أطفال كونيون - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أطفال كونيون

هيام فؤاد ضمرة

  نشر في 10 فبراير 2022 .

أطفال كونيون

يستقون ويسقون

***************

إنما لأحفادنا عرى انتماء

نوارس عشق وقلوبنا لهم الشط

يُفرحني كثيرا ذلك الصغير المنتشي بسنواته الخمسة، ذكاؤه الاحتيالي يعبؤني بالسعادة، فهو يُبدي ذكاءاً عاطفياً صحياً، تتبدى ملامحه بوضوح في شخصية الطفل، يرى نفسه بسنينه الخمسة وقد أصبح نجم المرحلة، ومركز الإهتمام، وعنقود القلوب الذي لا يُضام، فيستعرض حركاته وشقاواته اللذيذة بخفة دم أثيرة، مزهوا بأنه بات كبيرا واعيا مجريات ما حوله، أما هذه الشقاوات اللذيذة التي يمارسها وهو يبتسم تلك الابتسامة الساحرة التي تغريك بأن ترد عليها بنفس جمالها، كونه يعلم بداخله أنه مُحتال صغير مُثير للإعجاب، يتقن فنون احتياله بذكاء ظاهر، وبعبقرية طفولية محببة، يدفعك للضحك من أعماق قلبك، وأنامله الصغيرة تعزف سيمفونية السعادة على أوتار فيك بالغة الشعور، تستنشق عبيرها بذروة الإحساس، بدل استنفار عصبك وانفجار عصبيتك، فبعض الأطفال لطفولتهم وهج رائع مثير للإعجاب، فيكون بمثابة شجرة عطرية وارفة الظلال كثيفة الأغصان، تأتي تصرفاته بعفوية بالغة لا تستطيع إلا أن تقابلها بحنان وبتفاعل جاهز، فوجودهم إلى جانبك بالحياة رياض مزهرة مؤهلة لمنحك ثمار القدر اللذيذة الطعم في لحظات تفيض حبوراً .

الأطفال ورقة بيضاء زاهٍ لونها، لا تخدشها الأنامل، ولا تقاربها سنان الشوك، حلم ينبعث من بين ثناياك تغمره رؤى مغزولة من أشجان وتحنان، تمنحك من وهجها سعادة غامرة تتسلل إلى عقلك وقلبك فتزداد بهم فخراً وشدوا، وتتوجك ملكاً لأجمل اللحظات وأجل المشاعر، قبل أن تعيدك لمكانك من الحياة، فيشتعل ذهنك بهم بأحلام جامحة تفيض بنجاحات مثيرة منقوشة على دروب المستقبل، فتزداد إليهم شوقا كلما غابوا عن عينيك، وتتلقفهم بالأحضان كلما أقبلوا بزهوة ابتسامتهم إليك.

هذا الإنسان الصغير عمراً، والضئيل حجماَ، والجميل صورةً، والرائع عاطفةً، هو حفيدي بلسم فؤادي وبسمتي الصادقة الصادرة من أعماقي.. وأحفادي جميعهم هم (قرة عيني) يتحرك لهم بداخلي فيض من الحب والحنان حد التعلق، أحبهم بقدر حبي لأبنائي ( وأقصد هنا أبنائي الإناث والذكور) فهم امتدادي وفيهم قدر من جيناتي، لا يشكل عندي فرقا انتماءهم الأسري، فجميعهم أحفادي فلذة قلبي، وقد وسعت لهم مكانا براحاً لوجودهم فيه، يتصدرون اهتمامي ومشاعري، ويستكملون نجاحاتي بهذه الحياة الضاجة بالحركة والتقدم والتحضر.

يزن هو إسمه، وشقيقته الجميلة رقيبة رعايته تكبره بعامين اسمها ياسمين، وللأسماء جرس جميل تستقبله أذناي بحنين عاطفي مكتنز بالمشاعر، تفيض وتفيض حتى تصنع نهراً متدفقاً، يجري حثيثاً عكس كل الاتجاهات داخلي، لأنه يجرى بدمي وعقلي وقلبي متجولاً بكل خلية من خلاياي، ومارا على جميع محركات مشاعري وإحساسي.

هناك علاقة وثيقة أزلية تربط الأحفاد بجديهما للأم، وجديهما للأب، إنها أجمل وأسعد ترنيمة تدق طبلة أذنيهم فتحيلهم إلى السعادة بقلوب متراقص نبضها، ونفوس شغوفة بالحنين والشوق، وبسمات متسعة باتساع بهجتهم..

عشنا عمراً مديداً مشغولين بمسؤولياتنا تجاه آبائهم وأمهاتهم والأسرة عموماً، رغم ذلك الشغف الجميل الذي كان يشدنا إلى فلذات كبدنا، لكنها الحياة بزحمة متطلباتها وكثرة مسؤولياتها، حكمت علينا أن نتقاسم الأدوار، ونقتسم الوقت من أعمارنا لكل شيء قدراً، كم من الأشياء كنا نؤجلها رغم حبنا لها ورغبتنا لمزاولتها، إنما أولويات الحياة شدتنا بيد قوية فانسقنا متشبثين بتلابيبها.

زيارة بيت الجدة من أكثر الأشياء إثارة التي يرغب بها دوما حفيداي، بمجرد عبورهما مدخل البيت يشع بأرجائه الضياء، تمتلئ زواياه بالأصوات السعيدة، والحركة اللولبية التي تستدير لها نظراتنا بكل سعادة، فالحب بيننا متبادل، يشدنا إلى بعضنا بأواصر لا تقبل البتر، نشكل لهم ملاذأ محبوبا آمناً، وطاقة ايجابية غنية بالتلقين العملي والنظري، وجودنا بجانبهم يمنحهم الدعم الآمن لوجودهم وتفاعلهم، علاقة حميمية تتخللها البراءة بكل النقاء والتلقائية المشفوعة بود فطري خاص، ففي طفولتهم لا مجال لخاصية التفاوت في الثقافة أو في الفجوة الحضارية المحكومة بتفاوت العمر، فهناك علاقة تبادلية صحية بيننا وبينهم، فهو عطاء مدفوع الأجر إنما أجره السعادة لا المادة.

بمجرد إلقائي نظرة إلى ملامح حفيدي تتراءى في أفقي مظاهر البراءة بقسماته الدقيقة، ونظراته المعبرة المثيرة، وتصرفاته التي تتصف بالتربية الجيدة، عيناه تبدوان نجمتين تومضان ببريق الذكاء، وسط هالة من الشعر الأسود الكثيف الناعم، المسترسل حتى أعلى عنقه، تتقافز خصلات شعره مع كل حركة من حركاته مما يمنحه جاذبية مرهونة بسطوة الإعجاب، ولابتسامته المتموضِعة على وجهه البيضاوي الصغير سحراً عجيباً يثير بي كل أشكال التدفقات الايجابية، فيمنحني من تلك الطاقة الايجابية ما يشع بداخلي النور والدفء، ويثير بي رغبة جامحة لعناقه وتقبيله بحبٍ حانٍ، لولا ذلك التحفظ الذي يراعي الحيطة والحذر من قانون وباء كورونا لفعلت ذلك بكل شغف..

فالأطفال أحاسيسهم مرهفة، وأحاديثهم مشوقة، وتعاملاتهم الذكية محببة، لهذا فالأطفال أحباء اهلأ وملائكة الأرض، فأنا أعتبر الطفل جزء من روحي، وميلي إليه عابق بالمحبة والتحنان، مشاعر فياضة كرشفة هنية تروي الأضلاع بشغف الإحساس، تخلو من أي ذرة مشاعر سلبية، فقلبه الصغير ما زال بكراً لا تشوبه ما يشوب قلوب الكبار، وقلبي الحاني الذي اعتاد حب الأطفال جميعهم، فبأي شكل سيكون عليه حبي لأحفادي؟ وأنا التي تفيض لهم أمواج حبها حتى الثمالة، يحتضنه امتداد شاطئ أضلعي بأصداف شراييني، حتما سيكون حباً فريداَ مقياسه عظيما.

من كرم الله علينا أن يمنحنا الامتداد القويم بالأحفاد، ومن كرم الأقدار أن ترزقنا المحبين الأخيار والمتألقين على دروب الارتقاء، ومن كرم الزمان علينا أن يذيقنا جماليات ما يهبنا الله من عطاياه، فتستضيء الدنيا من حولنا بضياء عهد يستمطر مشاعر الفرح الجميل والاستشعار بالآتي الأجمل، ويزداد احساسنا جمالا بكل حدث طيب يرتقي بنا وبهم لأسمى شعور وأجل نتائج ذات قيمة عليا.

أحاول التعمق بداخلي لاستخراج تلك الترددات التي تهطل غزارتها من سحائب مشاعري تجاه حفيدي، هذا الحفيد الذي تتراقص لإقبالاته مشاعري، ففي حين شقيقته تأخذ القدر الأكبر من اهتمامي وحبي لوضوح نبوغها وارستقراطية تصرفاتها، وانفتاح عقلها بنباهة وحصافة تتواءم مع سنينها السبع من عمرها، إلا أن يزن يمتاز بشخصية منفردة لا تستنسخ ولا تقلد، يصنع لنفسه شخصية مغايرة كلياً عن والديه وشقيقته، بأسلوب التعامل يرتكز أحيانا على المصالح لكنها مصالح طفولية ترتقي إلى غايات بسيطة ومحببة كرغبته تكرار زيارة بيت الجدة على أوقات متقاربة، وأحيانا على الاستئثار باهتمام وحب خالته لنفسه، لكن عند ولوجك صميم قلبه تكتشف فيه حنانا من نوع عذب صاف سلسبيلاً، فيبادر بتقديم العون لوالدته بترتيب غرفته وتنظيفها دون أن يتلقى الأوامر بذلك، لأن بداخله الرغبة لفعل ذلك ليسعد والدته بعمله الايجابي فرضاءها عنه غاية.

وتحضرني في هذا المقام كلمات صديقتي الشاعرة ريما البرغوثي إذ تقول في الشوق لينبوع يسقي قلوبنا الظمأى بالسعادة أمام حاجتنا القصوى للحظاتها التي تنتشلها نفوسنا في زحمة هذه الحياة التي يتضاعف فيها شتات الروح أمام أنكاد الأحداث:

أشتاقُ نسمةً طيبةٍ تجتاحُني== صوتاً يُغازلُ وحدتي صداحا

أبغي سنابلَ كالضفائرِ جدِّلت== مثلَ النُّضارِ تُغازلُ الأرواحا

أشتاق دفئا في الشتاتِ يَضمني== عقلاً شغوفاً نيراً لماحا

أحتاجُ ملئَ الخافقين أحبةً== ليسوا من الأطيافِ أو أشباحا

ما أروع أحبة يتضاعف غلاهم فينا، وفيهم رضىً يملأ النفس شدواً شجياً صدَّاحا، يُغلفون أفئدتنا بحبهم وميلهم إلينا لا يُخالطه مما يراه الناس انزياحاً، فهم الترنيمة لحياتنا يمنحونا الرغبة بالعيش، فلا نستنكر فيهم قدرنا مما رزقنا الله، ولا نتخاذل في توقير حياة باذخة العيش بهم ولأجلهم، فالله جعل بالتناسل سنة في خلقه للحفاظ على النوع الإنساني المأمور بإعمار الكون، فهم للكون ورثة.

والمعروف في المروي والمأثور من الحديث حب النبي محمد صلى الله عليه وسلم لحفيديه الحسن والحسين وملاعبته لهما وحملهما على ظهره الشريف، فكان بذلك قدوة المسلمين، والحقيقة أن المشاعر الانسانية تلقائية الميل إلى حب الأحفاد بعد مرحلة حب الأبناء.

في لحظات سريعة للتعبير عن فرحه لتواجده معنا، يقلب صغيرنا يزن الأجواء التي ملت سكونها وهدوءها إلى سعادة غامرة ملأى بالأصوات المحببة، تعبؤنا بابتسامات فرح تغمره هو ويغمرنا معه ليثير بالأجواء عبقا فواحا يعطر لحظاتنا بروعة الالتقاء، ويتخذ ممارسات مسلية لأفعال نبيهة ومسلية ترفع وثيرة الايجاب بشعورنا، فننطلق لوهجها مرحين في موجة من الضحك السعيد، ولنكاته العفوية الطفولية نبدي شعورا باسماً يتبلسم الفلاح بسطوة الإرتياح.

وفي أوج انسجامه في ملاعبه معنا يزاول صغيري الشقلبة بفن واع مستعرضا قدراته بفخر، ويتراقص بجسمه الضئيل الخفيف بلولبية تحرك كامل قامته القصيرة وجسده الضئيل، تتماوج فيه اهتزازات استعراضية كأنه عجينة لينة فيما تتحرك أقدامة بحركات ايقاعية فنية نقرية سريعة ومتوازنة بالغة الجمال، تنصاع لرنيم لحن يفضله ويطلب سماعه، واضح أنه التقط هذه الحركات من الرسوم المتحركة أو من استعراضات على شواطئ نفسه جذلا، أو يلقي بنفسه في الفرق الفنية الأجنبية، فيه ما فيه من المواجد التي تنقش على جدران القلب احساساً وهياماً يموجان أحضاننا لنتلاقفة فيما بيننا وسط اتساع امتداد غبطتنا بضحكاته الممتزجة بضحكاتنا، فيعلق في أفق الحياة من هذا الصدى ترانيما تُغيث أرواحنا، وتبقي نبعها جاريا سلسبيلا عبر عالمنا، تسقي ثرانا وتلهب أفكارنا.

إن من كرم الله علينا أن منحنا من فضائله ما يوفر لنا السعادة، ويضيء فضاءاتنا بضياء الفرح والحبور، يجعلنا وسط أفراد أسرتنا محملين بالود الساطع والتفاهم الفالح، ومن كرم الأقدار علينا أن تصنع لنا من الحظوظ أجملها، ومن الأحداث أجلها، ومن المشاعر عوالم جميلة للحب والتماسك والارتقاء عاطفيا، وللألق احساسا ساطعا مُستداما، ومن كرم العمر علينا أن وفر لنا الوقت أطوله لنستمتع بجيل أحفادنا، وروعات وجودنا بينهم، وعطاؤنا لرسم الابتسامة النقية على مُحياهم، فشكرا لله أن جعل الإيجاب يطغى على السلب في منهج عيشنا، ورقي فكرنا، ونقاء تربيتنا، وأصالة قيمنا ونحن نورثها لأحفادنا.

إنه ارتداد حميد لجذور عميقة كشجرتي التين والزيتون المباركتين، يغور جذرهما بالأعماق لتعيشا للعطاء بلا توقف عمرا مديدا وثمرا غزيراً، ونفعا طويلا طيباً، يتربع على حدقتينا فتزداد بنا الرؤا وضوحا، ونزداد لله شكرأ وحمدا.


  • 1

  • hiyam damra
    عضو هيئة إدارية في عدد من المنظمات المحلية والدولية
   نشر في 10 فبراير 2022 .

التعليقات

Dallash منذ 2 سنة
جميل جدا بورك القلم والفكر وصاحبهما
1

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا