ساحة واسعة .. ممتلئة بمئات من البشر ..
بمئات من اهات الوداع بمئات من دموع و امانِ و دعوات ..
وحده كان يقف .. سارحا .. و ابنته ذات الاثنى عشر ربيعا .. محتضنة اثنين من اصابعه ..
و كأنها اودعت فيها .. ما لا يستطيع لسانها ترجمة ما يمتلىء به قلبها
يقلب نظره ما بينها و ما بين عينى زوجته .. المرسوم فيهما الف خوف .. الف قلق .. الف حب
جالسون فى ساحة انتظار .. و قد خيم عليهم .. صمت الالسنة و كلام العيون ..
رأى فى عينى زوجته .. التناقض الساكن فى قلبه .. ما بين ضيق ذات اليد و رغبة فى السفر .. و ما بين قلب يملؤه اشتياق و كره لذاك السفر
نظر الى عينى ابنته التى ارهقها الجلوس .. فأسندت راسها الى فخذه .. و رفعت بقدميها على الكرسى ..
تأملها .. تأمل تلك العينين اللتين لم تلوثا بأى شىء بعد .. تأمل يديها الصغيرتين .. الممسكتين به .. و كأنها رغم نومها العميق .ز تخاف ان يهرب منها ..
يمر باصبعه على وجنتيه و على حلقها .. تذكر يوم اشتراه لها .. كيف فرحت به .. و كيف بكت و احتضنته من الألم حين ثقب الصائغ اذنيها لاجل الحلق
أترى سوف تقدر على سفره .. أترى سوف يقدر هو على ان يبتعد عنها ..
يمر الوقت .. ميعاد الطائرة يقترب .. ..
يحمل حقيبته .. و يقبل زوجته على جبينها .. يرجوها الا توقظ ابنته .. سار كى يضع حقائبه .. و يختم جواز سفره
خلال الممر المؤدى الى الموظف الذى يختم جواز السفر .. مر عليه الكثير
نجاحه فى الثانوية .. فرحة دخول الجامعة .. اول لقاء فى الكافتيريا .. أول حوار .. خطوبتهما .. احلامهما المستقبلية
وعودهم التى قطعوها .. زواجهما .. فرحه بحمل زوجته .. فرحته لرؤية جزء منه حى على الارض
اول كلمة نطقتها طفلته .. فرحته الشديدة بها ..
ضيق الحال .. موت ابيه .. موت امه التى لم تحتمل فقدان ابيه ..
مديره المتسلط .. راتبه العقيم .. ديونه لعلاج ابنته ..
حضن ابنته و رعشتها .. عندما حلمها الى مستشفى فى وحشة الليل و برده
سخطه على الكون و تلك البلد التى لا تعترف بعدل ابدا ..
ثم قراره بأن يسافر .. بعدما واتته الفرصه كى يسافر .. و بعده عن تلك البلد
قطع حبل افكاره .. صوت بكاء ابنته .. أدرك انها قد استيقظت .. أسرع .. لا يريد ان يعلق صوت بكائها بقلبه
ينظر الى موظف المطار .. يغتصب ابتسامة ترتجف وراءها سيول من دموع
يرفع الموظف يده .. يختم جواز السفر .. قائلا له " بكلمة يقولها الاف المرات فى اليوم الواحد "
"توصــــل بالسلامة "
تمت ..