رؤى الحجاز

فيصل البكري

تعتبر "العائلة" هي اللبنة الأساسية لبناء الروابط الإجتماعية التي يقوم عليها المجتمع. وهي المؤشر على مدى رقي وتداخل النسيج الواحد بين أفراد الأسرة التي تعكس قوة ذلك التلاحم والترابط بين أفرادها.

ومن هنا فان دور "مجلس العائلة" يعتبر دورآ مهمآ لإحياء الدور الجماعي مقابل الدور الفردي في كافة الأمور المعيشية بين الإخوة وأبناء العمومة.

والمتتبع للتاريخ يؤكد بأن "الحجاز" كان له السبق في إنشاء تلك المجالس. وهي جديدة على المجتمع "المكي" الذي برز فيه أعيان الأسر صاحبة المكانة المرموقة عند الدولة العثمانية بصفة خاصة.

فأول من انشأ المجلس العائلي عام ١٠٨٦هـ. هو الشيخ الأوحد الأمجد الأفندي شيخ الحرم المكي أبوبكر بن عبدالقادر بن صديق بن سليمان البكري الصديقي. الذي تولى الإفتاء في بلد الله الحرام سنة ١١١١ هجري. إضافة لتوليه منصب أمين "الجامِكيَّة" أي مرتَّب خُدَّام الدَّولة وموظَّفيها بأمر سامي عالي. وتوليه كتابة الصر الشريف. حيث أقام رحمه الله "المجلس العائلي" في داره العامر "بالدشيشه" موقع بين الشعب والحرم من جهة الصفا.

فقد تقاطرت الناس من علماء ومفتيين وفقهاء "الحجاز" قاطبة على تهنئته بتأسيس ذلك "المجلس" الذي يعد أول مجلس في بلد الله الحرام يضم أعيان "السادة البكرية بني الصديق"

ولم يختصر ذلك "المجلس" على أفراد أسرتنا. بل تعدى لحدود المصالحات بين أفراد المجتمع المكي بصفة خاصة.

حتى انه عندما أختلف كل من الشيخ "عبدالواحد الشيبي" والشيخ عبدالله الشيبي. بمن أحق بالحصول على مفتاح الكعبة. بعد مرض الشيخ "عبدالواحد الشيبي" الذي أراد أن يفرغ مفتاح الكعبة لأبن إبنه.

فقد وجهه الشريف "زيد بن سعد" أمير مكة. أمر حل الخلاف فيما بين الإثنين إلى الشيخ (المفتي) أبوبكر بن عبدالقادر البكري الصديقي. لمكانته وعلو قدره بين عامة الناس في مكة المكرمة. فيما أثنى الشريف "سعد بن زيد" ببشائر المجلس العائلي الذي انشاؤه الشيخ أبوبكر بن عبدالقادر.

وقد أتبع المجلس العائلي "لأسرتنا" مجالس أخرى من كبار وأعيان الأسر المكية عامة.

فكان لأسرة بيت (الشيبي) نهج فيما أقدمت عليه أسرتنا. وقامت بإنشاء مجلس عائلي يختص بتوريث "مفتاح الكعبة" كابر عن كابر ضمن إطار التفاهم دون نزاع فيما بينهم.

ثم قام بعد ذلك مجلس السادة "الكتبية" ومجلس عائلة الزبيري القرشي. ومن ثم المجلس الخاص بالأشراف من ذوي بركات.

ومن هنا فإن دور "المجلس العائلي" له روافد إجتماعية ينعم بها أفراد الأسرة الواحدة لتي أصبحت اليوم النواة الأساسية لإحياء النسيج الإجتماعي وفق آلية الترابط الأسري وتفعيل دوره داخل العائلة.

متمنيآ أن يعاد لنا المجلس العائلي كما طرحته شخصيا في "إجتماع مكة" ليكون المرجعية لحل أي خلاف والوقوف مع كل مضطر ومحتاج من أفراد العائلة. ويكون نافذة ممتدة من الأجداد لحاضرنا ومستقبل أجيالنا القادمة والله الموفق…