير سئمت و كرهت رؤيته في عيون الآخرين .. قناع طفولي سخيف يدعي القلق و الإهتمام يرتديه كل من حولها .. أمها و أختها .. جيرانها و زملائها في العمل .. جميع من تقابلهم و تعرفهم .. و الآن (خلود)!!!! .. قلقهم رواية ركيكة ساقطة يقرأونها عليها للمرة الألف بعد المليون .. إهتمامهم مشهد من فيلم قديم ممل و عليها أن تعيد تمثيله للأبد .. الكل يتعامل معها برفق مبالغ فيه .. بإضطراب مبالغ فيه .. الجميع يخنقون روحها و هم مؤمنون بأنهم يراعونها!!! .. مشاعرهم نحوها تابوت حديدي حار خانق مبطن بالحرير!! .. روحها المثقلة لم تعد تحتمل ردود أفعال من حولها على كل شئ .. على كل حركة .. كلمة .. ذلة .. بعصبية نهضت من على المقعد و هي تتحاشى النظر إلى وجه (خلود) و هي تقول

- أنا مش عارفة ليه أي كلمة عن أي حاجة قبل الحادثة أو عن (عمر) بتضايقكم؟؟ .. كأن أنا مش من حقي أفتكر أي حاجة عشتها!! .. لازم يعني ألغي من عقلي كل اللي عشته عشان ترتاحوا ؟؟ .. إنتم مالكم و مالي ؟؟ .. إنتم مالكم و مالي ؟؟ سيبوني في حالي بقى.

ألف قنبلة نووية غاضبة إنفجرت في أعماقها و خرجت نيرانهم و حرارتهم من فمها نحو (خلود) .. رشاش آلي أطلق جميع طلقاته الحية على (خلود) .. لم تسمع كلامها و لم تدرك أنها قالته بصراخ و بعصبية و بحدة .. لم تدرك ذلك حتى نظرت إلى (خلود) فوجدتها تنظر إليها في صدمة و ذهول .. نزل الندم بردا و ثلجا على نيران غضبها فإنطفئت .. اللمعان في عيني (خلود) مصدره دموع تهم بأن تعلن عن نفسها .. أختها الصغرى و تلميذتها النجيبة تصيح عليها بهذه العصبية لأول مرة .. إعصار تسونامي أغرق قلبها تحت أمواج من الندم .. جرت الخطوتين اللتين تفصلانها عن (خلود) و أحاطت ظهرها بذراعيها قبل أن تقول مقاومة هروب دموعها من عينيها

- أنا أسفة يا (خلود) .. أنا أسفة .. أنا مش قصدي أزعق كدة .. و لا قصدي أكون عصبية كدة .. تعاملكم معايا مخليني بحس إني حالة خاصة .. فيا حاجة غلط .. و ده بيجنني .. بيجنني .. أنا أسفة يا (خلود) ..

لم تجب (خلود) .. فقط أحاطت (فرح) بذراعيها و بهدوء ربتت بذراعيها على كتفيها و عينيها تشردان بعيدا .. قطرتان من حمض حارق سالتا من عيني (خلود) إلى قلب (فرح) مباشرة فألهبتاه .. تحطم سد عمورية في عيني (فرح) فنزلت دموعها أنهارا

- أنا أسفة يا (خلود) أرجوكي ما تعيطيش .. ما تحرقيش قلبي أكتر من كدة .. أنا غصب عني إتعصبت .. و ماكنش قصدي ..

تنهدت (خلود) و أعادت الإتصال البصري بعيني (فرح) و هي تقول

- أنا لا يمكن أزعل منك .. لا يمكن .. انتي مش متصورة انتي عندي غالية إزاي .. صدقيني لا يمكن تتصوري و لا يمكن تتخيلي أنا ممكن أعمل عشانك إيه .. اليومين دول و أنا بقضيهم معاكي على الجهاز الجديد من أسعد أيام حياتي كلها .. انتي أكتر من أخت أو تلميذة ليا .. انتي أجمل إنسان قابلته في حياتي .. عمري ما إتصورت لك غير الأحسن .. عارفة لما طلعتي الأولي في مسابقة سيدني .. أحلف لك إني فرحت لك أكتر ما فرحت لنفسي لما طلعت الخامسة .. أنا بس صعبان عليا التغيير اللي حصل لك .. مش عشان موضوع ودانك .. خالص .. لكن مش انتي (فرح) اللي أنا عرفتها طول عمري .. مش انتي .. أنا عارف اللي حصل ماكنش قليل و لا سهل .. بس مش عارفة .. مستغربة (فرح) الجديدة ..

رفعت (فرح) ذراعيها من على ظهر (خلود) و أنزلت برفق ذراعي (خلود) من على كتفيها و قطعت الإتصال بأن سارت نحو المقعد الموضوع أمام الپيانو الكبير .. الپيانو الذي إعتادتا العزف عليه سويا منذ سنوات مضت و حتى ظهور (مصطفى) و جهازه .. جلست على المقعد بهدوء و هي ناظرة إلى مفاتيح الپيانو بشرود .. رفعت يديها و أراحتهم على المفاتيح برفق تاركة أصابعها تستشعر ملمس سطح المفاتيح البارد .. قبل أن تقول دون أن تلتفت إلى (خلود)

- مستغربة (فرح) الجديدة ؟؟ .. .. مستغربة .. (فرح) .. الجديدة .. عارفة يا (خلود) .. الكلام اللي هقوله لك ده دلوقتي أول مرة أقوله لأي إنسان .. و لا ماما و لا (رهف) يعرفوه حتى .. أنا عارفة إنك جربتي الغربة أول ما جيتي هنا .. جربتي إنك تعيشي في بلد غريبة بعيدة عن أهلك .. و بالذات باباك الله يرحمه اللي كنت عارفة علاقتك بيه ازاي .. لكن .. جربتي تبقي حاسة بالغربة و انتي بينهم ؟؟ .. و مش يوم و لا إتنين .. لااا .. كل يوم .. كل يوم .. من ساعة ما فقت و أنا مستغربة كل حاجة حواليا و كل حد حواليا .. نفس الناس .. نفس الوشوش .. بس في حاجة غلط .. حاجة محسساني إني ماعرفهمش .. كل يوم بحاول بجد إني أتعود عليهم بس مش قادرة .. غصب عني .. الوحيد اللي كان بيحسسني إنه الوحيد اللي مش غريب عني كان (عمر) .. بس حتى هو كمان راح .. مابقاش في حاجة تخليني أحس بالأمان في الغربة دي ..

جلست (خلود) من ورائها .. أو بمعنى أصح وقعت على أقرب مجلس .. ساقاها لم تحتملا كلمات (فرح) فسلمتا جسدها للمقعد .. جلست و هي تلهث في بكاء تكبح جماحه ..

- -مستكملة و هي مازالت تتلمس مفاتيح الپيانو- عارفة .. أنا كل يوم بدخل الأودة اللي ياما نمت فيها قبل كدة .. بحس إن فيها حاجة غلط .. حاجة مش فاهماها .. حاجة محسساني إنها كلها غريبة عليا .. السرير هو نفس شكل السرير اللي كنت بنام عليه قبل الحادثة و الحيطان هي الحيطان بصوري عليها .. بس مش هما .. شبه القدام يمكن .. بس مش هما نفسهم .. مستغرباهم .. مش قادرة أعرفهم و لا أتعود عليهم مع إني بقالي سنتين بستخدمهم .. حتى أهلي .. لا ماما هي ماما و لا (رهف) هي (رهف) .. و لا حتى انتي انتي .. كلكم غير الناس اللي عرفتها قبل الحادثة و عشت معاهم و بينهم .. كلكم ناس غريبة عني .. لا و إيه .. عاوزين تقنعوني إن أنا اللي إتغيرت .. مش إنتم اللي إتغيرتم!!! .. لا الشوارع هي الشوارع .. و لا طعم القهوة اللي بحبها هي .. و لا ريحة الأكل اللي بحبه هو .. حاسة إني صحيت في عالم تاني .. عالم كله بيمثل إنه زي اللي كنت عايشة فيه .. و مش عاجبه إني مش متعودة عليه .. تايهة .. تايهة و مش عارف أرجع لبيتي و لا لأهلي و لا لأي حاجة بحبها .. مسجونة … و مش عارفة و لا فاهمة إيه اللي عملته عشان اتسجن ..

بصوت خنقته دموع محتبسة حاولت (خلود) كبح جماحها .. نظرة شاردة على عينيها جعلها تغفل أن (فرح) لا تراها و لا يمكن أن تقرأ شفتيها

- أنا أسفة يا (فرح) .. أسفة بجد ..

بدأت (فرح) تنقر مفاتيح الپيانوفجأة دون أن تنظر .. تعالت نغمات سوناتا ضوء القمر ل(بيتهوفن) (Moonlight Sonata) و هي تكمل كلامها:

- لما كنت بسمعكم .. كان كل حاجة سهلة .. بصدقكم .. و مرتاحة معاكم .. عارفة كل شئ حواليا في حدود كلامكم .. طريقة كلامكم .. نغمة كلامكم .. مكنتش محتاجة أكتر من كدة عشان أكون (فرح) اللي انتي تعرفيها .. دلوقتي .. عشان مش قادرة أسمعكم بقرأ شفايفكم .. بقرأ وشوشكم .. بقرأ حركات جسمكم .. و مش عاوزة أقولك إيه اللي بقرأه .. مش عاوزة أقولك إيه اللي بتقولوه من غير ما تتكلموا .. مش عاوزة أقولك إني ازاي مش قادرة أكمل كدة .. اللي بقراه يخوف و يقرف .. اللي بقراه خلاني أحس بالوحدة .. مش عشان مفيش حد حواليا .. أنا حاسة بالوحدة و أنا وسطكم .. مفيش حاجة فضلة لي .. مفيش حد فاضلي .. حاسة إني بغرق .. بس مفيش حد يساعدني .. مفيش حد يمد لي إيديه .. مفيش حد

صمتت (خلود) تماما و دموعها تسيل في هجرة جماعية لعينيها دون صوت قبل أن تقوم من على مقعدها و تمسك حقيبتها و تعلقها على كتفها فأضافت إلى همومها أثقالا أحنت ظهرها و هي تغادر قاعة الپيانودون أن تودع (فرح)

- -مكملة عزفها- عارفة .. كل يوم مفيش حاجة بتخليني أكمل لليوم اللي بعديه غير أمل ضعيف .. إن أنا نايمة و بحلم بكابوس و إن أنا لما هصحى هلاقي نفسي في بيتي بين ماما و أختي و (عمر) .. لما هصحى هلاقي المعهد و أقعد على الكرسي بتاعي و أعزف على الپيانوبتاعي ..

قالت و هي تستدير لتعيد التواصل مع (خلود) لتقرأ شفتيها و تراها

- و دلوقتي بتقوليلي إنك ….

قطع عباراتها أنها لم تجد (خلود) .. إتسعت عيناها الدامعتان في دهشة .. هل كان كلامها حادا إلى هذا الحد .. لاأول مرة تتقيأ أفكارها السوداء علنيا .. لأول مرة تطلع أحدهم على صديد روحها المتقيح في هذا العالم .. لأول مرة تكشف عن البتر الملوث بروحها لأحدهم فأصابه الإشمئزاز و هرع هاربا منها .. جلست على مقعدها مرة أخرى و سقطت رأسها لأسفل لم يوقفها إلا إصطدام ذقنها بجيدها .. ثوان و بدأت عينيها تسقط محتوى غمامتها على فستانها مكونة بقعتين مبتلتين لم يستغرقا سوى ثوان ليتحدا في بقعة واحدة كبيرة أخذت تتسع تدريجيا .. 


  • 1

   نشر في 12 يونيو 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا