دولة الأرشيف (3) - الإجرائية ( ق.ق.ج) - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

دولة الأرشيف (3) - الإجرائية ( ق.ق.ج)

(دولة الأرشيف) سلسلة قصصية ساخرة على نمط (قصة قصيرة جداً)

  نشر في 22 غشت 2019 .

في مكتبه، وعلى كرسيه المبطن يجلس متأملاً مكتبه من حوله وينظر إلي أركانه كأنه يتعرف عليه لأول مرة:" أنا لا أحب الروتين .. آه اااف .. الروتين المكرر يثير في نفسي مشاعر القرف، هل تتخيل أن تفعل نفس الشيء كل يوم بنفس الطريقة لتؤدي نفس النتيجة! لقد كانوا قديماً يعدون ذلك من علامات الغباء لكن في هذه الأيام .. اااه هذه الأياام! .. أصبحنا نطلق عليها (إجرائية) .. هكذا! .. مصطلحات حديثة منمقة .. مصطلحات عصر السرعة والطيران و(الوقت مالٌ أنت مستغنٍ عنه) .. تعقيد الأمور هو سمة عصرنا، والتناقض هو أبرز أشكال تطوره،   كيف يصفونه بعصر السرعة وما زالوا يقرون تلك الأنظمة السقيمة الطويلة المطولة من سلاسل عنقودية من الإجراءات لا تكاد تنتهي عند حد! .. وفي حين أنهم يقدسون الوقت ويؤكدون دائماً على قيمته بل ويساوونه بالمال إلا أنهم أو من يهدرونه في تلك الاصطفافات الأزلية! ..  إنني أشعر في تلك الطوابير التي تصطف من وقتٍ مبكرٍ جداً في الصباح، لم أصدف يوماً أن حضرت تلك اللحظات الأولى يبدأ فيها تكون الطابور، أشعر بأنها لم تزل كذلك منذ ذلك الانفجار البدائي .. انفجار الكون الذي يتحدثون عنه في التلفزيون ونحن نعلم تماماً أنه لا يجب أن نصدق كل ما يقال في التلفزيون، لكن سواء كان هذا الانفجار -لا أعلم- حقيقياً أم لا .. فإنَّ الأكيد والأرسخ يقيناً هو أن تلك الطوابير حقيقة، وأنَّه يتوالد وينمو، تماماً كالثديات، التي نمثل -نحن البشر- أعلى مرتبة فيها، ولا يبعدُ عن فكري أنه -ربما- لم يرث أحدُ المواليد الحديثة عن جده وأبيه إلا مكانه في طابور .. حتى الحياة أحياناً نصفها بالطابور! .. لقد كرهت كل الأشكال الهرمية .. والأهرامات أيضاً .. لا حول الله! .. لقد ألجأونا إلى الغلط في الأسلاف .. رحم الله هؤلاء الأسلاف .. يكفي أننا لا نعلم أنه كان لديهم مثل هذه الأنظمة التي كدرت حياتنا .. لقد شوهوا صورة الأهرامات العظيمة في التاريخ بكثرة ما ربطوا بينها وبين تلك الطريقة .. تلك الطريقة التي يسمونها .. ماذا يسمونها؟! .. (بيروقراطية)!! .. أنا أراهن أننا ننطقها حتى نطقاً صحيحاً.

المشكلة الكبرى أن ورا ء هذه الداهية -التي لا أعرف كيف أنطقها- علماء ومتخصصين في علوم الإدارة والتنظيم .. الأدعياء .. ولم يكتفوا هؤلاء الجبناء بذلك بل بدأ يسوقوا لها .. آه من هؤلاء المتخصصين المتخلفين! .. وعددوا محاسن تلك الطريقة وأكدوا علة ضمان صحة العمل وعدم التلاعب والتنظيم الجيد .. وغيرها من الكلام الفارغ .. ولتكتمل الطبخة، أضافوا نكهة الضرورة من ملح الواقع، لكي يُشرب السم مريئاً؛ فلا أحد يشرب السم إذا كان طعمه سماً! .. لقد سربوا في عقولنا تبريرات سمجة لتسويغ قبولنا للطريقة الجديدة كعلم مؤسَّس وآلية عملية! .. مثل التضخم السكاني .. رغم أن ذلك أدعى لتقليل الإجراءات وزيادة سرعة إنهاء مصالح الناس .. خصوصاً في حر الصيف .. اففف تلك الروائح العفنة .. ما أدراك! .. فألا ينتبه هؤلاء إلى أن نتيجة تلك الطريقة أصبح لدينا تضخماً في الجهاز الحكومي حيث زادت أعداد الموظفين في الحكومة بزيادة عدد الإجراءات!! فالواحد منا الآن إذا أراد أن يجدد بياناته التأمينية ؛ فعليه أن يحصل على ما يقرب من ستة أختام على نفس الورقة!"

صوت طرق الباب قطع حبل حديثه النفسي .. "ادخل" قالها بصوتٍ عالٍ ليسمعه من وراء الباب .. دخلت حسناء بيدها أوراق: "الطابور في الخارج قفل الطريق العام .. هل أبدأ في إدخال الناس؟!"



   نشر في 22 غشت 2019 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا